والله أعلم| الدكتور علي جمعة يوضح حقيقة القصاص في القرآن .. والفرق بينه وبين الثأر| الحلقة الكاملة

والله أعلم| الدكتور علي جمعة يوضح حقيقة القصاص في القرآن .. والفرق بينه وبين الثأر| الحلقة الكاملة - والله أعلم
ربِّ اشرحْ لي صدري ويسِّرْ لي أمري واحلُلْ عُقدةً من لساني يفقهوا قولي. أهلاً بكم في برنامج "والله أعلم". نسعدُ دائماً ودوماً بصحبة صاحب الفضيلة مولانا الإمام الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، لنواصل معه هذا الحوار الذي نتعرف من خلاله على المبادئ القرآنية. وسنتناول اليوم بفضيلتكم أهلاً وسهلاً بكم مرحباً. كان العرب في العام ألفين وعشرين عندما جاء الإسلام بهذا المعنى وبهذه الكلمة "القصاص"، فما الفرق بين هذا وذاك؟ بسم الله الرحمن
الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. ذكّرني سؤالك هذا بقضية كانت مثار كتابات متبادلة. في الثلاثينيات من القرن الماضي العشرين وكان فارس الميدان مصطفى صادق الرافعي رحمه الله تعالى وجمع هذه المقالات فيما جمع من "وحي القلم" في ثلاثة مجلدات، وكان حينئذٍ بعض الناس يبدأ في الانبهار بالحضارة الغربية والتشكيك في القرآن الكريم، وخرج أحدهم ليثبت أن الإعجاز إنما هو في الإيجاز. وأن القرآن عندما قال
"ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب"، كل ذلك كلمات كثيرة، "ولكم في القصاص حياة" أربع كلمات، في حين أن قول العرب "القتل أنفى للقتل" في ثلاثة فقط، يبقى إذاً كلام العرب مقدماً من ناحية البلاغة ومن ناحية القرب إلى الإعجاز الذي هو في إيجاز. كلام القرآن الكريم وتصدى له الرافعي وقال له عندما تتم المقارنة بين معنيين فيجب علينا أن تتم في حدود المقصود. "القتل أنفى للقتل" في هذه الكلمات الثلاث معناها أن القتل
بحق إنما هو ينفي القتل الباطل، فإذا فككنا العبارة كانت خمس كلمات: "القتل"، ولا بد أن تجعل هذا القتل موصوفاً. بأنه الحق صحيح أنفي للقتل، ولا بد أن تجعل هذا القتل الثاني هو القتل الباطل أو القتل العدواني. وكذلك إذا نظرنا إلى العبارة القرآنية والتركيب القرآني، فالذي يقابل هذا المعنى إنما هو قوله "القصاص حياة" صحيح فقط. أما "ولكم" فهذا أمر آخر يزيد من معنى العبارة لأنه يخاطب الهيئة الاجتماعية. التي يوجهها إلى هدف هذا الأمر
إلى آخره ولكم فيه وفيه أيضاً هنا جعلت القصاص أداة من الأدوات وليس لازماً من اللوازم إلى آخر ما فيها من بلاغة لكن التي أمام القتل أنفى للقتل الثلاثية الكلمات القصاص حياة إذاً من الأبلغ ومن الأقل حتى في عدد ومن الأوجز والأعجز ثم جاء في وجوه أخرى قال: انظر إلى هذه العبارة الجاهلية، إنها كررت الكلمة، والتكرار ضد الإعجاز. صحيح قالت: القتل ولكن هنا قال: القصاص، فلخص ما هنالك أن هذا إنما هو قتل بحقه
