هذا ديننا | 39 | نظرية الفهم جـ 5 | أ.د علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. أيها الإخوة المشاهدون وأيتها الأخوات المشاهدات في كل مكان، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً ومرحباً بكم في حلقة جديدة من "ديننا". في هذه الحلقة نستمر في شرح هذه الفجوة التي حدثت بين هذه. الدعوة الجديدة التي يتبناها
النابتة وبين ما ورثناه عن آبائنا وأجدادنا من فهم صحيح للدين تركه لنا النبي صلى الله عليه وسلم وعلماء الأمة وأتقياؤها، ولذلك نريد أن نبين ما هذا وعرفنا كيف يفكر المجتهد أنه فكر أولاً في الحجية فقال إنها الكتاب والسنة ثم قال كيف تثبت هذه الحجية. ألهم الله أمة النبي صلى الله عليه وسلم بالأسانيد وبعلوم التوثيق، ثم بعد ما تصح هذه النسبة فإنه وضع قواعد للفهم. تكلمنا عن كل هذا فيما سبق، واليوم نتكلم عن أنهم لما قرأوا الكتاب والسنة
وجدوا عبارات يمكن أن نستفيد منها عدة معانٍ، وهذه العبارات التي يمكن أن نستفيد منها. عدة معانٍ تكون ظنية لأنني سأفهمها على وجه وأخي سيفهمها على وجه آخر، ولكن الذي معه أدوات الفهم كما قدمنا في حلقات سابقة هو القادر علمياً على أن يفهم هذا النص فهماً صحيحاً، ثم بعد ذلك تأتي قضية القطعية والظنية. وجدوا بعض النصوص قطعية الدلالة لا خلاف فيها، قل هو. الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد، فالإسلام يدعو
إلى الوحدة ويدعو إلى وحدانية الإله سبحانه وتعالى، ويعتبر أن الشرك بالله ظلم عظيم وإثم عظيم، وأن الشرك هو المقابل للإسلام فلا يجتمعان، وأن الله سبحانه وتعالى يغفر الذنوب جميعًا إلا أن يُشرك به، ولذلك. فالشرك متفق على أنه منهي عنه وأنه ليس أبداً يدعو إليه الإسلام. بعض الظرفاء ممن هم في العشرينيات والثلاثينيات قال إن المسلمين يدعون إلى الإله المثلث، كيف هذا؟ قال: "بسم الله الرحمن الرحيم". هذا الفهم
الساذج أو هذا الفهم المغرض أو هذا الفهم المردود لم يقل به أحد في العالمين. ولكن هذا كان يريد نوعاً من السخرية، نوعاً من الاستهزاء، شيئاً من هذا القبيل. أما البسملة فلها شأن آخر؛ "الله" علم على الذات الواجب الوجود المستحق لجميع المحامد، و"الرحمن" "الرحيم" صفتان تجلى بهما الله سبحانه وتعالى على عباده في أول الكلام، وطمأن قلوبهم بأن الرحمة هي الأصل ومن الرحمة. ينبثق الحب هذا الكلام لأننا نفهم اللغة العربية ولأننا نعلم أن تعداد صفات الله سبحانه وتعالى التي وصلت في القرآن إلى أكثر من مائة
وخمسين صفة من الصفات التي نسميها بأسماء الله أو أسماء الله الحسنى الواردة في الحديث إن لله تسعة وتسعين اسماً مائة إلا واحداً من أحصاها دخل الجنة ليست دليلاً على تعدد الإله سبحانه وتعالى، فهو الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد. الله سبحانه وتعالى واحد لا شريك له، هذا قطعي والنصوص فيه قطعية. لكن عندما يأتيني نص، هذا النص يحتمل الوجهين، فإنه نص ظني. النبي صلى الله عليه وسلم أتى بجماعة من الصحابة وأرسلهم في مهمة
استطلاعية لبني قريظة وقال: "لا يصلين أحدكم العصر إلا في بني قريظة"، يريد أن نسرع لأن المسافة تتطلب أن نصل إلى مكان بني قريظة في ضواحي المدينة قبل الغروب. معنى الكلام هكذا أو هكذا يفهمه عموم الناس، فأذن العصر فقال بعض الصحابة نقف فنصلي ثم بعد ذلك نهم في السير. قال آخرون: ولكن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يصلين أحدكم العصر إلا في بني قريظة". هل
