والله أعلم| الدكتور علي جمعة يتحدث عن الهداية العامة للقرآن الكريم ومراتبها| الحلقة الكاملة

بسم الله الرحمن الرحيم وقل رب زدني علماً يا أرحم الراحمين يا أرحم الراحمين يا أرحم الراحمين افتح علينا فتوح العارفين بك وما أجمل ما تعلمناه من مشايخنا ومن علمائنا الربانيين أنه من أراد الدنيا فعليه بالقرآن ومن أراد الآخرة فعليه بالقرآن ومن أرادهما معاً فعليه بالقرآن أهلاً بكم في والله أعلم، لنسعد دائماً بصحبة صاحب الفضيلة مولانا الإمام الأستاذ الدكتور علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، لنواصل معه الحصول على هذه الإجابات الملحة للتجديد والإصلاح الدائم.
مولانا الإمام، أهلاً بفضيلتكم، أهلاً وسهلاً بكم. مولانا الإمام، الكثير يتحدث عن الإعجاز العلمي في القرآن الكريم وتردون أنه لا بأس ولكنه كتاب هداية. البعض يتحدث عن الإعجاز الرقمي، تقولون ولا بأس ولكنه إنه كتاب هداية. ما معنى هذا المعنى؟ ما معنى أن القرآن كتاب هداية؟ بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. وصف الله كتابه في كتابه بأكثر من خمسين صفة وجمعها الباحثون وجدت حوالي سبعة وخمسين صفة، فمما وصف الله به كتابه أنه هدى، وهذا هو المعنى الذي يجعلنا نطلق على القرآن أنه هدى. القرآن كتاب هداية لأنه يهدي
للتي هي أقوم، وفي صدر سورة البقرة يقول: "ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين"، فالله سبحانه وتعالى جعل القرآن هداية لكن جُعلت فيه خاصية عجيبة غريبة وهي للمتأمل معجزة، كيف أن النص الواحد يصبح هداية لأقوام ويصبح مغلقاً لأقوام آخرين في فهمهم وعقولهم وحياتهم وبصائرهم، كيف يكون هذا وهو نص واحد؟ فمن يدخل مع القرآن الكريم من باب التقوى
تُفتح له أسراره وتُفتح له كنوزه ويبدأ الإنسان يفهم أشياءً غريبة مما نسميه في علوم اللغات بمردود الكلمة مما نسميه بالمعنى الفرعي وما يترتب عليه بعد المعنى الأصلي مما نسميه الظلال الوارفة ومما نسميه بالإشارات، كل هذه عبارات لطائف الإشارات، كل هذه عبارات تبين هذه المعاني التي تحيط بالإنسان وتفتح له من عند الله سبحانه وتعالى فتعطيه فهماً يجعل القرآن مبهر لمن يقرأه،
فيزداد انبهاراً وتعلقاً ولا تنتهي عجائبه. إذاً فهو هدى بشرط أن يكون الذي يبحث فيه يريد الحق. أنا لا أقول أنه لا بد عليه أن يكون مؤمناً بالله ورسوله وتعاليم الإسلام، بل إن هذا الشخص فقط يريد الحق، سواء كان مسلماً أو غير مسلم، يدخل للقرآن وهو لا يريد اللعب معه، نعم. أما الذي يدخل القرآن وعنده صورة ذهنية سابقة وأنه يريد أن يكتشف فيه الخطأ ويريد أن يكتشف فيه التناقض أو يريد أن يكتشف فيه الضلالة، فإن الله سبحانه وتعالى يغلقه عليه ولا يستطيع للأسف أن
