هذا ديننا | 36 | نظرية الفهم جـ2 | أ.د علي جمعة

هذا ديننا | 36 | نظرية الفهم جـ2 | أ.د علي جمعة - هذا ديننا
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. أيها الإخوة المشاهدون، أيتها الأخوات المشاهدات في كل مكان، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً ومرحباً بكم في حلقة جديدة من حلقات "ديننا". تكلمنا عن الخطوات السبع التي كانت في أذهان المجتهدين العظام، أولها... الحجية
وعرفنا أن الكتاب والسنة المصدران الأساسيان للدين الإسلامي وأن الحجة فيهما لا فيما سواهما، ثم بعد ذلك تكلمنا عن المرحلة الثانية وهي التوثيق، كيف وصل إلينا الكتاب وكيف وصلت إلينا السنة وما التوثيق الذي وثقنا به الكتاب والسنة، ثم بعد ذلك تكلمنا في حلقة سابقة عن الفهم وتكلمنا أنهم عندما دخلوا إلى الكتاب والسنة وجدوا أنها موجودة بلغة، وأن هذه اللغة هي اللغة العربية، وأن اللغة العربية تقتضي بداية الألفاظ، وتكلموا عن اللفظ، ووقفوا عند اللفظ. عدد كلمات القرآن
ستة وستون ألف كلمة، فوقفوا عند الستة والستين ألف كلمة، ووجدوا أن هذه الألفاظ منها ما هو أفعال: ضرب، أكل. شَرِبَ صَلَّى صَامَ أفعالٌ، ومنها ما هو أسماءٌ: صلاة، صيام، أكل، شرب، ومنها ما هو حروفٌ. وبدؤوا لبناء هذا الهيكل في اللغة العربية ابتغاءَ أن نفهم فهماً دقيقاً القرآن الكريم ثم السنة المشرفة، فذهبوا إلى هذا الخضم الهائل ووضعوا له القواعد. وجدوا أن أواخر الكلمات تتغير، فأنشؤوا لهذا التغير علماً. وأسموه
علم النحو ووجدوا أن بنية الكلمة تتغير، فـ"ضرب" غير "ضارب" غير "مضروب" غير "ضرّاب". إذاً البنية نفسها، بناء الكلمة نفسه، الحروف تتغير. ووجدوا أن كل ذلك مأخوذ من الجذور: "ضرب"، "أكل"، "شرب"، فاتُخذ من "ضرب": "مضرب"، "ضارب"، "مضروب"، "يضرب"، وهكذا. لكن كلها في جذر واحد، فسموا هذه جذوراً. عدد الجذور الموجودة في القرآن ألف وثمانمائة وعشرون جذراً. هذه الجذور قد تكون أفعالاً أو أسماءً أو حروفاً. إبراهيم، إسماعيل، موسى، كلها أسماء. صلاة، زكاة، والأفعال، والحروف
أيضاً مثل: مِن، إلى، الباء، التاء، الواو، وما إلى ذلك من حروف المعاني. حروف المعاني الموجودة في القرآن ستة وثلاثون حرفاً. حروف المعاني التي توجد في اللغة العربية تسعون حرفًا. الجذور التي توجد لدينا ألف وثمانمائة وعشرون جذرًا. الجذور الموجودة في اللغة العربية ثمانون ألف جذر. ما هذا؟ ألف وثمانمائة فقط؟ ألف وثمانمائة جذر فقط من ثمانين ألف جذر تكلم بهم العرب. ما معنى هذا الكلام؟ ما معناه؟ هذا الكلام أن القرآن صفّى لغة العرب، وجعلها صافية رائقة جميلة. لغتنا الجميلة تحتوي على ألف
وثمانمائة جذر صنعوا في القرآن بالتكرار ستة وستين ألف كلمة. هذه الستة والستون ألف كلمة منها ألف وستمائة وعشرون كلمة لم تتكرر في القرآن، وردت فيه مرة واحدة، مثل كلمة "حُمر". مستنفرة فرت من قسورة، هذه "قسورة" لم تأتِ إلا مرة واحدة. تلك إذاً قسمة ضيزى، هذه "ضيزى" لم تأتِ إلا مرة واحدة. إنما يخشى الله من عباده العلماء، "العلماء" هكذا لم تأتِ إلا مرة. علماء بني إسرائيل جاءت مرة ثانية "علماء"، لكن "العلماء" لم تأتِ إلا هنا وقس. على هذا ألف ستمائة وعشرين كلمة لم تتكرر، فنحن أمام خدمة
