والله أعلم| الدكتور علي جمعة يوضح حقيقة لاإكراه في الدين ..وحرية الاعتقاد في الإسلام| الحلقة الكاملة

بسم الله الرحمن الرحيم وربِّ زدني علماً يا أرحم الراحمين يا أرحم الراحمين يا أرحم الراحمين افتح لنا فتوح العارفين بك. أهلاً بكم في "والله أعلم". دائماً نسعد بصحبة صاحب الفضيلة مولانا الإمام الأستاذ الدكتور علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف لنحاوره اليوم حول حرية الاعتقاد في الإسلام. هل ضمن الإسلام للإنسان حرية اعتقاده؟ إذا نطرح هذه التساؤلات لنفهم هذا الفهم والمبدأ القرآني. هل مبدأ القرآن مجرد؟ وما معنى أنه مجرد؟ مولانا الإمام، أهلا بفضيلتكم، أهلا وسهلا ومرحبا
بكم. المبادئ القرآنية كما تحدثنا عنها، يأتي سؤال يطرح نفسه: هل المبدأ القرآني مجرد؟ وما معنى أن يكون مجردا؟ بسم... الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. تحدث أصحاب الفنون الإسلامية خاصة في علم الكلام عن قضية التجريد، وقضية التجريد معناها إسقاط هذه الجهات الأربعة التي بها النسبية، أي يصبح الأمر أو الشيء مطلقاً من كل قيد، والقيود إما أن تتعلق أو المكان أو الأشخاص أو الأحوال أربع جهات دائماً نحن نرددها لكي نبين جهة النسبية أو جهة القيود، فما يحدث في زمان معين قد لا يصلح في زمان آخر، وما يحدث في مكان معين
قد لا يحدث في مكان آخر أو لا يصلح له، وما يحدث مع شخص معين قد يختلف عن شخص آخر ما يحدث في حالة معينة من حالات الحرب أو السلم أو الجدب أو المطر أو الرخاء أو الفقر أو ما شابه ذلك، قد لا يحدث فيما هو عكس ذلك وهكذا. فهذا الأمر لو أنه يختلف باختلاف هذه الجهات الأربعة يُسمى أمراً نسبياً مقيداً، أي يختلف في هذه الجهات، أما لو أنه تجرد - هذه كلمة "تجرد" - هو من هذه القيود، يعني لا يوجد فيه، أي أنه يصلح في كل زمان وفي كل مكان وفي كل حال ومع كل الأشخاص، فهو الأمر المطلق. يعني الأمر المجرد سُمِّي مجرداً لخلوه من القيود، وسُمِّي مطلقاً لأنه
مطلق التي مقابلها النسبي، وكلمة مجرد التي مقابلها المقيد، هي كأنها تعبر عن شيء واحد. عملية التجريد هي عملية يقوم بها الفقيه من أجل الوصول إلى ذلك المطلق الذي يبحث عنه، فيدخل ويحلل ما أمامه من أمر، ثم بعد ذلك يستنبط، وبعد ذلك شيئًا خاليًا من هذه الأربعة فيسمى. هذا تجريدًا، نعم. فمثلًا لو أنه ذهب إلى أبواب الفقه المختلفة فوجد شيئًا معينًا يرى فيه في حال الوضوء أن اليقين مقدم على الشك، وأنه لو تعارض يقين مع شك
فإن اليقين هو الذي يغلب، يُبنى على اليقين، يعني فيُبنى على اليقين، فيرى هذا في باب الوضوء، ثم إذا درس... الصلاة وُجِدَ هذا في باب الصلاة ثم إنه عندما يرى هذا في باب الزكاة أو في باب الصوم أو في باب الحج أو في باب الزواج أو في باب الطلاق أو في باب البيع أو في باب الشراء أو في القضاء أو في أي جانب من جوانب الحياة فيرى وكأن هذه القاعدة سارية في الفقه الإسلامي كله أن اليقين يغلب الشك ويقدم عليه ويهدم حاله وأنه يقدم في كل هذا، فلو أنه تيقن الطهارة ثم إنه شك في الحدث فيقدم يقين الطهارة، ولو أنه تيقن أو شك هل صلى ثلاثاً أم صلى أربعاً وتشكك، فإنه يبني على اليقين وهو الثلاثة. لأن الثلاثة موجودة في الثلاثة وموجودة في الأربعة فهي متيقنة،
