من أحياها فقد أحياني | كلمة أ د علي جمعة في احتفال العام الهجري 1439 هـ

بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. أصبحنا بعد غروب هذا اليوم في يوم جديد وفي شهر جديد وفي سنة جديدة. وغدًا في يوم الجمعة عيد في السماء، وغدًا أول المحرم دخلنا فيه الآن، وهو من الأشهر الحرم، وغدًا بداية
سنة. جديدة ندعو الله سبحانه وتعالى أن يمن علينا فيها بالسلام وهدوء البال وأن يصلح الحال وأن يطمئن القلوب وأن يصرف عنا السوء بما شاء وكيف شاء وأن نشاء فهو على كل ذلك قدير لا رب سواه ولا نعرف إلا إياه ولا نعبد إلا إياه مخلصين له الدين ولو كره الكافرون وهذه السنة تذكرنا بهجرة رسول الله فنحتفل بها في بداية العام، وقد
اعتمدها سيدنا عمر عندما اختار أول المحرم بداية للعام. سيدنا عمر الذي أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتبعه فيما يسن لنا فقال: "فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ". والناجذ هو السن الذي ندعوه بضرس العقل وهو في منتهى الفك، عضوا عليها بالنواجذ، يعني تمسكوا بها تمسكاً
شديداً. لم يقصر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يعلم بوحي ربه إليه، أن الناس ستختلف، وأن الزمن سيتطور، وأن رقعة الأرض ستتسع للمسلمين، حتى أنه قال صلى الله عليه وسلم: "زُويت لي". الأرضَ فرأيتُ مشارقَ الأرضِ ومغاربَها حتى رأى الإسلامُ يدخلُ في كلِّ بيتٍ وقد كان، فصلَّى اللهُ على سيدنا النبيِّ. سيدنا عمرُ كان رجلَ حياةٍ، لم يكن ضدَّ الحياةِ، وكان
رجلَ دولةٍ فبنى دولةً وعلَّمنا كيف نفكرُ وكيف نتخذُ منهجاً يصلحُ لكلِّ زمانٍ ومكانٍ، فظلَّ الإسلامُ صالحاً لكلِّ زمانٍ ومكانٍ. جرّاء ما أسسه عمر رضي الله تعالى عنه مع جماعة الخلفاء الراشدين المهديين من بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، حتى نبتت النابتة وأراد كل واحد أن يحيا زمن النبي وأن يغلق على نفسه ما فتحه الله له، حتى أنهم - والعياذ بالله تعالى - يلومون على هذا الاجتماع المبارك الذي نحتفل به بسيدنا
ونستمع فيه إلى المدائح كما كان يحب أن يستمع إلى المدائح من حسان بن ثابت. تدهورت أحوال النابتة حتى أنكروا المعروف وعرفوا المنكر ورأوا الظلام نوراً ورأوا النور ظلاماً، فإنا لله وإنا إليه راجعون. يكفينا ربنا، حسبنا الله ونعم الوكيل. فرحة المسلمين بهجرة رسول الله وطاعة المسلمين لمنهج عمر. وتذكر المسلمين لمعنى الدولة ولمعنى السنة الحسنة
ولمعنى أننا قد كُلفنا بمنهج النبي وليس بزمن النبي يجعل المسلم يعيش عصره ويخدم بلده، ولكن منهج النابتة والعياذ بالله تعالى وقعوا في تناقضات واحتاروا حيرة ما بعدها حيرة، فمرة يحرمون الصورة ومرة يجعلون من الصورة وكأنها شعائر تُتبع، ومرة ينكرون العلوم ومرة يقرؤون العلوم حتى أن بعضهم أنكر دوران الأرض، وبعضهم أنكر لأنه يعيش التناقض،
أنه لا يجوز للمرأة أن تقود السيارة. لماذا؟ لأن رجل المرور يرى أن المرأة على النصف من عقلها، وأنه كلما رأى شخصًا معه نصف عقله ونصف عقله الآخر ضائع، فإنه لا يجوز له قانونًا أن يمنحه الرخصة. حسبنا الله ونعم الوكيل، حسبنا الله ونعم الوكيل. أهانوا الدين وأهانوا الطفولة وأهانوا البيئة وأهانوا المرأة، وجعلونا في صورة يضحك منها الكافر والمؤمن. ولذلك
وصفهم رسول الله فقال: "الخوارج كلاب أهل النار"، وهم مسلمون شاهدون بأن لا إله إلا الله، بل بعضهم مخلص وعمله تام، قال: "تحقرون صلاتكم إلى صلاتهم". وصيامكم إلى صيامهم، نحن لا نبحث في النيات ولا نعترض على الأعمال إلا إذا انحرفت عن نهج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. فإذا رأينا من أفعالهم سفك الدماء وغباوة الفكر وسوء المنهج والفساد في الأرض رفضناها، فيقوم أحدهم يقول: "أدخلت في نيتي؟" لا يا أخي، أنا لم أدخل.