يقصد أنهم يؤخرون الصلاة إلى بني قريظة لأمرٍ ما حتى يشاهد يهود أن الصحابة وصلت وصلت في هذا المكان بهذه الكيفية أو أن... المقصود الإسراع فقط. بعض الناس صلوا العصر وآخرون التزموا بأن يصلوا هناك العصر لأن النبي أمرهم بذلك. ولما عادوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم صحح لهم المرادين، لأن بعضهم أخذ بمقصد الكلام والآخر أخذ بنصوص الكلام. الله سبحانه وتعالى أيضًا قال في أثناء الوضوء "فامسحوا برؤوسكم"، "برؤوسكم"
هذه الباء. زائدة يعني امسحوا رؤوسكم هكذا فهم الإمام مالك، أو أن الباء للتبعيض يعني امسحوا بعض رؤوسكم، وما بعض الرأس؟ بعض الرأس قد يكون شعرة، وهكذا فهم الإمام الشافعي، بل قال: ولو بعض شعرة. هذا هو فرض الوضوء: اغسل وجهي، اغسل يدي إلى المرفقين، ثم امسح ولو بعض شعرة. الإمام أبو حنيفة قال هذا للإلصاق، يعني امسحوا أيديكم على رؤوسكم، فإذا فعل أحدنا هذا فإنه يجد أن ربع الرأس هو الفرض. هكذا فهم أبو حنيفة النص. النص واحد وكلنا نؤمن به ونتلوه في القرآن الكريم، إلا أن اختلافنا
في معنى هذه الباء، وهي من حروف المعاني في اللغة العربية، يجعلنا نختلف في... فهم هذا النص أو قد يكون لفظ معين والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء، القرء إذا سألنا العرب يقول هو يطلق على الحيض عند المرأة ويطلق أيضاً، فثلاثة حيضات أو ثلاثة أطهار، وهنا ستفرق في مدة العدة، يعني هل هي ستكون بمجرد الدخول أو استيفاء الطهر الثالث أو استيفاء الحيضة الثالثة. تفرق أيام بسيطة ولكن نريد أن نفهم هل القرء هنا هو للحيض أو القرء هنا للطهر
أقوال فاختار أبو حنيفة الحيض واختار الشافعي بناء على دراسات لغوية بناء على مفاهيم لغوية مستقرة اختار الطهر إذا هذا الفهم جاء من اختلافهم في معنى كلمة وهذا الفهم جاء من اختلافهم في معنى حرف أو في عمل حرف وهذا أتى لأنهم راعوا السياق والسباق وكذا إلى آخره أو التزموا بالكلمة العربية على ما هي عليه أو نظروا إلى المعنى الشرعي وهكذا نرى الاختلاف فنرى أن هناك نصوصاً قطعية مثل قل هو الله أحد وأن هناك نصوصاً ظنية
وأغلب الظن أغلب الفقه ظني لما نأتي إلى كتب الفقه في الوضوء في الصلاة في الصيام نجد تسعين أو أكثر من تسعين في المائة منها ظني، لكن هناك أن الوضوء قبل الصلاة هذا قطعي، أن الصلوات خمسة وهذا مأخوذ من السنة هذا قطعي، أن الظهر أربع ركعات هذا قطعي، فهناك مساحة للقطع وهناك مساحة ظنية معنى. أظن أنه يتم الاختلاف فيه من الأذية التي واجهناها مع النابتة أن كل شيء عندهم صار قطعياً، هذه أول مصيبة، كل شيء أصبح قطعياً، ولذلك فهم لا يقبلون الخلاف.
القضية الثانية أنهم لا يعرفون فهم الظن إذا أرادوا أن يفهموه، وهذه مصيبة أخرى، ترى أحدهم إذا قام من الركوع وضع. يده اليمنى على يده اليسرى. لماذا تفعل هذا؟ هناك مئات بل آلاف من الأحاديث تصف صلاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وليس فيها أنه عندما رفع من الركوع وضع يده اليمنى على يده اليسرى. فلم تفعلون هذا؟ لأنهم لم يفهموا الفرق عند علماء الفقه وعلماء الأصول بين المطلق وبين... العام المطلق
والعام عبارات لها معانٍ نعالجها في حلقة قادمة إن شاء الله، ونرى كيف أن هذا الخلط وعدم الفهم العميق للمطلق والعام يجعلهم يفعلون هذا، بالرغم من أنه ليس هناك أي حديث يؤيد هذا الفعل، ولا هناك فعل من الصحابة، أو حتى من السلف الصالح، يؤيد هذا الفهم لما يفعلون. هذا، والله أعلم، إلى لقاء آخر، استودعكم الله، والسلام
عليكم ورحمة الله وبركاته.