والركعة الزائدة هي التي تشك فيها أنا أتيت بها أم لم آتِ بها، فقم وابنِ على اليقين. لو أنه شك هل طلق أم لم يطلق، هل طلق مرتين أم طلق ثلاث مرات، فإنه يُعتبر طلق مرتين لأن الطلاق خلاف الأصل توجد على وجه اليقين امرأة متحيرة هل أرضعت هؤلاء الأطفال خمس رضعات أم أرضعتهم أربع رضعات فتكون أربع رضعات ويحل له أن يتزوج. اليقين يغلب الشك، وهذه القاعدة موجودة في كل شيء: في الوضوء، وفي الصلاة، وفي الرضاع، وفي الطلاق، وفي الزواج، وفي غير ذلك. هذه قاعدة مجردة. فالتجريد يحدث عندما نحتاج إلى إدراك السنن الإلهية، فنفعل مثلما فعل الأولون في منهجهم هذا من التجريد، فنذهب للبحث عن
المبادئ القرآنية بما فتح الله علينا به، مُجرِّدين هذه المبادئ. فاتضح أن المبادئ تصلح ليس في كل وقت وحين فقط، بل في كل علم، فهذا هو. معنى أن المبادئ القرآنية مجردة، أي ماذا يعني أنها مجردة؟ يعني أنها مطلقة. وماذا يعني أنها مطلقة؟ يعني أنها كما تصلح في علم النفس فإنها تصلح في علم السياسة، وكما أنها تصلح في علم الدين فإنها تصلح في علم الاجتماع البشري، وكما أنها تصلح في علم الاقتصاد فإنها تصلح في كل هذه الأشياء لأنها مبادئ ومنطلقات، أي إن المبادئ جمع مبدأ، والمبدأ معناه البداية، والبداية معناها
المنطلق. أبدأ يعني الخطوة الأولى، من هنا نبدأ ومن هنا ننطلق. فإذاً هذا هو معنى التجريد، والإجابة: هل المبادئ القرآنية مجردة؟ نعم، هي مجردة. لماذا؟ لأنها خالية من التقيد بالزمان والمكان والأشخاص والأحياء. وثانياً لأنها تصلح في كل المجالات من هذه العلوم التي ذُكِرت، أي كما تصلح في المسجد تصلح في الشارع، نعم، وتنعكس في كل مناحي الحياة. نقول يا إمام: هل تم إحصاء كل المبادئ القرآنية؟ أو بمعنى آخر: هل تم حصر كل المبادئ القرآنية؟ القرآن لا تنتهي عجائبه ولا يَخلق من... كثرة الرد والمبادئ القرآنية صنفان ونوعان: نوع هو منصوص في الكتاب، ونوع هو مستنبط من هذا المنصوص بعد إجراء هذه العمليات من التجريد
والاستنباط. الذي استطاع الباحثون إلى الآن أن يفعلوه لا يزيد عن ثلاثين مبدأً، ولكن ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم، وكم ترك الأول. للنهاية ولذلك فإننا نقول وتوصلنا إلى كذا مبدأ ولكن لا نقول أن هذا حصر أو أننا نتألى على الله سبحانه وتعالى بمنع الفهم بعد ذلك للوصول إلى ما هنالك، فطريقة تفكيرنا مبنية على ما يسمى بالنسق المفتوح والعقلية المفتوحة ليست المغلقة، منفتح ومفتوح أيضاً يعني أنه قابل للزيادة. فإذا كنتُ أنا توصلتُ اليوم إلى عشرين مبدأً، غداً تتوصل إلى ثلاثين. ولو كنتَ توصلتَ إلى ثلاثين، بعد غد تتوصل... مازال اجتهاده متاحاً
