هذا ديننا | 09 | حول القراءات والاعجاز القرآني | أ.د. علي جمعة

هذا ديننا | 09 | حول القراءات والاعجاز القرآني | أ.د. علي جمعة - هذا ديننا
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. أيها الإخوة المشاهدون وأيتها الأخوات المشاهدات في كل مكان، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً ومرحباً بكم في حلقة جديدة من حلقات "ديننا في ديننا رأينا". القرآن الكريم معجزة بكل المقاييس، معجزة في حفظه عشر مرات يحفظ القرآن الكريم وهو أيضاً معجز في خدمته،
خدم القرآن الكريم بطريقة عجيبة غريبة. تلك القراءات العشر، جاءنا رجل اسمه الإمام الشاطبي، وبعد ذلك جاءنا رجل اسمه الإمام محمد بن محمد الجزري، فألف كتاباً سماه طيبة النشر، وألف كتاباً اسمه النشر. الشاطبية قصيدة والطيبة قصيدة أخرى وفي... هذه القصائد رمزوا لكل إمام من الأئمة عند الشاطبي السبعة وعند ابن الجزري العشرة، رمزوا لكل واحد منهم برمز، وهذا الرمز يأتي من
حروف الهجاء الأولى التي كانت مرتبة على الأبجدية: أبجد هوز حطي كلمن صعفص قرشت ثخذ. أخذوا الناس من ليلى مراد أبجد هوز حطي كلمن، شكل الأستاذ. أصبح منسجماً. حافظون الجزء الأول فقط "أبجد هوز حطي كلم" لأنهم سمعوها في الأغنية، والأغنية جعلتهم يحفظونها، لكنها ثمانية وعشرون حرفاً. بعد "أبجد هوز حطي كلم" يأتي "صعف صرشت ثخذ ضظغ"، وبهذا الشكل يكون لدينا ثمانية وعشرون حرفاً. فكنا ونحن نستخدم الترقيم نقول ألف باء جيم دال، وليس ألف باء وهكذا لا ألف باء جيم
دال هاء واو زاي وما زال إلى اليوم بعض الناس يرتبون هذا الترتيب ويسمونه الأبجدية، والثانية ألف باء تاء ثاء يسمونها الهجائية، هذه حروف الهجاء وهذه حروف الأبجدية. القرآن استُخدم في مسألة القراءات هذه بالشاطبية وبالطيبة، ورُمز لكل إمام منهم بالرمز الخاص به ويأتي بقراءته عندما تجلس متأملاً في هذا التكوين أنه رمزٌ يرمز فيه الإمام، ثم هذا الإمام نفسه يأتي باللفظة التي يخالف فيها الإمام الآخر. هذه هي "يخادعون" أو "يخدعون"، هذه هي "كذبوا" أو "كذبوا"، هذه هي "أمرنا" أو "امرنا"،
هذه هي "فتبينوا" أو "فتثبتوا"، معجزة لأنه موزون أيضاً على... البحر! كيف استطاع هذا الشخص أن يركب هذه التركيبة العجيبة الغريبة التي تحتاج إلى ذهن متوقد وإلى ملكة لا نهائية في الشعر وإلى تمكن غريب من هذه القراءات العشر؟ عندما أذهب لأتعلم القراءات العشر، يقولون لي: يجب عليك أن تحفظ الشاطبية لأنك لن تتمكن من معرفة هذا البحر. الهائل أنك لا تدركه إلا عندما تحفظ الشاطبية. حفظت الشاطبية، قالوا لي: "لا، هؤلاء سبعة فقط، ونحن نريد عشرة". فجاء
شخص وأكمل الثلاثة الناقصين بالدرة. إذاً يجب عليك أن تحفظ لكي تكون معك العشرة: الشاطبية سبعة والدرة ثلاثة. فعندما أحفظ متن الشاطبية ومتن الدرة، أكون قد حصلت على العشرة، وهذا الطريق الثاني طريق الطيبة يقول لي: أنتَ إذن اقرأ الطيبة هذه واحفظها. كان شيخنا إسماعيل الهمداني وشيخنا الشيخ عبد الحكيم عبد اللطيف ومشايخنا بل وأقراننا حافظين الشاطبية وحافظين الطيبة وحافظين القرآن. ما هذا؟ هذه معجزة! معجزة أن نحفظ كل المتون هذه. وكنت وأنا أقرأ على الشيخ إسماعيل الهمداني يأتيه. رجلٌ قرويٌّ، أي يرتدي طاقيةً وجلباباً من جلابيب الفلاحين، وبعد ذلك يجلس
يستمع وأنا أتلو على الشيخ أو نحو ذلك، فإذا به يدخل ليناقش في بيتٍ من بيوت طيبة أو في بيتٍ من بيوت الشطبية. مَن هذا؟ أنا لو قابلته في الخارج لا أتصور إطلاقاً أنه عالم، كيف يحدث هذا؟ المعجزة أنها هذا لأنه القرآن، لو كان أي كتاب آخر ما جذب القلوب إليه، لو كان أي كتاب آخر لم يكن هذا الحال حوله. فمن معجزة القرآن أنه خُدِمَ على أعلى مستوى، كلما عاش الإنسان لنفسه هكذا وخالط هذا المعنى الذي قد لا يدركه كثير من الناس، كلما تمسك بهذا. الدين وتمسّك بهذا القرآن ورأى المعجزة أمام عينيه وتذكر قول النبي صلى
الله عليه وسلم: "كيف تكفرون وأنا فيكم"، وكيف نكفر والقرآن فينا. بالرغم من كل البلاء الذي يفعله النابتة لتشويه الإسلام والمسلمين في العالمين، إلا أن الناس ترانا متمسكين بالإسلام. أي إسلام هذا؟ هذا الإسلام المعجز، هذا الإسلام الذي رضي الله عنه، هذا الإسلام الذي أراده الله ديناً للعالمين، وهو الكلمة الأخيرة التي بلّغها الله سبحانه وتعالى للبشرية حتى يُخرجهم من ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة، ويُخرجهم من ظلم العباد إلى عبادة الله سبحانه وتعالى، ويُخرجهم من التكالب على الدنيا فتكون في أيديهم ولا تكون في قلوبهم إلى آخره. تلك المعاني الرائقة الفائقة التي تبدأ ببسم الله الرحمن الرحيم، ولذلك رأينا بأعيننا
معجزة القرآن. معجزة القرآن كما ذكرنا من قبل تتمثل أيضاً في قضية رسم القرآن، فالقرآن قد رُسم بطريقة معجزة، وذكرنا قبل ذلك كلام أبي بكر الحداد الحسين رضي الله تعالى عنه وهو يقول إنه معجز في رسمه. كما أنه معجز في نظمه فكيف هو معجز في رسمه ومعجز في لفظه. أما إعجاز الرسم فنحن وجدنا أشياء حيرتنا ولكن مع هذه الحيرة إلا أننا حافظنا عليها كما هي. من ضمن
هذا أننا وجدنا في سورة البقرة "إبراهيم" تكتب من غير ياء كأنها تصبح "ابراهيم" وفي سائر القرآن تكتب. بالياء خارج البقرة يعني لماذا إما أن تكتبها من غير ياء ويصبح هو القملة هكذا وانتهى الأمر، وإما أن يكون لها علة يعني مثل "مائة"، نضع لها ألفاً، طيب هي تُنطق "مائة" ولا تُنطق "مائة" من غير ألف، فقال إن الأصل هو أنهم كانوا يضعون الألف هذه لأن. يُميزونها من قوله في العقود القديمة "منه". فما هي "مائة"؟ يمكن أن تُقرأ "منه"، فلكي نقول: "لا، هذه
مائة درهم" وليست "منه درهم"، أي: دِنتَ منه درهماً، نعم، يكون درهماً واحداً، لكن "مائة درهم" ستكون مائة درهم. ولذلك، لأجل إزالة هذا اللبس، وضعوا ألفاً. هذا مثل "طه" التي لا نكتب آية لأنها في الأصل في القرآن من الحروف المقطعة مثل (الم)، نكتبها هكذا (الم). فقط الرمز الخاص بها، ولا نكتبها "ألف لام ميم" مثلاً. ولم نكتب (الم) كـ "ألف" و"لام" و"ميم"، بل نكتبها "ألف لام ميم"، يعني يمكن أن تُنطق "ألم"، "ألم نشرح لك صدرك". يمكن أن تنطق هكذا، لكن القرآن سُنّة مُتَّبَعة في القراءة، نقرؤه على الشيخ، ليس من المصحف فقط، بل
نقرؤه على الشيخ أو نسمعه من إذاعة القرآن الكريم أو من الأقراص المدمجة، أو كما كنا نقول قديماً من الأسطوانة أو الشريط. يجب أن نسمع القرآن الكريم لأنه مَتْلُوّ، لأنه في تلاوة من غير ياء، ووجدناها خارج سورة البقرة بالياء. في كل القرآن، تقرأ سورة سيدنا إبراهيم، تقرأ "ليا إبراهيم" بالياء. لماذا؟ لا أعرف الآن. أنا لا أعرف. حسناً، سأتركها كما هي، لأن هذه الأمور هي التي أرشد النبي عليه الصلاة والسلام الناس إليها. فسألني شخص وقال لي: "هل كان النبي يعرف؟" يقرأ ويكتب، لا، ما كان يعرف القراءة والكتابة، ولم يكن أبداً يخط بيمينه وإلا لارتاب المبطلون، لكن الله
أوحى إليه: ضع الآية هذه هنا، وضع لها، وهذه معجزة ثانية أنه مع أميته صلى الله عليه وسلم فهو مؤيد وموفق من الله دائماً بحيث أنه قد ترك هذا القرآن على مراد الله وكان يعرضه على جبريل كل رمضان يقرأه مرة، ولكن في آخر رمضان قرأه مرتين. رحمة امرأة مرة نجدها بالتاء المفتوحة ومرة نجدها بالتاء المربوطة التي تُنطق هاءً عندما نقف عليها. لماذا؟ لا نعرف. حسناً، وظللنا نتتبع عجائب الرسم، مرة "أن" و"لا"، ومرة "إلا" دائماً، بالرغم...
أننا نلفظ كلمة من المرتين، فإذا كان هناك سر وراء ذلك، فما هو هذا السر؟ حاول ابن المراكشي أن يؤلف كتاباً اسمه "البيان" يحاول فيه فك شفرة هذه الكتابة التي نسميها الخط العثماني أو الإملاء العثماني. نجح في أمور ولم يستطع النجاح في بقية الأمور. حاول أحد المعاصرين اسمه شلتوت عبد الحميد شلتوت أن يفك بعض الأمور، فك بعض الأشياء. حاول شخص أن يُدخل القرآن في الحاسوب فوجد عجباً عجاباً، وهذا سنتناوله في حلقة أخرى لأن شرحه يطول. إلى لقاء آخر، أستودعكم
الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.