هذا ديننا | 23 | أقسام السنة النبوية ودلالالتها | أ.د. علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. أيها الإخوة المشاهدون والأخوات المشاهدات في كل مكان، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً ومرحباً بكم في حلقة جديدة من "ديننا". رأينا كيف وفق الله المسلمين لحفظ السنة المشرفة، تحقيقاً لمعجزة القرآن الذي أمرنا سبحانه أن نتبع النبي وأن نأخذ
عن النبي، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول ذلك كذلك فيقول: "صلوا كما رأيتموني أصلي"، ويقول: "خذوا عني مناسككم". فدائماً كانت عيون الصحابة الكرام على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولذلك فقد جاءت الروايات، وبالرغم من ذلك إلا أن تنبّه المسلمون إلى أن هناك من الروايات ما هو قطعي ومنها ما هو ظني، أما القرآن فهو قطعي الثبوت، بمعنى أنه قطعي في ثبوته وفي نقله على مستوى الحرف. لم يتغير من القرآن شيء على مستوى الحرف والأداء، لم
يتغير من القرآن شيء، وعرفنا قبل ذلك القراءات العشر وكيف. نُقلت وأنها زيادة في معجزة القرآن، فالقرآن لم يُحفظ بقراءة واحدة بل حُفظ بعشر قراءات، وكلها محفوظة إلى يوم الناس هذا وإلى يوم الدين إن شاء الله. السنة لم تكن كذلك لأن السنة هي البيان المعصوم والتطبيق المحفوظ المعصوم من عند رب العالمين للكتاب، وما معنى البيان وما معنى التطبيق؟ التطبيق معناه أنه قد راعى زمنه، وحينئذ فنحن لا نقف عند زمن النبي ولا نعيش زمن النبي، بل نعيش دين
النبي ونعيش منهج النبي صلى الله عليه وسلم. هنا فارق كبير بين من يريد أن يعيش زمن النبي وهو لا يمكن أن يعيش، فقد اختلفت الاتصالات والمواصلات والتقنيات الحديثة واختلف. البرنامج اليومي لما نعيشه عن حياة النبي: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن ينتقل إلى الشام انتقل إلى الشام في نحو شهر من مكة، وكان إذا أراد أن ينتقل إلى المدينة انتقل إلى المدينة في نحو أسبوعين. كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد وكذلك
عمر وكذلك الشيخ الباجوري في القرن التاسع عشر، ولكن الآن نحن ننتقل إلى الأراضي الحجازية، وكنا نستغرق في رحلة الحج نحو شهر، والآن ننتقل إليها في ساعتين. لقد تغير الوضع وتغير البرنامج اليومي للإنسان بالاتصالات وبالمواصلات وبالتقنيات الحديثة واختلاف البرنامج اليومي، فلا يمكن أن نحيا زمن النبي ولكننا نريد أن النبي ودين النبي يتجاوز الزمان والمكان، ودين النبي صلى الله عليه وسلم إنما يدلنا على المناهج التي نتخذها في المواقف المختلفة. ومن أجل هذا فإن العلماء قد قسموا السنة إلى متواتر
مثل القرآن، وهو عدد قليل من الأحاديث، منها حديث: "من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار". هذا الحديث بهذا اللفظ وبهذه الكيفية ورد عن نحو مائة وعشرين من الصحابة الكرام، تواتر بهذه الكيفية تواترًا قليلًا، حتى أن حديث "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى" هو حديث مهم وموجود في تقريبًا كل الكتب ونصدر به مداخلنا، إلا أنه آحاد وليس متواترًا. سيدنا عمر خطب مرة في الصحابة. الكرام وهم حضور وقال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنيات
وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو إلى امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه". هذا الحديث وإن كان مشهوراً مستفيضاً. لدينا الآن إلا أنه في عُرف العلماء هو من الآحاد، ولذلك قسَّم العلماء السنة إلى متواتر وإلى آحاد. الآحاد معناها أن الحديث قد رُوي بسند واحد أو بسندين أو بثلاثة. أما الواحد فيسمى غريبًا، يعني هذا غريب. والغريب ليس معناه أنه ضعيف، الغريب هو حديث صحيح لكن
ذُكر بسند واحد. هناك غريب نسبي وهناك غريب مطلق، والغريب المطلق أن يكون من صحابي واحد، وإذا كان بسندين فهو عزيز، وإذا كان بثلاثة إلى خمسة وسبعة وما إلى ذلك فهو مشهور. وأحياناً يسمون المشهور مستفيضاً، وبعض العلماء القدماء أطلق على المتواتر مستفيضاً وعلى المشهور مستفيضاً. ومستفيض أي من الإفاضة مثل الفيضان. هذا جعلنا نقسم السنة إلى آحاد، ثبوت حديث الآحاد ظنية وستظل كذلك إلى
يوم الدين، ظنية وليست قطعية. المتواتر قطعي، والمتواتر ما ليس معنا سوى مائة حديث متواتر أو أقل، والمتواتر هو بأسانيد كثيرة جداً مثل القرآن. هل هذا التواتر ما زال متواتراً إلى الآن أو يمكن أن يصيب التواتر الأحاديه الأحاديث يمكن أن يصيب تواتر شيئًا من الأحاديث، فأصبحت أنا وأنا في الزمن المتأخر هذه الأحاديث ليست متواترة عندي، وكانت متواترة في وقت ما. كل هذا في الثبوت، فنحن نأخذ كل هذا لأننا معنا هذا الذي سوف نتحدث عنه بعد ذلك في قضية النص ومفهوم النص هذا.