يعي منه ما يهتدي به. قال تعالى: "قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء". انظر كيف، للذين آمنوا، والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمى، يعني يدخل القرآن فيقول: ما هذا؟ أنا لا أرى شيئاً، أنا لا أعرف شيئاً. هل يمكنني أن أقول مثله أو شيئاً؟ من سخافات ما خطر في بال البشر المتربصين بالقرآن، المتربصين بالقرآن، والمتربصين سود القلوب دخل. ليس باحثاً عن الحق إنما دخل باحثاً عن النقص. القرآن ليس فيه نقص
لكنه يغلق عليه أبوابه وهو عليهم عمى، أولئك ينادون من مكان بعيد ليس من مكان قريب. ينادون من مكان بعيد، لأنه لو نودي من مكان قريب لسمع شيئاً في نفسه وفي روحه وفي قلبه بل ويمكن في أذنه يقول له أنه الحق، لكن التي في البعيد هذه تقول له ماذا؟ تحيره. فهو لا يسمع جيداً، فأنت عندما يناديك أحد من بعيد لا تسمع ولا تميز ما يقوله، فالكلام أشبه بالوهم. إذاً "ينادون من مكان بعيد" معناها أنهم لن يفقهوا شيئاً. هذا شك الحيرة لأنه غارق في الشك والحيرة يا مولانا، هذا ما
أخبرتنا عنه من قبل، إنه شك الضلالة. شك الضلالة، هل تدرك سيادتك كيف فهو ليس الشك المنهجي؟ لا، الشك المنهجي أسئلة مشروعة متتالية يأخذ بعضها برقاب بعض تهدف إلى البحث عن الحق. لو فعل هذا مع القرآن لانفتح عليه وأصبح هدى للمتقين وأصبح أنه يفتح أبوابه لهذا، لكن هذا يلعب وإذًا وهو عليهم عمى، وهو نص واحد وهو قرآن واحد أنزله الله سبحانه وتعالى، وفيه هذه الخصيصة التي أعدها أنا أنها من معجزات الكلام، لأن الكلام المعتاد الذي للبشر إما أن تفهمه إيجابياً أو تفهمه سلبياً، لكن كونه أن نص واحد ونص كبير، فهو ليس صغير، ستمائة
صفحة ترشدك إذا أردت منه الهداية إلى الهدى، وإذا أردت منه اللعب يقودك إلى الضلالة. لا يوجد مثل هذا، إنه لا مثيل له هذا القرآن، هو كذلك، ولذلك قالوا عنه أنه نبي مقيم. ماذا يعني نبي مقيم؟ يعني سيجيب على كل مَن استهداه بالهدى ليس مثل النبي، يعني النبي كأنه جالس هكذا والناس تأتي إليه قائلة: "يا نبي الله، قل لنا ما الذي يُغضب الله وما الذي يرضى عنه الله". فيجيب وهذا القرآن نبي مقيم فينا، لا يموت، ولا يخلق على كثرة الرد يا مولانا، أبدًا يعني لا يبلى لا يقدم يعني لا نصيبه البِلا كما تبلى ثياب الرجل حينما يلبس ملابسه ويغسلها وينظفها ويعتني بها، ثم ماذا يحدث؟
تتهرأ، لكن هذا لا، هذا ليس فيه بِلى، ليس عنده بِلى، يعني لا يبلى أبداً، لا يبلى ولا يخلق، أي لا يبلى، نعم مولانا، طيب، الهداية العامة، نحن نتكلم أنه كتاب هداية، فما معنى أن القرآن هو كتاب هداية عامة أنه كلمة عامة يعني أنه محرر من المكان، فهو يهدي من كانوا قد أقاموا في الهند كما يهدي من أقاموا في أمريكا، ومحرر من الزمان. انظر إلى العمومية كيف أنها ليست للزمن دون زمن، بل هي في كل الأزمان، ومحرر من الأحوال وليس السلام دون الحرب ولا الحرب دون السلام ولا الرخاء دون الشقاء ولا الضيق دون السعة أبداً في كل الأحوال. أيضاً هو معنا