لأنه ليس قتلاً ابتدائياً، بل هو قتل في مقابل عدوان سابق قد حُكِم عليه بهذا الأمر. وانظر إلى هذا الترتيب في داخل الكلمة ما بين كلمة قصاص وما بين كلمة حياة، فكلمة قصاص لما تشتمل فيه من معنى العقوبة المقابلة للجريمة اشتملت على القاف والصاد وهي من الحروف المفخمة، وهدف هذه العقوبة بإزاء تلك الجريمة اشتمل على الحاء والياء وهي من الحروف المرققة، فإذا هذا التركيب
أولى وأحلى وأعلى وأغلى من القتل وأنفى للقتل، وجلس يبين مدى تقدم "القصاص حياة" التي وردت في القرآن على كلام الجاهلية، فقال إن عبارة الجاهلية عبارة خاطئة كذلك. نعم، هذا الرافعي الذي يقول هكذا، نعم صاحب "وحي القلم". القتل يا إخواننا، هذا القتل ليس دائماً أنفى للقتل. عندما يقول لك القتل أنفى للقتل، يعني كأنك تقتله من أجل أن تخيفه، لكنني لا أقتله من أجل أن أخيفه، بل أقتله بشروط معينة. ولذلك ليس هناك نظام في العالم إلى الآن
ارتقى إلى نظام القصاص، لأننا في القصاص ماذا نفعل؟ نُحضر ولي المقتول، ولي الدم، ولي الدم، ونعرض... هل يمكن أن تعفو عنه؟ يعني هل يمكن للقاتل إذا اكتنفت قتله ظروف كثيرة أو معينة أن يتركه ولي الدم، كأن يكون المقتول فاسداً أو اعتدى على عرضه أو ما شابه ذلك إلى آخره، فيتركه عفواً طلباً له أو يتركه من أجل والديه أو من أجل أمر آخر. إلى آخره. طيب، القتل أبداً عمره ما كان الحل
الأمثل، فالقتل هذا يثير الضغائن بين الناس ويهيجهم. ولكن هؤلاء الجاهلون الجاهليون هم الذين قالوا إنه إذا بلغ الرضيع منا الفطام تخر له الجبابرة ساجدين، واقتلوا أخي إلا أنني لا أجد من أقتله. هل تنتبه كيف؟ خذ حذرك من جارك. يعني الجار يؤخذ بجريرة الجار، يعني ظلم بَيِّن، ويقول في هذا: "تخر له الجبابرة ساجدين". "ساجدين" هذا قوم، يعني يجعلها دماً، يريدها أن تصبح دماً. وكل الأشياء التي قالوها تدل على ما الذي عانوه من القتل. أنفي
للقتل أنه نوع من أنواع التجبر - صحيح - والطغيان والتخويف. هل انتبهت فنوع من أنواع إقامة العدل، نعم، الذي هو أساس الملك، الذي فيه تهدئة البال، الذي فيه راحة الحال، الذي فيه تهدئة القلوب إلى آخره. إذا نحن أمام عبرتين في الإيجاز أو في الإعجاز أو في المعنى، اتضح لنا فيها ما معنى القصاص حياة. القصاص حياة هدفها الحياة وليس محض العقوبة. ولا محض القتل ولا محض المواجهة ولا تأتي من أجل فساد في الأرض ولا من أجل استهانة ببنيان الرب، فإن الإنسان بنيان الرب، ملعون من هدمه، كما أخرجه أبو الشيخ الأصبهاني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولو
أن الإمام، إذ القصاص هنا ليس معناه القتل وإنما معناه العقوبة، التي استوفت شروطها، نعم، العقوبة التي استوفت شروطها بمعنى أن الجريمة قد ثبتت. هناك في القتل العمد أو في قضايا الثأر، الجريمة لا تثبت القصاص الذي يكون من القاتل نفسه. هناك في القتل العمد يكون القصاص من كبير القبيلة، نعم، يعني إذا شاب صغير قتل، فيُقتل كبيرهم ذو المكانة العالية يُصبح إذاً هناك فرق كبير جداً بين القتل وبين القصاص. فالقصاص ثبتت فيه الجريمة قضاءً، نعم، وأن من جُوزِيَ بها هو المجرم نفسه، وليس هناك تدخل وإقحام جريمة أخرى. وأيضاً بعد استيفاء الشروط
