هل الجهاد انتهى بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم & نصيحة رسول الله إلى الشباب | أ.د علي جمعة

هل الجهاد انتهى بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم & نصيحة رسول الله إلى الشباب | أ.د علي جمعة - سيدنا محمد
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. مرحباً بكم في هذا اللقاء المتجدد، وكل عام وأنتم بخير. فهذه الأشهر الحرم قد دخلت، أشهر الحج قد دخلت، ونحن قد بعثنا أول بعثة للحجيج المصري إلى بيت الله الحرام، فكل عام وأنتم بخير. هناك موضوع يثيره بعض الناس: هل انتهى الجهاد بعد سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ والإجابة أنه لم ينتهِ، بل إنه سنة قائمة إلى يوم القيامة من سنن الله
في كونه، أن خلق الوفاق والصراع، وأن خلق الله سبحانه وتعالى الحق وخلق الامتناع عن هذا الحق الذي نسميه. بالباطل وخلق الخير وامتنع الناس عن هذا الخير فكان شراً، ولذلك فالصراع بين الحق والباطل وبين الخير والشر وبين أهل الظلم وبين المظلومين سيظل سنة ماضية قائمة إلى يوم القيامة، ومن هنا يكون عنوان ما أراده الله سبحانه وتعالى للمؤمن القوي الذي هو خير وأحب عنده من المؤمن الضعيف قوله. قال تعالى: "وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ
الْمُعْتَدِينَ". أباح الله لنا الجهاد، بل إنه فرضه علينا في بعض المواقف بشروطه، وكثير من الشباب يتناسى هذه الشروط، وشأنه في ذلك كمن صلى بدون وضوء أو بدون استقبال قبلة أو بدون ستر للعورة أو بدون للوقت فصلاته غير مقبولة، حركات الصلاة وهيئة الصلاة وأركان الصلاة، لكنها خداج كما وصفها رسول الله صلى الله عليه وسلم، أي أنها غير مقبولة وأنها مردودة عليه لأنه عبد الله بما لم يرده، ولأنه خرج عن نظرية الشروط، والشروط موجودة في الصلاة كما أنها موجودة في الحج كما أنها موجودة.
في الزكاة كما أنها موجودة في الصيام كما أنها موجودة في الجهاد، وقديماً وفي زمن معين حيث كان العالم الإسلامي نهباً للتتار ومن قبلهم الصليبيين ومن بعدهم الاستعمار، رأى كثير من الفقهاء أن الجهاد وهو أفضل الأعمال عند الله سبحانه وتعالى بعد العبادة المحضة لأن الإنسان يجود فيه بنفسه من أجل قضيته ومن أجل ربه سبحانه وتعالى رأوا أن الجهاد هو الركن السادس من أركان الإسلام، فالجهاد باقٍ. بُني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصيام رمضان، إلى آخره. لكنهم رأوا
الجهاد وكأنه قد أصبح فرضاً كل المسلمين حيث احتل الصليبيون بلادهم وأغار التتار عليهم، ثم بعد ذلك هذه الهجمات المتتالية وهذه الأفعال النكراء التي تعرض لها المسلمون. فما شروط الجهاد؟ وهذا هو السؤال الصحيح. لا نقول أن الجهاد قد انتهى أو لم ينته لسببين: السبب الأول أنه باقٍ إلى يوم القيامة، والسبب الثاني أن الجهاد في الإسلام له معنى واسع وليس له معنى محدد ضيق، فالجهاد في الإسلام يبدأ بالجهاد في سبيل الله بالقتال لمن قاتلنا، لكنه أيضاً يشتمل جهاد النفس، وعليه ما أخرجه البيهقي في الزهد
الكبير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر"، ألا وهو الجهاد النفسي، وكذلك لما سألته عائشة: "قد فاتنا الجهاد يا رسول الله"، فقال: "جهادكن والشيخ الكبير الهَرِم والطفل هو الحج"، فجعل الحج نوعاً من أنواع الجهاد في سبيل الله، وكذلك لما أتاه رجل فقال: "يا رسول الله، أريد أن أخرج في سبيل الله للقتال"، فقال: "ألك والدان؟"، قال: "نعم"، قال: ففيهما فجاهد فكان بر الوالدين والالتصاق بهما نوعاً من أنواع الجهاد، ورسول الله صلى الله عليه وسلم
يوسع المعاني فيقول: "المهاجر من هجر ما نهى الله عنه". إذاً فالمهاجر لم يعد هو المنتقل من مكة خاصة إلى المدينة خاصة، بل أصبح كل مهاجر ولو شبراً من الأرض ابتغاء وجه الله. سبحانه وتعالى هرباً من المعصية طلباً للطاعة أصبح مهاجراً، فكذلك المجاهد، فهو من جاهد نفسه ومن جاهد من أجل عمارة الكون وعبادة الله وتزكية النفس، وهي مرادات الله سبحانه وتعالى من خلقه، وهي الهدف الذي من أجله خلق الله هذا الكون وخلق الله هذا الإنسان.