للكتاب خدموه، عرفوا فيه كم ألف وكم به وكم ته وكم ثا وكم جيم وجمحه، وكتبوا هذا الكلام في كتب، عرفوا فيه كم فعل وكم اسم وكم حرف، وكتبوا هذا في كتب، لكن الأهم من ذلك هو المعنى. هذه الكلمات ما هي؟ أنت الآن لديك ستة وستون ألف كلمة. أنا أريد كل كلمة معناها، جئت بمعناها، وعندما تتأملوا في معانيها، أريد أن أعرف كل فعل ما وظيفته، وأريد أن أعرف كل حرف ماذا يفعل. فالحروف لدينا كم حرفاً في اللغة العربية؟ تسعون حرفاً، منها ستة وثلاثون موجودون في حروف، حرف واحد فقط، بالله، تالله، والله،
أي كلها هذه حرف الباء، التاء، الواو، الكاف. ليس كمثله شيء، كمثله، هذه هي الكاف، هذه حروف اسمها حروف المعاني. وبالطبع منها ما هو مكان أسماء وكذا، هذه تفاصيل أخرى، لكن حروف المعاني هذه منها ما هو على حرف واحد ومنها ما يمكن على حرفين مثل: عن، ومنها ما يكون ثلاثة حروف مثل: إلى، على، ومنها ما يمكن أن يكون على أربعة حروف مثل: لعل، ومنها ما يكون على خمسة حروف مثل: لكن، وليس هناك شيء أكثر من خمسة. إذاً، قد تكون حرفاً أو اثنين أو ثلاثة أو أربعة أو خمسة والتي هي حسناً، لكنها مكتوبة بثلاثة حروف: لا، كاف، ونون. أقول
لك: لا، أنت تنطقها بخمسة حروف: لام، ألف، ولام، وكاف، ونون. اثنان بجانب بعضهما. "لكن" أو "إن" تكون إذاً "لكن" خمسة حروف. و"لعل" أيضاً تُكتب ثلاثة أمامك، لكنها في الحقيقة أربعة لأن اللام مشددة، يعني بقيمة حرفين. أخذوا هذه الحروف ونظروا ما معانيها وفيمَ يمكن استخدامها، فالباء يمكن استخدامها في القسم كأن يقول لك: "بالله عليك"، ويمكن استخدامها للبداية حين يكون هناك شيء فيه بداية مثلما فعل أبو حنيفة في "امسحوا برؤوسكم"، ويمكن استخدامها بمعنى "في"، فأنا الآن في التلفزيون أو في الاستوديو،
فـ"بالاستوديو" و"بالتلفزيون" تعني "فيه". في معركة بدر، وأنتم أذلاء في بدر، أُرحب بكم هنا، وهكذا يكون إذا كانت هذه الحروف لها معانٍ، فالمعاني لها عدة دلالات. وجدوا المعاني فبلغت ستةً وخمسين معنى ممكن أن تكون بالحروف. حسناً، وكل حرف له ستة وخمسون معنى؟ لا، إن الحرف الأول يمكن أن يكون له ثلاثة معانٍ أو الحرف الثاني هذا يكون له ثلاثة معانٍ، لكن لو جمعنا المعاني هذه كلها، فستكون ستة وخمسين معنى. يعني يمكن أن نعمل جدولاً نكتب فيه هذه الحروف الستة والثلاثين الموجودة في القرآن، أو الثمانين إلى تسعين حرفاً الموجودة في اللغة العربية، ونضع معانيها الستة والخمسين، ونقول إن الباء تأتي... للقسم تأتي، للابتداء تأتي، للظرفية تأتي،
لعدة أشياء أخرى. انظروا كم هو المجهود الكبير، انظروا حتى يفهم بشكل صحيح، حتى عندما يفهم يقول الصواب، حتى لا يضطرب، حتى لا يفسد في الأرض بفهمه الكاسد الخاسر الفاسد، لأن المسألة أكبر من ذلك بكثير، وهذه هي الجريمة التي ارتُكبت عندما تصدر ممن من لم يتفهم القضية الكبيرة وهو يستهين بها يقول لك ماذا يعني، أنا رأسي برأسهم، أنا أعرف، لقد استطعت أن أشطبهم بكلمتين. يا حبيبي، لا تشطبنا ولا يشطبوك، القضية قضية أمة وقضية تاريخ وقضية علوم وقضية فهم مستنير لكتاب الله ولسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. احذروا.