فهذه هي الهداية العامة ومع كل الأشخاص: شاب أو كهل أو عجوز، صحيح أو مريض، كبير أو صغير، بل إنه آمن بمحمد أو لم يؤمن بمحمد لأنه سبحانه يقول يا أيها الناس، الله تعالى يخاطب الناس عامة بما يصلح به الاجتماع البشري. حتى لو لم تؤمن بمحمد وبرسالة محمد، فإن القرآن يوجهك لما تفعل من أجل استقامة الاجتماع البشري وعمارة الدنيا، حتى يستطيع من أراد أن ينجح في الامتحان فيعبد الله أن يعبد الله، هذا معنى ما تعلمناه من فضيلتكم أنه من عليه بالدنيا فعليه بالقرآن، ومن أراد الآخرة فعليه بالقرآن، ومن أرادهما معاً فعليه بالقرآن. هذا آتٍ من أين؟
من الإطلاق، من عموم الرسالة. ماذا يعني عموم الرسالة؟ يعني أنها لا تختص بزمان دون زمان ولا بمكان. ولذلك عندما أدرك هؤلاء الجماعة هذه الفكرة فقالوا بتأريخانية القرآن، ماذا تريد أن تقول؟ قال: "لا، القرآن ليس صالحاً لكل زمان ومكان". إذاً صالح لماذا؟ قال: "للزمن الذي نزل فيه فقط، وليس له علاقة بنا، كان ماضياً وأصبح فارغاً". هل أنت منتبه؟ هذا كلام مخالف لعقائد المسلمين ومخالف أيضاً لنصوص القرآن الكريم نفسه، هل أنت منتبه؟ هذا الرجل الذي يقول هكذا يريد أن يقيده بالبيئة التي نزل فيها، وبالعصر الذي نزل فيه، وبالأشخاص الذين خاطبهم،
ويقول: "أنا مؤمن وكل شيء، ومؤمن بأن النبي نبي، وبأن الولي ولي، وبكل شيء، والصحابة هؤلاء أفضل الناس". فماذا تريد إذن؟ كلامك هذا نشتم من ورائه وأنت رجل يعني لا تصلي ولا تصوم ولا تريد الهداية ولا أي شيء، وطوال النهار جالس تشرب وتفعل فقال لهم إن هذا الكلام كان في الماضي وانتهى، أي كان ماضياً وأصبح منتهياً. قلنا له: إذاً أنت لست منتبهاً لفكرة عموم الهداية، ولا منتبهاً لفكرة إطلاقية الخطاب، ولا منتبهاً أن كلام الله القائم بنفسه قد تعدى الزمان والمكان والأشخاص والأحوال يعني أنك لست منتبهاً للعقيدة نفسها، ولست منتبهاً أن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات
أن لهم أجراً كبيراً، وأن الذين لا يؤمنون بالآخرة أعتدنا لهم عذاباً أليماً ويدع الإنسان بالشر دعاءه بالخير وكان الإنسان عجولاً. فانظر كيف أن ربنا سبحانه وتعالى كريم وأرشدنا إلى كل شيء، أرشدنا في القرآن إلى كل صفة له. ماذا يعني أنه يهدي
للتي هي أقوم، سنعرف الإجابة ولكن بعد الفاصل، ابقوا معنا. أهلًا بحضراتكم، مولانا الإمام: ما معنى إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم؟ النظم فكلمة "أقوم" تعني أكثر عدالة، أي أقرب في التحقق. و"أقوم" على وزن أفعل وأفعل تقتضي المشاركة بين أمرين على أن أحدهما فيه صفة أكثر من الصفة الأخرى، فعندما نقول إن فلاناً أجمل من فلان، يعني أن الاثنين جميلان صحيح، لكن واحد يحصل على عشرة والآخر يحصل على سبعة. وعندما نقول أغنى من فلان، فهذا يعني أن الاثنين أغنياء، لكن واحد لديه مليون والثاني لديه مليونان، فيكون أغنى منه. أجمل منه، أذكى من فلان يعني أنه يحل المعضلة في خمس دقائق وهذا يحلها في دقيقتين فيكون أذكى منه، إذاً صيغة أفعل التفضيل تقتضي المشاركة.
فعندما يأتي ويقول "أقوم"، فهذا يعني أن الاثنين فيهما قيم، وهذا عدل. انظر إلى الإنصاف، فنظام وضعه الغرب ونظام آخر وضعه الشرق، من الممكن أن يسير الحال به، لكن الأعدل ماذا؟ نعم، إن النظام الذي جاء به القرآن هو ما يرد على أولئك الذين يشوشون أفكارنا في قضايا الميراث. فهناك نظام للميراث عند الرومان، وهناك ميراث عند الهنود، وهناك ميراث عند الإنجليز السكسون، وهناك ميراث في القانون الأمريكي، وهناك أنظمة كثيرة متنوعة. نعم، ولكن هذا النظام الإلهي متسق مع نظم أخرى
من النفقات ومن الزواج ومن المهور ومن الزكوات ومن التكافل الاجتماعي، متسق معها بحيث أنه يحقق في النهاية ما هو أقوم حدث في أحد هذه النظم، كما حدث في غرب أوروبا أن يأخذ لابنه الكبير الميراث كله. فماذا حدث؟ حدثت أشياء جيدة وليست سيئة. ما هي الأشياء الجيدة؟ تراكم الثروة والوفورات الداخلية في الإنتاج المزارع الضخمة الإقطاعية الكبيرة التي تجعل هناك تنظيماً لإنتاج الحبوب ولإنتاج القطن، وغيرها على هذا النحو.
من أين يأتي هذا كله؟ يأتي من أنني أمتلك مائة ألف فدان لوحدي، إنه احتكار. ومن أين جاء هذا؟ الأصل أن أبي كان كبيراً فورث عن ووالده وهو أيضًا كان الكبير فورث عن أبيه، فقال: "أنا الكبير الذي أخذت كل شيء". حسناً، أصبحنا ستة أو سبعة أجيال فتراكمت الثروة، وعندما تراكمت الثروة أصبحت لدي سلطة مطلقة. صحيح، انظر الآن إلى الجزأ الذي ليس هو بالأقوم. فكل ما مضى جيد، كل ما مضى جيد. تراكم الثروة يؤدي تنظيمها يؤدي إلى زيادة الإنتاج، ويؤدي إلى الوفورات الداخلية، هذه أشياء جميلة حقاً. فإذا به أتاني في مكان آخر، فأصبحت هناك سلطة مطلقة. سلطة مطلقة تعني ماذا؟ ذهب الإقطاع الغربي بمفهومه
في التعاريف أنه يملك الأرض ومن عليها، فملك الإنسان. يصبح هذا الفلاح الشجاع ملكي أنا. فليست عندي الأرض فقط، ولكن أصبح الفلاح القن الذي هو فوق الأرض ملكي، فأصبح هناك انحراف في الاجتماع البشري. هذا الانحراف الذي في الاجتماع البشري أدى إلى طغيان، يعني جيلاً بعد جيل، حتى أصبح هناك ما يسمى بحق ليلة الزفاف، الليلة الأولى. ما هو حق ليلة الزفاف؟ تعني أن هذا الإقطاعي الذي هو السيد لا تدخل أي فتاة من فتيات القرية إلا بعد أن تمر عليه أولاً. أي مصيبة هذه حقاً؟ أي إهانة هذه للآدمية والإنسانية؟ أي طغيان هذا
ومن أين أتى؟ تتصور أنه آتٍ من نظام الميراث. ترتب على كل ما سبق، نعم ولكن بالزمان، فعندما يأتي ربنا سبحانه وتعالى ويقول قسِّمها، سنورث عشرة رجال وسنورث سبع نساء، وسنفتت الثروة كل جيل، وهذا التفتيت بالطريقة المعينة: السدس والثلث والثلثان والنصف والربع والثمن، بطريقة تتفق مع الزمان. أصبح بعد الزمان يتفق مع العدالة وإذابة الطبقية وعدم السلطة المطلقة وإلى آخره. إذن، أنا كلما قلدت هذا النظام الذي يحدث فيه