من العرض بالعفو أو العرض بالدية أو العرض بجزء من الدية، فإن صمم الأولياء جميعاً، فإذاً... اختلفوا في ترجيح العفو، فالله عز وجل جعل هذا نظاماً كاملاً متكاملاً يحترم الإنسان ويُعلي من قدره حتى لو أنه قد نسي نفسه ووقع في تلك الجريمة الشنعاء التي هي قتل النفس التي حرم الله قتلها إلا بالحق. فنحن أمام مبادئ عميقة من الله، وهذا المبدأ "في القصاص حياة" ليس هذا البشر موجود أيضاً حتى في عالم الحيوان، موجود حتى في عالم توازن الأكوان، فمن أراد إخلالها اختلت وأثّر
هذا الاختلال بالسلب على بقية الكائنات. يعني هو القصاص حياة فعلاً، لأن الذي يقدم السبت يجد الأحد أمامه، وهذا هو القصاص. فهي تنفع في علم الاجتماع وستنفع في علم السياسة. سينفع في علم الديانة، وسينفع في الأحكام الشرعية، وسينفع في كافة الأماكن أن القصاص حياة. أفلا يتدبرون القرآن؟ ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً. نصل ونعود إليكم، ابقوا معنا. أهلاً بحضراتكم مولانا الإمام، كيف يكون القصاص حياة؟ كيف يكون حماية لحياة البشر مع أنه في تنفيذه... هذه العقوبة
إزهاقٌ لروحٍ من الأرواح، فالصعيد أجاب على هذا السؤال، السِر لا، ليس الثِقَل أيضاً، نعم، لا، ليس الثِقَل، فما هو يا مولانا؟ عندما يأتي شخصٌ فيقتل ظلماً، فأهله لا يأخذون العذاب، فإن قُبِضَ على القاتل وحكمت عليه المحكمة بالإعدام، فأُعدِم في يوم ما، يُعدَم ويأخذون العذاب، ماذا يعني هؤلاء الناس لم يهدأ بالهم إلا بعد إيقاع العقوبة بما يُسمى في أدبيات عصرنا بالعدالة الناجزة. عدالة وناجزة طبعاً. قضايا الإعدام تُحيطها مجموعة كبيرة جداً من الضمانات
حتى لا يحدث فيها خطأ، وحتى لا يحدث فيها تعجل، وحتى لا تحدث فيها استهانة بالروح البشرية، فجعلوا هنا في القانون. المصري متعددة الدرجات وجعلوا فيها نقضاً يدخل في محكمة النقض بشكل مباشر دون دعوة، وجعلوا الأمر في النهاية يتوقف على تصديق رئيس الجمهورية. كل هذه المراحل وجعلوا الحكم باتفاق الثلاثة الكبار الذين على المنصة، وجعلوا ذلك معروضاً على المفتي حتى لا يتشكك النقد في أي شكل من الأشكال. الإجراءات عادت مرة أخرى لمحكمة أخرى ودائرة أخرى ثم عُرضت على المفتي مرة أخرى. كل هذه الاحتياطات إنما هي للتأكد من سلامة هذا الحكم واتفاق
العادلين عليه، وأيضاً مؤكد بالتوثيق من المفتي والتوثيق بعد ذلك من رئيس الجمهورية. فكل هذه ضمانات لعدم الخطأ واحترام النفس البشرية، ولكن تم القصاص، تم. القصاص يكون حين يتحقق هدوء للبال وثقة لدى الآخرين بأن المجرم قد نال عقوبته فتتوقف سلسلة الدم. أما غير هذه الصورة، كصور الثأر مثلاً المنتشرة في الصعيد، فنحن هنا ضربنا مثالاً بقبول هؤلاء الناس العزاء عند تحقق العدالة الناجزة، لكن بعضهم أيضاً يقع في جريمة الثأر. جريمة. لماذا؟ لأنه
