من قطع سدرة | مع حديث رسول الله | برنامج مجالس الطيبين موسم 2010 | أ.د علي جمعة

من قطع سدرة  | مع حديث رسول الله | برنامج مجالس الطيبين موسم 2010 | أ.د علي جمعة - حديث, مجالس الطيبين
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. أيها الإخوة المشاهدون، أيتها الأخوات المشاهدات في كل مكان، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً ومرحباً بكم في حلقة جديدة من حلقات مجالس الطيبين في هذا الشهر الكريم. معنا حديث عن سيدنا رسول الله. صلى الله عليه وسلم، الحقيقة أنه حديث أنا أراه عجيباً وأراه وكأنه من دلائل النبوة. الحديث عندما قرأته
تفتحت لي معانٍ أحب أن أشارككم فيها. يقول الحديث: "من قطع سدرة صوب الله رأسه في النار". السدرة هي شجرة، ويقال إنها شجرة النبق، الذي نعرفه هذا. وفي القرآن تكلم... في سورة النجم ذُكِرت سدرة المنتهى وكأنها شجرة في منتهى الكون بجوار العرش في الملأ الأعلى، وشجر النبق
ينمو عادة في الصحراء، فالإنسان وهو يسير في الصحراء يحتاج إلى الظل، والإنسان وهو سائر في الصحراء يحتاج إلى الراحة، وقد يحتاج أيضاً إلى استعمال أجزاء هذه الشجرة: الثمرة، والشوك، والليف. الأغصان والأوراق وورق السدر كانت من الأدوية الطبية التي لها تأثيرات فعالة ضد بعض الأمراض. كان السدر
يوضع أيضاً في الماء الذي يُغسل به الميت، فله فوائد طبية وفوائد تفيد جسم الإنسان. الحديث قوي جداً، وأنا لا أريد أن أقول أنه شديد لأنه في الحقيقة علمنا علم محترم وهو. جريمة قطع الأشجار، أي أن قطع الأشجار أصبح جريمة بهذا الحديث، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتكلم عن السدرة التي في الصحراء
فقط. والسدرة أيضاً كما أنها تُطلق على شجر النبق، فإنها قد تُطلق أيضاً على أي شجر كان. والحديث مطلق، لم يقل "من قطع سدرة في فلاة صحراء في بادية في بيداء، أبداً ما قال هكذا الحديث. يقول: "من قطع سدرة صوب الله رأسه في النار". يعني صوب الله رأسه في النار. تشعرني بالعقوبة، تشعرني بالغضب، تشعرني أيضاً بالتأديب. كان هذا الذي عبث واعتدى على الشجرة وقطعها من غير سبب معقول. ما هو من الممكن أن يقطع لأنها تحتاج إلى هذه القطع لأنها
تؤذي الطريق لأنها مثلا يريد أن يستبدل بها شجرة أخرى يعني هناك غرض نافع والسدرة هذه تشعرني أيضا بأنها شجرة ورقاء يعني فيها ورق فيها حياة وتشعرني أنها شجرة مثمرة كلمة سدرة نفسها تشعرني بهذه ولذلك اختيرت للتعبير عن تلك الشجرة التي في منتهى الكون سدرة المنتهى وعندها جنة المأوى إذ يغشى السدرة ما يغشى. من قطع سدرة صوب الله رأسه في النار. إذاً هذه قاعدة
كبيرة للحفاظ على الأشجار. وإذا كان هناك اهتمام بليغ من رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحفاظ على الشجر، فهناك اهتمام بليغ عجيب بإنشاء وإنبات الشجر. فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا جاءت الساعة وفي يد أحدكم فَسيلة" - والفسيلة هي النبتة التي إذا وضعتها نبتت شجرة - "فليغرسها إن استطاع"، يعني كأن غرس الشجرة فيه ثواب في حد ذاته حتى لو لم تنفع الناس، فما بالك لو نفعت؟ القيامة آتية وهي قادمة عليَّ،
وأنا أرى الدمار الشارع وهو قادم على قوم ازرع الفسيلة لأن هذا سيكون لي به ثواب عند الله سبحانه وتعالى، ثم يأتي هنا ويقول: "من قطع سدرة صوب الله رأسه في النار". المسألة قوية جداً، أنا لا أريد أن أقول شديدة، لكنها فعلاً أدت إلى الأمور التالية أنه يجب علينا أن نزرع الشجرة. يجب علينا أن نحافظ على الشجرة لوجه الله، فهذا ثواب من عند الله. هذا هو ديننا، هذا هو معنى حياتنا. بعض الاهتمامات تأتي للشباب فيتكلم عن اللحية والغناء وتقصير الثوب وكذا
