هذا ديننا | 19 | منظومة القيم والأخلاق| أ.د علي جمعة

هذا ديننا | 19 | منظومة القيم والأخلاق| أ.د علي جمعة - هذا ديننا
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. أيها الإخوة المشاهدون، أيتها الأخوات المشاهدات في كل مكان، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً ومرحباً بكم في حلقة جديدة من حلقات ديننا. تكلمنا عن مصدريْ الإسلام: القرآن
والسنة، ونحن لا نزال نبحر مع القرآن الكريم نريده كما أراده الله سبحانه وتعالى أن يكون كتاب هداية، ولا يمكن أن يكون كذلك إلا للمتقين. كيف ندخل إلى الكتاب نستهديه ونطلب هدايته؟ يجب علينا أن نتدبره وأن نلتفت ونحن نقرأ إلى استخراج السنن الإلهية في الآفاق وفي الأنفس وفي المجتمعات وفي جريان حركة التاريخ هذه السنن. الإلهية التي بنى الله عليها الكون وخلقنا، فمن سار في ركابها فهو المهتدي، ومن عاندها فإنما يكون قد سار ضد التيار، فإنا
لله وإنا إليه راجعون. وثانياً، لا بد علينا أن نبحث وأن نفتش وأن نتأمل وأن نتدبر، وأن نقف عند كل كلمة وكل آية، وأن نُعمِل الفكر حتى نستخرج. المبادئ العامة التي ننطلق منها في كافة العلوم وفي سائر الأحوال، هذه المبادئ العامة أسس لها، واستُخرِجَ أكثر من ثلاثين مبدأً عاماً يصلح في علوم الإنسان وفي علوم الاجتماع وفي الحياة وفي القضاء وفي غير ذلك من شأن الإنسان. كذلك تكلمنا على أن القرآن هو جملة واحدة، وتكلمنا على أنه كله محكم وليس
فيه متشابه، وإنما التشابه الذي فيه هو مشابهته للكتب السابقة، العهد القديم والعهد الجديد، باعتبار أن القرآن هو العهد الأخير كما أراده الله سبحانه وتعالى. وكذلك تكلمنا عن أنه لا نسخ فيه، وأنه كله يؤخذ منه الهداية في كل حرف وفي كل سكنة منه. تكلمنا أيضاً عن أنه يشتمل على حقائق بعضها حقائق إلهية وبعضها حقائق كونية خلقها الله سبحانه وتعالى في هذا الكون، وتكلمنا كذلك عن أنه يشتمل على أحكام، واليوم نتكلم على أنه يشتمل على منظومة أخلاقية
قيمية، وإذا تأملنا القرآن ووقفنا عند كل كلمة فيه فإننا نرى أن الله سبحانه وتعالى قد وصف نفسه بصفاتٍ عديدة حتى زال عند عقل المسلم كل جهالة وكل غموض حول قضية الإله. منع الله سبحانه وتعالى أحداً أن ينظر إليه، أي أن "لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار"، ثم إنه مخالف لكل ما يرد في ذهن الإنسان، "ليس كمثله شيء وهو السميع البصير"، ولذلك فالله سبحانه وتعالى واحد أحد
فرد صمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد والرب رب والعبد عبد وهناك فارق بين المخلوق والخالق هذا هو الذي درج عليه المسلمون وكل ذلك نتج من صفات الله في القرآن الكريم وصفات الله في القرآن الكريم أكثر من مائة وخمسين صفة وصف نفسه بأنه رحمن وبأنه رحيم وبأنه حي وبأنه قيوم وبأنه ملك وبأنه قدوس وبأنه سلام وبأنه مؤمن وبأنه مهيمن وبأنه عزيز وبأنه جبار وبأنه منتقم وبأنه عفو غفور ووصف نفسه بصفات كثيرة، لو عددنا هذه الصفات في القرآن الكريم لوجدناها أنها نحو مائة
وخمسين صفة تصفه لأنه هو ذو الجلال. والإكرام وهو مالك يوم الدين وهو الخالق البارئ المصور الغفار القهار الوهاب الرزاق الفتاح العليم ويتساءل الناس ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أن لله تسعة وتسعين اسما مائة إلا واحد من أحصاها دخل الجنة فكيف هذه مائة وخمسين لا الله أنزل أسماء كثيرة في الكتاب ورسوله صلى الله عليه وسلم أيضاً وصفه بصفات كثيرة في السنة النبوية المشرفة، فالذي ورد في