التراكم كلما حصلت مساوئه بالإضافة إلى تحصيل محاسنه أو منافعه، فربنا يعلمنا الإنصاف، نعم، فيقول أن هذا القرآن عندما يُطبق يهدي للتي هي قيمة؟ لا، لم يقل هكذا، لم يقل للتي هي قيمة، بل قال للتي هي أقوم، أي أن الآخر فيه قيمة واستقامة وشيء من العدالة، نعم. فلماذا أقوم إذن؟ لأنه متشعب، ليس في نقطة اقتصادية ونسي الاجتماعية، لأنه ليس في نقطة حالية ونسي المستقبلية، لأنه ليس في نقطة شخصية ونسي العامة، لأنه ليس في نقطة قال حسناً وماذا عن الآخر؟ قال: الثاني فيه محاسن، لكن
محاسن في الاقتصاد تؤثر في الاجتماع، محاسن في الشخص ولكن تؤثر في المجتمع محاسن للمجتمع فالشيوعية فيها منافع للمجتمع ومنافع للطبقات الكادحة، ولكنها تضرب هنا وتضرب هناك وتضرب، وهكذا فأنا أمام أقوم ولست أمام قيم، لست أمام نظام قَيِّم، بل أنا أمام نظام أقوم. وكلما عُرض على الإنسان شيء فإنه يختار الأرجح، فإذا اختار المرجوح فليس بحكيم. فها هو الراجح أمامك الذي هو الأقوم، والمرجوح ها هو أمامك الذي هو الأخس. فهو يريد من أجل ماذا
إذن؟ من أجل منفعة حالية أن المرأة تريد أن تضع رأسها برأس الرجل. يقول لك: لماذا تتساوى؟ لأن هناك صراعاً باطنياً بينهما. حسناً يا سيدي، نحن نظرتنا أصلاً التربية على التكامل لا الصراع، على الأسرة لا النزاع على الدائرة الواحدة، وليس على هذا البلاء الذي تتصورونه، ولا تتمنوا ما فضَّل الله به بعضكم على بعض، للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن واسألوا الله من فضله. فهي واضحة أمامنا إذن، وهي أقوم كما نرى لأن أنا أقول بأن العلاقة أصلها أنني أعلم أن هناك صراعاً ومشاكل واختلافاً، فكما يقول ذلك الكاتب أن الرجل من الزهرة والمرأة من
المريخ وما إلى ذلك. كل هذا لا يهم، وأنا أعلم أن هذا موجود. لكن المطلوب هو المساواة وليس التساوي، المطلوب هو التكامل وليس الصراع، وهذا هو أصل الخلقة وخلق منها زوجها، منها تعني أنهما إنسان واحد، نعم يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة، خلق من نفس واحدة. هذه وجهة النظر، فتصبح نظرتي أقوم. وكلما تعمقنا في القرآن نبحث عن هذه المعاني والكنوز واللطائف وما إلى ذلك، نجد يا أخي أن الأمر ليس كذلك. شيء آخر تماماً مُبهر في استقامته، هل هذا معناه ونفهم من ذلك أن لكل نظام أو أن لكل قانون بشري له ضحاياه؟ أما هذا
الجانب فينتفي تماماً مع النظام والقوانين الإلهية؟ فاصل ونعود إليكم، ابقوا معنا. أهلاً بحضراتكم مولانا الإمام، إذا كنا دائماً نقول إن لكل نظام بشري أو لكل قانون بشري له ضحاياه، فهل هذا البُعد ينتفي تماماً مع القوانين الإلهية والأنظمة الإلهية؟ في النظام الإلهي هناك ضحايا من أمور، أولها أن من يعتقد بالنظام الإلهي لا يطبقه. يعني ها نحن مسلمون، وبعد ذلك تجد الأخ الذي يأخذ ميراث أخته، أليس هذا حراماً؟
