هذا ديننا | الفقه الإسلامي | أحكام الحج ج2 | أ.د. علي جمعة

هذا ديننا | الفقه الإسلامي | أحكام الحج ج2 | أ.د. علي جمعة - فقه, هذا ديننا
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. أيها الإخوة المشاهدون، أيتها الأخوات المشاهدات في كل مكان، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً ومرحباً بكم في حلقة جديدة من حلقات ديننا. في هذه الحلقة، كما وعدناكم في المرة الفائتة أن نتكلم عن الحج الأصغر وهو العمرة، والأكبر وهو الحج الفريضة الذي هو معلق
في أعناق القادرين مادياً والقادرين جسدياً من المسلمين، ولذلك نرى أن كثيراً من العلماء لم يستطيعوا الحج إلى بيت الله الحرام، وذلك إما لبعد المسافة كابن حزم الظاهري مثلاً، إذ كان في الأندلس ولم يحج، أو للفقر، وكثير من كان يعيش على الكفاف وهو من كبار العلماء، آخرهم كان فضيلة الشيخ محمد زاهد الكوثري الذي كان وكيلاً للمشيخة في السلطنة العثمانية. ولكنه بعد أن انهارت الخلافة في تركيا جاء إلى مصر وكان فقيراً، فلم يحج. وقيل في سبب عدم حجه
أنه لم تجب عليه الزكاة وكان حنفياً. كثير من يَحُجُّ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ لَمْ يَسْتَطِعْ تَحَمُّلَ تَكْلِفَةِ الْحَجِّ، كَانَ هُنَاكَ مُجْتَهِدٌ مِنَ الْمُدِينِينَ وَإِمَامٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ الْعَامِلِينَ، كَانَ اسْمُهُ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ، وَالْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ كَانَ إِمَامًا كَبِيرًا فِي الْمَذْهَبِ الْمَالِكِيِّ، لَكِنَّهُ كَانَ فَقِيرًا، وَيُرْوَى عَنْهُ أَشْيَاءٌ مِنَ الطَّرَائِفِ وَاللَّطَائِفِ لَا تُصَدَّقُ، وَأَنْتَ تَقْرَأُ لِلْقَاضِي عَبْدِ الْوَهَّابِ أَنَّ مِنْ هذا كان يبيت من غير عشاء، أو من كتب هذا اضطر أن يعمل أعمالاً كثيرة بدون نفقة، والنفقة هي شرط
أساسي للاستطاعة لمن استطاع إليه سبيلاً، والاستطاعة قد تكون في البدن بالصحة وقد تكون بالمال. القاضي عبد الوهاب كان فقيراً لكنه كان طالباً جيداً للعلم، لم يجد ما يأكله فذهب. ليعمل في أعمال البناء، فجاء رجل وقال له: "ابني هنا في طريق ساتراً". قال: "ولكن هذا لا يجوز". قال: "ما شأنك أنت بالجواز وعدم الجواز؟ أنت بنّاء، لماذا تتكلم فيما لا تحسنه؟ ولماذا تتكلم فيما ليس لك به علم؟ ابني هنا". قال: "حاضر"، لأنه محتاج إلى البناء ويريد أن يأكل. بنى القاضي عبد الوهاب له
الساتر في غير موضعه، ثم صار القاضي عبد الوهاب عرّف والي المدينة التي كان فيها أن القاضي عبد الوهاب بيننا، فاستعظم الأمر فأتى به وعيّنه في القضاء، لأن القاضي من كبار العلماء عبر التاريخ وليس في زمانه فقط، فأرسل إلى هذا الرجل وهو... بالطبع لا يعرفه، فقد رآه في صورة البناء وقال له: "أزل هذا لأنه لا يجوز". قال له: "حاضر يا سيدنا الأعطش"، وذهب فأزال ما بناه القاضي عبد الوهاب ورفض فتواه وهو في حالة البناء. العمرة هي أن تقصد البيت الحرام، ولذلك سُميت بالحج الأصغر. الكعبة لها
دائرة وهي أولها هذه. الدائرة مكة كلها حرم، والدائرة الثانية تسمى بالميقات وهي دائرة ليست مستوية، ولكنها أماكن نقاط على الخريطة. لا تستطيع أن تخترق هذه النقاط، وهذه النقاط يحدها البحر الأحمر من جهة الشمال. لو كانت الخريطة أمامك هكذا، فالبحر الأحمر موجود في اليسار، وهذه النقاط تمثل نصف دائرة أو حدوة حصان. ومكة في بؤرة هذا المكان ولكن ليس بطريقة
مستوية، ليست دائرة لها مركز، لا ليست هكذا، وإنما من ناحية المصريين وهم قادمون من العقبة ومن السويس وقادمون إلى المدينة وكذلك هم هناك لها، لكن معه ذو الحليفة، والعراقيون من ذات عرق، وأهل الشرق مثل الإمارات ومثل... الرياض وكذا إلى آخره، إذا فهذه قرن الثعالب من اليمن هناك، يلملم، هذه الأماكن: يلملم وقرن الثعالب وذات عرق والحليفة وآبار علي، كل هذه ترسم لنا نصف دائرة. ولذلك الإمام النووي كان يقول: فإذا ركب البحر، فإذا ركب البحر من
سواكن - سواكن هذه قرية في السودان أمام جدة تماماً ركب البحر من سواكن فسقط إلى جدة، الجدة التي هي جدة هذه الخاصة به، فإنه يحرم منها من جدة لأنه لم يمر على الميقات. كأنه حدود البحر، فإذاً أول شيء هو أننا يجب ألا ندخل هذا الميقات، ألا ندخل هذه الدائرة إلا ونحن محرمون، ولذلك يسأل الناس متى نحرم. هناك فرق كبير جداً بين أن تلبس الإحرام وبين أن تُحرِم. لبس الإحرام هذا يُشبه التهيئة، يُشبه الوضوء.
