واقع المسلمين وعلاقته بالإسلام | خطبة جمعة بتاريخ 2006 - 11 - 10 | أ.د علي جمعة

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله ونبيه وصفيه وحبيبه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح للأمة وجاهد في سبيل الله حتى أتاه اليقين، اللهم صل وسلم على سيدنا محمد في الأولين، وصل وسلم
على سيدنا محمد في الآخرين، وصل وسلم على سيدنا محمد في كل وقت وحين، وعلى آله الأطهار وأصحابه الأخيار وأتباعه الأبرار إلى يوم الدين. يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون، يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء، واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا، يا أيها الذين آمنوا
اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن من يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما، أما بعد فإن أصدق الحديث كتاب الله وإن خير الهدي هدي سيدنا محمد رسول الله وإن شر الأمور محدثاتها فكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار. يسأل كثير من الناس عن واقع المسلمين وعلاقته بالإسلام فعندما يسمع الناس ما جاء به دين الله في العالم يتعجبون
ولهم الحق في ذلك العجب إنهم يسمعون دينا يتمنى كل عاقل لو انتسب إليه، دين يؤمن بالله ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويطهر أتباعه ظاهرا وباطنا، يدعو إلى السلام ويدعو إلى الأمن والاستقرار ويدعو إلى العلم، حطم الوسائط بين الإنسان وربه وأمره. بعمارة كونه وبتزكية نفسه وقال رسول الإسلام إنما
قل أن ينتمي إليه ثم إذا نظر إلى المسلمين رآهم وقد أمرهم ربهم بأن يعتصموا بحبل الله جميعا لم يعتصموا وكانوا شيعا وأحزابا ومذاهبا ومشاربا ونهاهم ربهم عن الفرقة وقال لهم ولا تفرقوا فتفرقوا واستجابوا لخطط كل ناعق وكل منافق
وكل كافر فاسق إذ أمرهم بأن يكون بأسهم بينهم شديدا فاستجابوا وصدق الله ورسوله فيهم حيث دعا رسول الله ربه ألا يكون بأسهم بينهم شديدا فلم يستجب ربنا له فكان ما نحن فيه من خيبة وفرقة وضعف تصديقا لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والحمد لله الذي جعلنا مسلمين ولكن الطريق أمامنا ما زال مفتوحا فكيف نرجع إليه حتى نزيل حيرة العالمين فينا
وفي الفرق بيننا وبين إسلامنا فكيف نعود مرة أخرى ندعو إلى الله بحالنا قبل مقالنا فنكون شهداء على الناس ونجعل الرسول علينا شهيدا صلى الله عليه وآله وسلم فكيف نخاطب الناس بما يصل إلى عقولهم وإلى قلوبهم فلا نكون فتنة للذين كفروا، كيف ذلك؟ وما الذي افتقدناه حتى وصلنا إلى هذه الحالة الرديئة غير المرضية التي
نعيش فيها؟ إن الذي افتقدناه هو التربية المحمدية النبوية المصطفوية التي علمتنا بكل يسر وسهولة كيف نحول المبادئ والقيم والأخلاق والأحكام والعقائد والمناهج إلى حياة نعيشها وإلى واقع معيش، كيف هذا؟ فعلمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم علمنا الرحمة، ثم علمنا كيف نطبقها.
أما تعليم الرحمة فأول ما تفتح كتاب ربك تجد قوله تعالى "بسم الله الرحمن الرحيم". أما تعليم الرحمة فعندما تسمع قوله تعالى في وصف سيد المرسلين "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين". أما تعليم الرحمة فعندما تسمع الحديث الأول يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: الراحمون يرحمهم الرحمن تبارك وتعالى، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء. ولكن كيف نتخلق بالرحمة وكيف
نطبقها في حياتنا؟ فيبدأ الأمر من تعليم المسلم أن الجماد يسبح ربه وأن الجماد يسجد لخالقه وأن الجماد يأتي ربه طوعا وأن الجماد يرفق على نفسه في تحمل الأمانة التي تحملها الإنسان، فلما يعلم المسلم كل ذلك وأن ما من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم، ألم تر أن الله يسجد له من في السماوات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال
والشجر والدواب وكثير من الناس وكثير حق عليه العذاب ومن يهن فما له من مكرم عندما يعلم المسلم أن الله سخر لنا ما بين السماوات والأرض جميعا منه، فإنه يعامل الجماد معاملة رحيمة، ولذلك أنطق الله الحجر والشجر لرسول الله، وأسمعهم حنين الجذع له حتى ضمه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يعلمنا الرحمة بالجماد، فسكن. وكان رسول الله يخطب. على جذع نخلة يتخذها منبرا، فلما
جاء المنبر من عيدان من مادة شجرية خشبية يقال لها عيدان وترك الجذع، حن لرسول الله فبكى حتى سمعه من في المسجد، فنزل رسول الله من خطبته والخطبة جزء من الصلاة حتى يحتضن ذلك الجذع الجماد، فسكن الجذع بحضن رسول الله صلى الله عليه وسلم ماذا يعلمنا أن نتعامل مع الجماد برحمة ويقول لنا دخلت امرأة النار وما أدراك ما النار وما
أدراك ما عذاب الله فيها في هرة حبستها لا هي أطعمتها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض ودخلت امرأة الجنة في كلب وفي رواية ودخلت بغي من بني إسرائيل الجنة في كلب وجدته عطشان فسقته فأدخلها الله به الجنة ويسأل الصحابة إن لنا في البهائم صدقة يا رسول الله قال ألا إن في كل ذات كبد رطبة صدقة فما بالك ونحن نعلم الرحمة بعد ذلك
بالإنسان رحمة بالأكوان ورحمة بالحيوان ورحمة بالإنسان فنجد رسول الله صلى الله عليه وسلم تجده بنات بني النجار في طرقات المدينة وهو النبي المصطفى المختار الذي كان رئيس الدولة الذي كان سيد الخلق أجمعين توقفه البنات الصغيرات في طرقات المدينة فيحدثهن وتأخذ إحداهن بيده الشريفة فيسلمها لها تذهب بها حيث شاءت ولا يتركها حتى يقضي ما تريد يفعل
هذا حتى نرى نحن ونحن نقرأ عنه صلى الله عليه وسلم ذلك أن نكون رحماء بالخلق وأن نحول هذا الخلق الكريم وهذه القيمة إلى واقع معيش فإذا لم نفعل وقسونا على الأكوان فأفسدنا البيئة وعلى الحيوان فأخرجنا فيه همنا وغمنا وسواد قلوبنا واضطراب أحوالنا أو بعد ذلك ينتظر منا أن نكون أمثلة صالحة لحماية الإنسان ولكرامته وعرضه بعد ذلك يعامل الطبيب المريض على أنه إنسان
فيتحمل تأوهه أو ضيق خلقه أو يعامله لا كمعاملة الأشياء بل معاملة من يتألم لو عرف أن الله عند ذلك المريض وأن الله سوف يقول يوم القيامة يا عبدي مرضت ولم تعدني قال كيف تمرض وأنت رب العالمين قال مرض عبدي فلان فلم تعد، ولو عدت إليه لوجدتني عنده. لو دخل الطبيب على مرضاه وهو يعلم أنه في معية الله وأن الله ما تركهم وما مل منهم، ولعرف
