هذا ديننا | 17 | الحقائق القرآنية | أ.د علي جمعة

هذا ديننا | 17 | الحقائق القرآنية | أ.د علي جمعة - هذا ديننا
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. أيها الإخوة المشاهدون، أيتها الأخوات المشاهدات في كل مكان، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً ومرحباً بكم في حلقة جديدة من حلقات ديننا. تكلمنا قبل ذلك أن أصل هذا الدين هو الكتاب والسنة، ثم أخذنا في الرحلة مع كتاب الله سبحانه وتعالى منذ نزوله إلى وصوله إلينا
في هذا العصر وأنه كتاب هداية وأنه معجزة رسالة وأنه لا تنتهي عجائبه ولا يخلق من كثرة الرد. حاولنا أن ننبه الأذهان إلى ما فيه من جوانب تلك الهداية وأنه يجب علينا ونحن نقرأه أن نتلمس فيه. السنن الإلهية وأن نتلمس فيه المبادئ العامة وأن نتلمس فيه أنه كالجملة الواحدة وأن نتلمس فيه أنه محكم في كل آياته وفي كل حروفه وأن نتلمس فيه أنه لا نسخ فيه وإنما هو محكم كله وأيضاً من كونه كتاب هداية ينبغي علينا أن
نتأمل ما يمكن أن نسميه بالحقائق والحقيقة. ليست هي من نوع السنن الإلهية ولا هي من نوع المبادئ العامة ولا هي من نوع الأحكام التي سنفرد لها حلقة بعد ذلك. "افعل ولا تفعل" هي حقيقة الأحكام. "أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا". ولكن هناك حقائق "وكان الله غفورا رحيما". هذه حقيقة وهي تتعلق بحقائق في الدنيا، هذه الحقائق تتمثل فيما يحبه
الله سبحانه وتعالى. تتبع في القرآن كلمة "والله يحب"، وتتبع في القرآن أيضاً مقابل ذلك وهو أن الله سبحانه وتعالى يكره أو لا يحب، فهو سبحانه وتعالى لا يحب الفساد وهو سبحانه وتعالى يحب المتقين. ويحب المتوكلين ويحب ولا يحب، من الحقائق صفات الله سبحانه وتعالى: العزيز، الحكيم، الغفور، الرحيم، السميع، البصير. حقائق سيتعلق بها أنه يجب علينا عندما نضع برنامجنا وأن
نستفيد من هداية القرآن الكريم أن نعرف من نعبد، فنحن لا نعبد وهماً ولا نعبد غائباً، فإنكم لا تدعون غائباً وإنكم وإنما... تدعون سميعاً بصيراً، فالله سبحانه وتعالى هو معكم أينما كنتم، والله سبحانه وتعالى لا يُسأل عما يفعل وهم يُسألون، والله سبحانه وتعالى لا يظلم أحداً شيئاً وهو لا يحب الظلم، والله سبحانه وتعالى كبير ومتعالٍ وواسع وغفور ولا يناله منا ضر، ولذلك فهو يهتم بنا كصنعته ويحبنا،
ولكن قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله. يرضى في هذه من الحقائق: "رضي الله عنهم ورضوا عنه"، رضي الله عنهم، بدأ بالرضا. الله رحمن رحيم، رحمن الدنيا كما قالوا ورحيم الآخرة. الحقائق التي قد تكون حقائق إلهية وقد تكون حقائق قد خلقها الله سبحانه وتعالى في هذا الكون وقد تكون... حقائق في النفس البشرية وهي ليست كالسنن الإلهية التي ذكرنا أن منها ما هو في الآفاق ومنها ما هو في جريان التاريخ "سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم
أنه الحق" ليست كذلك وإنما هي حقائق تُذكر، مثال للحقيقة أن الله سبحانه وتعالى لا يُسأل عما يفعل وهم. يسألون عن مثال للحقيقة أن الله سبحانه وتعالى غفور رحيم وأنه عزيز حكيم وأنه سميع بصير، وأنه معكم أينما كنتم وأنه عليم بذات الصدور. كل هذه حقائق لا علاقة لها بالأحكام المتعلقة بـ"افعل" أو "لا تفعل"، ولا علاقة لها بالسنن الإلهية ولا بالمبادئ العامة التي هي منطلق لنا في علوم شتى وجزاء سيئة مثلها، هذا مبدأ سنسير عليه في العلوم كلها. أما الحقائق فهي وصف يصفه
