هذا ديننا | 46 | الفقه الإسلامي (الطهارة) ج1 | أ د علي جمعة

هذا ديننا | 46 | الفقه الإسلامي (الطهارة) ج1 | أ د علي جمعة - فقه, هذا ديننا
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. أيها الإخوة المشاهدون، أيتها الأخوات المشاهدات في كل مكان، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً ومرحباً بكم في برنامجنا اليوم. وقد أطللنا إطلالة سريعة عبر حلقاتنا التي مضت على مصادر التشريع الإسلامي وعلى كيفية تفكير المجتهد وعلى كيفية توثيقه للنص الشريف وكيفية فهمه لهذا النص وما هو الفرق بين العقلية التي ورثناها تعلماً وبين ما هو شائع الآن في وسط الناس مما أدى إلى انحراف بعض الشباب وإلى تمسكهم بأوهام
وبرغبات وباحتياجات ما أنزل الله بها من سلطان بل إنه نعى عليها كيف. أنهم اجتزؤوا هذا النص وكيف أنهم لم يقرأوا القرآن كجملة واحدة وكيف أنهم لم يتعلموا العلوم المساعدة التي تعينهم على الفهم العميق وكيف وكيف إلى آخر ما ذكرناه في حلقات متتالية سابقة. اليوم نبدأ رحلة أخرى سوياً، نبدأ الرحلة مع الفقه الإسلامي، وعندما نفتح كتب الفقه الإسلامي فإننا نجد من العجب أنه قد بدأ بما يصح به الطريق لأن تصحيح البدايات فيه تصحيح للنهايات، وأول ما يصح به الطريق الطهارة،
ولذلك نجد كتاب الطهارة والكلام عن الطهارة هو أول المفتاح. يذكرنا هذا من الكلام الشريف المنسوب إلى السيدة نفيسة، وكانوا يسمونها بنفيسة العلم عندما مات الإمام الشافعي رضي الله تعالى. عنه وهو قرشي مطلبي ملأ آفاق الأرض علماً وأسس لعقلية علمية سليمة تدعو إلى عمارة الدنيا وإلى الفهم الصحيح المستقيم. لما مات قالوا لها: ما مات الإمام الشافعي، فما تقولين فيه؟ فقالت: كان رجلاً يحسن الوضوء. بعض الناس
ممن لا يقف على المعاني العميقة يظن أن هذه مقارنة من السيدة. نفيس بعلمها العميق مع علم الإمام الشافعي وكأنها تتكبر عليه أو تتعالى عليه لأنه ما يكاد أن يُحسن الوضوء وليس الأمر كذلك، وإنما مراد السيدة رضي الله تعالى عنها - وكانت من السادة المتقين ومن النساء المتقيات لله سبحانه وتعالى - أنها تقول: لقد صحح الشافعي بداياته فصحت نهاياته، لأن الوضوء مفتاح. الصلاة والصلاة عماد الدين فإذا صح الوضوء وصحت الصلاة صح الدين وإذا صحت الصلاة صح الاعتماد
على الله والتوكل على الله وبذلك صح وعد الله لنا بالتوفيق ولذلك فإن من ترك الصلاة فقد ترك ركناً مهماً وضيع على نفسه فرصة لو عرفها لم يضيعها لأن الله سبحانه وتعالى يوفق بهذه الصلاة ويستر بهذه الصلاة، فالصلاة عماد الدين كما أنبأنا بذلك رسول الله، وجعلها صلى الله عليه وسلم ركناً من أركان الإسلام، فقال: "بُنِيَ الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصيام رمضان، وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلاً". هذه هي حقيقة الدين، الصلاة مفتاحها. الطهور
والوضوء والطهارة مفتاحها الماء، والمياه إما أن تكون نابعة من الأرض كالبحار والأنهار والآبار، وإما أن تكون قد أتت إلينا من السماء كالأمطار والثلج. وكل هذه الصور لشيء واحد وهو حقيقة الماء، المياه التي خلقها الله سبحانه وتعالى في الآبار وفي العيون وفي الأنهار وفي البحار وفي الأمطار وفي... الثلوج التي تنزل من السماء كلها مادة واحدة لها هذه الأنواع أو التجليات المختلفة، فماء البحار مالح وماء الأنهار عذب وماء المطر ينزل في العيون وماء
الآبار قد يكون منه العذب وقد يكون منه المج، وماء الثلج هو يذوب هو صورة من الصور مثل بخار الماء ومثل الثلج ومثل ولكن. هذه الأشياء كلها هي شيء واحد وهو الماء، ويسميه الفقهاء الماء المطلق، لأن كلمة ماء استعملت في أشياء أخرى كماء العينين الذي هو الدموع، أو ماء الشجر الذي هو عصير الشجر، عندما يعصر المرء بعض الشجر الذي يسري فيه، أو يعصر الورد مثلاً فيصبح ماء الورد، أو الزهر ماء الزهر. فتصبح هذه مياه ولكنها مياه مقيدة، لكن الماء المطلق هو الذي كان على خلقته، أين خلقته؟
في البحار، في الأنهار، في الآبار، في الأمطار، إلى آخره. الماء خلق الله سبحانه وتعالى منه كل شيء حي، أحوج الله إليه كل حي، ولذلك يحتاج إليه البهيمة وتحتاج إليه الأشجار، يحتاج إليه كل. ما فيه حياة سواء كانت حياة حيوانية أو حياة نباتية فإنه يحتاج إلى الماء، بل إننا قد احتجنا إلى الماء في نقل الأثقال عندما تكون هناك حاجة ثقيلة، فعندما تكون لدي عربة محملة بالبضائع وأريد أن أدخلها في ملف، يضع القوم تحتها مياهاً لكي تسهل عملية الانزلاق. الماء مقسم. إذا هو ماء واحد له صور متعددة، لكن
منها ما هو طهور وهو الذي نستعمله في الوضوء وفي الاغتسال، وهو ما كان على أصل خلقته. عندما نفتح الصنبور ينزل هذا الماء الطهور. ومنه أيضاً ماء طاهر، لكن بالرغم من أنه طاهر إلا أنه خرج عن صفات الماء الطهور. ما هي صفات الماء الطهور؟ صفات الماء الطهور: الرائحة وصفات الماء الطهور: اللون وصفات الماء الطهور: الطعم. لقد عرفنا مصادر الماء. اشرب هكذا قليلاً من المطر، اشرب هكذا من النهر، اشرب هكذا من البئر. أو هذا هو طعم الماء الأصلي. اشرب من البحر، ها هو فيه شيء من الملح.
إذاً هذا طعم الماء أو لون الماء. أو أو أو رائحة الماء، فلو تغيرت وجئنا بماء ووضعنا فيه الورد أو المظهر أو وضعنا فيه نعناعاً فأصبح قد تغير، عندما أشرب الشاي أجد أنه ليس هذا ماء، الماء الذي الذي عندنا هكذا، الذي هو الماء الذي في الزجاجات الذي في الصنبور الذي في النهر الذي في كذا الذي آتٍ من هذه المصادر، لكن عندما وضعنا عليه سكراً ووضعنا عليه شاياً ووضعنا عليه قهوة ووضعنا عليه أنواعاً مختلفة من النباتات مثل النعناع وغيره، أصبح شيئاً آخر. يجوز الوضوء بالماء المطلق، لكن هذا الماء الثاني لا يجوز الوضوء به، فلا يجوز الوضوء بالشاي ولا يجوز
الوضوء بمياه النعناع ولا. مياه الورد ولا يجوز الوضوء باللبن ولا يجوز الوضوء بشيء اللبن فيه خمسة وتسعين في المائة مياه ولكن لأنه فيه دهون ولأنه ليس من تلك المصادر بل هو أتى من البقر أو الجاموس أو غيرها من الحيوانات، فيبقى هذا اللبن يُشرب لأنه طاهر، والشاي يُشرب لأنه طاهر. القهوة تُشرب لأنها طاهرة لكنها ليست طهوراً، يعني لا ترفع الوضوء، ولذلك لا تجد أحداً يتوضأ بهذه الأشياء. إنما هذا الفكر الفقهي هو الذي أوصلنا إلى هذا المكان. فيكون عندي ماء طهور وعندي ماء طاهر. المرقة:
صنعت قطعاً من اللحم هكذا في ماء فأصبحت مرقة، هذه المرقة طاهرة لكنها ليست الطهور. المرقة هذه طاهرة. القسم الثالث هو النجس، إذ إن بعض السوائل نجسة أصلاً فلا بد من تطهيرها هي نفسها، ومن ضمنها الخمر. والذي ابتُلي من المسلمين بشرب الخمر عليه أن يتذكر أن ما يشربه هذا نجس حتى تأنف منه نفسه، لأن هذه النجاسة موجودة في هذا الرجس الذي حرمه الله سبحانه. وتعالى ونهانا عنه، ليست من الحكمة ولا من النصاحة أن تفعل هذا في نفسك بأن تتناول النجاسات، ولو
وقعت قطرة خمر على الثياب لا بد من تطهيرها. الخمر هذا مثل - أعزكم الله - البول، كلاهما نجس، فيجب على المسلم أن ينزه نفسه عن هذه النجاسات إذا كان عندي ماء. طهور يجوز الاغتسال به والوضوء به، وماء طاهر يجوز شربه وأكله، ويجوز أن نمسح به، ويجوز أن نغسل به الغسيل لأنه طاهر، لكن لا نزيل به النجاسة ولا نرفع به الحدث. ثلاثة أقسام ينبغي علينا أن نحفظها لأنها هي البدايات، البداية من المياه عرفنا مصادرها.
وعرفنا أقسام المياه الثلاثة: طهور وطاهر ونجس. الطهور نزيل به النجاسات، فأي نجاسة عندي أصب عليها قليلاً من الماء وأطهرها وأزيلها من غير وسواس، مسألة سهلة. ألقي الماء على النجاسة. تقول لي: طيب لكن هذه النجاسة اختلطت بالماء فأصبح الناتج نجساً هو الآخر، فلا بد أن نحضر له ماءً أكثر، فتبقى أيضاً... النجاسة مستمرة مستمرة، إذن لن يكفي البحر ولا النهر، ما الفكرة؟ ذهب العلماء ودلونا وقالوا لنا: هذا الماء وارد وليس موروداً، وفرقوا بين
أن أصب المياه على النجاسة فتذهب نجاستها تعبداً، لأن النجاسة هذه معنى تعبدي. يعني ماذا؟ الخمرة نجسة، مع أن هناك خلقاً يشربون الخمرة، لكن هذه... الناس الذين يشربون الخمر والعياذ بالله يشربون نجاسة شرعاً. ماذا يعني هذا؟ البول نجس، أي نجس وليس طاهراً، ولذلك يجب أن نتنزه عنه. عندما تُصب المياه على النجاسة هكذا، تكون واردة، وشرعاً تنتهي طهارتها. لكن إذا كان معي كوب من الماء ورميته في نجاسة، فهذه مورودة، إذاً هناك واردة وهناك... موروِدة وفي حلقة ثانية نفصّل معاً المياه الواردة والمياه الموروِدة لأن الشرع ليس فيه وسواس والطهارة سهلة جداً والنبي عليه الصلاة والسلام نهانا عن أن نوسوس في الطهارات. إلى
لقاء آخر، أستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.