وسيظل إلى يوم القيامة، لأنه لا تنتهي عجائبه ولا يَخلَق من كثرة الرد. وهذا أحد دلائل أن هذا الكتاب من عند الله، أنه لا تنتهي عجائبه، أنه من المرونة في الصياغة ما يتحمل به الأسقف المعرفية المتتالية والمتوالية. اسمح لي مولانا في ظل هذا المنهج الإصلاحي والتجديدي أن أناقش مع فضيلتك هذا المبدأ القرآني: "لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي"، وفي آية أخرى: "ألا لله الدين الخالص"، وفي حديث شريف: "أمرت أن أقاتل الناس يشهدوا أنه لا إله إلا الله طيب، أو بما أو كما قال صدق سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. البعض ربما يجد تعارضاً أو لا يستطيع أو لم يقدم الإسلام من خلال هذه النظرة الكلية بفهمه هو الذي يتساءل. لا يقدم هذه الحرية في الاعتقاد أبداً. القضية هي قضية. إنَّ هناك
نصًا وهناك تفسيرًا للنص، وتفسير هذا النص يختلف باختلاف الزمان والمكان والأشخاص والأحوال. "أُمِرتُ أن أقاتل الناس"، ولكنَّ المبدأ لا يختلف. ولذلك، يجب علينا أن نفسر هذا النص من خلال المبدأ الذي يقول: "لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي"، لماذا؟ لأن الله لا يريد منافقين. ولأن المنافقين في الدرك الأسفل من النار، فكيف يأمرك الله سبحانه وتعالى بإنشاء جماعة المنافقين في المجتمع بأن تُكرِه أحدهم على الدين، فيضطر اضطراراً لأن يتلفظ بما يوهم إسلامه وهو يستبطن غير ذلك؟ هذا فيه خطورة على المجتمع وعلى الجماعة المسلمة نفسها، ولذلك فإن
الله سبحانه وتعالى قال لست... عليهم بمسيطر وقال وما أرسلناك عليهم حفيظاً وقال إنما على الرسول بلاغ وقال إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء في غير ما تؤيد هذا المبدأ أنه لا إكراه في الدين لأنه قد تبين الرشد من الغي طيب فلما يأتي هذا النص أُمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله. يرى الفقيه الواعي العالم المجتهد وهو قد تدرب أن يقرأ كلمة لا بل حرفاً تدرب في منهجه هكذا أن كل حرف في هذه الصياغات اللغوية العربية الرصينة الفصيحة له
معنى. نعم، فيتأمل ويجلس هكذا المجتهد يتأمل، أُمِرتُ ولا... أمرتم، أمرت، فقال: أمرت، يعني سيدنا النبي، يعني يجب أن تعيش زمن النبي ومكان النبي وحالة النبي لكي تستوفي شروط أمره. يعني أمره له شروط، ما هي الشروط الخاصة به؟ يجب أن نرجع إلى السيرة ونرى ما هي الأحوال. سيدنا النبي مكث أربعة عشر عامًا في مكة لم يرفع عليه منهم خبَّابُ بن الأرتّ ومنهم حذيفة بن اليمان ومنهم الأنصار عند البيعة الأولى والثانية: "يا رسول الله، نجعلك تركب بكرة في منى" وهم في الحج. قال: "ما
أُمِرتُ بهذا، ما أُمِرتُ أن أقتل الناس". فلما ذهب إلى المدينة أقام بعض الحروب والغزوات التي منها غزوة بدر. في المدينة وفي المدينة والخندق في المدينة، الله، يعني الناس جاءت لتضربه صحيح ويقضوا على دينه وعلى أصحابه، يعني أنا مُعتدى عليَّ. تفضل اعمل الآن، أُمرت أن أقاتل الناس من خلال هذا الشرط: أن يكون جهاد دفع، خلاص جهاد دفع. حسناً، أولاً يجوز جهاد الطلب، يجوز عندما تستشعر باحتياجك. إلى الحرب الاستباقية، الحرب الاستباقية تعني ما الفرق بين الجهاد الدفاعي وجهاد الطلب.
سنتعرف عليه أكثر وأكثر بعد هذا الفاصل. ابقوا معنا. أهلاً بحضراتكم مولانا الإمام. إذا نعود إلى الفارق ما بين جهاد الطلب وجهاد الدفاع عن النفس، كله كان جهاد دفاع أما جهاد دفاع على سبيل الدفع. وأما جهاد دفاع عن سبيل الاستباق فعندما تتفق يهود في خيبر وهي شمال المدينة مع مشركي مكة وهي جنوب المدينة لكي يصنعوا ما يسمى في العسكرية بالكماشة على المدينة، هؤلاء من الشمال وهؤلاء من الجنوب، وننتهي من هذه القصة، فيفهم النبي صلى الله عليه وسلم وكان من صفات الأنبياء الفطنة. والكياسة
والذكاء ويعلّمون الناس ويؤيَّدون بالوحي أيضاً، يعني كل هذا من الذكاء والعبقرية وما إلى ذلك، إلا أنها مؤيَّدة بالوحي الذي هو من عند الله، يعني يعلم السر وأخفى. فالنبي لما رأى هذا نزل إلى مكة محرماً هو وأصحابه، فمنعهم الأغبياء لأن الله ختم على قلوبهم، منعوهم من دخولها، فعمل الحديبية فهي طرف الكماشة الجنوبي وذهب صاعداً للأعلى متجهزاً لخيبر وذهب متوجهاً إلى خيبر وفتحها، فلما فتح خيبر وانتهت ذهب يفك الكماشة الشمالية، فيكون بذلك اسمها حروباً استباقية لكنها في النهاية دفاع،
عن الأمن، وهذا مستمر إلى الآن وفي المواثيق الدولية التي وقعنا عليها والتي توصل إليها البشر بعد كما هو في اتفاقيات جنيفا الأولى وجنيفا الثانية المتعلقة بقواعد الحرب، وكذلك مُباح عند جميع البشر أن يدافع عن ذاته. في بعض الديانات تُحرَّم الحرب إلا دفاعاً عن النفس، وانتبه فهذا هو الدفاع عن الذات. فيدافع رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله تعالى يقول لهم لا، هو لن يضع. المسلمون واضعون أيديهم على خدودهم. "أُمِرتُ أن أقاتل" وليس "أقتل". بين "أقاتل" و"أقتل" فرق كبير كالفرق بين السماء والأرض. "وقاتلوا في سبيل الله الذين
يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين". إذن يجب أن يكون القتال في سبيل الله، ويجب أن يكون قتالاً وليس قتلاً. لا بد أن يكون "وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ" ولذلك يكون الرد على العدوان بالعدوان، وردُّ الصاع بنفس الصاع. فأمرنا ألا نمثّل بالجثث، وأمرنا أن نكرم الأسرى، "وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا، إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا". إذاً هذا دينٌ متكاملٌ، فيه قواعد للحرب. وفي قواعد السلام يأتي الذي أعمى الله بصيرته ويقول: "لا، هذا دين نشر بالسيف". لم ينتشر بالسيف في أي مكان في العالم. ظلت مصر خمسة في المائة مسلمين بعد مائة سنة من الفتح
الإسلامي. مائة سنة لم يكره أحد على الدخول في الإسلام أبداً. خمسة في المائة فقط الذين أسلموا. وخمسة وتسعين لم يسلموا. سنة مائتين وخمسين أصبحنا خمسة وعشرين في المائة. سنة سبع مائة وخمسين، سبع مائة وخمسين هجري أصبحنا فوق التسعين وكذا إلى آخره. سبع مائة وخمسين، ماذا حدث فيها؟ حدث فيها وباء اسمه الوباء الطاعون الأسود عمّ حوض البحر المتوسط. ويقول ابن حجر العسقلاني لأنه حصل... سنة سبعمائة وتسعة وأربعين يقول: فانتقلت التركة في تسع بيوت في يوم واحد، من الذين يموتون على التوالي. تبقى عنه من الذين يموتون، تبقى عن واحد مات فزوجته ورثته، فماتت في نفس ذات اليوم، فورثها أخوها، فمات فورثته زوجته، فماتت. تسع عائلات، فتبقى الأشياء التي تخص الرجل الأول هذا. الذي مات الساعة
العاشرة صباحاً انتقل الخبر بين تسع عائلات حتى آخر النهار، لكي تعرف مدى انتشار خبر الموت في الطاعون الأعظم بمصر. التقديرات الأولية تشير إلى نحو عشرين مليوناً. كان الله يرحمه، كان صحفياً، كان لطيفاً هكذا ظريفاً. فأنا عندما أسمع من يقول عشرين، قلت: كيف هكذا عشرين مليوناً قال الفاتح: ليس معقولاً أن يكونوا عشرين مليوناً، لكن بعد هذا الطاعون المسمى أصبحنا مليونين ونصف، انخفض إلى هذا العدد وظل هكذا حتى محمد علي باشا. في عام ألف وثمانمائة وعشرة أو ثلاثين ظنوا، فوجدوهم مليونين ونصف، هؤلاء المصريون الذين أصبحوا اليوم مائة مليون. ما شاء الله لا قوة
إلا بالله. فإذاً يعني الإسلام لم ينتشر بمثل هذا بالأرقام والتواريخ وبكل شيء. أما الطيب، فماذا إذن؟ أمرته أن أقاتل الناس لماذا؟ قريش التي هي تضعها في ذهنها ولابد أن ترسل عمرو بن العاص ومعه زميله بالهدايا إلى النجاشي حتى يرد لهم الثمانين شخصاً. حسناً، خلاص ذهبوا في الهجرة، لا نستطيع قتلهم ولا تعذيبهم ولا أن نفعل بهم شيئاً. وعندما مشى النبي عليه الصلاة والسلام، لم يتركوه يمضي، بل أرسلوا وراءه الرسل حتى ظهر سراقة في القصة المعروفة وغاصت قوائم حصانه وما إلى ذلك. إذاً يا أخي، النبي عليه الصلاة والسلام
كان ماشياً ولم يقاتل ذهبوا إليه في بدر وذهبوا إليه في أُحد وذهبوا إليه في... آه، أنت تضعني في ذهنك إذاً! لا، أنا لن أسكت، سأدافع عن نفسي. أُمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، يعني حتى... ينتشر هذا الدين، والانتشار معناه أنه يزيل السلطة المانعة لوصول هذا الهدي النبوي المبارك والإلهي الصمداني إلى عموم الناس، وبعد ذلك فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر. أنت شيء سلمي، يجب عليك أن تتركني أبلّغ الناس. صحيح، لنفترض أنني في مجتمع مثل إنجلترا أو أمريكا أو غيرهما إلى آخره، وتركونا. نبلغ الناس كما نشاء، عندما أذهب أنا إلى إنجلترا أو أمريكا أو أي
مكان وأقول لهم أنني أريد أن أعمل محطة تلفزيونية وأذيع فيها القرآن، يقولون لي افعل ما تشاء وما شأننا بذلك. هل تدرك؟ كان في الماضي ليس "ما شأننا بذلك"، بل كان في زمن الصليبيين حين هجموا علينا، واحتل بلادنا، كان في زمنٍ غير هذا الوقت الحالي. الآن ممنوع هذا الاستعمار وأصبح أمراً سيئاً. حتى الأمم المتحدة، مع وقوفها مع هذا الكيان الصهيوني الغاصب لأرضنا والمحتل، يسمونه المحتل إلى الآن. يوجد مجلدان كبيران من قرارات الأمم المتحدة تدين إسرائيل وترى أنها دولة محتلة بالرغم من مرور الزمن منذ سبعة وستون للآن واحد وأربعون سنة إلا أنهم يرونها ولا واحد وخمسون سنة أيضاً أو ماذا؟ يعني
واحد وأربعون، يرونها هذه الواحد والخمسين سنة يرون أنها محتلة، لماذا كل العالم يرى أنه لا توجد شيء اسمه استعمار ولا يوجد شيء اسمه التدخل في الأوطان ولا يوجد شيء. اسمها كذا إلى آخره، وما المشكلة في أن الإسلام يدافع عن نفسه ويقول: "أُمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله"؟ حسناً، لنفترض أنهم شهدوا، انتهى الأمر، سأكون قد أديت ما عليَّ لأن غرضي هو توصيل الدعوة للناس، آمن من آمن وكفر من ضَمِنَ الإسلامُ تحريرَ حريةِ الاعتقادِ، تحريرَ هذه الحريةِ
عند البشرِ. بعد الفاصل نُجيبُ على هذا السؤالِ، ابقَوا معنا. أهلاً بحضراتِكم. مولانا، نريدُ أن نفهمَ أكثرَ وأكثرَ، لأنَّ الكثيرَ يقفُ عندَ مبدأِ "لا إكراهَ في الدينِ قد تبيَّنَ الرشدُ من الغي"، ويريدُ أن يطرحَ حولَهُ الكثيرَ من التساؤلاتِ على الحديثِ أيضاً. أما عمن يرتد عن دينه في الإسلام، فكيف نفهم تقرير هذه الحرية للإنسان في ظل مظلة الإسلام الواسعة والشاسعة؟ "لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا"، ولم يثبت إطلاقاً عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قتل. مرتدًا، قتل المرتد هذا ندرسه في باب الحدود وليس في باب الإكراه على الدين أو غير ذلك إلى آخره. قتل المرتد إنما هو من الزواجر والعقوبات التي فهمنا من أكابرنا ومن مشايخنا
عبر القرون، عبر القرون، أنه إنما هو للردع حتى لا يقع الإنسان في جريمة الردة. معنى هذا الكلام أباح الله سبحانه وتعالى للنبي صلى الله عليه وسلم إذا ارتد أحدهم، نعم، يكون الشرط الأول هو الارتداد، وأراد أن يقوّض دعائم المجتمع، وهذا يسمى بالإرجاف الذي نسميه في عصرنا بلغتنا العصرية الإرهاب، وهو الخروج المسلح على النظام العام. أباح الله لنبيه أن يقتل هؤلاء، فأخذ. استنبط العلماء من هذا أنه يجوز لولي
الأمر إذا رأى ارتداداً مقروناً بعنف وسلاح أن يقتل هؤلاء. قال تعالى: "لَئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا * مَّلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا". وكان رسول الله صلى الله قولوا لنا إذاً مَن قتل حتى نقلده؟ فأباح الله له قتل المرتدين المرجفين. قيَّده هنا تقييداً، هنا بسمة، تقييد هكذا. هذا بالضبط مثل الذي يقول لك: سأصلي من غير وضوء. يا أخي، ربنا شرط الوضوء للصلاة، فلا يصح أن تصلي من
غير وضوء. فيرد عليك ويقول... له ولكن أنا صليت بالأمس ونفعت، نعم ما هذا العمل؟ أنا أسميه عمل المدمنين المخضرمين، يعني عقولهم ليست معهم، هؤلاء أناس يتلاعبون حتى بسخافة ليس لها علاقة لا بالعلم ولا بالدين ولا بالدنيا، هذا هوى ومزاج، هذا قلة أدب، فحضرتك هذه مثل هذه ولكن هذه بحجم. تخفى على الناس وهذه معروفة لدى العامة، الذي يُحل لي الخمر، أو الذي يقول إن الحجاب ليس فرضاً، أو الذي يقول إن الصلاة تنفع من غير وضوء، أو كل واحد يقول على الله بغير علم. فحضرتك هنا جزاء المرجفين في سورة الأحزاب القتل، وبالرغم من ذلك إلا أن النبي قد علمنا في سنته
التي هي التفسير المعصوم للقرآن الكريم الوحيد في التطبيق أننا لا نفعل هذا، فما فائدته إذن؟ فائدته ألا تكون مرجفاً. ربنا يعظم لك هذا الأمر، يقول لك: على فكرة، الردة هذه قبيحة جداً. عبيد الله بن جحش ارتد وهو في الحبشة، فلم يفعل له رسول الله شيء عبيد الله بن جحش أخو عبد الله بن جحش، زل على إسلامه، عبيد ارتد عن الإسلام، فلم يفعل له النبي شيئاً إطلاقاً نهائياً البتة. النبي صلى الله عليه وسلم كان هناك بعض الناس قتلوا المسلمين أو كتبوا شعراً يسبون فيه حرائر المسلمين، الحرائر المسلمات.