افتات على الإمام، وهذا معروف عندنا في الفقه تحت هذا العنوان: الافتيات على الإمام. ما معنى افتيات؟ أي ذهب وجعل نفسه إماماً، وأخذ وظيفة الإمام وطبقها بيده، وكان ينبغي عليه أن يلجأ إليه حتى يطبقها هو كما أمر الله سبحانه وتعالى: ﴿قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي﴾ الأمر منكم فهو أخذ هذا السلطان أو هذا الملك دون أن يعطيه الله سبحانه وتعالى إياه. لكن الثأر، ماذا يكون الثأر؟ ليس فيه قصاص في من يُثأر منه أو أولئك الجماعة المخطئة في الصعيد. على فكرة، ليس كلهم هكذا، يعني كثير منهم يتقي الله سبحانه وتعالى. هذا الشأن وتسير الأمور طبقاً للشريعة وتذهب إلى القاضي
وما إلى ذلك، فالشريعة هي القانون، فنحن لسنا متخالفين، لكن بعض الناس تأخذهم الحمية والعصبية الممقوتة فيذهبون ويأتون ويقيمون الثأر. ما الفرق إذاً بين الثأر والقصاص؟ حتى نفهم، القصاص يختلف عن الثأر في أن شخصاً من العائلة الأولى قتل فيقتلون. كبيرها كبير العائلة التي بدأت بالقتل، نعم، حسناً، لا تقدر. نحن عندنا المبادئ تقول ماذا؟ "لا تزر وازرة وزر أخرى". عندنا المبادئ تقول ماذا؟ تقول: "وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونُخرج له يوم القيامة كتاباً يلقاه منشوراً". إذاً، لا يصح هذا. نوع من أنواع الجاهلية أن تقتل. غير قاتل
النوع الثاني يقتل بناءً على الظن، أي أنه يظن أن فلاناً قتل، فيقتل دون أن يذهب إلى القاضي، ثم يتبين له أنه ليس هو القاتل. أما النوع الثالث فيقول: "لقد قتلوا ابني، سأقتل سبعة أشخاص مقابل ابني لأن ابني غالٍ وقيمته تعادل سبعة رجال". هل أدركت كيف إذا فتح باب فساد في الأرض لا معنى له، فالثأر حرام من كل جهة: حرام لأن فيه افتياتاً على الإمام، حرام لأن فيه ظلماً، حرام لأنه فيه عجلة وعدم أناة، حرام لأن فيه عدواناً، حرام لأنه ليس فيه تكافؤ، حرام من كل وجه. أما القصاص فهذا من اختصاص القاضي وليس الشخص وليس القضاة فقط، وليس ولي
الأمر فقط، بل المجتمع كله، وليس المجتمع كله فقط، بل رب العالمين من فوق سبع سماوات هو الذي أمر وهو الذي وجّه. فإذا كان الثأر مخالفة، والثأر مصيبة، والثأر فساد، فإن القصاص حياة. وما دام هناك خطر الفتنة، فيكون هذا حياة. لأنه هو الذي يؤدي إلى حسم مادة النزاع، وهو الذي يؤدي إلى وقف سلسال الدم، ووقف سلسال الدم معناه أنه حياة. فالقصاص دائماً وأبداً، لأنه يشترط شروطاً ويستوفي هذه الشروط، ولأنه يتخذ إجراءات ودرجات ويلتزم بهذه الإجراءات والدرجات، هو دائماً يؤدي إلى هدوء البال وإصلاح الحال، يعني يؤدي
إلى الحياة. قل يا أمي، إذا كان القتل يورث قتلاً وأن القصاص يورث حياةً، فمن المسؤول عن تنفيذ القصاص؟ إذا كان البعض ربما يتصور في بداية الآية "ولكم في القصاص حياة" أن الخطاب عام للجميع، فهذا هو المقصود، وكلمة "ولكم" هي التي تشير إلى أن المسؤول هو الحاكم لأن هناك أمراً ما. اسمها الجميع، وهناك شيء آخر اسمه المجموع. فهو يخاطب المجموع وليس الجميع، ليس الأفراد. نعم، "أقيموا الصلاة" هذا للأفراد، و"آتوا الزكاة" هذا للأفراد، ولكن "ولكم" من هم؟ "ولكم" هؤلاء "منكم"، هذه المجموعة، المجتمع الذي يتمثل في ماذا؟ يتمثل في حاكمه. ولذلك الله هو الذي يعطي هذا.