سوف يحل لنا كل شيء وسنرى دين الإسلام وهو شامخًا في وسط العالمين المعاصرين وليس الماضين لأنه لا يقف عند المسائل بل يأخذ بالمناهج لأنه يتغير بمصالح العباد لأنه يحافظ على المقاصد الشرعية المرعية من حفظ النفس وحفظ العقل وحفظ الدين وحفظ كرامة الإنسان وحفظ مال الإنسان وملكه لأنه يراعي المآلات مآلات الأفعال مآل الفعل الذي ستفعله هكذا خير أو شر فساد أو إصلاح لأنه عنده فك للتعارض ولأنه كتاب الله المسطور الذي تكلمنا عنه وهو
الوحي وكتاب الله المنظور وهو الكون كلاهما من عند الله فلا يتعارضان فليس عندنا ما يعارض العلم ولا ما يعارض التجريب ولا ما يعارض الكون ولذلك يقف الإسلام شامخاً دون هذه المهاترات التي تتم على السنة المشرفة، وسوف نرى ذلك تفصيلاً ونرى كيف أن الزمان واجتهادات الفقهاء في زمانهم لينالوا المصلحة وليدرؤوا المفسدة وليقيموا المجتمعات. هذه المسائل ليست ملزمة لنا في أي عصر من العصور وإن تعلمناها وإن عرفناها وإن فهمناها، لماذا؟ لأننا متمسكون. بالكتاب والسنة بفهم الصحابة الكرام وبفهم الأئمة
الأعلام نأخذ مناهجهم ولا نقف عند أزمانهم أو مسائلهم. الفارق الكبير بين أن أعيش زمن النبي أو زمن الأئمة المجتهدين من باب أولى، وأن أعيش دين النبي فارق كبير. نحن نعيش دين النبي، دين الحب، دين الرحمة الذي بدأ فقال: بسم الله. الرحمن الرحيم كما ذكرنا من قبل من قراءة القرآن كجملة واحدة، هذا الحب المؤسس على الرحمة أو هذا الحب المنبثق من الرحمة هو الذي سينجينا، ولذلك ترى أكثر الداخلين في الإسلام في العالم الغربي دخلوا من باب مولانا جلال الدين الرومي لأنه تكلم كثيراً عن الحب وتكلم كثيراً عن
أن الحب هذا هو أساس الإنسانية وهو أساس الحياة بأكملها، وكان النبي صلى الله عليه وسلم طاقة حب كبيرة، وسنروي في هذا أشياء كثيرة. كان النبي صلى الله عليه وسلم طاقة حب جذبت إليه العالمين في عصره وفي غير عصره. أبو لهب كان يحب النبي صلى الله عليه وسلم حتى أنه طلب رقية وأم كلثوم لابنيه عتبة وعتيبة وذلك من شدة حبه للنبي، إلا أن الله قد كتب عليه أن أغلق قلبه فلم يؤمن وآذى النبي صلى الله عليه وسلم. وأمرت أروى زوجته حمالة الحطب ابنيها بأن يتركوا ابنتي النبي
صلى الله عليه وسلم، والحمد لله لم يدخل عتبة. وعتبة بالسيدة رقية والسيدة كلثوم بل طلق كل واحد منهما زوجته، إذ كانوا قد كتبوا الكتاب فقط، فطلق كل واحد منهما زوجته وتزوج سيدنا عثمان بالسيدة رقية وبالسيدة كلثوم، فكان ذا النورين رضي الله تعالى عن الجميع. والحمد لله الذي جعلنا مسلمين، تاريخنا مشرف وواقعنا مشرف، وسنبين ديننا للعالمين، للمسلمين إلى لقاء آخر، أستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.