مهمة الإنسان في الكون - درجات المعرفة #1 | ا.د. علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم، تحية لكم مشاهدينا الكرام، أرحب بحضراتكم في أولى حلقات برنامج "درجات المعرفة"، هذا اللقاء الطيب الذي سيجمعنا يومياً إن شاء الله بفضيلة العالم الجليل الأستاذ الدكتور علي جمعة. كما تعودنا دائماً من فضيلته، فإنه والحمد لله خلال الفترة الماضية والسنوات الطويلة الحقيقية كان لفضيلة الدكتور جهد. كبير في إثراء العقلية المسلمة وإنارة عقل الإنسان المسلم لكي يرى الطريق أمامه بشكل صحيح، واليوم إن شاء الله وفي قادم الأيام مع فضيلة الدكتور ومن خلال هذا البرنامج ستكون هناك معالم طريق واضحة أمام المسلم لكي يستطيع أن يفرق بعقله وأن يستعمل أدوات العقل التي وهبها الله سبحانه وتعالى. إياه لكي يتعرف على الطريق الصحيح وبالتالي يصل إلى مراد الله سبحانه وتعالى من الخلق
وهو إعمار الدنيا وأن يكون الإنسان على الطريق الذي يرضاه الله سبحانه وتعالى. اسمحوا لي بعد أن أرحب بحضراتكم، أرحب بفضيلة الإمام العالم الجليل الأستاذ الدكتور علي جمعة. أهلاً بفضيلتكم مولانا، أهلاً وسهلاً. نحن سعداء بوجودك معنا، أكرمك الله وبارك فيك، أهلاً وسهلاً، أتشرف بكم. حفظك الله يا مولانا. في الحقيقة، الحلقة الأولى من هذا البرنامج في هذه الأيام الطيبة ستكون عن ماهية خلق الإنسان، لماذا خلق الله سبحانه وتعالى الإنسان. ربنا سبحانه وتعالى خلق الإنسان وسخر له كل ما في الكون من مخلوقات ولم يخلق الإنسان عبثًا ولا باطلًا إنما كان لمشيئته فضيلة. الدكتور، لماذا خلق الله سبحانه وتعالى الكون ككل؟ مجمل بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. الله سبحانه
وتعالى علمنا في كتابه المنزل القرآن الكريم علمنا الإجابة على هذا بصورة. واضحة وهو أنه قد خلق هذا الكون من أجل عبادته، والعبادة لها مفهوم واسع يشمل مناحي عدة تنظم العلاقة بين الإنسان وربه، وبين الإنسان والكون، وبين الإنسان ونفسه. هذا المعنى الواسع يقول ربنا سبحانه وتعالى فيه: "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون"، وهذا الأسلوب في اللغة العربية. يُسمى بأسلوب القصر أي أن هذا هو الهدف الوحيد: العبادة، ولكن إذا اختزلنا العبادة في الصلاة والصيام والزكاة والحج سنكون في مشكلة كبيرة.