أيها الشباب إنكم تتعجلون حباً في الله ورسوله وتنضمون إلى هذه الطوائف التي لم تفهم عن الله ورسوله حتى لو أظهروا لكم الإخلاص، حتى لو أظهروا لكم أنهم على شيء، لأنهم في الحقيقة ليسوا على شيء. قضية الفهم قضية خطيرة جداً، بدأنا فيها بالألفاظ ووجدنا كما رأينا في الألفاظ. إنها أسماء وأفعال وحروف معانٍ وأمسكنا بكل واحد منهم وعشنا معه ووجدنا أن كل كلمة لها معانٍ إما أن تكون مترادفة وإما أن تكون مشتركة وإما أن تكون حقيقة
ومجازاً وبدأنا ننتقل إلى المرحلة الثانية في الفهم وهي الجملة فوجدنا هناك ما يسمى شيئاً نتحدث عنه فيكون المسند إليه وشيئاً هذه الشجرة، أي أنني الآن أتحدث عن هذه الشجرة. "مورقة" تعني أن لها أوراقاً، وهذه صفة للشجرة. إذن "مورقة" تكون خبراً، فتكون "الشجرة" مبتدأً و"مورقة" خبراً. أوراق الشجرة أيضاً تعود إلى الشجرة التي أتحدث عنها، وهي المسند إليه، أي ما نُسنِد إليه الكلام. فتكون "أوراقها" إذاً... الشجرة مورقة أو أوراق الشجرة، انظر كيف هي الشجرة هنا، وهنا هي المسند إليه، وبعد ذلك أُسند إليها ماذا؟ الورق، أنها أصبح لها ورق،
وأصبحت أتحدث عن الشجرة مورقة، والنار محرقة، والشمس مشرقة، وما الذي يجعلني أُوازن بينهم هكذا لكي نحفظه كله؟ هذه مبتدأ وخبر، فعندما يأتي ويقول لي: أقم هذا فعل وفاعل ومفعول: "أقِمْ أنت الصلاة". فعرفنا الجملة وتبحرنا في الجملة، ووجدنا أن هذه الجملة يمكن أن يكون فيها حذف. "أقِمْ الصلاة"، فأين الفاعل؟ إنه "أنت": "أقِمْ أنت"، لأن فعل الأمر يتوجه إليك. كل هذه الدراسات جعلتني أقول مثلاً عندما يأتي لي: "إذا قمتم إلى
الصلاة فاغسلوا"، انتبه: "إذا قمتم، هذا فعل ماضٍ "إلى الصلاة، قمتم إلى الصلاة"، حسناً. فالفاء للتعقيب، وهي واحدة من المعاني، هكذا أنها تكون للتعقيب. لكن هذه الفاء قد تكون سببية، وهذه الفاء قد تكون عاطفة، وهذه الفاء يمكن أن تكون وهكذا. فأنت يجب عليك أن تدرس المسألة بهدوء قليلاً، لكن الذي سيقول للتعقيب ماذا أنا سأصلي وبعدين أتوضأ، تصلي وبعدين تتوضأ، كيف هذا؟ لم يقل أحد هكذا. قال: وما شأني أنا؟ الله تعالى قال هكذا. ودخلنا في إشكالات سخيفة مضحكة لا نهاية لها. والله الذي لا إله إلا هو، هؤلاء الإرهابيون
يفعلون بنا هكذا ويتكلمون بهذه الطريقة الغبية. لكن المفسر، لكن المفسرين يقولون إذا... أردتم القيام إلى الصلاة فاغسلوا، فيكون الغسيل الأول بعد الإرادة. أنا أريد أن أصلي الآن، فقم وتوضأ. هناك فرق كبير جداً بين فهم هؤلاء الأطفال وبين فهم العلماء. يا رب سلّم إلى لقاء آخر، أستودعكم الله،
والسلام عليكم ورحمة