هذا ديننا | 56| الفقه الإسلامي - الصلاة ج6 | أ.د. علي جمعة

هذا ديننا | 56| الفقه الإسلامي - الصلاة ج6 | أ.د. علي جمعة - فقه, هذا ديننا
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. أيها الإخوة المشاهدون وأيتها الأخوات المشاهدات في كل مكان، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً ومرحباً بكم في حلقة جديدة من برنامج "ديننا". تكلمنا في حلقة سابقة عن قضية مواقيت الصلاة، وعرفنا أنها خمسة تفصيلاً: الفجر، الظهر، العصر، المغرب، العشاء. وأنها ثلاثة إجمالاً، فالفجر وحده، ولكن الظهر والعصر أخوان، يجوز أن نجمع بينهما في السفر، وسنرى الشروط التي يمكن أن نجمع بينهما أيضاً في الحضر. والمغرب
والعشاء أخوان، فصار عندنا أيضاً يجوز أن نجمع بينهما في السفر، وقضية الحضر سنراها إن شاء الله. ثلاثة إجمالاً وخمسة تفصيلاً، أما الشرع الشريف فأمرنا أن نحافظ على الصلاة في أوقاتها إلا إذا كان هناك عذر يدفعنا إلى أن نتمتع بالتقسيم الثلاثي دون التقسيم الخماسي. المهم أن نحافظ على الصلاة لأن الصلاة عماد الدين، ولأنها ذروة سنام الدين، ولأنه من ترك الصلاة فقد كفر، أي فعل فعلاً الكافرين، ويستعيذ بالله تعالى، وفيها نوع من أنواع عدم حب الله، وهذه كبيرة من الكبائر وعظيمة من العظائم وبلية من البلايا. وبدون الصلاة لا تتطور
علاقتك مع الله، وبدون الصلاة ستشعر دائماً بالحيرة والضياع، ومع الصلاة فأنت تؤدي فرضك فيحافظ الله عليك في الدنيا والآخرة، في الدنيا. يستجيب للدعاء وفي الآخرة يُدخلك في نعيمه وجزائه الأوفر، فاللهم يا ربنا اجعلنا من المصلين وممن مننت عليه بالحفاظ على صلاته من المؤمنين. تكلمنا في مواقيت الصلاة عن قضية السفر، وعرفنا أن السفر ينقسم إلى قسمين: الترحال وهو الطريق، وهو أثناء انتقالي إلى الإسكندرية مثلاً، في الطريق هذه مرحلة تسمى... الترحال نقصر
الصلاة ونجمعها. وصلت إلى مشارف الإسكندرية، وصلت إلى بوابات الإسكندرية، عبرت البوابة وأصبحت في الإسكندرية. هل أقصر أم لا أقصر؟ السؤال: هل أنت ذهبت في هذه السفرة للإقامة، أم أنك ذهبت في هذه السفرة لأداء ما يمكن أن يؤدى في السفر؟ وهذا ضابطه، وهذه الأمور بالتحديد لا بالتقدير. يكون ضابطه أن تسأل نفسك لماذا أنا أو كم يوماً سأبقى في الإسكندرية. الإجابة الأولى: سافرت أنا يوم السبت، لا يُحسب، الأحد والاثنين والثلاثاء، وسأعود الأربعاء. لا يُحسب. إذاً لا أحسب
يومي الدخول والخروج من الإسكندرية، الوصول والعودة، لا أحسب. الباقي ثلاثة أيام، ولا أكثر من ثلاثة أيام. واحد اثنان ثلاثة، هذه ثلاثة أيام، فتقصر الصلاة من البداية إلى النهاية، تقصر الصلاة وتجمعها يوم السبت ويوم الأحد ويوم الاثنين ويوم الثلاثاء ويوم الأربعاء. حسناً، أنا سأعود يوم الخميس، فإذا كنت ستبقى هناك أربعة أيام فلا يجوز لك أن تجمع أو تقصر الصلاة لأنك كأنك قد أقمت. فلما سافرتَ يوم السبت ووصلتَ إلى مكان الإقامة، تصلي كل وقت في وقته ولا يجوز لك القصر، فلا تقصُر
الصلوات، تصلي الظهر أربعة، والعصر أربعة، والعشاء أربعة، كأنك مقيم، كأنك من أهل الإسكندرية. الصورة الثانية في حالة ما إذا ذهبت إلى الإسكندرية يوم السبت لمدة يوم وأنت تتنزه أو تبقى... سأقضي عملاً أو ما شابه وسأعود يوم الأربعاء وأقصر الصلاة، وبعد ذلك ذهبت إلى صديق وقلت له: "والله أنا لست متزوجاً وأريد أن أتزوج". فأرشدني إلى الخبير، فوافقت وأحضر لي الفتاة الصالحة، ورضينا وتزوجنا. تزوجنا في أي يوم؟ تزوجنا يوم الأحد. أقمت، فمن تزوج ببلد ولحق بأهله يكون الاثنين والثلاثاء وبسبب ذلك أنني تزوجت من تلك المدينة، فمن تزوج فقد أهَّلَ، ومن تأهل