أن هذا خير له من التسبيح والتحميد وخير له من أن يجاهد في سبيل الله فتخضب رقبته بالدماء، وأنتم تعلمون أجر الشهيد وأجر المجاهد لو عرف المسلمون هذا لكانوا أمثلة رائعة للرحمة بالأكوان والحيوان والإنسان، ولكننا لم نعرف ذلك وأراد الله أن ينبهنا بمثل تلك المجازر البشعة التي سلط الله علينا فيها أعداءنا وأعداءه، فانتهكوا الحرمات وقتلوا الأطفال والنساء وجعلوا الدم يصل
إلى الركب ويروي الأرض. فماذا نفعل؟ ابدأ بنفسك ثم بمن يليك، ابدأ وغيرها فإن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، ماذا نفعل؟ نعم تقسو قلوبنا وتدمع أعيننا ونسعى بالسلم وبالدفاع وبالسلاح عن أنفسنا وعن أعراضنا وأرضنا، ولكن قبل ذلك تذكر خطأ فيك مع رب العالمين جعله يسلط هؤلاء علينا، والنبي صلى الله عليه وسلم وهو يعلم أصحابه الرفق ويقول
يا عائشة إن الرفق ما دخل في شيء إلا زينه وما نزع من شيء إلا شانه ويعلمها كيف نتعامل مع الناس على قدر عقولهم ويمر عليه أحد اليهود ويقول السام عليك يا محمد والسام الهلاك والموت وكأنه يريد أن يدغم الكلام إدغاما فيسمع النبي السين والميم فيظن أنه قد ألقى عليه السلام فتقول عائشة بل عليك وعلى أبيك الموت والهلاك، قال يا عائشة قولي وعليكم السلام فإذا أراد أن يرد عليهم رد بالأدب الرفيع
رد بالرحمة رد بالرفق. أين تقع بدر؟ بجوار المدينة المنورة إحدى ضواحي المدينة والخندق كان حول المدينة لأنه كان يعتدى عليها دائما من المشركين وغيرهم من وغيرهم ويظل يعتدى عليه إلى يوم الدين حتى يرتقي عند ربه، فإن المظلوم له درجات لا تتناهى عند ربنا، والنبي صلى الله عليه وسلم تسلطت عليه الأقلام والألسنة من أجل أن يترقى فوق رتبته عند ربه، ويحشر يوم القيامة مظلوما،
والظلم ظلمات يوم القيامة، وللمظلوم دعوة مستجابة ولو كان كافرا. فما بالك لو كان مؤمنا وما بالك لو كان تقيا أو صديقا فما بالك لو كان نبيا أو رسولا فما بالك لو كان سيد الخلق أجمعين صلى الله عليه وآله وسلم فما بالك لو كان الفرد الأوحد صخرة الكونين خاتم المرسلين المصطفى المختار صلى الله عليه وآله وسلم علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم،
كيف نحول المعاني إلى واقع المعيش؟ اقرأوا السيرة، تدبروا القرآن، اقرأوا أحاديث رسول الله، لا من قبيل النهي والأمر، بل من قبيل الحياة، كيف تكون إنسانا طيبا معطاء محبا صبورا خلوقا، تعيش رسول الله صلى الله عليه وسلم وتبلغ عنه وتكون مثالا يحتذى به إلى هذا ليخفف الله عنا البلاء والغلاء والخوف وأبدلنا من بعد خوفنا أمنا وضرب الله مثلا قرية آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله
فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون فاللهم يا ربنا اجعلنا من عبادك المؤمنين وطمئن قلوبنا في الدنيا والآخرة واجعلنا من أتباع سيدي المرسلين وأقم بنا الحق وأقم الحق بنا ادعو ربكم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله
وصحبه ومن والاه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده صدق وعده ونصر عبده وأعز جنده وهزم الأحزاب وحده وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله ونبيه وصفيه وحبيبه بلغ الرسالة الأمانة ونصح للأمة وجاهد في سبيل الله حتى أتاه اليقين، اللهم يا ربنا صل وسلم عليه صلاة وسلاما يليق بجلاله عندك يا رب العالمين، وانفعنا به في الدنيا وفي الآخرة، واحشرنا تحت لوائه، واسقنا من يده الشريفة شربة ماء لا نظمأ بعدها أبدا، ثم أدخلنا الجنة من غير حساب ولا سابقة عقاب ولا عتاب، اللهم اغفر وارحم وتجاوز عما تعلم، إنك أنت الأعز الأكرم، متعنا بالنظر إلى وجهك الكريم في جنة الخلد يا أرحم الراحمين، واجعل جمعنا هذا
جمعا مرحوما وتفرقنا من بعده تفرقا معصوما، ولا تجعل فينا شقيا ولا محروما، اللهم اقض حوائجنا وحوائج المسلمين، اللهم لا تدع لنا حاجة إلا قضيتها ولا مريضا إلا شفيته ولا غائبا إلا رددته ولا مظلوما إلا نصرته اللهم ولا مدينا إلا سددت عنه دينه اللهم ارزقنا رزقا واسعا وعلما نافعا وقلبا خاشعا وعينا من خشيتك دامعة ونفسا قانعة وشفاء من كل داء اللهم يا ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار وأدخلنا الجنة مع الأبرار، ارفع عنا أيدي الأمم واحم أرضنا وعرضنا وتقبل شهداءنا عندك يا أرحم الراحمين. اللهم يا رب العالمين رد علينا القدس ردا جميلا، اللهم يا رب العالمين وحد قلوب
المسلمين واهدهم إلى ما فيه الصلاح واجعل هذا البلد وسائر بلاد المسلمين سخاء رخاء آمنة عدل وإيمان وسلام وإسلام ووفق المسلمين وانقلهم من دائرة سخطك إلى دائرة رضاك، اللهم إن هذا ليس بكثير عليك وأنت الهادي فاهدنا إليك، اللهم اهدنا فيمن هديت وعافنا فيمن عافيت وتولنا فيمن توليت، اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين ومن المؤمنين ومن المتقين ومع القوم الصادقين، اللهم اجعل القرآن الكريم ربيع قلوبنا ونور صدورنا وأبصارنا وجلاء همنا وحزننا، واجعله حجة لنا ولا تجعله حجة علينا، علمنا منه ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وعلمنا مرادك من كتابك في خلقك يا
أرحم الراحمين، اللهم يا ربنا في هذه الساعة ولعلها أن تكون ساعة الإجابة شفاء صدور قوم مؤمنين وانتقم لنا يا أرحم الراحمين، اللهم يا ربنا هذا حالنا لا يخفى عليك والظلم الواقع علينا في علمك وبين يديك، اللهم انتصر اللهم انتصر اللهم انتصر يا حق يا قهار، برحمتك نستغيث لا حول ولا قوة إلا بالله، اللهم يا ربنا نسألك بمعاقد العز من عرشك يا رب السماوات والأرض انتقم لنا واشف صدور قوم مؤمنين وأذهب غيظ
قلوبهم يا رب العالمين يا رب وقد أنزلت البلاء فأنزل علينا السكينة والصبر اللهم يا ربنا ارض عنا برضاك وافتح علينا من خزائن رحمتك ما تثبت به الإيمان في قلوبنا وتجاوز بنا هذه الاختبارات والامتحانات والابتلاءات يا أرحم الراحمين انصر عبادك وانصر المجاهدين في سبيلك وسدد رميهم اللهم يا رب العالمين هذه أمة قد ظلمت فانتصر لها يا قهار يا قهار يا قهار يا قهار يا قهار يا قهار يا
قهار ما سألناك إلا وقد استجبت لنا فاللهم أرنا فيهم يوما تعز فيه دينك وأهلك والمسلمين وتذل فيه كلمة الشرك والمشركين يا أرحم الراحمين، اللهم صل وسلم على سيدنا محمد في الأولين والآخرين والعالمين وفي كل وقت وحين وعلى آله الأطهار وأصحابه الأخيار وأتباعه الأبرار إلى يوم الدين، وصل اللهم على سيدنا محمد أبدا وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون