موقف الإسلام من الأسرة | مجالس الطيبين | أ.د علي جمعة

موقف الإسلام من الأسرة | مجالس الطيبين | أ.د علي جمعة - مجالس الطيبين
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه أيها الإخوة المشاهدون أيتها الأخوات المشاهدات في كل مكان السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وأهلا وسهلا بكم في حلقة جديدة من حلقات مجالس الطيبين في هذه الحلقة نريد أن نلقي الضوء على موقف الإسلام من الأسرة من سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن حديثه الشريف ومن أحكام الفقه ومن تاريخ المسلمين، الأسرة في الإسلام مهمة جدا ومع أهميتها إلا
أن الله سبحانه وتعالى أتاح لنا أن نعيش في سعادة وأتاح لنا أن نعيش في استقرار وأراد أن تكون هذه الأسرة فعلا محضة لتربية الأطفال لإنشاء جيل جديد فهو كما قال الشاعر بعد ما تأمل في سنة الله في كونه الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعبا طيب الأعراق نعم فالأسرة هي الوحدة الأساسية لبناء المجتمع أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نهتم بالأسرة قبل إنشائها وأن نهتم بها أثناء قيامها وأن
نهتم بها جدا عندما نريد أن نتمتع بما متعنا الله به من حرية شخصية أو من خلوة مع النفس، ولذلك نرى في الحديث النبوي أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول عن حال الأسرة قبل أن تتكون: أحسنوا اختيار الزوج لزوجته واختيار الزوجة لزوجها، فيقول تخيروا لنطفكم. وأنكحوا الأكفاء وأنكحوا إليهم راعوا أن يكون هناك كفاءة بين الرجل والمرأة هذه الكفاءة قد تكون في المستوى الاجتماعي قد تكون
في الدين والصلاح قد تكون في بعض البلدان وفي بعض الأزمان في النسب والقبيلة والعائلة قد تكون في بعض الأزمان وفي بعض الأماكن في الدرجة العلمية في العقلية لأن هذا التوافق وهذه الكفاءة هي التي سوف يترتب عليها استمرار الأسرة فعندما يأمرنا أن نختار لنطفنا وعندما يأمرنا بالالتفات إلى التوافق إلى الكفاءة بين الزوجين فهو يريد منا أن تستمر هذه الأسرة ولذلك نرى في الفقه أن عقد الزواج يجب أن يكون مؤبدا بمعنى أنه لا يجوز أن يكون مؤقتا فلا يجوز مثلا أن يتفق رجل مع امرأة على
أن يتزوجا لمدة شهر أو لمدة سنة أو لمدة عشر سنوات أبدا، أباح الله من الناحية الأخرى الطلاق، أباح الله سبحانه وتعالى التعدد لكنه اشترط في عقد الزواج أن يكون مؤبدا، اتفق أهل السنة والجماعة على هذا وعلى أن أي زواج عليه أن يكون مؤقتا هو زواج باطل لا ينعقد، بل هو زنا، وكانت هذه إحدى الخلافات الأساسية الشديدة بين أهل السنة وبين الشيعة، فالشيعة ترى أن هذا الزواج المؤقت جائز وأهل السنة أبدا يتمسكون
بما ورد في البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه حرمه ست مرات بعدما كان جائزا في الجاهلية وأن النبي صلى الله عليه وسلم قد تركه فترة من الزمن من أجل ظروف خاصة إلا أن الأمر انتهى بتحريمه وكان زواج المتعة هذا سببا كبيرا في الخلاف بين أهل السنة وبين الشيعة بالرغم من أنها مسألة فقهية ولكن أهل السنة يسمونه زنا ويسمونه زواجا باطلا وينهون عنه ناهيهم عن الفاحشة كل ذلك متعلق باستمرار العلاقة وبحضانة الأسرة وما يترتب على هذا الزواج من أمور كثيرة جدا لأن الزواج هذا فيه
اطلاع الرجل على المرأة واطلاع المرأة على الرجل بما لم يطلع عليه آباؤهم أو أمهاتهم فيه نسب لأن هذه المرأة تأتي بالأولاد فتكون هؤلاء الأولاد أبناء ذلك الرجل ويكون هذا الرجل هو أب لأبنائها وهي أم لأولاده ففيه تقسيم للميراث وفيه حرمات تترتب على هذا الزواج فإذا تزوج الرجل بامرأة فإنه يحرم عليه فورا بمجرد كتابة الكتاب أمها فأمها ستصبح أما له لا يجوز له أن يتزوجها سواء طلق هذه المرأة أم لم يطلقها قبل الدخول أو بعد الدخول سواء كان هذا طلاقا أو وفاة فإن هذه المرأة
حماته أصبحت أما له ولذلك نزلت منزلة الأم ومن هنا رتب الزواج حكما آخر في العلاقات بين البشر كذلك بناتها بالدخول يصبحن بنات هذا الرجل وكأنه أبوهن وهو زوج أمهن وليس أبا لهن ولكن بالرغم من ذلك يحرم عليه أن يتزوج واحدة منهن، وهذا الحكم وهو أن عقد الزواج مؤبد فيه مراعاة من الشريعة الإسلامية في الفقه بأنه يحافظ على الأسرة بقدر الإمكان، ومع هذه
المحافظة على الأسرة إلا أنه أجاز الطلاق وأجاز الخلع لأن الإنسان إذا ما أخطأ في اختياره ولم تتوافق النفوس فإنه لا ينبغي له أن يعيش في تعاسة مطلقة وأن يغير حياته كلها ويضيع حياته كلها في نزاع وخصام ومشاكل ومشاجرات ولذلك أباح الطلاق ولكن يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم إن أبغض الحلال عند الله الطلاق يعني جعل الطلاق مثل العملية الجراحية يعني يكون آخر شيء يفعله المسلم بعد قضايا محاولة الإصلاح بعد قضايا استشارة الكبار بعد قضايا تتعلق بالتحكيم بين الرجل
والمرأة أو حتى برفع الأمر إلى القاضي حتى يحاول أن يحل المشكلات ولذلك ولأن الإسلام جاء وأراد أن يحافظ على الأسرة ففكرة أن توجد هناك مكاتب للإرشاد الزوجي وحل المشكلات الزوجية فكرة جيدة لم تنتشر بعد في بلادنا في بعض البلاد الإسلامية نجد مكاتب للإرشاد الزوجي قبل الزواج ومع الزواج وبعد الانفصال لا قدر الله إذا حدث، كيف يتوافق الرجل مع المرأة؟ ما هي المشكلات التي تثار في الأسرة فتجعل هناك احتداما يصل إلى حد طلب الطلاق من المرأة أو رغبة الطلاق من الرجل؟ هناك مشكلات قد تكون متعلقة بالمسائل المالية، هناك مشكلات
قد تكون متعلقة بعدم التوافق الأخلاقي في برنامج الحياة، رغبات الزوج وطريقة التربية تكون على وضع معين تضادها وتناقضها رغبات الزوجة، وحتى لو كانت كل من الرغبتين مباحة، هناك أمور تتعلق بالعلاقة الزوجية الجنسية بين الرجل والمرأة، هناك أمور تتعلق بتدخل الأهل من كل من الطرفين أو من طرف معين في حياتي وسير الأسرة، هناك أمور تتعلق بمدى التزام كل واحد منهما بالدين، هناك أمور تتعلق حتى بالوضع الاجتماعي
لكل منهما، هناك أمور تتعلق بالمشكلات الجديدة أو بالأزمات أو الكوارث التي حلت بهذه الأسرة الجديدة، هناك أمور تتعلق بقضية الإنجاب أن الرجل لا ينجب أو أن المرأة لا تنجب أو كلاهما لا ينجب، هناك أمور تتعلق بقضايا المشاعر والأحاسيس والحب والكراهية، هناك مجموعات من المشكلات وكل مجموعة من هذه المشكلات لها طرق للحل ولها قواعد لهذا الحل. النبي صلى الله عليه وسلم في مقابل هذا الذي ذكره "تخيروا لنطفكم" يأمر أيضا الجانب الآخر فيقول إذا خطب إليكم من ترضون دينه وحسن
خلقه فزوجوه، وإلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض، فأمرنا أن نتساهل في قضايا الزواج وأن نجعل المعيار والمقياس أمرين: الدين وحسن الخلق، وكان حسن الخلق أمرا منفصلا عن الدين فهناك من يتمسك ويلتزم بالدين ولا يكون لديه حسن الخلق ولذلك فهو يسيء إلى زوجته ولا يحسن معاشرتها ولا يحسن إلى أبنائه ولا يكون عاقلا في هذا المقام ممن ترضون دينه وحسن خلقه وفي رواية ممن ترضون دينه وخلقه وكلمة وخلقه هنا أعم من حسن الخلق لأنه قد يكون
هناك تكافؤ بين الرجل والمرأة أي في بعض الأحيان نرى الأب وقد وافق على الزوج وهو ليس حسن الخلق، ولكن خلقه يوافق خلق الفتاة، فهناك توافق ولذلك سيستمر الحال ولا ترى الفتاة عيبا في مثل هذا الشخص ولا يرى هذا الشخص عيبا في مثل هذه الفتاة، فلا تحدث المشكلات. إذن فالمقصود الأهم هو استمرار الأسرة، المقصود الأهم هو سعادة أفرادها وليس المقصود أن يكون على مستوى عال من الخلق، النبي صلى الله عليه وسلم أيضا قال تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفر
بذات الدين تربت يداك. يعني هذه المناحي هي التي يقصدها الناس، يتزوج الرجل امرأة لأنها جميلة أو لأنها ذات حسب أو لأنها غنية، وبعضهم يتزوجها ويشترط أن تكون وأفضل شيء يكون هو هذا الدين، إلى لقاء آخر أستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.