ولكن العبادة كما يريدها الله سبحانه وتعالى، العبادة تشمل نفع الآخرين، "وافعلوا الخير لعلكم تفلحون". العبادة، "وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن"، عبادي، يعني انظر وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن، فإذا كانت العبادة لها مفهوم واسع، وعند اختزالها إلى المفهوم الضيق يحدث عدم فهم للنصوص. "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون"، وهذه العبادة تنظم العلاقة بين العبد وربه، نظمها الله في الإسلام على أبدع ما يكون وعلى أكثر ما يكون تفصيلاً من كل الوحي. الذي أنزله على أنبيائه عبر الظهور وكرّ العصور، نعم علّمنا كيف نصلي،
كيف نصوم، وكيف نحج، وكيف ننفع الناس بالزكاة، وكيف نشهد شهادة الحق الذي بُني عليها هذا الكون أنه لا إله إلا الله، وكيف نعترف بالفضل والمنة وأن محمداً رسول الله، كيف نذكره، كيف ندعوه، كيف نكفّر عن آثامنا. كيف نبدأ من جديد وكل ابن آدم خطّاء وخير الخطائين التوابون؟ كيف نحسن خلقنا؟ كيف نعيش حياتنا؟ كيف نحصل على سعادة الدارين وليست سعادة دار واحدة؟ هناك من الناس من يقول: ربنا آتنا في الدنيا وما له في الآخرة من خلاق، ومنهم من يقول: ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي حسنة تجمع بين الاثنين سعادة الدارين وتقينا عذاب النار، إذاً فالعبادة لها مفهوم، وهذا المفهوم
يجب أن نصححه في أذهان الناس بحيث لا ينصرف الذهن مباشرة إلى جزء بسيط من العبادة أو إلى ظاهر العبادة ويترك محتواها. نعم، ونتكلم أن هذا مع أهميته باعتبار أنه الإناء - الصلاة والصوم وما آخر كل هذه العبادات هي وعاء يوضع فيه مراد الله سبحانه وتعالى من كونه، فماذا أراد؟ "إني جاعل في الأرض خليفة". وهذا هو المعنى الثاني الذي هو مضمون العبادة، الذي يُحفظ في العبادة، والذي لن نتوصل إليه إلا بتلك العبادة. ولذلك هذه فروض لن نتركها حتى لو سرحنا في... صلاتي حتى لو لم أخشع فيها، فلعل الصلاة أن تنهاني يوماً، إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، ولذكر الله أكبر. فحتى
أصل إلى أني جاعل في الأرض خليفة، هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها، يعني طلب منكم عمارتها. الألف والسين والتاء تدخل للطلب، نعم تدخل لأنه يطلب. مني أن أعمرها فهذا يعني إذا طلب العمارة فهذا تكليف علي ويجب أن أعمر الأرض. وقد وضح لي في الوحي كله كيفية إعمارها وما هو الصلاح وما هو الفساد. وأيضاً "قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها، ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها، قد أفلح من زكاها وقد خاب دَسَّاها يعني وهديناه النجدين يعني أننا أرشدناه إلى الخير والشر، إلى الحق والباطل، وجعلنا ما
يتوصل به إلى هذه الحقائق هو العقل. فوهبنا له عقلاً وأسقطنا التكليف عمَّن لا عقل له. فالصبي الصغير الذي لم تكتمل معلوماته أُسقط عنه التكليف، والنائم الذي لا يصله الخطاب أُسقط عنه التكليف، والذي سلَبَه الله العقل لمرضٍ أو لعاهةٍ أو لغير ذلك وإلى آخره، أسقطَ عنه التكليف، وبالتالي ما دون الإنسان من سائر المخلوقات والحيوانات والجماد، كل هذا غير مكلف لأنه ليس لديه عقل. خرج عن نطاق تحمل الأمانة لأنه ليس لديه عقل، والعقل مناط التكليف، لكنه يظل عبداً لله، وإن من شيء. إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم. نعم، هذا الخشب يسبح، وهذا الحديد يسبح، وهذا الطوب يسبح، فالكائنات كلها تسبح.