القرآن مائة وخمسون اسماً، والذي ورد في السنة أكثر من مائة وستين اسماً، وإذا ما قرنّاهما - قرنّا ما ورد في القرآن وما ورد في السنة - وحذفنا المكرر، يصبح المجموع مائتين وعشرين اسماً، كلها أسماء الله الحسنى، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "اللهم إني أسألك بكل اسم هو لك، أنزلته في كتابك، أو علمته أحداً من خلقك" - قد يشير إلى نفسه صلى الله عليه وسلم - "أو استأثرت به في علم الغيب عندك". وكانت العرب إذا أحبت شيئاً أو خافته أكثرت من أسمائه، فوجدناهم يسمون. الخمر لأنهم يحبونها بتسعين اسماً، ولرأينا أنهم يسمون الأسد
بنحو سبع مائة اسم الأسد لأنهم كانوا يخافونهم. إذا عندما أتى القرآن فإنه أخبرهم بأسماء كثيرة تصف الله سبحانه وتعالى، فإذا منها هذه التسعة والتسعين، لكن ما ورد في الكتاب أكثر وما ورد في السنة أكثر وأكثر، إلا أن ما ورد في الكتاب والسنة وهو أكثر من التسعة والتسعين، وتُعتبر هذه التسعة والتسعون في رواية الترمذي عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن لله تسعة وتسعين اسماً، مائة إلا واحداً، من أحصاها دخل الجنة. يقول ربنا سبحانه وتعالى: "ولله الأسماء الحسنى فادعوه
بها". إذا جئنا بهذه الأسماء التي وردت في الكتاب والسنة أيضاً مائتين وعشرين اسماً لوجدنا أنها تمثل منظومة القيم في حياة المسلمين. منظومة القيم تتمثل في أن هذه الأسماء على ثلاثة أقسام: القسم الأول هو الجمال، من أسمائه الرحمن، الرحيم، العفو، الغفور، الرؤوف، وكلها أشياء تتعلق بالجمال. وهناك صفات تتعلق بالجلال: المنتقم، الجبار، مالك الملك، ذو الجلال والإكرام. شديد المحال، وهكذا، وهناك
صفات أخرى تتميز بالكمال، وهي ما نسميها حتى بالأسماء المزدوجة: الضار النافع، السميع البصير، المعز المذل، الرافع الخافض، وهكذا أسماء لا نقرأها وحدها، إنما نقرأها مع الاسم الآخر حتى يتم الكمال. هو الذي يعني بيده ملكوت كل شيء، وهو السميع البصير، وهو المعز المذل، وهو المحيي. المُميت وهو النافع الضار، يعني كل شيء في هذا الكون إنما يتم باسمه. هذه منظومة للقيم: الجمال والجلال والكمال، ثلاثة أشياء: جمال وكمال وجلال. فما
الذي عليّ أن أفعله كمكلف؟ عليّ أن أتمسك بتخلق الجمال. أمرني ربي أن أكون رحيماً ورؤوفاً وغفوراً وعفواً. ألا تحبون أن يغفر الله لكم؟ النبي. عليه الصلاة والسلام وهو يعلمهم هذا المعنى: تحاسبون الناس وتقفون على كل شاردة وواردة، ألا تحبون أن يتجاوز الله عنكم فتجاوزوا عن عباده، يتجاوز الله يوم القيامة عنكم. أسماء بُنيت عليها قيم أتخلق بها، وأيضاً هذه التي للجلال لا أتخلق بها، فلا أكون منتقماً ولا شديد المحال، هذا أمر
لصاحب الكون. فقط وأن الكبرياء ردائي ومن نازعني ردائي أخذته ولا أبالي، ففي أشياء خاصة بالله سبحانه وتعالى منها الكبرياء لأنه صاحب الكون، لأنه هو صاحب النعمة، لأنه سبحانه وتعالى يستحق كل إجلال وكل احترام وكل تقديس وكل عبادة وكل تفريد وتوحيد له سبحانه وتعالى، فنحن لا بقاء لنا أصلاً في هذا. الوجود إلا به وبأمره وبإمداده الذي يمدنا به منظومة للقيم، هذه المنظومة ينبغي علينا أن نعيش فيها، منظومة القيم: الجمال والجلال، التخلق والتعلق. أنا أتعلق بهذه الصفات ولا
أتخلق بها، ويبقى القسم الثالث وهو الكمال، والكمال عندنا يعني التصدق والتصديق، أي أنني أصدق به. فإذا أتعلق بالجلال وأتخلق بالجمال وأصدق الكمال. أصدق هذه الصفات مع ربي سبحانه وتعالى وهذا يؤثر تأثيراً قوياً وواضحاً مع الإيمان باليوم الآخر في سلوك الإنسان. سلوك الإنسان ينبغي أن يندرج تحت هذه المنظومة القيمية التي وضح الله فيها شأنه وما ينبغي علينا أن نقوم به في
هذه الحياة الدنيا من خلال صفاته الحسنى العلا إلى اللقاء. آخر... أستودعكم الله. والسلام عليكم ورحمة الله