هذا ديننا | 07 | معجزة الرسالة ومعجزة الرسول جـ 1 | أ.د. علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. أيها الإخوة المشاهدون، أيتها الأخوات المشاهدات في كل مكان، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً ومرحباً بكم في حلقة جديدة من حلقات ديننا. عرفنا كيف نزل القرآن على النبي المصطفى، وكيف حفظه الله سبحانه. وتعالى كما وعد "إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون"، وكيف أن هذا الحفظ كان مبهراً ومعجزاً،
وذلك لأن القرآن الكريم كان معجزة الرسالة. وهناك ما يسمى بمعجزة الرسول، وهناك ما يسمى بمعجزة الرسالة. أما معجزة الرسول فهي خاصة بقومه في مكانه في زمانه، أما معجزة الرسالة فهي باقية إلى يوم القيامة وذلك أن القرآن الكريم يسميه المسلمون بالنبي المقيم، فالله سبحانه وتعالى قدَّر أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين فلا نبي بعده ولا رسول، فشقَّ ذلك على الصحابة حتى قال: "تبقى الرؤية الصالحة يراها العبد الصالح أو تُرى له"،
لكنه ترك فينا ما إن تمسكنا به أضل أبداً كتاب الله وسنتي، كتاب الله وعترة أهل بيتي. فالمحجة البيضاء هي الكتاب والسنة وحب البيت الكرام. هذه المحجة البيضاء قامت مقام الأنبياء، وكان ذلك من تقدير الله سبحانه وتعالى، وتقدير الله كله خير، وذلك أنها وحدت أمة الإسلام. ولذلك رأينا من أمة الإسلام ما يطلق عليها أهل القبلة اختلفت آراؤهم، ومهما تنازعوا فيما بينهم سياسياً، ومهما اختلفوا أو تنازعوا على أمور الدنيا في المُلك أو في الاقتصاد، ومهما فعلوا كل ذلك، إلا أن الجميع يستقبلون القبلة
للصلاة. ولذلك جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة ذروة سنام الدين، وذروة سنام الصلاة، والعهد الذي بيننا وبينهم، فمن تركها كفر ولم يقل هو كافر، إنما هي عمل من أعمال الكفر أن تترك الصلاة، وجعل الصلاة ركنًا من أركان الإسلام. بُنِيَ الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصيام رمضان، وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلًا. خمسة أركان بُنِيَ عليها. الإسلام واحدة منهم الصلاة، إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً. إذاً هيا بنا مرة أخرى إلى الوحي الذي أنزله الله سبحانه
وتعالى على نبيه، وجعل القرآن نبياً مقيماً، وختم الرسالات. ما الذي نتج عن هذا؟ وحدة الأمة، أن الأمة لم تتشتت لأنه لو كان يرسل أنبياء لآمن بها من... الأمة بعضهم يكون مؤمناً ولكن يكفر آخرون فيكونون قد كفروا وخرجوا عن دين الله، وحينئذ لا تتوحد الأمة. هذا الدين علمنا الوحدة، وأمرنا أن نوحد الإله، فنحن أهل التوحيد، ونبينا واحد لا ثاني له، فليس هناك كما حدث مع موسى في بني إسرائيل أن الله سبحانه وتعالى بعث الأنبياء كثرة، النبي يُكذَّب من قومه،
وكان النبي يتبعه الاثنان والثلاثة والرهط، تسعة عشر، أو يتبعه مائة ألف أو يزيدون، أو لا يتبعه أحد. ويقول النبي صلى الله عليه وسلم عن هذا الأخير: "ويأتي النبي يوم القيامة وليس معه أحد"، كل قوم كذبوا. حدث هذا وحدث الخلاف والشقاق في بني إسرائيل، فلما... أرسل الله عيسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، آمن به بعضهم وكفر به بعضهم، لكن في أمة محمد ليست هناك نبوة أصلاً حتى يؤمن البعض ويكفر البعض، والنبي صلى الله عليه وسلم يحذرنا من ثلاثين نبياً كذاباً سيظهرون في أمة النبي صلى الله عليه وسلم، وقد كان، وجمع أصحاب تتبع.