في نيتك، بل إنني رأيت عملك، وعملك هو عمل المفسدين، فاللهم يا ربنا صلِّ وسلم وبارك على سيدنا النبي الذي نجتمع عليه في الدنيا، فاجمعنا عليه في الآخرة. يحضر هذا المجلس المبارك بعض أهل اليمن وبعض أهل الشام، وعندنا في مصر يقولون لك: ما هذا؟ لماذا؟ والشامي والمغربي، ونحن عندنا الإجابة. سيدنا النبي الذي جمع الشامي والمغربي، هو سيدنا النبي، فمن هو الذي جمع الشامي والمغربي؟ سلَّم الشامي على المغربي، سيدنا النبي، سيدنا النبي. فنسمع في
مدح سيدنا النبي ما يجلو القلوب إن شاء الله. وكان سيدنا صلى الله عليه وسلم يحب الصوت الحسن، ولما رأى عبد الله بن زيد. في منامه الأذان قال علّمه بلالاً فإنه أندى منك صوتاً، فكان يحب الصوت الحسن، وكان يحب أن يسمع القرآن من عبد الله بن مسعود، وكان كلما سمع منه يقول: هكذا نزل، وكان يحب أيضاً أن يسمع من أُبي بن كعب، وأُرتج عليه صلى الله عليه وسلم مرة في القراءة
في. الصلاة حتى يعلمنا، فبعد ما انتهى التفت إلى أبي وقال: "ألم تكن في الناس يا أبي؟" يعني لماذا لم تردنا؟ لماذا لم تفتح علي؟ "ألم تكن في الناس يا أبي؟" فكان من الصحابة الكرام من هو رقيق الحاشية كحسان بن ثابت، ولما دخل يمدحه ابن زهير بن أبي سلمى فرض. له عباءته فسُمِّيت هذه القصيدة بالبردة لأن بردة الرسول قد فُرِدت لهذا الذي كان هناك شيء بينه وبين النبي ولكن جاء معتذراً بهذه القصيدة "بانت سعاد" فالقلب
اليوم متيم. اللهم يا ربنا أحينا مسلمين وأمتنا مسلمين غير خزايا ولا مفتونين وعلمنا سنة سيدنا النبي واجعلنا ننهل من علومه ومما أوحيت إليه. به وممّا فتحت به على عبادك الصالحين آمين آمين، ولذلك فما نصنعه الآن هو إحياءٌ لسُنّة النبي صلى الله عليه وسلم، وفي النسخة المعتمدة من سنن الترمذي حديث "من أحيا سنتي فقد"، وفي النسخة المطبوعة "أحبني"، وفي
النسخة الصحيحة المروية "فقد أحياني"، فاللهم يا ربنا أحي بنا سُنّة النبي المصطفى. صلى الله عليه وسلم