فقد أصبح من أهل البلد. ولذلك إذا تزوج أحدنا في مدينة التحق بها، يعني ماذا التحق بها؟ يعني أصبح مقيماً فيها. هل للملكية أثر؟ يعني ماذا؟ يعني أنا أسافر إلى الإسكندرية، طيب أنا أمتلك... شقة هناك لا أثر لها، ربما تمتلك شقة هناك لكنك مسافر فتقصر الصلاة وتجمعها، فالملكية لا أثر لها. حسناً، هل الأصول لها أثر؟ ماذا يعني ذلك؟ أنا من الإسكندرية، من أهلها، ولدت في الإسكندرية وعشت في الإسكندرية شرخ شبابي، ثم رجعت إليها الآن في سفرة كما قال. لا الأصول ولا غيرها تمنعك من القصر والجمع. هذه بلدتي القديمة،
أي بلدة أبي وأمي. لا يحدث شيء حتى لو كانت بلدة أبيك وأمك، وحتى لو كنت تمتلك فيها ممتلكات، وحتى لو كان لك فيها شقة ملك أو بالإيجار طبعاً. كل هذا لا علاقة له بالقصر والجمع. حسناً، أنا... في القصر والجمع هذا، أنت تقول لي سأصلي أربعة إذا تأهلت، إذا كنت ناوياً أربعة أيام غير يومي الدخول والخروج، لا توجد حالة ثانية. بل إنني عندما أسأل نفسي هذا السؤال: متى سأعود؟ أجيب نفسي بأنني لا أعرف كيف، هذا أنا. ذاهب إلى الإسكندرية لأختم أوراقاً من
مصلحة حكومية. ذهبت يوم السبت، وفي يوم الأحد ذهبت بهدف أن أختم الأوراق وأركب القطار وأعود، فوجدت الموظف لديه مؤتمر وسيأتي غداً. جاء في اليوم التالي وقال لي: "لا، هذه الأوراق ناقصة، يجب أن تُكمل كذا وكذا". ذهبت يوم الثلاثاء لأكملها، فأكملت الأوراق التي في الثلاثاء والأربعاء والخميس الجمعة إجازة والسبت إجازة، ذهبت يوم الأحد، فقالت: "هل تتصور أن هناك مشكلة؟"، فقلت له: "ما هي؟"، قال: "الختم الذي سأختم لك به قد سُرق وضاع"، فقلت: "حسناً، وماذا بعد؟"، قال: "نحن نحتاج أن نحصل على خطاب
من وزارة المالية لكي نستخرج الختم المائي ذا الرقم قال لي: "ثلاثة أيام: الاثنين والثلاثاء والأربعاء". انتبه أنني قادم منذ يوم السبت الذي قبل الماضي. نحن الآن دخلنا في عشرة أو أحد عشر يوماً. كل هذا الوقت ماذا أفعل فيه؟ وأنا أقول: "فقط آخذ الختم وأعود". ثمانية عشر يوماً لي لأعمل ثمانية. ذهبت بعد عشرة أيام في يوم الأربعاء، فقال: "الحمد لله، الختم موجود هنا، لكن لو سمحت تعال إلينا يوم الأحد". هكذا أصبح لدينا أسبوعان حتى يوم الأحد، وستة عشر يوماً. كل هذا وأنا أقصر الصلاة، لماذا؟
لأنني لا أريد أن أمكث في هذه المدينة، فليس هناك أي علاقة بيني وبينها. وبينما أنا أختم وأمضي، ولذلك تقول: أسافر اليوم، أسافر غداً. هذا الكلام مكتوب في الفقه هكذا، فإذا قلت: أسافر اليوم، أسافر غداً، فيكون ثمانية عشر يوماً، لأنه ورد في السنة هذا عندما ذهب النبي إلى مكة وصلى فيها قصراً وهو من أهل مكة، وقال: هل ترك. لنا عقيل من رباع عقيل بن أبي طالب باع المال الذي للنبي وأخذه لا عليه، لا يجري له شيء، فالنبي عليه الصلاة والسلام قال: "وهل ترك لنا عقيل من رباع؟" هذا حتى الرباع التي لنا التي هي العقارات التي لنا باعها وأخذها، لا عليه، لا يجري له شيء، وكان ينزل بنت عمه تربت معه وهي أخت علي
