هذا ديننا | 15 | المحكم والمتشابه | أ.د. علي جمعة

هذا ديننا | 15 | المحكم والمتشابه | أ.د. علي جمعة - هذا ديننا
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. أيها الإخوة المشاهدون والأخوات المشاهدات في كل مكان، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أهلاً ومرحباً بكم في حلقة جديدة من ديننا. تكلمنا عن القرآن كيف نزل، وتكلمنا عن غار حراء، وتكلمنا أن القرآن إنما هو معجزة رسالة باقية عبر الزمان وفي كل مكان وأنه
كالنبي المقيم وأنه هدى للمتقين وحتى يصير هدى للمتقين يجب علينا أن نبحث فيه وأن نتأمله وأن نتدبره وأن نسير في هداه بتقوى الله سبحانه وتعالى واتقوا الله ويعلمكم الله وحتى نصل إلى هذا تكلمنا عن السنن الإلهية التي هي نحو تسعين سنة في كتاب الله ترشدنا إلى الحقائق التي خلق الله الكون عليها، وتحدثنا عن المبادئ العامة التي تفيد في كل علم، وتحدثنا عن أن القرآن جملة واحدة، ولذلك لا يصلح أن نكفر ببعضه وأن نؤمن ببعض، وأنه قد بدأ ببسم الله الرحمن الرحيم، فهذا
هو قاعدة الهرم. وأن قلب الهرم إنما يؤدي إلى الانهيار وإلى العنف وإلى الدم، وكل ذلك الإسلام مع قوته، وأن الله يحب المؤمن القوي وهو خير عنده وأبر من المؤمن الضعيف، إلا أن في كل خير، فإنه مع هذا يأمر بالرحمة وينهى عن الفحشاء وعن المنكر ويجعل المسلم دائماً كالوردة في هذا العالم. يحبها الناس في منظرها وفي رائحتها وتسر الناظرين أيضاً. من أجل أن يتحول القرآن في حياتنا إلى كتاب هداية يجب علينا
أن نقف وقفة جادة حول قضية المحكم والمتشابه، فبعضهم يرى أن بعض الكتاب إنما هو محكم وبعض الكتاب متشابه، وهذا رأي كثير من الأولين، ولكن عند التأمل نرى أن الله سبحانه وتعالى نص بأنه كتاب أحكمت آياته، هكذا بالمطلق. كل آيات القرآن الست آلاف ومائتين وستة وثلاثين آية محكمة بنص القرآن: "كتاب في سورة هود أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير"، وهناك في سورة فصلت يبين أنها قد فصلت
فعلاً، ولكن قضية المحكم والمتشابه يجب على الباحثين... أن ينظروا إليها نظرة أخرى، كلامنا إنما هو في آية سورة آل عمران، كتاب يقول ربنا سبحانه وتعالى: "هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون". في العلم يقولون آمنا به
كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولو الألباب. هذه الآية هي التي دفعت كثيراً من الناس إلى تقسيم القرآن إلى محكم ومتشابه، إلا أن هناك ما يُسمى بالقيد أو أن هناك ما يُسمى بالصفة يبدو أنها قد لم يُلتفت إليها بهذا المعنى إلا أن... كثير من العلماء التفتوا إليه: "هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ". لا يجوز أن نقف عند هذا "مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ"، لو كان قال ربنا "وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ" لكان يأتي هذا، لكنه لم يقل هذا. قال: "مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَمِنْهُ آيَاتٌ
مُحْكَمَاتٌ" ولكنها متشابهات، كأن النص... هكذا منه آيات محكمات هو محكم كله منه آيات محكمات سنسميها بأم الكتاب. القسم الأول من القرآن هو أم الكتاب، وهناك قسم آخر محكم لكنه متشابه بينه وبين الكتب السابقة. أرسل الله سبحانه وتعالى الرسل وأنزل الكتب، فأنزل التوراة وأنزل الإنجيل وأنزل الزبور وأنزل صحف إبراهيم وأنزل كتباً شتى كثيرة. لكن هناك جزء من القرآن مشابه لهذه الكتب، في هذه الكتب هناك قصة خلق