وهذا يجعل وضعاً تفاعلياً بين الإنسان وبين الأكوان، لأنني أحترم حتى الجماد. ولذلك أهل الله، ممن سلكوا بنا الطريق إلى الله، من الأدب عندهم أنك لا تطرق الباب بشدة. وأنت تخرج خلفك هكذا لأنه يسبّح فيجب عليك أن تغلقه برفق، فنحن نتعامل مع كون حي وليس مع كون فيه تفاعل، مع كون أريد أن أسير في تياره. التيار ماذا يفعل؟ تيار، والشمس والقمر يسجدان عبادة، إنه طيار. إن كل ما حولي هذا من شجر أو بقر أو أنهار أو... بحار أو ما شابه يسبّح الله سبحانه وتعالى، هذا المفهوم
الواسع هو الأساس للمدخل في تعاملنا مع البيئة. صحيح أن الذين يهتمون يحاولون أن يفصلوها، أن يجعلوا حقوق الإنسان شيئاً ويجعلوا البيئة شيئاً آخر، لكن في المفهوم الإسلامي هو شيء واحد. ولذلك المفهوم فيه رؤية شاملة كلية تجعل العبادة تندرج وتجعل العمارة والتزكية من أركان العبادة، وأصبحت هذه العبادة تنظم العلاقة بين الإنسان وربه، والإنسان ونفسه التي هي الأخلاق، والإنسان وكونه في أسس العمارة. نعم، مولانا. طيب، هل أفهم من كلام فضيلتكم أن العقل هنا هو الأساس؟ إذا حَسُنَ وصَلُحَ العقل، صَلُحَ عمل الإنسان وطريقه الذي يسير فيه، وبالتالي... هل نستطيع أن نقول أن هناك أسسًا من خلالها يستطيع الإنسان أن يدرب
عقله أو أن يضع عقله وتفكيره على الطريق الصحيح؟ العقل مهمته التلقي والإدراك، مهمته ربط المعلومات وحفظها واسترجاعها وأداؤها، مهمته الفهم العميق والابتكار والإبداع. ليس من مهمته الإنشاء ولكن من مهمته التطبيق وإحسان هذا التطبيق. أنا الآن... عندي كتابان: كتاب الله المسطور وهو الوحي القرآن، وكتاب الله المنظور وهو الكون، وكلاهما قد صدر عن الله سبحانه وتعالى. هذا من عالم الخلق الذي هو الكون، وهذا من عالم
الأمر. فالله سبحانه وتعالى عندما صدر منه الكتابان: الكتاب المسطور والكتاب المنظور، جعل هناك كتاباً ثالثاً لإدراكهما وهو الكتاب المقدور. نعم وأصبح لدينا ثلاثة كتب: الكتاب المقدور الذي هو الإنسان، والكتاب المسطور الذي يترجم مراد الرحمن، والكتاب المنظور الذي هو الأكوان بموازينها. فها هي: الرحمن والإنسان والأكوان شكلت هذا المثلث. حسناً، بإذنك فضيلتك مولانا، نخرج إلى فاصل وبعد الفاصل نبدأ في قراءة هذه الكتب الثلاثة إن شاء الله. اللهُ، إنْ شاءَ اللهُ كونوا
معنا. أهلاً بحضراتكم مرةً أخرى مشاهدينا الكرام، ونستكملُ هذا الحديثَ الطيبَ مع فضيلة الأستاذ الدكتور علي جمعة. أهلاً بكم مولانا مرةً أخرى. وكنتَ قبل الفاصل تتحدثُ عن الكتب الثلاثة: كتاب الله المسطور، وكتاب الله المنظور، وكتاب الله المقدور، أليس كذلك؟ نعم بلى، تفضل مولانا. كتاب المقدور هو الإنسان، والإنسان كما قلنا إنَّ الله سبحانه وتعالى وهب له عقلاً يتلقى ويفهم ويحفظ ويسترجع ويؤدي ويربط المعلومات ويبتكر ويبدع ويتعلم، وكل هذا وُضِعَت له أسسه ومفاتيحه في كتاب الله المسطور وكتاب الله المنظور أيضاً، وجعل الكتاب المسطور والكتاب
المنظور مصدراً للمعرفة، ولذلك فهما لا يتعارضان إطلاقاً. لأن الثلاثة من عند الله، ألا له الخلق والأمر، تبارك الله رب العالمين. انظر كيف أن له الخلق الذي هو الأكوان، وله الأمر الذي هو القرآن. كيف سيتعارض القرآن مع حقائق الأكوان؟ يعني يا مولانا، أستطيع أن أقول إنه الدين والدنيا، الدين والدنيا، العلم والمعرفة. قُل ما تقوله، لا يوجد لم يمر المسلمون قط بما مرت به أوروبا عندما اصطدموا بمنتجات جاليليو، نعم جاليليو وكوبرنيكوس عندما جاءوا واكتشفوا دوران الأرض واكتشفوا بالتلسكوب المجرات العالية وما إلى ذلك. عندما فعلوا ذلك اصطدموا
بمقررات كانت موجودة في الكنيسة حينئذ، لدرجة أنه في التاريخ في القرن التاسع عشر، شيء اسمه بسنت ماذا. بالنسبة إلى هذا الخطاب البابوي، فإن البابا في كل حين يصدر خطابًا يشرح فيه توجهات الكنيسة. ففي خطاب ما، والخطاب يسمى بأول عبارة فيه، سنة خمسة وتسعين كان اسم الخطاب "روعة الحقيقة" لأن أول كلمة فيه هي "روعة الحقيقة" كذا "بسنت" هذه كلمة لاتينية يمكن أن يكون معناها أي سُمي الخطاب بـ"بسنت" مشهور في الأوساط. "بسنت" حُرِّم فيه سبعون علماً، سبعون علماً، نعم، هذا من منظور مخالفتها
للنص، الذي هو الكتاب المسطور، الذي هو الكتاب المسطور. نعم، هذه مشكلة، ولذلك بدأ الجماعة الألمان في إنشاء علوم تحاول أن تفك هذا التناقض وسموها الهرمنوطيقا، إنه يريد أن يصنع تناغماً واتساقاً بين الكتاب المسطور والكتاب المنظور، لأن هناك مشكلة أن هذا الكلام لا تجده في القرآن. صحيح أن القرآن إعجازه أنه مع كل سقف معرفي يصل إليه الإنسان، كلما وصل الإنسان في إدراك حقائق الكتاب المنظور، استوعب هذا وتحمله الكتاب المسطور، ومن هنا يأتي الانبهار. وهناك من يقول لك إن الإعجاز العلمي هو إعجاز علمي، لكن القرآن
ليس فيه الإعجاز العلمي بمعنى أننا كلما نرى اكتشافاً أو اختراعاً نقول إنه مذكور في القرآن. ليس هذا هو الإعجاز العلمي. الإعجاز العلمي هو أنك عندما تصل إلى الحقائق المسلّمة في الكون لا تجد النص مخالفاً لها، سبحان الله ليس راضياً أن يخالف، فهذا من عند الله الذي يعلم ما خلق، وهو الذي خلق الكون وهو اللطيف الخبير. إنه يعرف ما سيكون وكيف سيتم وما سيحدث فيه. وبما أن المقدور والمسطور والمنظور من عند الله، نعم، ولأنها من عوالم مختلفة، فهذا من عالم الخلق وهذا من عالم... الأمر جعلنا نقول إن القرآن متجاوز للزمان والمكان فالقرآن غير مخلوق، فعندما يأتي شخص مثل
المعتزلي ويقول لا، إن القرآن مخلوق، فماذا يترتب على ذلك؟ أنه زمني، وماذا يعني زمني؟ يعني أنه يصلح لعصر النبي ولا يصلح بعد ذلك. لم تكن الدنيا أيام المعتزلة متغيرة كثيراً هكذا، ولذلك كان كلامهم معناه هكذا عندما قالوا القرآن مخلوق، ما الذي يترتب عليه؟ يعني أهو مخلوق أم ليس مخلوقاً؟ إن المصحف قطعاً مخلوق كمادة، فهو لم يكن مطبوعاً ثم طُبع، ولم يكن مكتوباً ثم كُتب، فهو حادث بالتأكيد. نعم، ولكن الدال مخلوق، أما المدلول فهو الذي غير مخلوق. هذا كلام. الله الذي هو الصفة القائمة بذاته غير مخلوق لم تكن واضحة عند جماعة المعتزلة لأنها يترتب عليها ماذا؟ يعني لن يترتب عليها شيء. عصرنا مثل عصر النبي،