الله سبحانه وتعالى لنا. إذا دخلنا القرآن وأصبحت عندنا هذه العقلية الحاضرة المتدبرة المتأملة التي تقرأ القرآن وتحاول أن تستخرج منه هداية لها، فإنها ستتعود على ذلك وسترى ما لم تكن تراه من قبل، فرِّق إذا بين السنة الإلهية وتتبعها، وحاول أن تتبعها في القرآن الكريم، ثم بعد ذلك المبادئ العامة وتتبعها، حاول أن تتبعها في القرآن الكريم، ثم بعد ذلك إحكام هذه الآيات بذكر
الحقائق، فهذه الحقائق تتبعها، ثم وأنت تتبعها ضم الشبيه إلى شبيهه والنظير إلى نظيره تصل إلى قاعدة وهذه القاعدة ستراها أنه خُلق الإنسان ضعيفاً وأن الإنسان خُلق من عجل "لا تحرك به لسانك لتعجل به". حقائق حولنا وأن الإنسان خُلق فانياً "خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً" وأن الباقي هو الله وأن الحي القيوم الباقي الذي لا بداية له ولا نهاية له. هو
الله سبحانه وتعالى في الحقيقة قد تكون على حد قول الحكماء والفلاسفة: "من عرف نفسه عرف ربه"، فإذا عرفت نفسك بالحدوث وأن لك بداية وميلاداً عرفت ربك بأنه لا بداية له، وإذا عرفت نفسك بالنهاية بالموت عرفت ربك بأنه القيوم الذي لا نهاية له، هو الحي القيوم، فإنه سبحانه لا يموت، وإذا عرفت نفسك بالمحدودية عرفت ربك بأنه لا حدود لعلمه، فهو عليم بذات الصدور، يعرف كل شيء ويعلم كل شيء. وإذا عرفت أن نفسك هذه الحادثة الفانية إنما هي تحتاج إلى غيرها، عرفت ربك بأنه قائم
بذاته لا يحتاج إلى شيء من الأكوان، وهو الآن على ما. عليه كان قبل خلق هذه الأكوان سبحانه وتعالى فهو القيوم بذاته فلا يحتاج إلى أحد ولا يحتاج إلى شيء أصلاً، ولذلك فهو رب العالمين. إذا تصورنا هذه الحقائق وعرفنا ربنا بمعرفة أنفسنا، واعرف نفسك فتعرف بذلك ربك، تمسكنا بالإيمان واتضح الحال وآمنا باستقرار. إذا سجدنا، لهذا العظيم الذي هو. صاحب المنة، وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها، هذه حقيقة. فإذا جلسنا نعد نعم
الله علينا فتكفينا نعمة البصر. ولكن هناك بعض الناس قد سلبهم الله نعمة البصر لحكمة، وذلك أن من فقد حبيبتيه في الدنيا فإن له الجنة. فهذا كأننا إذا رأينا الكفيف أو الضرير فإننا نعلم أن هذا واحد من أهل الجنة لأن الله قد سلب منه نعمة من هذه النعم، نعمة الكلام، ولكن بعض الناس لا يتكلمون، ونعمة السمع، ولكن بعض الناس لا يسمعون، ولذلك وبضدها تتميز الأشياء. قال هذا الشاعر: الوجه مثل الصبح مبيضٌ، والشعر مثل الليل مسودٌ، ضدان لما استجمعا حسناً، والضد يظهر حسنه الضد. هذه الأشياء:
فقد البصر، فقد السمع، فقد النطق، فقد القدرة على الحركة، تجعلنا أكثر حمداً لله سبحانه وتعالى وأكثر تعداداً لنعمه التي لا تُعدّ ولا تُحصى. كل هذه من باب الحقائق، وإذا دخلت القرآن فابحث عن هذه الحقائق. كيف تصل إليها؟ بأن تتدبره، بأن تتأمله. كان الصحابة يقرؤون القرآن. خمس آيات خمس آيات ولا يتجاوزها إلى ما سواها حتى يتدبرها ويتأمل ما فيها من سنن إلهية ومن مبادئ عامة ومن أحكام شرعية ومن حقائق مرعية ومن مقاصد، وهكذا تأمل
القرآن. عش مع القرآن، لا تقرأ سرداً هكذا كما تقرأ الصحيفة، لا تقرأ ولا تقف عنده. والعجيب أنك في كل... مرةً سوف تلاحظ في نفس الآية التي قد استنبطت منها واستخرجت منها سنة أو مبدأ أو حقيقة أو حكماً شيئاً آخر، وتتعجب كيف أن هذا قد فات عليك ولم يخطر ببالك. ولذلك كان الصحابة يقولون أن رسول الله لم يترك لنا إلا هذا القرآن وإلا فتحاً يفتح الله به على فهناك الكثير في فهم القرآن الذي لا تنتهي عجائبه. إلى لقاء آخر، أستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.