هذا تصرُّف شخص مسلم وليس أمراً إلهياً، الله أمره أن يُعطي وهكذا إلى آخره. الأم التي بعد ذلك، الأولاد كبروا وهكذا وهي مسيطرة على كل الثروة وترفض توزيع الميراث. "لماذا تفعلين هكذا؟" "لأنني أريد ذلك، أنا أريد هذا". نعم، لكن هذا خطأ والأبناء يطالبون بحقهم ولا يسكتون عنه، ولو كان الأولاد موافقين يا سلام، أسرة متماسكة وعرفت هذه الأم كيف تربي. هذا بالتراضي، خلاص التراضي يوقف التقاضي، فنقول لها إنه تعبان معكِ، يعني اعطه حقه واتركيه يخوض تجربته. لا، أنا الزعيمة، أنا
المعلمة التي هنا. هذه المشاعر لا علاقة لها بالشريعة، لكن الشريعة كشريعة لو طُبقت، هذا أول عائق منها الفهم المغلوط في تطبيق الشريعة لدى متبعيها. نعم، القضية الثانية في النظام الإلهي أنه يحتاج إلى تقوى، يعني محتاج إلى أن يكون الناس أتقياء، فلو أن الناس ليسوا أتقياء وأرادوا أن يتعسفوا في استعمال الحق الذي أعطاه ربنا لهم فهو حق ولكن أرادوا أن يستعملوه بصورة فيها تجزئة، فهذه التجزئة ستجعلهم ينسون جزءًا كبيرًا من
الشريعة مثل تعدد الزوجات. تعدد الزوجات هذا يؤذي المرأة. أباحه الله سبحانه وتعالى لأنه حرّم الزنا، وأباحه الله سبحانه وتعالى لأن بعض المجتمعات في بعض الظروف تحتاج إلى زيادة للنسل. حتى تصل إلى نقطة التعادل وبعضها، الحمد لله، لا يحتاج لهذا مثل المصريين هكذا، نحن أقصانا أربعون مليونًا، مائة مليون. اليوم أصبحنا مائة مليون، فالتعدد هذا هو حق. حسنًا، ربنا أعطاه لك أو الطلاق، طيب ربنا أعطاه لك، لكن أيضًا هناك منظومة أخرى، ولذلك الشيخ الشعراني عبد الوهاب قال
أنه مما أُخِذ علينا العهد أن لا نتزوج على زوجاتنا. لماذا؟ قال: حتى لا أكسر بخاطرها. وماذا يعني أن لا أكسر بخاطرها؟ هذا يعني أنك لم تنفذ الدين. "خياركم خياركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي"، فيعني أنك لم تفعل هذا الأمر. وهذا منصوص عليه في كتبه، ونحن نجده هنا في كتاب لواقح الأنوار وكذلك إلى هذا الحد عندما أصبح أصحابنا النابتة يخرجون فيُفرِّغون الدين ويجعلونه مجموعة من الحقوق وينسون الواجبات، يكون هذا ما نسميه التجزئة: "أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض". كسر الخاطر هذا لا فائدة منه. حسناً،
هذه المرأة عرفت وأقرت، وقالت له: طيب وما المانع أن تتزوج ثانية وثالثة ففي الشام تجد الشخص متزوجاً من اثنتين وثلاث، وكلهن يعرفن ذلك ويعشن مع بعضهن سعيدات. يعني الثقافة هكذا في تعايش سلمي، في تعايش وحلاوة وكل شيء وجمال، حسناً جميل. إذاً يوجد هنا، ولا يوجد هذا الأمر الذي نحذر منه من كسر الخاطر. كسر الخاطر هذا يصل بالناس إلى درجات كبيرة جداً من الاضطراب وما إلى ذلك. الشريعة لو طُبّقت بأكملها وطُبّقت مع أناس يفهمون ويتقون الله، ستكون أفضل نظام. لكن بعد ذلك، عندما لا يكون البشر على هذه الدرجة من التقوى، ويجزئون الشريعة،
ويوجدوا العواقب، ويستغلون النفوذ والمصالح، ويحولونها إلى مطامع دنيوية، فستصبح مثل أي نظام آخر في تحقيق منافع موجودة وتحقيق مضار أيضاً موجودة، وهذا هو الذي أخرج علينا الضعفاء من هنا وهناك، ويريدون أن يغيروا نص القرآن أو يوقفوا الحكم. لا يعجبهم الميراث وما إلى ذلك. مرة سمعت شخصاً لطيفاً ظريفاً يستظرف فيقول: "ما هذا؟ ربنا قال للذكر مثل الأنثيين هكذا، طيب ربنا لم يقل هكذا ولكن قال للذكر مثل حظ الأنثيين وباستظراف يقول لو أنك أنت أنجبت
بنتين وولداً وأعطيتهم جنيهاً وجنيهاً وجنيهًا وقلت للولد أنا أعطيتك مثلما أعطيت أخواتك يعني أعطيتك جنيهاً مثلما أعطيت لأخواتك جنيهاً وجنيهاً. نعم هذا يكون أنت أنا أعطيتك مثلهم لكن هو لم يقل هكذا. أين ذهبت يا أستاذي المتلاعب؟ أو يا من عقلك على قدرك، أو يا من لا تعرف لغة -كلمة كلمة "حظ"؟ عندما أعطيته اثنين جنيه، وأنا أعطيت كل واحدة منهم جنيهاً، ماذا أقول له؟ أقول له أعطيتك مثل حظ الأنثيين. أنا أعطيتك مثلما هما الاثنتين. "حظ" ما معناها؟ إنها مفرد. هنا حظ، نعم هما الاثنان حظ واحد، فحضرتك حذفت كلمة حظ وفسرت الآية على هواك لأنك تريد أن تغير المواريث وتصبح هكذا. والآن
انظر إلى النظام الإلهي وانظر إلى النظام الذي يتلاعب وهو يظن أنه ينصف المرأة يا مولانا، وهو يتحدث بهذا الكلام هذا مؤقت، إنه شيء مؤقت. لكن انتبه، هو يظن ذلك نعم، لكنك الآن، حسناً، قلنا له: حسناً، لو مات رجل وترك بنتاً، فهو يفهم أن لها النصف، أن لها النصف ولأخيها النصف. افترض في عقله العجيب أن لها أخاً، هي لها النصف عندما لا يكون لها أخ، فانظر كيف وضع أن لها أخاً. حسناً، جيد. لنفترض أن شخصاً خلّف بنتاً واحدة وولدين. كيف ستُقسم التركة إذن؟ ستُقسم بحيث تأخذ البنت النصف وكل ولد يأخذ الربع. ما رأيك يا عزيزي أنك بهذا قد
ظلمت الولد؟ سيدعو إلى التساوي هكذا ويقول: لماذا لا تعطون كل واحد الثلث؟ فإن كن نساءً فوق اثنتين فلهن ثلث ما ترك يبقى أكثر من الاثنين ستأخذين الثلثين، طيب افترض أنها والثلث من الذي سيأخذه؟ سيأخذه الولد. طيب مات وترك تسع بنات وولداً، فالولد سيأخذ الثلث وكلهم سيأخذون الثلثين. الله! طيب يبقى أنت لم تنفذ ما تريده صحيح. تخيل إذاً كل المسائل مضطربة هكذا ولا يعرف كيف يحلها ولا كيف يفهمها. ولا يعرف ماذا يفعل بها ومن أين له هذا؟ إنه من الهوى. نعم، هو يريد أن يخدم فكرته الآن. ها هو الآن، وهذا ما نسميه
مشكلة المشاكل يا مولانا. ليست عامة في كل المجالات، وليست لكل الأشخاص، لن تصلح في كل الحالات، لن تصلح لأن تكون نظاماً مع كل بقية المتطلبات فأنت تفكر بشكل خاطئ وتفسر بشكل خاطئ، وكل هذا من أجل منفعة حالية آنية وليس من أجل الله. وعندما أمسك بالورقة والقلم أجد أمامي مباشرة ثلاثين أو أربعين مسألة تثبت بطلان كلامه في الميراث، في الميراث وهو يتعامل هكذا أمامي "للذكر مثل حظ الأنثيين" نعم، لأنه حذف كلمة حظ أو لأنه فسَّر باعتبار أن كلمة "حظ" هذه غير موجودة. فبهذا الشكل، ماذا أفعل أنا؟