لم ينتبهوا. أهل السنة نوّر الله قلوبهم وانتبهوا إلى أن القول بهذا قد يتغير في المستقبل فتتغير الدنيا، وإذا قلنا إنه هو... مخلوق فيجب أن يتغير معه، لكن هذا يقول لك خاتم النبيين وخاتم المرسلين وهذه آخر رسالة، لا يوجد نبي بعد ذلك، فمن الذي سيغير؟ ولذلك القرآن نبي مقيم الله، ولذلك القرآن غير مخلوق. فعندما جاء مثلاً الأستاذ نصر أبو زيد رحمه الله، وقع... هو كان يؤكد أنه... مسلم لكنه وقع فيما وقعت فيه المعتزلة وقال: "يا جماعة، هذا القرآن خاص بزمنه، نعم، صحيح هكذا"، فإذا كان مخلوقاً فهو خاص بزمنه. رضي الله تعالى عن أحمد بن حنبل الذي وقف
موقفاً شجاعاً وقال له: "لا، ليس مخلوقاً، وهذا ليس خاصاً بزمنه"، وهذا في... كل زمان ومكان، كيف ذلك؟ وهنا جاءت المفارقة وحدث ما حدث معه، لأنهم لم يستطيعوا أن يفهموا أنه يقول مقولة قديمة ولكنها أصبحت مقولة فجة. نعم، ما الذي جعلها فجة؟ أن عصري اختلف عن عصر النبي عليه الصلاة والسلام كثيراً، ولذلك احتجت أن أغير التصرف معه. فهل أغير القرآن؟ لكي أغيّر التصرف معه، أو هذه هي المشكلة، هذه هي المشكلة التي حدثت فالناس ذهبت تكفّره وما إلى ذلك، وهو يقول لهم: "يا جماعة أنا مسلم، أنا لست كافراً ولا شيء"، ولذلك ينبغي علينا أن ندرك
هذه الأشياء بوضوح حتى نفهم إلى أين نحن ذاهبون ومن أين أتينا، أي ما خطأ لماذا؟ لأن القرآن ليس مخلوقاً، ولذلك فهو قد تجاوز الزمان، ولكن هناك فرق بين النص وبين تفسير النص. حسناً، الفرق بين النص وتفسير النص له أدواته وله قواعده وله مناهجه، والعقل هنا سيدخل لاستيعاب هذه القواعد والمناهج والكيفيات، ويذهب إلى النص من أجل أن يفسره حتى يطبق مقاصد الشريعة. دون الخروج عن مقتضيات اللغة ومقتضيات الإجماع ومقتضيات المآلات ومقتضيات المصالح، الله هذا علم وله علماء، ولذلك خطير جداً ما يدعو إليه بعض إخواننا أيضاً من أن الدين ليس علماً. لا يا أخي، الدين علم، الدين علم،
سنرى كيف تغير الواقع ومتى تغير الواقع وإلى أي مدى تغير. الواقع، ثم ما دور العقل؟ نعم، في فهم النص وفي فهم الواقع وفي كيفية الوصل بينهما. هذا هو عمل العقل. صحيح يا مولانا، هل انتبهت؟ فهذا هو عمل المعرفة، وهذه هي درجات المعرفة التي سميت برنامجك بها. درجات المعرفة هي درجات عند ربهم، لهم درجات عند الله. ففي درجات ودرجات معرفة، وهذه درجات المعرفة إذا عُكست أصبحت دركات صحيح، فيوجد فرق بين الدرجات والدركات. الدركات وأنت نازل، لكن الدرجات وأنت صاعد إلى أن يُرسم لك هرم جميل هكذا. ذهبوا قالبين الهرم، قلبوه في نار جهنم، يقول لك إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار لأنهم.