آدم، هناك في هذه الكتب قصة كيف عاش آدم بعد وقته هو وزوجته حواء في الجنة وكيف خرج، هناك في هذه الكتب قصة الأنبياء كنوح والطوفان وكموسى وما حدث مع بني إسرائيل في مصر وهكذا هذه الآيات أيضاً موجودة في القرآن بطريقة أخرى. قد يكون هناك في هذه الكتب الأولى في العهد القديم في العهد الجديد، ونحن معنا العهد الأخير الذي هو القرآن الكريم. في العهد القديم والعهد الجديد هناك معلومات حول هذه القضايا وهناك رؤية لهذه القضايا لنفس
الموضوعات. قصة يوسف موجودة في القرآن وموجودة. في القرآن آيات محكمات تفرد بها القرآن أول مرة تنزل بهذا الشكل، وهناك آيات أخرى: "إن ذلك لفي الصحف الأولى صحف إبراهيم وموسى". هناك آيات عندي وليست عند أحد، وهذا ما أسماه الله بأم الكتاب، يعني هذا هو القرآن الذي لم يرد على لسان أحد من. الأنبياء من قبل وهناك آيات محكمات أيضاً لكنها متشابهة مع ما ورد في التوراة وفي الإنجيل مصدقاً ومصدقاً لما بين يدي فهو
مصدق لما بين يديه وهو أيضاً مهيمن على هذه الكتب فما الذي نراه نرى في قصة آدم أن القرآن ذكر أن الله خلق آدم الملائكة اعترضت الله علّم آدم الأسماء كلها رد آدم هذا العلم إلى الملائكة فعرف الملائكة أن هناك غاية أخرى أسمى "إني جاعل في الأرض خليفة" هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها. أسجد الله الملائكة لآدم. أمر الله ونهى آدم وهو في الجنة، وهي ليست دار تكليف بل هي دار تشريف. عصى آدم فسوى الله في المعصية بينه وبين زوجه فأزلهما الشيطان
عنها فأخرجهما مما كانا فيه. إذا لم يحمّل القرآن المرأة إثم الخروج من الجنة أو إثم المعصية، وأن إبليس قد ضحك على المرأة وحدها، وأن هذه المرأة هي التي أغوت زوجها، لم يحدث هذا، بل إن الشيطان تسلط عليهما باعتبار ما فيهما من الإنسانية. وكلاهما أطاع هذه المعصية فوقع فيها، وكلاهما تاب إلى الله سبحانه وتعالى ورجع. بل إن الله سبحانه وتعالى لما نسب المعصية نسبها لآدم وحده ولم ينسبها لزوجته، وكانت الزوجة هنا تابعة. فتنعكس الصورة السيئة التي قد أُقرَّت على المرأة، والقرآن يصحح هذه الصورة
ويجعل المرأة نعم. عصى فأزلهما الشيطان فأخرجهما ولم يُخرِج واحداً منهما فقط مما كان فيه ولكن بالرغم من ذلك إلا أنه فعصى آدم ربه فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه آدم هو كأن كأنه هو الذي بيده المبادرة في هذه القصة في حين أننا نرى عكس ذلك في كتب أخرى فعندما يقول ربنا سبحانه وتعالى إنها أُحكِمَت آياتُه، فآياتُه كلها مُحكَمة، لكن بعضها هو أمُّ الكتاب وبعضها هو متشابه. فلو ذهبنا نجد القرآن ساوى بين
الرجل والمرأة في المعصية، والقرآن لم يتكلم عن طول آدم هناك أنه ستون ذراعاً، ولم يتكلم عن الشجرة التي أكل منها آدم وأكلت منها حواء، أي... شجرة هذه هل هي الحنظل أو التفاح أو ما تكون؟ لم يقل هذا لأننا نريد العبرة من القصص، لأن هذا القرآن مهيمن على ما سواه. كثيراً ما تتم المقارنة خاصة في سورة يوسف بين ما ورد عن سورة يوسف في القرآن وعن سورة يوسف في التوراة. هناك أشياء مشتركة وهناك... أشياء تفرد بها القرآن وهناك أشياء تفردت بها التوراة وهناك أشياء في الكتب الأبوكريفية التي هي غير معتمدة عند اليهود ولا عند المسيحيين.
هناك بعض هذه الأبوكريفية موجود في قصة يوسف وبعض هذا الموجود في قصة يوسف لا وجود له إطلاقاً عند الآخرين. كل هذا يجعلنا نقول إن القرآن كله محكم وأن التشابه إنما هو تشابه التصديق والهيمنة لما كان قبله وأنه ليس هناك كلام غير مفهوم في القرآن ولا كلام يمكن أن نستغني عنه أو أن نتجاوزه بل كل حرف في القرآن يُستفاد منه، هذه هي الفكرة التي تجعل القرآن كتاب هداية وتجعل تعاملنا مع القرآن كتعامل الصحابة. الكرام إلى لقاء آخر استودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته