والله أعلم| الدكتور علي جمعة يوضح حقيقة حرمات الله.. ولماذا كانت أحد المباديء القرآنية؟| حلقة كاملة

والله أعلم| الدكتور علي جمعة يوضح حقيقة حرمات الله.. ولماذا كانت أحد المباديء القرآنية؟| حلقة كاملة - والله أعلم
أهلا بكم وأحييكم بتحية الإسلام، وتحية الإسلام السلام، عليكم ورحمة الله وبركاته. وسيدنا دائماً ينصحنا أن نفشي السلام بيننا، هذا السلام الذي يأتي من هذا المنهج التجديدي والإصلاحي الذي نصلح به هذه الحياة بهذا الدين. أهلاً بكم في "والله أعلم" لنسعى دائماً بصحبة صاحب الفضيلة مولانا الإمام الدكتور علي. جمعة وضوئية كبار العلماء بالأزهر الشريف، مولانا يا إمام، أهلاً بفضيلتكم، أهلاً وسهلاً بكم. اسمح لنا مولانا أن نقف عند هذا المعنى في المبادئ القرآنية: معنى حرمات الله، وما أنواعها، وكيف
نعظّم هذه الحرمات؟ ما معنى حرمات الله؟ بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله. وآله وصحبه ومن والاه صلى الله عليه وسلم، لما خلق الله الخلق سبحانه وتعالى جعل الأمر دائراً ما بين أمور أربعة: جعله دائراً ما بين زمان وزمان، ومكان وأشخاص وأحوال وفضل بعض هذه الأمور على بعض: "تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض"، والصلاة في البيت الحرام بمائة. ألف صلاة في أي مسجد مما سواه، الصلاة عند النبي صلى الله عليه وسلم بألف صلاة، الصلاة في القدس
الشريف بخمسمائة صلاة، وهكذا فضل هذه الأماكن وتلك المساجد، ولا تُشَدُّ الرحال إلا إلى هذه المساجد الثلاثة. تلك سنة الله في عباده التفضيل، وفضل ليلة القدر على سائر. إنا أنزلناه في ليلة القدر وما أدراك ما ليلة القدر، ليلة القدر خير من ألف شهر، فجعل ليلة واحدة هي خير عند الله وأرجى من ألف شهر. فهذا التفضيل والتقديم والتأخير إنما هو بفعل الله سبحانه وتعالى. الحرمات تأتي من انتهاك هذه الاختيارات الربانية. ربنا سبحانه وتعالى اختار بعض... فضّل الله تعالى
بعض الأزمان على بعض، وبعض الرسل على بعض، وبعض الأشخاص على بعض، وبعض الأحوال على بعض. فالله سبحانه وتعالى اختار وقت الزحف ووقت نزول المطر ليستجاب فيهما الدعاء. تأتي هذه الاختيارات، ولأنها من عند الله، كأن لها حرمة ولها احترام، فيأتي شخص ويعتدي على هذه الحرمات، فالله حرّم رفع السلاح في مكة وقال في شأن بيته العتيق: "ومن دخله كان آمناً"، فمن اعتدى وتجبر واعتدى على هذه الحرمة المكانية ولم يهتم
ولم يبالِ بأن تكون معظمة عند الله سبحانه وتعالى، فقد انتهك حرمة من حرم الله. ومن اعتدى على سيدنا النبي وقد اختاره الله واصطفاه وفي أحد... أصابه ابن القمئة، أحد المشركين كان اسمه ابن القمئة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أيفلح قوم آذوا نبيهم؟" فهل يمكن لشخص يعتدي على النبي هكذا أن يفلح؟ وأيظنون أنه سيفلح؟ إن هذا نوع من أنواع الخروج على حرمات الله سبحانه وتعالى، وكذلك عندما خلق الله سبحانه وتعالى الخلق. جعل الدنيا على اثني
عشر شهراً، ثم بعد ذلك جعل منها أربعة أشهر حُرُم، وهي ذو القعدة وذو الحجة ومحرم، وهي متتابعة، أي متتالية، والرابع هو رجب الأصم. ما معنى الأصم؟ يعني الذي يأتي وحده هكذا. إذاً، هناك ثلاثة أشهر متتالية من الأربعة الحرم، وشهر منفرد، وقد حُرِّم القتال فيها كان بين المسلمين والمشركين أو كان بين المسلمين وأي أحد ممنوع فيها القتال، فيأتي المشركون ولا يبالون بهذه الحرمة ولا هذا الاحترام، فيقاتلون في الأشهر الحرم أو يقتلوننا في الأشهر الحرم. إذاً، فهذا عدوان صريح منهم على حرمات الله،