الحاكم السلطان، ولذلك يقول: "يؤتي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء ويعز من يشاء ويذل من يشاء بيده الخير وهو على كل شيء قدير". فالله سبحانه وتعالى هو الذي يعطي الملك وهو الذي يعطي السلطان. هذا السلطان وهذا ولي الأمر وهذا الحاكم وهذا الرئيس أو الملك يُعطى هذا السلطان. لمن تدرب على العدالة، وهو مَن حضرة القاضي، لأن الأمور المالية تُعرض على قاضٍ واحد فقط، أما هذه دماء وأرواح فلابد أن تكون المنصة فيها ثلاثة: رئيس وعضو يمين وعضو شمال، وبعد أن يصدر الحكم يذهبون إلى المفتي، وبعد أن يقول المفتي نعم هذا الكلام شرعي وجيد بعد دراسة
الموضوع، والنقد يقول نعم، الشكل صحيح، يذهب إلى رئيس الجمهورية، إذا لم يقل صحيح يرجع مرة أخرى إلى دائرة ثانية متسلسلة ثلاثة غير هؤلاء، وعندما يأتي الثلاثة، إذا قال واحد منهم لا، هذا لا يستحق الإعدام، والاثنان قالا نعم يستحق، فيؤخذ بكلام من قال لا يستحق، وليس بكلام الأغلبية، بكلام واحد، لا يُرجِّح الأغلبية هنا، لا يُرجِّح الذي قال لا يُعدَم. سبحان الله! ولذلك الذي قال لا يُعدَم هذا قادح في الإجماع، ونحن نشترط في القضية أن الثلاثة مُجمِعون يقولون بإجماع القُرَّاء، لا بأكثرية ولا بأغلبية، هي إجماع، الإجماع. فإذا قال حضرته لم يُحضر القاضي، نسي أن يكتب، حضرة القاضي نسي يتردد القرّاء: هذه القضية
لا تنفع، هل أنت منتبه؟ فتكون هذه ضمانات كلها عديمة الأثر، ضمانات بلا قيمة. ولماذا هذا؟ لماذا لا تقضون عليها؟ هو مجرم. لا، ليست الاستهانة هكذا. هو مجرم، ونريد أولاً أن نتأكد أنه مجرم. حسناً، لنعرض عليه المجرم وهكذا. فتكون هذه أمور تُعرض بأبدع ما يكون، يتدخل ولي القاتل ويعرض الدية، وانتبه جيداً، فيقوم القاضي بتخفيف الحكم قليلاً من الإعدام إلى كذا، عملاً بهذا إذا رأى أن في ذلك صلاحاً، وإذا وافق أهل المقتول، وإذا كانت الدية مجزية كما قررها الشرع، وإذا كان هناك في هذه الدية صلاح لأبنائه
ولمن تركهم من بعده، لأننا لا نريد. قتل الناس، نحن نريد إقامة النظام والعدل في المجتمع والهدوء والأمن والأمان. بقولنا: اسمحوا لنا أن نأخذ فاصلاً قصيراً، ثم لهذا، أيها المشاهدون الكرام، لنعاود الحوار في هذه القضية وفي هذا الموضوع. ابقوا معنا. أهلاً بحضراتكم مولانا الإمام. تقول الآية الكريمة: "ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون". جاء بالألباب وجاء بالتقوى هنا كما ذكرنا من أول الحلقة إلى هذا المكان منها، كيف أن من تفكر وتدبر
وتأمل في السياق القرآني من ناحية، وفي تجربة البشر من ناحية أخرى، وفي اللغة العربية من ناحية ثالثة، وفي القرآن الكريم من ناحية رابعة، يجد أن أصحاب العقول الراجحة هم الذين يدركون هذه الحقيقة ويدركون أن القصاص حياة في كل شيء، في علم السياسة القصاص حياة، وفي علم الاجتماع القصاص حياة، وفي علم القانون القصاص حياة، وفي علم الدين القصاص حياة، وهكذا. وأنه لا بد من إدراك فلسفة الجريمة والعقوبة، وأنه لا بد ممن يرتكب الجريمة حتى لا يطغى. لا يكررها حتى لا يفسد بها الأرض ومن عليها، حتى لا يؤذي بها
