هذا ديننا | 32 | مقدمة حول النظريات السبعة | أ.د. علي جمعة

هذا ديننا | 32 | مقدمة حول النظريات السبعة | أ.د. علي جمعة - هذا ديننا
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. أيها الإخوة المشاهدون والأخوات المشاهدات في كل مكان، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلا ومرحبا بكم في حلقة جديدة من برنامج ديننا. تكلمنا عن أن هناك فارقا بين عقلية العلماء وعقلية المفسدين في... الأرض وأن المفسد في الأرض يدعي أنه يحب
الله ورسوله ويدعي أنه يعتمد على القرآن والسنة ولكن بغشاوة على عينيه وبغباوة في عقله وأن العلماء عبر العصور كانت لهم طريقة في الفهم ونريد أن نتعمق في هذه الطريقة فبضدها تتميز الأشياء فإذا عرفنا الحق عرفنا منه أن ما يخالفه هو باطل، وإذا عرفنا الصحيح عرفنا أن ما يخالفه هو السقيم، وهكذا وعدناكم برحلة من ذهن الإمام الشافعي، أو نسير سوياً في رحلة في ذهن الإمام
الشافعي رضي الله تعالى عنه وأرضاه. كيف كان يفكر؟ كيف كان يفكر؟ هذا شيء لا بد من معرفته حتى نكتشف الفوارق التي بيننا. وبين هؤلاء طريقة تفكير أي مجتهد سُمِّيَت بالنظريات السبع، سبع مراحل، سبع خطوات، سبع مواضيع متتالية يأخذ بعضها برقاب بعض. هناك انتقال منطقي بين الخطوة الأولى أو الموضوع الأول أو القضية الأولى، سمِّها ما شئت، أو المرحلة الأولى، وما بين الثانية، وبين الثانية
والثالثة، وبين الثالثة والرابعة، وهكذا، وهذه النظريات. السَّبْعُ اختصاصُها عِلْمٌ كَتَبَ فيه أوَّلَ ما كتب الإمامُ الشافعيُّ، فأخرج ما كان في ذهنه إلى الورق، وكتب الرسالة في علمٍ يُسمَّى بأصول الفقه. وأصول الفقه معناها أُسُسُ الفهم، كيف نفهم كلام الله وكلام رسوله، بل كيف نفهم كلام البشر إذا ما أردنا أن نضع عقداً للبيع أو للشراء. للوقف أو للزواج عقداً لأي تعامل كان في المزارعة في الصناعة كيف نضعه وكيف نقرؤه، يقول
أهل القانون إن العقود توضع للاختلاف، يعني العقد الذي بيني وبينك اتفاق إرادتين، نضعها من أجل ذلك الوقت الذي سأختلف معك فيه أو تختلف معي فيه حول مفهوم معين أو حول شرط معين، ولذلك. حينئذ نرجع إلى العقد المكتوب ونقرأ ونفهم ثم يصير هذا العقد شريعة المتعاقدين وحجة على الطرفين فنسير على ما اتفقنا عليه، فالمسلمون عند شروطهم، يعني يوفون بالعهد وبالوعد وبما اتفقوا عليه. فالعقود تُكتب للاختلاف أو لوقت الاختلاف، أما لو كنت أنا وأنت في شركة أو في
معاملة وليس هناك أي بيننا فإننا لا نرجع لقراءة هذا العقد الذي قد يكون فيه من الشروط ما قد تنازلنا عنه عملياً أو فيه من الأحكام ما قد تغافلنا عنه ورأينا أن الدنيا أوسع من هذا، لكن سنلجأ إليه على كل حال إذا ما اختلفنا، فالعقود عندما تُكتب للاختلاف بمعنى أننا سنرجع إليها. عند الاختلاف لتكون تلك العقود حَكَماً فيما بيننا ونلجأ إليها ونُحَكِّمها فتكون هي الشريعة بين المتعاقدين. إذاً أصول الفقه هي أسس الفهم، نريد أن نبحر فيها ونرى كيف كان يفكر أمثال الإمام الشافعي في هذه القضايا.