العقائد والفِرَق: أسماء المتألهين الذين ادعوا الألوهية من المسلمين، والمتنبئين الذين ادعوا النبوة من المسلمين، والمتمهدين الذين ادعوا المهدية من المسلمين. وكلهم على ضلال، وكثير منهم كان لديه خلل عقلي، ولم يكن يملك عقله حتى نحاسبه، بل كان لديه أزمة نفسية معينة دفعته إلى ادعاء الألوهية أو النبوة. أو المهدية، ولذلك لم يظهر هذا في الأمة ولا يعلم عن هذا أحد؛ لأنه كان يعيش مريضًا مسكينًا ثم يموت وينتهي الأمر على ذلك. حتى إذا اتبعه واحد أو اثنان أو ثلاثة، فإنها تنتهي بموتهم وتنتهي ببدعتهم هذه التي يخالفون فيها الدين
ويخالفون فيها حكمة الله سبحانه وتعالى في كونه. إذا فديننا مبناه على القرآن الكريم وعلى ما تركه لنا النبي صلى الله عليه وسلم والذي سنرحل معه رحلة واسعة في كيفية نقله كما تكلمنا عن القرآن الكريم. فالقرآن معجزة الرسالة، فما الفرق بين معجزة الرسالة ومعجزة الرسول؟ معجزة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم رآها الناس، رأوا وهو يضع. يدُهُ الشريفة في إناءٍ بسيط فيه ماء، فإذا بالماء يفور كأنه يفور من شلال، فيكفي لسقاية جيش مكون من ثلاثين ألف إنسان وهم يتوجهون
إلى تبوك. ثلاثون ألف شخص يفيض عليهم الماء فيملؤون أوعيتهم، أي أنه لم يفض الماء الذي يكفي شرباً أو ريقاً لثلاثين ألف شخص فحسب، بل لملء أوعيتهم التي تكفيهم يوم والثاني والثالث إلى آخره، يقول ابن السبكي: وأفضل المياه ماء قد نبع من بين أصابع النبي المتبع، يليه ماء زمزم، فالكوثر، فنيل مصر، ثم باقي الأنهار. نيل مصر من أفضل المياه التي خلقها الله سبحانه وتعالى، ولذلك الحفاظ عليه هو حفاظ على نعمة من نعم الله. عليه له ثواب كالحفاظ على ماء
زمزم، كاحترام هذا الماء المقدس الذي نبع من بين أصابع النبي صلى الله عليه وآله وسلم. أما إهانة النيل والتعدي عليه وتلويث مياهه فهي جريمة تساوي الانتهاك وعدم القداسة والحرمة للمياه التي أنعم الله سبحانه وتعالى بها على المصريين وعلى هذا البلد الأمين أفضل. المياه ماءٌ قد نبع من بين أصابع النبي المتَّبع، يليه ماء زمزم، فالكوثر، فنيل مصر، ثم باقي النهرين. والكوثر إنما هو ماء نهر في الجنة، حُمِل عليه قوله تعالى "إنا أعطيناك الكوثر"، يعني ذلك النهر الذي هو
في الجنة، حتى إن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن نهر النيل. والفرات وسيحون وجيحون في الهند من أنهار الجنة لما لهذه الأنهار من مزية خلقها الله سبحانه وتعالى لحكمة ارتآها أن تستقر هذه البلاد وتكون بلادًا آمنة وإن شاء الله إلى يوم الدين. نحن الآن معنا معجزة الرسول، معجزة الرسول رأوه وهو كان يخطب على جذع نخلة أمام الناس في يوم. الجمعة الماضية أتت امرأة وقالت: عندي عبد رومي يستطيع أن ينشئ لك منبراً تقف عليه، فصنع المنبر من ثلاث درجات، وكان هذا
المنبر من خشب يُسمى عندهم عيداناً، والعيدان هذا نوع من أنواع الخشب فيه قوة وصلابة. ووقف النبي صلى الله عليه وسلم يخطب على هذا، وجعل جذع النخلة الذي كان يقف عليه حتى يصل صوته إلى آخر المسجد، جعله بجوار المنبر. الصحابة كلهم أمامهم في يوم الجمعة سمعوا صوتاً لهذا الجذع، فسُمي هذا الصوت بحنين الجذع. حنين الجذع معناه صوت وكأنه بكاء، كأنه يبكي لأن النبي صلى الله عليه وسلم فارقه. نزل النبي صلى الله عليه وسلم وهو
يشير. لنا بالاهتمام بالبيئة وبالاهتمام بالأشياء، وأن هذه الأشياء التي حولنا إنما هي تسبح وتعبد ربها، ولها نوع من أنواع الاحترام وعدم العدوان عليها. نزل رسول الله من المنبر واحتضن الجذع فسكن، وتكلم بشيء خفي لم يسمعه الصحابة، فقالوا له: "ماذا قلت له يا رسول الله حتى يسكن؟" قال: "قلت له..." ألا تحب أن تكون رفيقي في الجنة؟ فسكن. هذا الكلام حدث أمام الصحابة، ولذلك كانوا يقولون وهو يقول: "سأقول إخواني إخواني". قالوا: "نحن إخوانك يا رسول الله". قال: "أنتم أصحابي، كيف تكفرون وأنا فيكم؟" يعني ما أنتم ترون ليل نهار هذه المعجزات. كل
هذه كانت معجزات الرسول التي لم نرها. سمعنا عنها لكن لم نرها، قد يتشكك بعضنا فيها، لكن معجزة الرسالة باقية بحالها وكمالها. نتكلم عنها في حلقات قادمة. إلى لقاء آخر، أستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.