الناس، حتى لا يضيع بها المصالح، حتى لا تضيع بها الأعراض ولا الأموال ولا الأنفس، يجب إيقاع العقوبة. وحكاية أن المجرم يتمادى في إجرامه ويلات كثيرة جداً حدثت في البشرية من جراء هذا، من ضمنها الويلات التي حدثت من هتلر والنازية طبعاً لأنه شعر أنه لا مُعقِّب له وأنه يستطيع أن يفعل كل شيء آمن العقاب فأساء الأدب يا مولانا، فأساء الأدب، من ضمنها الخطأ الذي وقع فيه خوارزم شاه، عقبالنا، حيث قتل التجار المسلمين فهيَّج علينا التتر والمغول، وهؤلاء الناس لم يرقبوا في مؤمن إلاً ولا مما تضمنه شعور الصليبيين بالقوة في إيذاء
الآخرين أنه ليس أمامهم أحد، وكذلك شعور الأمريكيين الأوائل بالقوة حتى أبادوا شعباً مثل الهنود الحمر. يعني إننا رأينا بلاءً من هذا الذي يرتكب الجريمة ويتركها دون رد أو عقوبة أو ما شابه ذلك، إلى آخره. ولذلك هذا الفكر، هذا الفكر الذي هو هناك حياة وفكرة ستنفعنا كثيراً في العسكرية، وفكرة ستنفعنا كثيراً في الاجتماع الدولي، وفكرة تنفعنا كثيراً في عمارة العالم، وفكرة ستنفعنا كثيراً في الأسرة وفي التربية، وفكرة ستنفعنا كثيراً في كل شيء. ولذلك، من يدرك هذا هو من كان صاحب عقل ولبٍّ. طيب، إذا نحن أطعنا هذا وصلنا إلى التقوى. سماها الله ربنا سبحانه وتعالى "لعلكم
تتقون"، وصلنا إلى تقوى الله. ما هي تقوى الله؟ نعم، تقوى الله. يقول الإمام علي: "الخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل، والاستعداد ليوم الرحيل". أن تعرف أن هذه الدنيا فانية وأن هناك حياة أخرى، ولذلك يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من كان في فجاءته الساعة فليغرسها لأنه يفعل هذا لله، ليس لأجل أن تطلع نخلة ولا ليأكل منها بلحاً. إن الساعة أمامه هكذا قادمة من أول أو من آخر الشارع وقادمة، فليغرسها لأن هذا الغرس عليه ثواب. طيب، وما هذا؟ رجاء ثوابها وتصديق موعودها أدخله الله بها الجنة. فهذه العقلية التي تفكر بهذا
إنَّ عقليةَ المتقين هي الخوفُ من الجليل، والعملُ بالتنزيل، والاستعدادُ ليوم الرحيل، والرضا بالقليل. لو كان هناك رضاً بالقليل لما وُجد فساد، ولما وُجدت رشوة، ولما وُجد قتل، ولما وُجدت جريمة. لو كان هناك الرضا بالقليل لانتفت كلُّ أسباب الجريمة. إنَّ الطمع هو أنَّ المال لا يكفيه، فيريد أن يضع شيء غيره يمد عينه لما متع الله به أقواماً آخرين فيحدث العدوان والطغيان والفساد في الأرض بهذه الصورة القذرة التي يعيشها المجرمون. لما يأتي القانون وفلسفة القانون وتشتمل على الجريمة والعقوبة، هذا علم بحاله اسمه علم الجريمة والعقوبة. يُكتب فيه حتى في إيطاليا انزلوتي،