الإمام أحمد بن حنبل مرة رأى الشافعي وأدرك أن معه المفاتيح التي هي الأصول كان الإمام الشافعي يركب دابة والإمام أحمد بن حنبل يسير بجواره، فلامه في ذلك أحدهم وقال: "كيف تترك فلاناً وفلاناً وتسير خلف هذا الشاب"، إذ كان الشافعي شاباً آنذاك. فقال: "لو فاتني أولئك أدركتهم، أما لو فاتني هذا فلن أدركه". هذا يسير وذاك معه شيء، فكأنه يحمل سراً. معه مفتاح، معه معادلة أستطيع بها أن أحل كل شيء في الشريعة. الإمام الشافعي عندما كتب الرسالة أرسلها إلى عبد الرحمن بن مهدي. شعر عبد الرحمن في العراق أن الشافعي
لديه شيء، لديه شيء غريب عليهم، لكنه يخاطب وجدانهم، يخاطب العمليات المتتالية العقلية التي عندهم، التي يصدرون بها ويتعاملون. فيها مع الدين فأين صياغة هذه القواعد وصياغة هذه الأسس وصياغة هذه الأصول؟ أُرسِل يُطلب منه أن يصوغها في صيغة تحوّل الفكرة إلى علم، تحوّل هذا الشعور والقواعد الذهنية إلى علم قابل للتدريس وقابل للنقل لمن بعدنا. فكتب الإمام الشافعي كتابه الماتع الذي وصل إلينا والحمد لله إلى عصرنا. الحاضر تحت عنوان الرسالة، والرسالة لها
نسخة بخط الربيع تلميذ الشافعي محفوظة في دار الكتب المصرية. حققها الشيخ أحمد شاكر رحمه الله تعالى من تلك النسخة الفريدة التي تمثل أصلاً من الأصول التي وصلت إلى البشرية بعد كل هذه الأعوام، أكثر من ألف ومائتي سنة. في الرسالة كتب الشافعي رحلته. فماذا كتب لو قرأنا الرسالة وأردنا أن نستوعبها حتى ننقلها لمن بعدنا؟ سنرى الآتي: أنه بناها على سبع نقاط أو مراحل، إن صح التعبير. سنتناول مرحلة في كل حلقة، أي نعيش سويًا في رحلة في ذهن الإمام الشافعي، في رحلة في عمق أصول
الفقه، أي أساس الفهم الذي افتقدناه. هؤلاء سبع مرات اليوم واحدة منها. الشافعي أول ما فكر بطريقة منطقية قال: نحن الآن - الشافعي توفي سنة مائتين وأربعة هجرية - يعني بعد انتقال النبي بمائة وأربعة وتسعين سنة، يعني لم يرَ النبي ولم يرَ الصحابة ولم يرَ التابعين، فرأى تابعي التابعين، الإمام مالك استاذه، ونافع من التابعين، التابعون يعني الجيل الثاني، أي أن بين الشافعي وبين سيدنا الرسول ثلاثة أشخاص، ثلاثة أعمار، ثلاثة أجيال: مالك،
ونافع، وابن عمر. فيكون الشافعي بينه وبين سيدنا الرسول مالك وأستاذ مالك نافع وأستاذ نافع ابن عمر عبد الله بن عمر. لكن نافعًا لم ير عمر مثلاً، لم ير أبا عبد الله. ومالك لم يرَ ابن عمر، فهي أجيال بعضها في إثر بعض، والشافعي بينه وبين النبي ثلاثة أجيال. والسؤال: ما الحجة؟ يعني في زمن الصحابة كنا نذهب إلى النبي: يا رسول الله، كيف أصلي؟ كيف أتوضأ؟ كيف آكل؟ كيف أتزوج؟ كيف أطلق؟ كيف أبيع؟ كيف أشتري؟ كيف أتعامل؟ كيف أجاهد؟ أسلِّم حرب نخرج أم لا نخرج، وسيدنا الرسول موحى إليه، فقال:
"إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله". ولذلك فنحن نحب الله فنتبع رسوله، عملية سهلة. ولكن النبوة قد انقطعت والوحي قد انتهى، فلا بد إذاً من أن أجيب على هذا السؤال الأول في المرحلة الأولى: ما الحجة؟ ما الحجة التي؟ اللجوء إليها، أين ديني ممن أخذ ديني؟ هل هناك سلالة معينة أخذ منها ديني؟ بعض الناس قالت هكذا. الشيعة قالوا إن هناك سلالة معينة، وهذه السلالة هي سلالة السيدة فاطمة عليها السلام. أنجبت الحسن والحسين. الحسن ترك الملك،
ولكن سيدنا الحسين قاتل على الملك. سيدنا الحسين رضي الله عنه. تعالى عنه وأرضاه سيد شباب أهل الجنة أنجب علي زين العابدين، وعلي زين العابدين أنجب محمداً الباقر، ومحمد الباقر أنجب جعفر الصادق، وجعفر الصادق أنجب وهكذا سلسلة. عندما نعد سيدنا الحسين ونعد آخر السلسلة سنجدها اثني عشر، ولذلك أحياناً يسمون بالشيعة وأحياناً يسمون بالاثني عشرية الذين هم الأئمة هؤلاء الذين. يقول أهل السنة عنهم أنهم أئمة وأنهم أتقياء أنقياء من سلالة أهل البيت، ومن طريقهم يثبت النسب الشريف، وأُمرنا أن نحترمهم وأن نحبهم
وهكذا. ولذلك أهل مصر يحبون أهل البيت جميعهم، أبناء الحسن وأبناء الحسين وأبناء السيدة زينب وهكذا. هل هؤلاء هم الحجة ويصبح وكأن الوحي لم... ينتهي الأمر، أي أن الشيعة لا تقول إن الوحي مستمر، بل تقول إن هؤلاء حجج معصومون، والمعصومون يعني الموفقون من عند الله، أي لا يمكن أن يقولوا شيئاً إلا إذا كان شيئاً صحيحاً. أهل السنة والجماعة وجماهير الأمة، التي تمثل خمسة وتسعين في المائة من الأمة، رفضوا هذه النظرية لأنه وقالوا إن الحجة في كتاب الله ثم
في سنة رسول الله. إذا أردنا أن نفرض حلقة أيضاً مرة أخرى للحجية، فما الحجة؟ الحجة هي كتاب الله وسنة رسول الله، وليست الحجة نسلاً كريماً شريفاً. نحن نعترف بتقواه وبفضله وبشرفه وبعلوه، لكنه ليس معصوماً، ليس معصوماً كعصمة النبي، ليس موحى إليه هنا اختلفت الأمة: خمسة وتسعون في المائة من الأمة وهم أهل السنة والجماعة قالوا الكتاب والسنة، وبعض الناس وهم الشيعة قالوا: لا، إنما هو النسل الشريف لسيدنا الحسين في اثني عشر إماماً متتالياً، اختفى الإمام الأخير عندهم ويسمونه
أنه هو المهدي أو أنه سيخرج صاحب الزمان وسيملأ الأرض قسطاً وعدلاً. كما مُلِئَتْ ظلماً وجوراً، أهل السنة ليسوا كذلك. نرى مرة أخرى ما الذي حدث في قضية الحجية التي كانت أول مراحل السبع التي نتكلم فيها. فإلى لقاء آخر، نستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.