وينسى هذه الأشياء بالرغم من أنها أقوى، ويهتم بنفسه. هناك أنانية. تعرف أن الذي يزرع شجرة هو... ليس أنانياً يريد أن يفيد الغير ولكن الذي يسأل عن هذه المسائل، وهذه المسائل لها إجابات وموجودة في الدين ولها أحكام ولها أحاديث، ولكن لماذا - وهذا هو السؤال - يغيب ذهننا عن نفع الناس ونفع النفس ونفع المجتمع ونفع الأجيال القادمة؟ هذه الشجرة تتجاوز الزمان، فلا أموت أنا وهي كثيرة تموت وهي مستمرة، حديقة الأرمان أنشأها الخديوي إسماعيل، أي منذ أكثر من مائة وستين سنة، وهي
ما زالت موجودة إلى الآن. هذه الأشجار تُعمَّر، وكان للأمير محمد علي في قصره حدائق كثيرة باقية إلى الآن بعد هذه الأعمار الطويلة من السنين. الشجرة تبقى من بعدي فهي أنفع، فلماذا؟ دائماً يفكر بعضنا فيما يخصه وحده كأنه يريد أن يخاصم الناس وأن يخاصم الكون وأن يخاصم من بعده من الأجيال. كل هذا توارد في ذهني عندما قرأت هذا الحديث مضموماً إلى
حديث آخر يقول فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من مسلم يغرس غرساً إلا كان ما أُكِل". منه له صدقة، خرج نعناع، خرج قمح، خرجت خضراوات، خرج أي شيء، وبعد ذلك أكلوا منه. من الذي أكل؟ أي أحد أكل: البهيمة أكلت، الطير أكل، الإنسان أكل، حسب الحال. فإن هذا الذي كأنه ملكه هو، زرع هذه الزراعة أو أنبت هذا النبات، فهذا الناتج ملكه. وعندما أخذه الآخر، والآخر... هم هنا - طير أو حيوان أو إنسان - تُحسب له صدقة، وما سُرق
منه له صدقة. قد يأتي أحدهم ويقول لي: "لا، هذا أنا صنعته لأولادي"، فإذا سرق منه أحد ليأكل، فالسرقة حرام وعليه وزرها، وهو صاحب المال لا يحزن كثيراً لأن هذا أخذ صدقة بهذا الشكل. أرأيت هدوء نهينا عن الصدق عن السرقة وجعلناها جريمة وجعلنا بإزائها حداً وصل إلى قطع اليد، فالسرقة حرام، ولكن الطرف الثاني أي المسروق منه قلنا له: اهدأ، فإن ما أُخذ منك لم يُؤخذ هكذا عبثاً، بل إنه أُخذ ولك به صدقة، وما أكل السبع منه فهو لك صدقة. السبع هنا... يُطلق على كل حيوان
بهيم في اللغة العربية اسم "سبع"، وما أكلت الطير منه فهو له صدقة، ولا يُصيبه أحد إلا كان له صدقة. "رزأ" تعني أصاب، أي شيء تكون فيه مصيبة. يعني إذا جاء شخص واستولى عليها، أو جاء آخر ووضع يده عليها، فهذا أيضاً له صدقة، كأنه يرشدنا. إنما سيجري على هذا المنتَج حتى ولو بالخطأ من سرقةٍ أو من عدوان بهيمةٍ أو من عدوان طيرٍ أو من عدوان معتدٍ، أيضاً الصدقة ثابتة، فكأنه يحثُّنا أن نفعل هذا لأنَّ كلَّه
خير، إن استفدنا نحن بها فخير، وإن أخذه الناس هديةً فخير، وإن تسلَّط عليه متسلِّطٌ فخير، وإن أخذه. شيء من الطير والحيوان فخير، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: "من نصب شجرة فصبر على حفظها والقيام عليها حتى تثمر، كان له في كل شيء يصاب من ثمرتها صدقة عند الله". يعني هنا أصبحت مسألة واضحة جداً، ولكنها تشير إلى أن الزراعة تحتاج إلى صبر. رأينا مشاريع كثيرة حتى. في بعض البلدان يوجد يوم للشجرة، ثم بعد ذلك لا تُكمل الاهتمام بها. فالحكمة النبوية هنا:
"من نصب شجرة فصبر على حفظها والقيام عليها حتى تثمر". هنا يكمن المغزى، وهو قضية الصبر على الزراعة، لأن الزراعة تحتاج فعلاً إلى صبر وإلى مثابرة. يا رب وفقنا إلى ما تحب وترضى، وإلى السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    من قطع سدرة | مع حديث رسول الله | برنامج مجالس الطيبين موسم 2010 | أ.د علي جمعة | نور الدين والدنيا