قلبوا الهرم قلبوا الهرم، ماذا يعني ذلك؟ يعني ظهروا بغير مراد الله. من الخارج "الله الله"، ومن الداخل يعلم الله. فهذا إذاً مصداق قوله تعالى: "يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون". هذا كان هو السبب في وصف الخوارج بأنهم كلاب أهل النار. لماذا الخوارج كلاب أهل في غير ما هو له لأنهم شوهوا الدين باسم الدين، يعني باسم الدين شوهوا الدين، فتكون مصيبة سوداء هكذا. يكون هناك تلبيس وتدليس، والتلبيس هذا من أين يأتي؟ إنه يأتي من إبليس، فيقال "تلبيس إبليس"، والتلبيس يُحدث التفليس مباشرة، فيصبح المرء بلا رصيد لأنه مفلس. هكذا لأنه يرتدي، فأنا أريد أن أقول لسيادتك أن العقل هذا، العقل مناط التكليف،
وأنه هو الذي يدرك كتاب الله المسطور وكتاب الله المنظور بكتاب الله المقدور الذي هو الإنسان. وهذا الذي رسمه لنا القرآن لا يجعل هناك تنافراً وتناقضاً بقدر ما يضع لنا قواعد التفسير التي بها سعادة الدارين. نعم نستطيع إجمالاً مولانا أن نقول بأن على المسلم أن يكون عقله منفتح، جميع النوافذ في عقل الإنسان المسلم ينبغي أن تكون منفتحة على كتاب الله المنظور الذي هو الكون والمسطور، والوصل بينهما عن طريق المقدور، وكل هذا هو نسق مفتوح، نسقنا في الإسلام نسق مفتوح. انظر إلى المسجد، ستجد أنه لا يوجد أحد يمنع أحداً من دخول المسجد أصلاً. صحيح، فالنسق مفتوح، وبعد ذلك نحن ليس
لدينا عندما تدخل المسجد غرفة تسمى "قدس الأقداس" الموجودة في ديانات أخرى ممنوع أن تدخلها. ليست لدينا فكرة الكهنة أن هناك شخص يستطيع أن ينشئ لهم شريعة جديدة أو المعرفة لا تُحتكر في خلال مؤسسات مثل جامع الأزهر الشريف. فقد جاء جولدستهير وكان يُسمي نفسه الشيخ الذهبي ودرس في الأزهر. وحدث أن الشيخ الشنواني توقف في مسألة ميراث، فجلس جولدستهير وحلّها له. انظر إلى أي مدى وصل في العلم، حتى أنه استطاع أن يحل المسألة للشيخ الشنواني، ذلك الرجل هكذا إلى آخره كانت مسألة مفتوحة صحيح، ليس هو فقط وليام لين درس في الأزهر وهو على ديانته وهكذا إلى آخره،
كان هناك أناس يأتون ويدخلون ويدرسون لأنه نسق مفتوح، وأنا لا أمنع أحداً من أن يأتي ليسمع درس العلم، هل أنا عندما أُلقي الدرس هكذا أقول له ما هي نسق مفتوح، نسق مفتوح، أعترف بكل الأنبياء، نسق مفتوح، أعترف بالكون والوحي مصدرين للمعرفة، نسق مفتوح، إنه صالح لكل زمان ومكان، نسق مفتوح، لأنه حقق المصالح، نسق مفتوح، لأنه راعى المقاصد، نسق مفتوح بكل ما لهذه الكلمة من معنى. بارك الله فيكم مولانا، جزاكم الله خيراً، أشكر حضرتكم والشكر موصول. لكم مشاهدينا الكرام إن شاء الله غداً يكون لقاءٌ جديدٌ مع فضيلة الدكتور لكي يساعدنا في أن تتفتح الآذان وكيف يكون عقلنا إن شاء الله قادراً على استيعاب هذا الكون الذي نعيش فيه. إلى
اللقاء.