ويكتب فيه، هذا علم يُدرس. في كلية الحقوق، نحن أمام فلسفة عميقة في قوله تعالى: "ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون". مولانا الإمام، يعني في إزاء هذا التوضيح الرائع تأتي أصوات من هنا وهناك بإلغاء، يريدون إلغاء عقوبة الإعدام لأنها لا تليق بالبشر بأن يُعدم الإنسان أو أن يُقتل جراء ما اقترفه. من قتل، فما الرد على هذه الأصوات؟ ماذا سيكون حال العالم إذا أُلغيت هذه العقوبة بهذا الشكل؟ في الحقيقة، إن هذه النتيجة تؤكد من الطرف الخفي ماهية الشريعة، وتبين أن نظام الإعدام الذي اختاره
الغرب في الكرسي الكهربائي أو بالرصاص في الحالة العسكرية أو بالشنق أو... كذلك إلى آخره أو بالجملة كل هذه الصور التي وضعها الغرب كانت صوراً متطرفة وبضدها تتميز الأشياء. لو قارنا نظام القصاص مع ما فيه من إحسان أو مع ما فيه من عفو أو مع ما فيه من تدرج أو مع ما فيه من تهدئة للبال والاتفاق وهذا الأمل الفسيح الذي خلال عرض القضية وتأثير هذا الأمل على المجتمع ككل، وبمقارنته بالإعدام، أدركنا أن جهل
هؤلاء الناس بنظام القصاص وعدم الالتفات إليه وكأنه غير موجود - وهذا ديدنهم دائماً - هذا التجاهل هو الذي دفعهم للهروب من بشاعة الإعدام، ولكن للأسف عندما جاؤوا بنظام بديل جاؤوا بالعدم، لأن عقلهم دائماً على... الثنائية؛ نعم، عقلهم قائم على الثنائيات، ففي الإعدام لا يوجد إعدام، كلاهما خطأ وكلاهما طرفان متطرفان. حسناً، ماذا نفعل يا أخي؟ هناك قصاص شرعي، ادرسه. هل يوجد حل ثالث؟ ادرسه. هل يوجد حل ثالث؟ ادرسه. إذاً، فقد نكون نحن مع من يقول بأنه ضد الإعدام، لكننا في ضدية.
للوسط وليس للطرف الآخر، نعم يعني نحن ضد لا إلى هذا ولا إلى ذاك، نعم يعني نحن ضد الإعدام وليس لا إعدام ولا نظام القصاص، فإذا انتقلت من طرف الإعدام إلى طرف القصاص، فهذه هي دعوتي الشرعية، فأنا أشترك مع هذا الإنسان في ماذا؟ أشترك معه يا أخي في أن الإعدام فيه مساوئ كثيرة، نعم أشترك معه هنا هكذا، ولكنني آتي بعد هذا ولا أصل به إلى هذا التطرف بالضبط. الذي حصل بيننا وبين الخُضْر عندما سمعناهم بأنهم يدافعون عن البيئة ويحبون البيئة وما إلى ذلك، حسب الخُضْر، حسب الخُضْر، فنحن معجبون بهم جداً، يا للعجب! هؤلاء الأولاد فاهمون، وهذا
جميل جداً. وبعد ذلك اتضح أنهم يتحدثون عن التساوي المطلق. ما معنى التساوي المطلق؟ يعني أن المنهج الذي يُتخذ لدراسة البقر هو نفس المنهج الذي يُتخذ لدراسة الشجر، وهو نفس المنهج الذي يُتخذ لدراسة الإنسان. ولتستقيم الحياة على هذا النحو، "ولقد كرمنا بني آدم" البيئة أهلاً معهم، أهلاً وسهلاً. أخذت انتباهك تماماً من ناحية الحفاظ على الحيوان وعلى البيئة الطبيعية والمحميات معهم، لكن هذه المنهجية المتطرفة التي أتت من ثنائية التفكير، لا، نحن لسنا معهم وهكذا. مولانا، اسمح لنا، سوف يطول بنا النقاش في المبادئ القرآنية لنفهم قرآننا العظيم. شكر الله لك ورضي الله عندكم دائماً مولانا المبجّل الدكتور علي جمعة وهيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف،
شكراً لكم، دمتم في رعاية الله وأمنه، إلى اللقاء.