أباح الله لنا أن نصد العدوان وأن نرد الاعتداء. هل أنت منتبه؟ قال تعالى: "فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم واتقوا الله"، يا سلام! "واتقوا الله"، ما المعنى الجميل الذي ذُيِّلت به هذه الآية؟ إنها تربية، بمعنى أننا لا ننتقم، بل نحن نصد فقط، نرفع عن أنفسنا الأذى، ندافع عن أنفسنا. "وقاتلوا في سبيل..." الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين. هكذا هو الأمر، فعندما يأتي ويعتدي عليّ في الشهر الحرام، فربنا سبحانه وتعالى أباح لي أن أصد العدوان وأن أرفع الطغيان وأن أدافع عن نفسي، ولا أقول له
إذن اقتلني وأنا لا أمد يدي عليك، فكن أنت عبد الله. القاتل ولا أكون أبداً أنا عبد الله. القاتل كان يمكن أن يفرض الله علينا هذا فنمتثل ونقول سمعنا وأطعنا، لكنه أجاز لنا أن ندافع عن أنفسنا وأن نرد العدوان بالصد والرد، بشرط أن يكون مثله بمثله. "ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين"، فقال: "الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص". إنه لأنه دخل في عدوان في الشهر الحرام فأنا أرد عليه، أي متى تكون الحرمات قصاصاً؟ تكون الحرمات قصاصاً عندما أكون في موضع الدفاع وليس في موضع
الهجوم، هذه هي القضية. فالشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص، فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم، وإذا اصطدمت أيديهم عدواناً نعتقد أنه لا يجوز أن نقاتل في هذا الشهر، إنما هو الذي دفعني دفعاً، وهذه في لغة العرب يسمونها المشاكلة، "وجزاء سيئة مثلها"، "يخادعون الله وهو خادعهم"، هذه المشاكلة، هذه المشاكلة، "ومكروا ومكر الله". الله ليس ماكراً، والله ليس خادعاً، والعقوبة والعقاب ليست إطلاقاً سيئة، ولكن عندما سُميت... سيئة مشابهة للمصدر الذي دفعنا إليها، يعني
كأننا نفعل هذه العقوبة رغماً عنا متضررين. يا أخي، نحن لا نريد أن نبتعد عن من يهديك. أنا لا أريد أن أؤذيك هكذا. يعني إذا كان هذا تنزهاً مما علمتنا إياه اللغة وفلسفة اللغة وحكمة اللغة، وهذه اللغة من وضع الله سبحانه وتعالى هذه الألفاظ بإزاء تلك المعاني، وهذه التراكيب بإزاء هذه المقاصد، فقال هكذا هو: "فمن اعتدى عليكم فيها" يعني "فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم واتقوا الله". هذا معنى الحرمات، وهذا معنى أن الحرمات قصاص، وهو المبدأ القرآني، لأنه أصبح يصلح في مجالات عدة،
أصبح يصلح في السياسة، وأصبح يصلح في... الاجتماع البشري وأصبح يصلح في مجال التربية وأصبح يصلح في مقام القانون وأصبح يُستعمل في الاقتصاد، وهكذا يبقى. إذاً هذا ليس قاصراً فقط على العدوان في الشهر الحرام الذي صددناه وتبرّم من هذا الصدّ وبررنا له هذا التبرير، إنما هو أصبح مبدأً قرآنياً يجعلنا أمام موازنة لها غرض ولها هدف. كيف تنضبط الحياة بهذه المبادئ القرآنية؟ كيف يدخل هذا المعنى، معنى حرمات
الله، في كل أفعالنا في الحياة، في السياسة، في الاقتصاد، كمنهج حياة، وفي السقف المعرفي الذي نصدره للآخر أو يعرفنا به الآخر؟ بعد أن تكلم ربنا سبحانه وتعالى في سورة الحج، قال بعدها ذلك. والعلماء يقولون أي مضمون. ما سبق ذلك هو المشاورة على المضمون الذي سبق مما قرأته، وقد قال تعالى: "ومن يعظم حرمات الله"، انظر إلى وجود شيء اسمه تعظيم
حرمات الله، "فهو خير له عند ربه". حسنًا، كيف نعظم حرمات الله سبحانه وتعالى؟ أول شيء هو أن يؤمن الإنسان بوجود الله، فيصبح أخونا الذي... يُنحي صلته بالله، هذا لا يُعظِّم شعائر الله ولا يُعظِّم حرمات الله. لماذا لا يُعظِّم؟ لأنه لا يرى إلا نفسه ومصالحه وحياته وشهواته ورغباته، لكنه لا يرى أن هذا الكون مخلوق لخالقه. فعندما تؤمن بأن هذا الكون مخلوق للذي خلقه، فهذه هي الخطوة الأولى لأنك تُعظِّم حرمات الله. فتحلل ما أحله
وتحرم ما حرمه، تجيز ما أجازه وتمنع ما منعه، هذا هو تعظيم حرمات الله. طبعاً نعم، ولكن ماذا يقتضي ذلك؟ أولاً أن تكون مؤمناً بالله، نعم، لكن كيف ستعرفها؟ هل كلمك الله؟ يعني الله سبحانه وتعالى لا يكلم البشر، "ما كان لبشر أن يكلمه الله إلا". وحياً طيب أؤمن وراء حجاب أو يرسل رسولاً فيوحي بإذني ما يشاء. أنت كلمك الله وما كلّم غيرك، فلا بد أن تؤمن بالوحي. حسناً، وإذا آمنت بالوحي فلا بد أن تؤمن بالتكليف الذي هو الخبر الصادق. يا مولانا، الوحي هو هذا الاتصال الذي بين الله سبحانه وتعالى وبين بعض عباده الأنبياء والمرسلون والخبر
الصادق هو ما أدّاه هؤلاء الأنبياء وهؤلاء المرسلون إلى من بعدهم، فهذا يكون خبراً صادقاً. لكن الوحي معناه أن الله سبحانه وتعالى كلّم موسى، "وكلّم الله موسى تكليماً"، كلّم عيسى، كلّم النبي صلى الله عليه وسلم، فأصبح هذا الإنسان مؤيداً من عند ربه، مرسلاً برسالة بلّغها للعالم. كان سيدنا النبي يقول لقريش: "ماذا لو أخبرتكم أن وراء هذا الجبل جيشاً؟ أتصدقونني؟" قالوا: "نعم، ما جربنا عليك كذباً". إذاً، من أين جاء الخبر بعدما رأى جبريل وقال له: "اقرأ باسم ربك الذي خلق، الإنسان من علق"؟ فالوحي هو إنزال هذه السورة الكريمة على قلب النبي صلى الله عليه وسلم والخبر الصادق هو تبليغه
لهم وأنه صادق فيما بلغ عن ربه ﴿فإذا قرأناه فاتبع قرآنه ثم إن علينا بيانه﴾ إذا فأول خطوة هي الإيمان بالله، وثاني خطوة هي الإيمان بالوحي، والخطوة الثالثة هي الإيمان بالتكليف، ورابع خطوة هي تعظيم هذه الشعائر التي عظمها الله سبحانه وتعالى وحل. ما أحلَّه وحرّمت ما حرّمه، وهذا هو معنى أننا ذلك "ومن يعظّم حرمات الله فهو خير له عند ربه". طيب، الذي لا يعظّم حرمات الله بأن ينحي قضية الألوهية، انظر أنا حريص، قلت
ماذا؟ ينحي وليس كفر، ينحي قضية الألوهية، لأن هناك كثيرون يقولون لك هو موجود لكن ما... ليس له علاقة بنا، أي دعنا نحترف هو مغترب، ووجوده مغترب، لكن ليس له علاقة بنا. دعنا نحن نعيش حياتنا هكذا بعقلنا، آلية عمل كهذه، منشغلين في الحياة، هكذا. المدد غير موجود كما في لغتنا نحن مثلاً. نعم، لا يوجد شيء موجود في الحقيقة، إنما الذي موجود هو الأنا، أنا. الذي موجود وليست هناك أي شيء موجود آخر، فهذا ليس بقادر على تعظيم حرمات الله. ماذا سيعظم إذا كان هو أصلاً قد أزاح قضية الألوهية أو لم يؤمن بالتكليف؟ قال نعم يوجد إله وكل شيء، ولكنه ليس له علاقة بنا، وليس هناك تكليف، أو أنكر الوحي، أو أنكر التكليف، أو... لا يعرف ولن يصل إلى ما حرمات الله، لكن هذه الحرمات بعد ذلك وبعد ما آمنا بها، وأن السرقة
حرام، والاعتداء على الأعراض حرام، والاعتداء على الدين حرام، والاعتداء على النفس حرام، والاعتداء على العقل حرام، التي استخلصها الفقهاء فقالوا: حفظ النفس، وحفظ العقل، وحفظ الدين، وحفظ الكرامة. الإنسان وحفظ المُلك المقاصد الشرعية الكلية لخلق الله سبحانه وتعالى ولإنزاله هذه الشرائع أدى حُرُمات الله، فيكون إذاً الذي يعتدي على النفس البشرية قد اعتدى على حُرُمات الله، والذي يعتدي على عقل البشرية بالخرافة والسحر والدجل والإهانة وعدم التعليم، كل هذا عدوان على العقل البشري، وعدم التعليم هذا عدوان على... العقل البشري يا مولانا طبعاً، هو
هكذا. والذي يقول غير ذلك يكون غير فاهم شيئاً، أتفهم؟ لأن هذا التعليم، أول كلمة نزلت "اقرأ باسم ربك الذي خلق"، هذا أمر. فأنا لا أقارب، بل الإدراك هنا هو الأساس. أنا لا أريدك أن تقرأ حرفاً بجانب حرف، أنا... أريدك أن تدرك... ماذا؟ تدرك حقائق الأكوان وحقائق الإنسان وحقائق الشرع الشريف وحقائق الواقع، وحينئذٍ تكون عالماً مدركاً. فإذا كنت عالماً ومدركاً، استطعت أن تعظم حرمات الله، ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه. الذين خرجوا عن هذا النطاق ولم يريدوا أن يعظموا حرمات الله بأن أنكروا
هذه الخطوات هم يسيرون فيها وفق أهوائهم، ليس هناك ضابط ولا رابط، ولكننا نقول لهم: ندعو الله لكم أن يهديكم. ونحن مؤمنون بالله، مؤمنون بالتكليف، مؤمنون بأن في هذا التكليف أوامر ونواهٍ، وأن في هذا التكليف حرمات، وأننا نعظّم جداً حرمات الله سبحانه وتعالى ليس. هذه فقط هي النقطة الثانية، ولكن نطبق هذه المظلة التي تعلمناها من احترامنا للحرمات المباشرة ونطبقها في حياتنا كلها تستقيم بها الحياة. كيف تستقيم الحياة بهذا المبدأ؟ القرآن يا مولانا بالمقاصد الخمسة، المقاصد الخمسة، ولذلك نحن نحافظ على النفس البشرية ليس في حالة أننا
لا نعتدي فقط. بل بحالة أننا نرعاها وهي جنين ونحرم الإجهاض، وبأننا لسنا فقط لا نشرب الخمر ونبتعد عن المخدرات حتى يكون العقل واعياً، بل إننا نفرض على سبيل الواجب وعلى سبيل الحق الذي هو وجه آخر للواجب التعليم، وجعلنا هذا التعليم أساساً لتلك الأمة. "إنما بُعثتُ معلماً" صلى الله عليه وسلم. والسلام. إنما يخشى الله من عباده العلماء. إذا أردنا أن نسير في طريق الله فلا بد من العلم، كذلك الديان مخلصين له الدين ولو كره الكافرون. لا نتردد ولا نتشكك
لأن هذا الدين أمر من حرمات الله سبحانه وتعالى التي يجب علينا أن نحافظ عليها وأن نعظم شأنها وألا نعتدي. عليها حتى يتمَّ لنا المقصود، يعني هو - والحقُّ عندنا واضحٌ - مولانا، هل لكلِّ الحُرُمات قصاص؟ الألف واللام تُتَّخذ أيضاً للجنس، يعني جنس الحُرُمات لها قصاص. فعندما يأتي ويقول "والحُرُماتُ قصاص"، يكون هناك عموم، لهذا الجمع المُحلَّى بالألف واللام. كل الحُرُمات معناها هكذا: كل الحُرُمات لها قصاص. هذا يكون استيفاؤه موكولاً
للحاكم وقد يكون استيفاؤه موكولاً للبشر وقد يكون استيفاؤه موكولاً لله سبحانه وتعالى وأن لا نتدخل في هذا، فهناك درجات عند الله سبحانه وتعالى في هذا وفي هذا وفي هذا، وهنا تتنوع الحرمات نعم وتصبح لها أنواع مختلفة، فهناك أمور لا يستطيع الفرد كفرد أن يقوم بها لا بدّ أن يكون فيها مجتمع، وهناك أمور يستطيع الفرد في طاقته أن يقوم بها، وهناك أمور قد يستطيع في بعض الأحيان وفي بعض الأحيان لا يستطيع، ولا يُكلِّف الله نفساً إلا
وسعها، لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت، ولكن الذي نستطيعه نقوم به تنفيذاً لحرمات الله وتعظيماً. حُرُمات الله مولانا، هل هذا المعنى أو معنى هذا الكلام لفضيلتكم أن هناك حُرُمات زمنية ومكانية مرتبطة بالزمان والمكان، وحالية وشخصية؟ هناك حُرُمات، وصاحِبْهُما في الدنيا معروفاً وأحسِنْ كما أحسن الله إليك، حتى وهما يجادلان أو يجاهدان على الشرك
بالله. إن الشرك ظلم عظيم، بالرغم من ذلك لا يقدح هذا. في هذا الاحترام الواجب الذي نسميه ببر الوالدين والذي جعله الله سبحانه وتعالى مكافئاً للتوحيد، الحرمة قد تكون للأشخاص، للوالدين، وقد تكون للعلماء لأن الله سبحانه وتعالى قدمهم وفضلهم، فضل بعض النبيين على بعض وبعض المرسلين على بعض، ولكن فضل العلماء ورفع بعضهم فوق بعض درجات، فأولياء الأمور أولياء. الأمور
جعلت سيدنا النبي يقول: "كبِّر كبِّر"، بمعنى أن كبير السن يجب أن تحترمه وتقدمه، ولا تهجم عليه، ولا تتكلم أنت وهو جالس، دع الكبير، دع الكبير، وارجع إليه وعظمه. هذا الكبير قد يكون في السلطان، وقد يكون في العلم، وقد يكون في السن، وقد يكون في الرحم، وكل. هذه الأشياء هي مما رسمه الله سبحانه وتعالى للإنسان حتى يسعد، وكثير منها تركها الشباب الآن بدعوى الحرية أو بسبب الانفتاح. وما الذي نتج عن ذلك يا مولانا؟ نتج عن هذا التفلت فوضى وتعاسة وعدم حصول على الرضا وعلى السعادة. كانوا يعتقدون أن هذا سيؤدي بهم إلى السعادة،
وبعد ذلك سعادة وقتية وأنها سعادة محدودة وأنها سعادة وهمية أيضاً، ولذلك تعجبوا: "ما هذا؟ هذا لا يوصلنا إلى الغرض"، فلجأوا إلى ما هو أخس وأشد منه، فلم يوصلهم إلى شيء، وأخذوا في هذا الانحدار من سيء إلى أسوأ، وفي كل مرة يأتيهم هاجس: "ما فائدة هذه الحياة الدنيا وهي بهذا الشكل؟" الكبير من النكد هي نكد لأنك أنت الذي جعلتها نكداً ولأنك أنت الذي حوّرتها وحوّلتها إلى هذا النكد. هل هذا الوطن الذي نحيا عليه ويحيا فينا من حرمات الله أم لا؟ فاصل ونعود إليكم،
ابقوا معنا. أهلاً بحضراتكم. مولانا أمير الشعراء يقول بعد أن عاد ممن فاه بإسبانيا ويا وطني. وَجَدتُكَ بعد بحثٍ طويل كأنني قد وجدتُ فيكَ الشباب. هل الوطن من حُرُمات الله وإن كان البعض ينكر ذلك لعدم ورود ذلك صراحةً في القرآن الكريم، فكيف نرد عليهم؟ في الحقيقة، الوطن ورد في الكتاب وورد في السنة، وقد جعل الله سبحانه وتعالى مغادرة الأوطان كنوع من أنواع التضحية العظمى يؤكد مكانة الأوطان في النفوس فطرةً؛ إنها فطرة الله التي فطر الناس عليها. والمبادرة الآن التي
أطلقها الشيخ أسامة الأزهري من الفتاح العليم منذ نحو ثلاثة أسابيع أو أربعة أسابيع، أي أن الشخصية الوطنية مبادرة للدعوة إلى حب الأوطان، وأن حب الأوطان هذا له عناصر تحدث فيها. كلاماً غريباً عجيباً لا يلتفت إليه كثير من الناس في القرآن الكريم وفي السنة وفي غير ذلك، مما هو متداول كثيراً على ألسنة الناس في قضية الوطن وأهمية الوطن. المشهور لدينا هي قصة أن النبي قال وهو يخاطب أرض مكة: "إنكِ لأحب بلاد الله إليّ". ولولا أن أهلك قد أخرجوني