أنبهر بالقرآن الذي فعل ماذا؟ الذي جاء بكلمة "حظ". هل تنتبه كيف؟ يعني مرة كان أحد الأدباء نسي نفسه، ثم يقول: لماذا هكذا؟ يقصد ماذا؟ الإيجاز إعجاز. فربنا يقول هكذا: "للذكر"، هذه كلمة واحدة، "مثل"، هذه الثانية، "حظ"، هذه الثالثة، "الأنثيين"، هذه الرابعة. لكن ما رأيك لو كان يختصر ويقول: "للأنثى نصف الرجل"؟ نعم، مثلًا وانتهى الأمر. "الأنثى" هذه واحدة، "نصف" هذه الثانية، "الرجل". آه، كان هذا سيثير اضطراباً في
الدنيا. كيف؟ من خلال كل هذه الأمثلة، أي أن كل هذه الأمثلة التي ضربتها توضح هذا يعني أنت الآن "حظ الأنثيين" هذه هي التي ستجعل الدنيا منيرة. حسناً، يأتي ويعترض أحدهم أيضاً، ورد عليه الرافعي يقول: "ولكم" ها هي واحدة، "في" ها هي الثانية "القصاص" ها هي الثالثة، حياة ها هي الرابعة، لكن "القتل أنفى للقتل" كانوا يستخدمونها في الجاهلية دائمًا. ما رأيك أنهم ثلاث كلمات فقط "القتل أنفى للقتل" فالرجل قال له: "يا أخي، أنت غبي من ثمن وجوه، من ثمن وجوه لأن المقارنة القتل أنفى للقتل تتم مع القصاص حياة لكن "ولكم في القصاص حياة"، ولكم في هذه شيء آخر، هذه ستعطي معنى آخر. القصاص حياة اثنين، والقتل أنفى للقتل ثلاثة. القصاص حياة، انظر إلى المقابلة وانظر
هنا القتل القتل، فذكرت القتل مرتين. مَن الذي قال لك أن القتل أنفى للقتل، بل القصاص هو الأنفى للقتل، لكن القتل عمره ما كان أنفى للقتل. وقِس على هذا كثيراً جداً. ولذلك ننبهر عندما يعترض أحد على القرآن، فهذا يتيح لنا فرصة الانبهار بهذا الكتاب المبارك الكريم، مولانا الإمام. اسمح لي ولنا يعني استكمالاً للحوار حول هداية القرآن الكريم، وما أجمل هداية القرآن الكريم. سؤالنا عبر صفحة الفيسبوك كان: برأيك كيف يمكن للعبد الفوز بهداية القرآن له؟ ومن مداخلات السادة المشاهدين والمتابعين، الأستاذة نادية الرواس تقول: بتنفيذ تعاليم القرآن، بتنفيذ ما أمرنا به الله والابتعاد عما نهى الله عنه اتباع القرآن والسنة، الأستاذة نادين صقر تقول بالتدبر وتنفيذ أوامر الله بدون جدال وتقوى الله والعمل
بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. الأستاذة سحر أحمد هاشم تقول جهاد نفسه للعمل بما جاء به القرآن. ما تعليق فضيلتكم مولانا؟ كلها تسير في الاتجاه لكننا نريد المشاهد الكريم أن ينتبه إلى هذه النقطة وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارًا. أريد أن يؤكد الناس ما بدأنا به الحلقة، أن هذا القرآن يهدي من أراد الهداية، وأنه مغلق لمن أراد اللعب. إذا تعاملت معه بطريقة اللاعب، سيغلق عليك، وستنادى من مكان بعيد، وستضل الطريق، لكن إذا دخلت مع
القرآن مستهدياً يفتح أبوابه لك ويهديك سواء السبيل. اللهم اجعل القرآن الكريم ربيع قلوبنا وشفاءً لما في الصدور. مولانا الإمام الأستاذ الدكتور علي جمعة، عضو كبار العلماء بالأزهر الشريف، غفر الله لكم ورضي الله عنكم دائماً يا مولانا. أهلاً وسهلاً بكم، دمتم في رعاية الله وأمنه. إلى اللقاء.