أنا متوضئ وأذَّن الظهر ولكنني لم أصلِّ الظهر بعد، لكنني متوضئ. فلبس الإحرام شيء والدخول في الإحرام شيء آخر، يجب أن نفرق بينهما. أنا في البيت لبست الإحرام ولا مانع من ذلك. في المطار مكان لن أستطيع إيجاد المكان الذي سأغير فيه ملابسي، وأنا لا أريد أن أخلع ملابسي داخل الطائرة. فأنا وأنا بعيد جداً عن الميقات، ذهبت إلى بيتي ولبست الإحرام. أنا هكذا لست محرماً بعد، لم أُحرم بعد. اغتسلت ولبست الإحرام وصليت ركعتين في البيت. ما هاتان الركعتان؟ هما ركعتا هم قبل الإحرام أصلي ركعتين ثم أحرم، فيكون سبب هاتين الركعتين
يأتي بعدهما، ولذلك لا يجوز أن أصليهما في وقت الكراهة الذي هو بعد العصر إلى المغرب أو بعد الفجر إلى الشروق. في هذا الوقت لا يجوز أن أصلي الأمور التي سببها لم يأتِ بعد، مثل صلاة الاستخارة ومثل الاستسقاء الإحرام هذا لا يصلح لأنه وقت كراهة، إنما صلِّهما في الوقت الذي ليس فيه كراهة، في أي وقت في الدنيا إلا الأوقات الثلاثة هذه. اغتسلت وتطيبت ولبست الإحرام، والإحرام للرجل معناه أنه يخلع كل ما لبسه ويلبس قطعتين: الإزار والرداء، ويخلع ما يلبس من أحذية ويلبس ما نسميه في مصر. الشِّبْشَب
أو الصندل، المهم أن يكون ظهر القدم أو الكعب غير مُغطَّى، بل مكشوفًا. يمكن أن تكون أصابع القدم مغطاة، والشبشب المقفول لا مانع منه، لكن الكعب يجب ألا يُغطَّى - هذا هو الأساس في الإحرام. ولذلك لا يُلبَس الجوارب، ولا القفازات، ولا العمامة، ولا الطاقية. كل هذه الأشياء ممنوعة فقط الإحرام، أما المرأة فهي كما هي تلبس ما تريده وبأي لون، أحياناً تلبسه أسود وأحياناً تلبسه أبيض وأحياناً تلبسه ملوناً، لا شأن لنا بذلك، تلبس بشكل طبيعي تماماً كما هي، وليس فيها ما يتجرد به الرجل من ثيابه، إذ يحرم على الرجل كل مخيط
محيط، كل مخيط محيط. ولذلك هو محيط ولكن ليس مخيطاً، مثل الخاتم والساعة والنظارة، فهي محيطة ولكن ليست مخيطة. هذا الخاتم من فضة والساعة من - لا أعرف - نحاس أو حديد أو ما شابه. فتكون القضية أن كل مخيط محيط، وهو المحرم، فيكون المحرم هو الجلباب (الثياب)، وذلك إذا لبس الإحرام وصلى. الإحرام ليست هي ذات الإحرام. سيأتي لاحقاً عندما نقول في الطائرة: "لبيك اللهم بعمرة" أو "لبيك اللهم بحج" أو "لبيك اللهم بعمرة متمتعاً بها إلى الحج" كما سنرى سوياً إن شاء الله. إلى لقاء آخر،
أستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.