بن أبي طالب، فالمهم أن النبي عليه الصلاة والسلام أخذنا من سيرته ومن أحاديثه الشريفة المنيفة أننا إذا كان لا يوجد وقت معين للبقاء فسأصلي ثمانية عشر يوماً، وعرفنا الأشياء التي لا أستطيع أن أصلي فيها القصر والأشياء التي نستطيع أن نصلي فيها قصراً. قال لي: حسناً، لكن هناك شيء آخر وهو الجمع في الحضر. أنا موجود في القاهرة أو في الإسكندرية، وليس لي حق الجمع وأنا في القاهرة. لا يمكن أن أصلي الظهر والعصر معاً، وأصلي المغرب والعشاء معاً. قلت له: لماذا؟ قال لي: لأن... أنا طبيب وأدخل العمليات ساعة واحدة وأخرج
الساعة الثانية عشرة ليلاً، ولا أستطيع أن أترك المريض وبطنه مفتوحة لأذهب لأصلي ثم أعود وأتعقم. قلت له: يجوز ذلك لأن النبي عليه الصلاة والسلام خفف عنا كما في حديث مسلم عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بالمدينة. الظهر والعصر جُمعا، والمغرب والعشاء جُمعا من غير عذر من مطر أو مرض، قيل: ولِمَ فعل هذا؟ قال: لأنه حتى لا يجعل على أمته من حرج. الأمة الوحيدة التي تسجد، الأمة الوحيدة التي تصلي كل أفرادها، ليس الكهنة أو العلماء أو الأتقياء فقط، بل كل أفرادها رجال ونساء وشيوخ. وأطفال، ولذلك
جُعِلت لي الأرض مسجداً وطهوراً. كل هذا الكلام لا نقوله لكي يتهاون الناس في الصلاة، بل لكي يتمسك الناس بالصلاة، لكي يتمسكوا أكثر بالصلاة، لأن كثيراً من المسلمين لا يصلون لاصطدامهم بهذه الأمور. ولذلك نحن ننبههم: يا جماعة، استمروا في الصلاة ولو أن تجمعوا. الظهر مع العصر ولو أن تجمع المغرب مع العشاء، يقول الإمام النووي رحمه الله تعالى في شرح مسلم بشرط ألا تكون عادة، يعني لا تعوّد نفسك أن تجمع بين كل الصلوات وبهذا الشكل، لكن الطبيب ماذا يفعل؟ والرجل الذي في الجيش الذي في النوبة أو ما شابه ذلك ماذا يفعل؟ يتسبب المرور ومشكلاته في صعوبة الانتقال من الأماكن
البعيدة بهذا الشكل. أنا ليس لدي قصر وأنا لا أسكن في التجمع ولا في أكتوبر ولا في خمسة عشر مايو ولا في العاشر، ليس لي أن أُقصّر، ولكن عندما أنزل وأجد أن المغرب قد أُذّن وأنا ما زلت في السيارة عند إشارة إذاً ضاع مني المغرب، لا لم يضع، انوِ بقلبك دائماً أنك تجمع بين الصلوات، لكن هذه المرة ستصلي ثلاث ركعات وأربع ركعات، وهذه المرة ستصلي أربع ركعات وأربع ركعات. حسناً، أنا خارج الآن ولا أستطيع أن أصلي في مكان ما، صلِّ الظهر ومعه العصر، فالجمع في الحضر جائز لكن بدون بالسفر فقط، لكن ونحن في الحضر سنجمع بين الصلوات، سنجمع بين
الصلوات تقديماً أو تأخيراً، ولكن لا نترك الصلاة. وعليه، إياك أن تجمع بين العصر والمغرب، لا تحسب أن أمامك فرصة طويلة. فإذا كان التكليف ما زال قائماً والعبادة ما زالت قائمة، فلنتمتع بما تركه لنا رسول الله صلى الله وسلم من تيسير وهو الذي ما خُيِّر بين أمرين إلا اختار أيسرهما، فالحمد لله الذي جعلنا مسلمين، والحمد لله الذي جعل الأمة الإسلامية تحافظ على سجودها لله رب العالمين، والحمد لله الذي انتشر الإسلام بالرغم من أنه دين وصف الله صلاته فيها وأنها لكبيرة إلا على الخاشعين، فالحمد لله الذي جعل الأمة الإسلامية من الخاشعين من المتقين الذين يفهمون عن
رب العالمين ما الذي يريده وما مراده، شكراً لكم وإلى لقاء آخر، أستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله.
    هذا ديننا | 56| الفقه الإسلامي - الصلاة ج6 | أ.د. علي جمعة | نور الدين والدنيا