هذا ديننا | 53 | الفقه الإسلامي - الصلاة ج3 | أ.د. علي جمعة

هذا ديننا | 53 | الفقه الإسلامي - الصلاة ج3 | أ.د. علي جمعة - فقه, هذا ديننا
بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ الحمدُ للهِ والصلاةُ والسلامُ على سيدنا رسولِ اللهِ وآلهِ وصحبهِ ومن والاهُ. أيها الإخوةُ المشاهدون، أيتها الأخواتُ المشاهداتُ في كلِ مكانٍ، السلامُ عليكم ورحمةُ اللهِ وبركاتُهُ، وأهلاً ومرحباً بكم في حلقةٍ جديدةٍ من حلقاتِ ديننا. كنا تحدثنا عن مواقيتِ الصلاةِ وبدأنا
بالفجرِ وعرفنا أنَّ الفجرَ. إنما هو نوعان: النوع الأول يسمى بالفجر الكاذب، والذي يظهر في السماء بضياء قليل من أسفل ثم بانتشار محدود على هيئة ذيل الثعلب الذي نسميه ذنب السرحان. وذيل الثعلب هذا يختفي، وقلنا إن ذلك يحدث عندما تكون الشمس تحت الأفق بدرجات معينة سنرى كم هي، ثم بعد ذلك يأتي الفجر في الفجر فجران: فجر كاذب نرى فيه ضياءً وسُمي كاذباً لأنه ليس حقيقياً ولا يبقى، وفجر
صادق وهو الذي يبقى ويبدأ الضياء في الانتشار بعده. والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تصلِّ بالفجر المستطيل وإنما بالفجر المستطير". فالمستطيل هو ما كان بطوله في السماء وليس بالعرض، والمستطيل بالراء هو كان بالعرض كل هذا افتقدنا إدراكه لأمور منها التلوث الضوئي والكهرباء التي منَّ الله علينا بها، ومنها أيضاً علو البنيان، فالرؤية تُحجب بالأبنية المرتفعة. ولكننا ما زلنا إذا خرجنا إلى الصحراء ندرك بعض ذلك. والجيوديسيا
مهمتها - وهو علم يُدرس في الهندسة - إدراك حركة أجرام السماء مع الأرض، ولذلك مواقيت الصلاة في العالم كله تُحدد عن طريق المنحنيات التي يُخرجها هذا العلم، أين الشمس الآن؟ فالشمس عندما تكون تحت الأفق وتصل إلى درجة تسعة عشر، فإنها تُظهر لنا هذه العلامة وهي الفجر المستطير أو الفجر المنتشر في الأفق. حدث خلاف بين الفلكيين المصريين والمؤقتين المصريين في بدايات القرن
العشرين، جاء من جهتين، الجهة الأولى هي متى يكون هذا الفجر المستطير، والجهة الثانية يبدو أنها كانت جهة فقهية أو خلافاً فقهياً، واستعانوا بأحد الخبراء في هذا المجال، وجاء هذا الخبير وجلس مع مجموعته في جزيرة فيلة بأسوان، وجلس نحو ثلاثة شهور، وكانت هذه الشهور هي أغسطس وسبتمبر وأكتوبر. سنة ألف وتسع مائة وثمانية واستخرج مواقيت الصلاة التي استطعنا بها أن نحسب هذا كله وظل الأمر على هذا دون نكير إلى
أن خرج بعض الناس لأنهم لم يميزوا ما بين الإسفار وما بين الفجر. الإسفار معناه أن يبدأ الضياء بالاشتداد، أي بعد الفجر بنحو ثلاثين دقيقة يبدأ الضوء بالظهور. موجود ولكن الشمس لم تطلع بعد، لكن في الأسفار هذا معناه انتشار الضوء مع عدم وجود الشمس، وهذا يحدث بعد الفجر بنحو ثلاثين دقيقة، فبعضهم ادّعى أن هذا الفجر الذي نصلي عليه إنما هو فجر باطل، وبدأ يحسب حسابات أخرى
غير الحسابات التي أجراها الخبير الإنجليزي. الذي كان يُسمى بهايدي وكتب بحثه بالألمانية ونشره في إحدى المجلات العلمية القاهرية التي كانت تصدر هنا باللغات الأجنبية، تركوا كل ذلك وتركوا مجهود مصلحة المساحة وادعوا أن الفجر الذي نصليه ليس في وقته، وتشكلت لجان وقام أحد الباحثين ببحث هذه المسألة وقال: أنتم حسبتم على تسعة عشر لكن هو... في الحقيقة على أربعة عشر على أربعة عشر هذا يكون فيه خمس درجات، أي فيه ثلث ساعة. يعني في أسفار، في أسفار هو لم يكن شرعياً، وعندما تكلم
بهذا الكلام تحدث ورفع الأمر إلى مشيخة الأزهر، وجمع الشيخ جاد الحق علي جاد الحق رحمه الله تعالى مجموعة من العلماءُ وكنتُ واحداً منهم، ووزَّعَ علينا هذا البحث، وكان من أولئك الذين راجعوا هذا البحث الشيخُ جاد الرب رمضان، كنا نسميه في الأزهر بالشافعي الصغير، وكان منهم الشيخُ الحسين شيخُ أستاذنا، وكان منهم الشيخُ الدَّهْمَة وأساتذةُ الفقه في كلية الشريعة وفي جامعة الأزهر. انظروا في هذا الرأي وفي هذا الكلام. لعله أن
يكون صحيحاً فنصحح، وحينئذ قرأنا البحوث وما إلى ذلك، وأنا يعني ما زلت تلميذاً لهؤلاء الأكابر، وتناقشنا فيها. وأذكر أن الشيخ جاد رحمه الله تعالى جاد الرب رمضان، وكنا نسميه كما قلت بالشافعي الصغير، أردت أن أباحثه فيما ذكره الباحث، قلت له: ما رأيكم في... هذا المكتوب قال: والله هذا يُرَدُّ عليه من أقرب طريق. كيف هذا؟ قال: تدبَّر وكن
مع الديك، فإن الديك يؤذن كما هو في النتيجة في الحقيقة. بهذه البساطة لفتَ نظري إلى شيء عميق للغاية، وهو أن الله سبحانه وتعالى كلَّف البشر ولم يكلف العلماء ولا علماء الجيوديسيا ولا الفلك بالدخول. في هذه المنحنيات وكذلك وإن كنا ندرسها ونحترمها وندرس ما يلزم للوصول إليها ولا نتكلم عن علم، ولكن عندما خاطب الله البشر خاطب الله البشر وفيهم الجاهل والأمي والبدوي، وفيهم العالم وفيهم الرجل والمرأة والصبي والشاب والشيخ، خاطب الكافة، فلا بد أن تكون علامات
الصلاة يدركها الجميع، تأملت الأمر أعطيك. يُؤَذَّنُ للصلاة، فكيف يُؤَذَّنُ طبقًا للنتيجة؟ وردت أحاديث كثيرة يمدح فيها النبي صلى الله عليه وسلم الديك باعتباره أنه يُنَبِّه للصلاة. ووجدت في أدبيات المسلمين أنهم كانوا عندما يصلون بالليل، يسأل أحدهم ابنه أو خادمه: هل صاح الديك؟ أي هل أذَّن أم لم يؤذن بعد، حتى ينهي صلاته التي يؤديها تبدأ صلاة الفريضة التي هي الفجر بعد أداء سنتها مع صياح الدُّيوك.
العِتْريس هو الديك، وهو اسم من أسماء الديك في اللغة العربية. انظر إلى البساطة، هذه البحوث مهمة ولكن هناك خلل في الإشارات المرجعية وفي أضواء السماء وفي فهمها شرعًا، أي إنه يحسب على شيء آخر ليس هو الفجر الامتناع عن الطعام في رمضان ويجب علينا التهيؤ لصلاة الفجر قبل الشروق. عندها اتضح الحال أن قسم جيوديسيا في مصلحة المساحة وأن هذا الخبير الإنجليزي الذي أعطاه المشايخ العلامات الشرعية المنضبطة كانت حساباتهم أرجح من حسابات هذا
البحث. هذا البحث في كل حين وزمان يظهر جماعة تدعو إليه وتقول انظروا إننا كما قالوا إننا لا نحكم بما أنزل الله ولا نصلي صحيحاً ونحن لسنا مسلمين، وهو إلى آخره منظومة واحدة، منظومة واحدة. سامحهم الله، أرادوا أن يكونوا وكأنهم خبراء الناس في دين الله، ولكن مصر ستظل بلد العلم وبلد التقوى شاءوا أم أبوا. بدأتُ في تتبع صياح الديك وأذان الديك. فوجدته لا يفرق يعني دقائق معدودة يعني دقيقة
متأخراً أو دقيقة سابقاً للمؤذن الذي يؤذن طبقاً لما هو موجود في الطريقة المصرية. هل كان الديك عميلاً للعلماء أو عميلاً للحكومة أو عميلاً لأحد من الناس أو الباحثين؟ الديك يؤذن وهكذا يتضح لنا دجل هذه الهجمات التي تتم ويصبح لنا أيضاً... إننا نسير على الصلاة وصل الأمر به إلى أن أتيت بديك أربيه عندي في البيت حتى أسمع وقد سمعت، رحم الله الشيخ جاد الرب رمضان
ورحم الله. مشايخنا وإلى لقاء آخر، أستودعكم الله. والسلام عليكم ورحمة الله