ما خرجت إلى آخره في هجرته في هجرته في هجرته، ولكن لا، هذا سيدنا إبراهيم يقول: "إني مهاجر إلى ربي سيهدين". فكانت هذه مسألة صعبة وجرعة صعبة على سيدنا إبراهيم أنه يترك الأوطان ويترك الخلان ويترك الذكريات ويترك الألفة، هذا في أمراض تسمى بمرض البعد. عن الديار الهم سيكنس، ماذا يعني ذلك؟ يعني أنك بعيد عن وطنك، فتأكل بطريقة مختلفة، وتنام في مكان مختلف، والهواء الذي تتنفسه ليس هو الهواء الذي تتنفسه كل يوم. ونتيجة لذلك ومجموعة من الأمور المشابهة، يحدث لك مرض في الجهاز الهضمي، ولا يصبح الأداء جيداً،
ولا يصبح النوم جيداً. انعكاس نفسي على كل وظائف الجسد، على كل وظائف الجسم، وهو مرض مشهور ومعروف يصيب خاصة من أكثر من السفر، ولذلك الناس أحبوا الأوطان فعلاً. ليست محبة الأوطان فقط تربية، وإن كنا في أشد الحاجة إلى تربية أبنائنا على الانتماء، لكن هذا شيء مفطور وما كان مفطوراً في الطبيعة. يُكتفى بالطبع عن الشرع بمعنى يا مولانا أنه عندما يجعلنا الله نكره الرائحة الكريهة، ليس هناك آية أو حديث يقول اكرهوا الرائحة الكريهة، وعندما جعلنا نحب الرائحة
الزكية، ليس هناك آية في القرآن تقول لا بد عليكم أن تحبوا الرائحة الزكية، وعندما جعلنا نتشوق للأكل فليس هناك آية تدعونا. إلى الأكل وقس على هذا اكتفاءً بدافع الطبع عن الشرع. لم يقل ربنا سبحانه وتعالى للناس أنها تبتعد عن النجاسات لأن الناس تنفر من النجاسات دائماً. لم يذكر نصوصاً هكذا ثم يقول لك اكتفاءً بدافع الطبع عن دافعه وأمر الشرع. دائماً أي شيء موجود في فطرة الإنسان الشرع لا... يأمرك بها لأنه يكتفي بأنك أنت ستفعلها بمفردك، نحن مفطورون على الجمال، هذا هو أيضاً أحياناً عندما يكون
نائماً فيقول لي: "قم الليل إلا قليلاً"، لأنني سأنام، هو لا يقول لي: نم ولا تنس نفسك في النوم، لأن هذه طبيعة، لا يقول لي لا تأكل، يعني كُل، يقول لي. لا تأكل حتى أمنع نفسي من الانجرار مع طبعي. نعم يا مولانا، ونحن نتحدث عن هذه الأوطان. يعني اسمح لي أن أقرأ بعض تعليقات الفيسبوك. يعني السؤال على صفحة الفيسبوك يقول: ما رأيك فيمن يقول بأن الوطن ليس من حرمات الله، من حرمات الله؟ دعونا نقرأ هذه المعاني الجميلة. التي يتفضل بها السادة المشاهدون دائماً ونسعد بكل هذه الآراء، تقول السيدة بهيرة عاشور أنه إن لم يكن للوطن حرمة وواجب
حمايته، كيف نستطيع أن نعيش في أمن وأمان واستقرار وسلام وضمان لشرف وعرض النساء والرجال. الأستاذة ولاء حسين تقول للأسف الناس لم تعد تعرف معنى كلمة حرمة ولو عرفوا. يمكننا أن نتخلص من كم الجرائم التي نسمع عنها كل يوم. الأستاذ محمد شمس يقول: الحرمة هي ما لا يحل انتهاكه، وهل توجد حرمة أعظم من الأوطان؟ لأن انتهاك حرمة الأوطان هو انتهاك للدين والمال والعرض، ويرغب أن يوصل لنا هذه المعاني وهذه الكلمات التي يُدلي بها. السادة المشاهدون في سياق ما يفهمونه من منهج فضيلتكم الإصلاحي، كيف ترونها، أي هل تسير في الاتجاه السليم؟ وحب الوطن كما قالوا قديماً من الإيمان، لأن الشخص الذي هو مستعد للدفاع عن
أهله ووطنه وناسه وما إلى ذلك هو شخص محب لوطنه، فإذا فقد هذا الحب فقد كل هذه كما يقول المشارك في الآخر أنه فقد العرض وفقد الأرض وفقد الماء، فقد كل شيء. ومن هنا كانت دعوات مدارس الغلاة فيما بعد الحداثة أن يلغوا فكرة الأوطان ويجعلوها فيما أسموه العولمة، بحيث أن الإنسان لا يكون له انتماء، وهذا تهيئة لقضية الاستهلاك، وفي النهاية هي مضبوطة بالسوق تكريسًا للموجة. الاستهلاك، يريد أن يستهلكك، ويوجد سوق نفسه يأخذ منك منتجاتك أو مجهودك ويعطيك منتجاته.
