من معاني الحياة الطيبة في قوله تعالى : " فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً " | أ.د علي جمعة

قال تعالى: "من عمل صالحا من ذكر أو أنثىٰ وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ۖ ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون"، إذن الحياة الطيبة هي السعادة، هذه هي الحياة الطيبة وسعادة الدارين، أي دار الدنيا لأنها قريبة منا، ودار الآخرة لأنها مؤجلة عنا، سنذهب إليها بعد الالتحاق بالرفيق الأعلى والذهاب الله سبحانه وتعالى نرجو من الله السلامة في الدارين أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم في التفسير
عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهم في قوله حياة طيبة قال السعادة ومن هنا صدرنا بتلك الآية العظيمة التي تتعلق في القرآن بموضوع هذا اللقاء في ذلك اليوم الأغر يقول في تفسيره ثم ما تلك الحياة الطيبة فإنه لا يعرف بالنطق أي من جهة اللغة أي بأن نتكلم بكلمات وبجمل نفسر فيها هذه الحياة الطيبة وإنما يعرف بالذوق يعرف بالشعور يعرف بما وراء اللغة يشعر به الإنسان ويعيش فيه لكنه لا يحسن التعبير عنه
فقوم قالوا إنها حلاوة الطاعة فتكون هو يعرف بالذوق لكن بالرغم من ذلك فإن قوما أرادوا أن يحددوه أن يضعوا له تعريفا فقالوا هو حلاوة الطاعة وقوم قالوا إنه الرضا وقوم قالوا إنه النجوى وقوم قالوا إنه نسيم القرب نسيم القرب من الله سبحانه وتعالى فالإنسان يشعر بالحنان ويشعر بالأمان ويشعر بالهدوء النفسي ويشعر بالتوكل على بالله وبالتسليم وبالرضا يشعر بما قاله بعض العباد نحن نشعر بسعادة
لو عرفها الملوك لقاتلوا عليها فهذا نسيم القرب يقول القشيري والكل صحيح كل هذه المعاني التي تناولها العباد والمفكرون والعلماء كلها صحيحة ولكل واحد أهله يعني نحن نستشعر السعادة من جهات مختلفة بعضنا يستشعر أنها الطاعة بعضنا يستشعر أنها القناعة اللهم اجعل الدنيا في أيدينا ولا تجعلها في قلوبنا، بعضنا يستشعر أنها نسيم القرب، بعضنا يستشعر أنها النجوى، بعضنا يستشعر أنها الرضا، ولكل واحد
أهل ويقال الحياة الطيبة ما تكون إلا مع المحبوب، إذا فالمعية هنا هي السعادة، المحبوب ومحبوب الكل هو الله سبحانه وتعالى، قل إن كنتم تحبون فاتبعوني يحببكم الله، إذا فالحبيب الأعلى والأتم هو سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ومن هنا فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو إلى امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه، فمنا من وسع بأن جعل الله سبحانه وتعالى هو المحبوب وجعل وسيلة الاتصال بيننا وبينه
وهو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو المحبوب وطبق قوله تعالى قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ومن ضيق فجعل امرأة يتزوجها أو دنيا يصيبها من مال من ولد من جاه من نحو ذلك هو المحبوب فندعو الله سبحانه وتعالى من أجل أن نحصل على سعادة الدارين، أن نجعل الله ورسوله المحبوب. يقول القرطبي في تفسيره عن معنى الحياة الطيبة، قال سهل بن عبد الله التستري: هي أن ينزع عن العبد، أن ينزع الله يعني عن العبد تدبيره
ويرده إلى تدبير الحق. وكان جعفر الصادق رضي الله تعالى يقول هي المعرفة بالله وصدق المقام بين يدي الله سبحانه وتعالى، وقيل هذا كلام القرطبي: الاستغناء عن الخلق والافتقار إلى الحق، وقيل الرضا بالقضاء. هذا الكلام للإمام القرطبي كلام عال جدا، ولكن يحتاج منا أن نقف عند أنه تفسير لكلمة "لا حول ولا قوة إلا بالله". من أدرك بعمق معنى لا حول ولا قوة إلا بالله فإنه يخرج من تدبير نفسه إلى تدبير ربه فيحدث له التسليم ويحدث له الرضا ويحدث له حسن التوكل وتحدث
له أشياء كثيرة فسرها ابن عطاء الله السكندري رضي الله تعالى عنه في حكم ابن عطاء، حكم ابن عطاء أكثر من مائتي حكمة، مائتان وثلاث. عشر حكم ولكنها جميعا وكأنها تفسر "لا حول ولا قوة إلا بالله"، "لا حول ولا قوة إلا بالله" كلمة من كلمات الإسلام وفي البخاري "لا حول ولا قوة إلا بالله كنز من كنوز عرش الرحمن"، إذا فنحن أمام عنوان أمام مفتاح نستطيع به أن نصل إلى هذه الحالة إلى أن نرى الله سبحانه وتعالى في كل شيء