يشتمون فصدر ضدهم حكم قضائي، إذن هو حكم قضائي، حكم قضائي لغير علة الردة، نعم لغير علة الردة. يشتم الحرائر، بل العدوان على حقوق الآخرين: دماءً وأعراضاً وأموالاً، أشياء من هذا القبيل. حكم قضائي، ولكن لما أتى، من أجل عقوبة ليست هي عقوبة ضد الردة لأنه فمن شاء. فليؤمن ومن شاء فليكفر لأنه لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي. وعليه، فلو ارتد أحدهم، ما جزاؤه في الشريعة؟ ارتد فقط هكذا، ليس فيه إرجاف ولا شيء، جلس في بيته وسكت هكذا، هو مرتد مع نفسه هكذا خلاص. فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر، أخضع له
لماذا لماذا؟ لكن لو أنه أصبح كوّن جماعة، نعم، هذا هو الإرجاف يا مولانا. هذا هو الإرجاف. أصبح هو المرجفون في المدينة. نريد أن نفهم يعني المرجف الذي في المدينة سيُقتل، سيُحكم عليه قضائياً أيضاً وسيُقتل. وحتى هذا لم يجعله لعموم الناس، بل جعله لحضرة القاضي يحكم عليه أولاً بالردة، وثانياً يا بني، عليه القتل، هذه هي الحكاية، ولذلك عندما قالوا: افترض أن شخصاً وكذا إلى آخره، حتى من المرجفين هؤلاء، قوم يقول لك ماذا؟ فيُحبس وتُزال شبهته. يعني ما قصدك؟ هل قصدك يا ترى أن تهجم على هذا الدين وعلى هذا المجتمع بالباطل؟ فهذه تصبح خيانة عظمى، وإلا... أنت تقصد أنك تُصلح ولكنك لا تعرف كيف تعبر. فيقوم القاضي بمناقشته لعله يهتدي ولعله
يرجع، فإذا رجع، خلاص عفا الله عما سلف، وإذا أراد أن يسير في طريق الفساد في الأرض، يأخذ عقوبة المفسدين في الأرض. ليس الارتداد فقط، الجزء منها الارتداد، نعم، هذا هو الالتباس، أن هو... لا، نحن يجب أن نفهم. بمجرد أن يقول عنها الإمام القرافي فهو ضال مضل الذي يريد أن يجرد الأمور في غير ما هي مجردة. يعني الآن هذه مقيدة بشروط وأنت تريد أن تخرج عن الشروط فتكون أنت الذي خرجت عن الشرع. ولذلك هذا حال ما ذُكر في حد الردة. نعم في باب الحدود، نعم، في حد في الردة لا يثبت إلا بالقضاء. نعم، في حد للردة لا علاقة له بحرية الاعتقاد. "لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي"، هذا له علاقة
بالحفاظ على المجتمعات وأنظمتها وعدم الإرجاف فيها. فعندما تأتي الجماعة الإرهابية وتقول لك نحن لسنا مرتدين، حسناً... الحمد لله، لكننا مرجفون. لماذا ستُقتلون؟ لأنكم فعلتم ما يقتضي القتل. وحكم قضائي الذي هو الرجف (الإرجاف)، وليس الارتداد، لأنهم ليسوا مرتدين. إنهم يشهدون طوال النهار أن لا إله إلا الله هكذا وما شابه، ويشوهون صورة الإسلام. نعم، لكن القتل للإرجاف وليس للردة، ولذلك المرتد المرجف سيُقتل. فماذا عن المسلم المرجف الذي سيُقتل بحكم قضائي؟ إن ما حدث هو أن الأمور أصبحت أوضح من الواضحات وأبين من البينات، وهذا مثال على قوله تعالى "لِمَ تلبسون الحق بالباطل وتكتمون الحق وأنتم
تعلمون". لكن للأسف، الحقيقة أنه في عصرنا هذا انتشرت الدراسة السطحية، وانتشر أنهم في الحقيقة لا يعرفون أمر ما يشاهد مباشرة، هذه أطراف أخرى يا مولانا، أطراف أخرى من بين أدعياء وأعداء، كلهم ليسوا فاهمين، ليسوا فاهمين، ليسوا فاهمين، ولذلك نحن مطمئنون على إسلامنا لأنه لا يبقى إلا الحق ولن ينتصر في النهاية إلا الحق، أما كل هذه الضجة والشبهات والذهاب والمجيء فإنه لن يبقى. في الأرض وتوضح الواضحات من المشكلات يا مولانا، طبعاً، نعم، اسمح لي مولانا أن أقرأ مداخلة السادة المشاهدين. برأيك ما المقصود من مبدأ "لا إكراه في الدين"؟ يقول سيزيسر: المقصود أن يكون الدخول في الدين اختياراً لا إجباراً، لأن مناط التكليف قائم على الإرادة والحرية والقدرة والاختيار. الأستاذ نديه صار. أي أن الدخول
في الدين يكون بإرادة الشخص دون إجبار وبكامل حريته، وهو ما ينفي تماماً أن الإسلام انتشر بالسيف. أشكر كل من انضم إلينا عبر الفيسبوك، مولانا الإمام صاحب الفضيلة الدكتور علي جمعة وأعضاء هيئة كبار العلماء بالأزهر. شكر الله لكم دائماً يا مولانا، شكراً لكم، دمتم في رعاية حفظك الله وأمنك إلى
اللقاء. اشتركوا