يأخذ منك القطن ويعيده إليك في صورة قماش لكي تفصله وتستهلكه. المهم أن تستهلك، لأنه في النهاية يدخل في جيبه الدرهم والدينار أو الاسترليني والدولار. نعم مولانا، لمن تعدى على حرم الحرمات. هل لمن وقع في حرام الله توبة، وهل ثمة قصاص؟ وكنا سألنا منذ قليل حول هل لكل المحرمات قصاص. والآن هل من انتهك حرمة هذه المحرمات هل له توبة؟ طبعاً كل من ارتكب معصية فإن باب التوبة مفتوح، على مصراعيه، فليس هناك من يتألى على الله ويمنع التوبة أبداً. شخص يستطيع أن يفتح صفحة بيضاء
جديدة مع الله، وربنا جعل لنا محطات: ما بين الصلاة إلى الصلاة كفارة لما بينهما، الجمعة للجمعة كفارة لما بينهما، من رمضان لرمضان كفارة لما بينهما، من العمرة للعمرة كفارة لما بينهما، من الحج إلى الحج كفارة لما بينهما. هذا الإنسان يخرج من الحج. كيومٍ ولدته أمه صفحة بيضاء، صفحة بيضاء، ويعود مرة أخرى وكأنه ابن يوم لم يفعل شيئاً، يعني يلقى الله سبحانه وتعالى وهو عنه راضٍ. كثير من الناس تكون متمسكة بالعمرة، أليس هذا الشعور أنه بدأ جديداً؟ تجددت حياتك مع الله سبحانه وتعالى، فمن ذا الذي يمنع أحدهم من التوبة كائناً ما فَعَلَهُ هو أكثر من الشرك، هو أكثر من الوثن الذي عُبِدَ، هو أكثر من الإلحاد. ما
كل هذا ربنا يعني حتى لو أشرك الإنسان ورجع إلى ربنا سبحانه وتعالى مباشرةً، فهو ما كل الذي به أن الله لا يغفر، لا يغفر لمن يشرك به ويؤاخذه، ويمدنا ذلك. أي حتى بهذا المعنى ارجع والآن نعم بحيث أنه لا يموت على هذا الشرك، نعم لا يموت على الشرك، ينقذ نفسه وباب التوبة مفتوح وأن الله لا يفرح بتوبة عبده أشد من أحدكم نام فضل بعيره فلما استيقظ لم يجده وعليه زاده وماؤه فجلس تحت الشجرة ينتظر الموت فنام. فلما استيقظ وجد الرحل عنده فقال: "اللهم من شدة فرحي، اللهم أنت عبدي وأنا ربك". أخطأ من شدة الفرح، يعني أراد أن يقول لك: انظر كيف ستكون
فرحتك شديدة عندما ينقذ كل شيء مرة واحدة ودون عناء أو بحث، وفجأة أصبح الأمر سهلاً. هكذا يفرح الله سبحانه وتعالى. الله لا يفرح مثل فرحنا وسرورنا، وإنما المثال في هذا المثال المضروب إنما فائدته توضيح شدة فرح الله سبحانه وتعالى بتوبة عبده. مولانا الإمام صاحب الفضيلة الدكتور علي جمعة، وضوح العلماء الكبار، ابن الأزهر الشريف، رضي الله عنكم وغفر الله ذنبكم دائماً يا مولانا. شكراً لكم، دمتم في رعاية الله
إلى اللقاء، اشتركوا في