فما شروط الجهاد إذاً؟ إذا كان الجهاد باقياً إلى يوم القيامة، نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نقاتل تحت راية عمية، وهناك راية عمية بمعنى أنني لا أعرفها ولا أعرف مآلاتها ولا أعرف من أين أتت وإلى أين تذهب وما المراد منها، فتكون هذه الراية العمية تماماً مثل مسجد الضرار. يُسمّى مسجداً يُصلّي فيه الناس لكنه نشأ بطريقة عجيبة لها غرض خبيث وهو التفريق بين المؤمنين وإيقاع الفتنة بينهم وإيقاع الفرقة والتشتت في جماعتهم، ولذلك
كان مسجد ضرار، ولذلك حرقه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يهتم بالاسم أن هذا مسجد وأنه موطن يُعبد فيه الله وأن أبداً ما. الغاية منها في الراية العمياء لا نعرف غايتها، وهذه الجماعات الإرهابية التي نراها ونعرف ونسمع ونرى الوثائق أنهم يتعاونون مع الآخر، يتعاونون مع الغير، يتعاونون من أجل تفتيت بلاد المسلمين. هل هم يدرون أبداً؟ هم مغترون بأنفسهم وهم يفعلون هذا، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً، فهم الأخسرون أعمالاً. قل هل بالخاسرين أعمالاً الذين
ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً، لكنهم أساؤوا لما وضعوا أيديهم في أيدي القوى الغربية، وأخذوا منها السلاح والذخيرة والأموال، وأرادوا بذلك تفتيت المسلمين وإحداث الفتن التي لا نهاية لها، وإراقة دماء المسلمين البريئة على الأرض. هؤلاء نستطيع أن... نصفهم كما وصفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "الخوارج كلاب أهل النار". والخوارج دائماً، ومنذ أن خرجوا في سنة سبعة وثلاثين على الإمام علي، الخوارج دائماً يقاتلون تحت راية عمياء. نعم عندهم مقاتلون، ونعم
عندهم أسلحة، ونعم عندهم حتى أيضاً أفكار ومبادئ وما إلى ذلك، ولكنها أفكار. ضالة ومبادئ خبيثة لأنها خرجت عن منهج رسول الله وعن الراية الشرعية السليمة، فعندما يقاتل الجيش المصري فإنه يقاتل تحت راية سليمة، تحت راية من يؤمن بالله ورسوله، تحت راية من يعرف أنه يخدم هذا الوطن، وعندما يتفاوض فإنه يتفاوض بشروطه ويتفاوض بقواعده ويتفاوض على ما تقتضيه المصلحة، لكن تتحكم بهذا الشكل وتعطينا سلاحاً ثم تمنعنا السلاح،
تأمرنا بأوامر نطيع بعضها ونعصي بعضها، فيضربوننا ويقتلوننا كما يفعل الآن الغرب في داعش. هذا هراء وخروج عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أمرنا ألا نقاتل تحت راية عمية. رسالتي إلى كل الشباب: لا تذهبوا إلى الراية العمية، هذه نصيحة. رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لنا، لا تخالف رسول الله فإن الأمر جليل. لا تتأثر بهذه المبهرجات واللافتات للنفس وللنظر لأن الأمر أجل من هذا وأعظم.
نعم، الجهاد باقٍ إلى يوم القيامة، سنة قائمة ماضية، ولكن بشروطها. إلى لقاء آخر، أستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.