هذا ديننا | الذكر ج1 | أ.د. علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. أيها الإخوة المشاهدون وأيتها الأخوات المشاهدات في كل مكان، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً ومرحباً بكم في حلقة جديدة من حلقات ديننا. نتحدث اليوم عن أمرٍ أمرنا به رسول الله صلى الله عليه وسلم. وشدد فيه وذكر في القرآن الكريم
كثيراً وهو يعد مفتاحاً من مفاتيح الإسلام وهو أيضاً يغفل عنه كثير من الناس وفي ظاهره هو أمر بسيط وسهل وفي حقيقته وواقعه هو أمر كبير وقد يكون صعباً على كثير من الناس إلا أنه سهل على من سهله الله عليه ذلك. يذكرني ذلك - وأنا أقصد بهذا الموضوع الذكر، ذكر الله سبحانه وتعالى - بقوله سبحانه وتعالى في شأن الصلاة وأنها لكبيرة إلا على الخاشعين. الصلاة في ظاهرها سهلة، ولكن
في حقيقتها أنها خمس صلوات في اليوم، وأن الصلاة كانت على المؤمنين كتابًا موقوتًا. وهذا الحوار الذي جرى بين سيدنا النبي عليه وآله وسلم وبين سيدنا موسى في ليلة المعراج في السماء وهو يقول: ابتُليتُ بالناس قبلك، يعني الناس لن تستطيع أن تصلي هذه الصلوات. عندما فُرضت خمسين، فنقصت قليلاً إلى أن صارت خمسة بفضل الله ورحمته. قال: "هي خمسة وهي عندي خمسون"، يعني سيحسبها لنا خمسين، ولكن لمن داوم عليها وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين، تحتاج إلى شخص
يتعلق قلبه بالمساجد. المساجد تعني مواطن السجود، وهو ممن يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، يظله في ظل عرش الرحمن. النبي صلى الله عليه وسلم عندما أتاه شخص يسأل عن مفتاح من المفاتيح، كان الصحابة دائماً يسألون. وتقول يا رسول الله ما أحب الأعمال إلى الله، يريد مفتاحاً فيقول لكل واحد ما يتناسب مع حالته، فيقول لأحدهم بر الوالدين، ويقول للآخر الجهاد في سبيل الله، ويقول للثالث الصلاة على وقتها، يعني ينظر هكذا لمن قد لا يتمسك
بالصلاة فيقول له الصلاة على وقتها، والذي يخاف أنه يبذل المجهود في سبيل الله قوم يُقال له الجهاد في سبيل الله، وكل فترة يحدث عقوق للوالدين أو عدم معرفة قيمة الوالدين وقيمة برهما، فيُقال له بر الوالدين. يقول لكل شخص ما يتناسب مع حالته. أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل، فيكون إذاً هذا شخص يرى أنه يفعل. الخير وكل شيء وبعد ذلك يَتْرُكُ يفعل ويَتْرُكُ ويقول لا تكن مثل فلان كان يقوم الليلة وتركه والسيدة عائشة تصفه فتقول وكان عمله ديمة يعني يكون دائماً لا يترك أبداً عملاً قد
تعوَّد عليه فلما سأله أحدهم عن مثل هذه الأسئلة التي يبحث فيها عن مفتاح الإسلام قال لا يزال رطباً بذكر الله، هنا مسألة مهمة للغاية يفهمها أهل الله، أن النبي صلى الله عليه وسلم يضع للذكر معنى حقيقياً عند الله وليس متعلقاً بالظاهر الذي يحسه الناس ويشعر به الناس. لا يزال لسانك رطباً بذكر الله. الرطوبة تحتاج إلى كثرة لعاب الفم مثلاً
حتى يكون الفم رطباً، فهناك غدد. تنشئ اللعاب في الفم، ولكن مع كثرة الكلام يقل اللعاب ويجف اللسان، ويحتاج الخطيب إلى أن يتناول رشفة ماء من أجل تعويض ما استهلك من تلك الرطوبة. إذاً، إذا أنت ذكرت الله سبحانه وتعالى كثيراً كما قال: "والذاكرين الله كثيراً والذاكرات"، وكما قال: "فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون" كما... قال: "واذكروا الله كثيراً لعلكم تفلحون" كما قال: "ألا بذكر الله تطمئن القلوب". إذاً، واضح أن المأمور به هو كثرة الذكر. كثرة الذكر
تؤدي إلى الجفاف، لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمي هذا الجفاف المحسوس المعروف الذي يعرفه رسول الله وأعرفه أنا وتعرفه أنت ويعرفه الإنسان عبر... الزمان والمكان رطوبة حقيقته عند الله تخالف هذا الظاهر، يذكرنا هذا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لخلوف فم الصائم أحب عند الله من ريح المسك". من قلة الأكل تتفاعل المواد التي في المعدة فتخرج على صورة رائحة ليست ذكية أو ليست مقبولة تسمى خلوف فم الصائم
وخلوف فم. الصائم كما يتتبعه الأطباء يبدأ في الظهور بعد صلاة الظهر، يعني صلينا الفجر وجلسنا وهكذا إلى آخره، لا يظهر وأنا صائمة. متى تصبح المعدة فارغة والتفاعلات تكون موجودة وبعد ذلك يخرج مثل هذا الخلوف؟ فالإنسان يشم من نفسه أو يشمه من نفسه بعد الظهر، ولذلك الإمام الشافعي جاء وقال شيئاً قال جدي: إذا كانت هذه الرائحة أحب عند الله من رائحة المسك، فإن النبي بوصفه حقيقتها ينبغي علينا ألا نزيلها بعد صلاة الظهر. فمن يريد أن يغسل أسنانه وفمه، فليغسلها قبل
صلاة الظهر، ومن هنا يتحمل على سبيل التقشف، على سبيل الخشونة، على سبيل أن يفعل. شيئاً فيه شدة الخلوف لأنه أحب عند الله من ريح المسك. النبي عليه الصلاة والسلام قال: "فيأتي الشهيد يثبج دماً رائحته أشد من رائحة المسك". إننا نعلم أن الدم عندما يتجلط ويتخثر تكون رائحته كريهة، لكن هذه الرائحة الكريهة في الحياة الظاهرة الدنيا، أما عند الله سبحانه وتعالى فهي... كرائحة المسك يكون، إذا هذا ليس إنكاراً للظاهر. الظاهر معترف به وموجود عند كل أحد أن الشهيد
دمه يعني ذو رائحة غير طيبة لكنه عند الله كرائحة المسك. إن خلوف الفم رائحة غير طيبة لكنها عند الله كرائحة المسك. إن الجفاف موجود، جفاف لكنه عند الله رطوبة. فالنبي صلى الله عندما يُكلمنا على الذكر، يُكلمنا على الحقيقة التي عند الله وليست الحس الذي نعيش فيه، ولم يُنكره ولم يطلب منا إنكاره، وإنما طلب منا أن نعيش مع الله سبحانه وتعالى في المعاني العليا الراقية. ذكر الله مأمور به في الكتاب ومأمور به في السنة، فماذا ترك لنا رسول الله. صلى الله عليه وسلم في الكتاب والسنة حول ذكر الله ترك
لنا كلاماً ليس شائعاً عند غيرنا من غير المسلمين، ترك لنا سبحان الله، الحمد لله، لا إله إلا الله، أكبر، لا حول ولا قوة إلا بالله، وكانت هذه الخمسة يسميها أهل الله وأهل الذكر وأهل الطريق إلى الله. سبحانه وتعالى الباقيات الصالحات لماذا؟ لأنها هي التي ستبقى لك في قبرك، ولأنها هي التي ستبقى لك في عملك وفي ميزانك يوم القيامة، ولأنها هي التي سترفع درجتك في الجنة، لأن كل واحدة منها يتم بها غرس شجرة في الجنة لك. إذاً الباقيات
الصالحات أمر مهم، الباقيات الصالحات هي ذكر. الله، فلا يزال لسانك رطباً بذكر الله. سنكمل حول ذكر الله وتفاصيله في حلقة قادمة إن شاء الله. فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.