والله أعلم| حقيقة الإصلاح الديني ودوره في مواجهة الفكر المتطرف| الحلقة الكاملة

ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير. أهلاً بكم في "والله أعلم" لنسعد دائماً ودوماً بصحبة صاحب الفضيلة مولانا الإمام الأستاذ الدكتور علي جمعة، أحد كبار العلماء بالأزهر الشريف، لنسأله السؤال الملح وسؤال الأزمة كما يُقال: كيف نواجه الفكر المتطرف؟ مولانا الإمام، أهلاً بفضيلتكم. أهلاً ومرحباً، يعني السؤال المحوري... وبعد ما تعرضنا لكل هذه المشاهد وهذه الأمور التي أساءت إلى
الإسلام بشكل كبير، كيف نواجه هذا الفكر؟ ما حقيقة الإصلاح الذي يجب أن يكون لمواجهة هذا الفكر؟ بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. بدايةً نريد أن نعرف مثل هذه... المصطلحات التي شاعت وذاعت واختلطت عند استعمال الكاتبين لها كلمة تجديد وكلمة إصلاح وكلمة اجتهاد. كل هذه الأمور قد تصلح ولكن في الحقيقة يجب علينا ونحن نستعملها أن نراعي، لأن بعض الناس تتكلم بالإصلاح وكأنه تجديد، أو بالتجديد وكأنه إصلاح، أو ترفض أو تقبل، وكل هذا في ما يمكن أن... نسميه المفاهيم الفوضى، فيجب
علينا أولاً أن نحدد المفاهيم. وأول تحديد لهذه المفاهيم أن نقول يعني ليس التجديد هو الإصلاح يا مولانا. في الاستعمال قد يستخدم بعض الكاتبين هكذا، لكن هذا خطأ. الإصلاح لا بد عليك أن تفترض أن من كان قبلك كان مخطئاً، نعم الإصلاح، يعني أنني أتيت. على خطأ وأريد تصحيحه وأريد إصلاحه، لماذا؟ لأنه فاسد، إذاً الإصلاح يستلزم منه أن هناك شيئاً فاسداً ولو كان عنصراً واحداً. أن هناك شيئاً فاسداً فيما أتى في النظام الذي ورثناه، فيجب علينا أن نصلحه. فهذا جانب، أنا لا أدخل الآن في هل هو فاسد فعلاً أو ليس. لا أتطرق
الآن إلى ما إذا كان يجب علينا أن نصلح هذا الفاسد أو أننا ينبغي علينا أن نفعل أشياء أخرى وأن نتجاوز كل الماضي بما فيه من فساده وصلاحه وما إلى ذلك. لا أدخل في هذا، لكن الإصلاح معناه أنني سأصلح شيئاً فاسداً فيما ورثته وأخذته ممن كان قبلي. من آباء وأجداد، أما التجديد فلا. التجديد هو القيام بواجب الوقت. ماذا يعني القيام بواجب الوقت؟ يعني عندما كان الشيخ الدردير موجوداً قام بواجب وقته، صاحب الخريدة البهية. لكن هذا الذي قام به الدردير قد لا أستطيع أن أقوم به الآن. الحاكم علي بك الكبير الذي كان في أيام ومواقف الدردير معه قد لا تكون هي ذاتها مواقفنا مع حاكمنا الحالي إطلاقاً،
ولا مواقفي مع هذا الحاكم، ولا معنى الدولة الحديثة والدولة التابعة الذي قد تغير مع الزمان. فالشيخ الدردير توفي سنة ألف ومائتين وخمسة، أي توفي قبل الحملة الفرنسية بمدة، يعني مضى على وفاة الشيخ الدردير مائتا سنة بعد مائتين وخمسة وثلاثين سنة تغيرت الدنيا، فما فعله الدردير لا أستطيع أن أفعله الآن أو يجب ألا أفعله الآن، فماذا أفعل الآن؟ آخذ مرادات وأهداف الدردير وأحاول أن أنفذها. ماذا كان يريد أن أريده إلا الإصلاح ما استطعت؟ حسناً، إذن أصلح الفاسد وأيضاً أن أعيش عصري وأن أخدم. إنني أريد أيضاً أن أكون هكذا، أنفع العباد والبلاد،
وكان يخاطب الناس على قدر عقولها. أريد أيضاً أن أكون هكذا، خاطبوا الناس على قدر عقولهم. نحن معاشر الأنبياء أُمِرنا أن نخاطب الناس على قدر عقولهم وإلا كان فتنة عليهم. أريد أن أكون مثل الدردير في علمه وفي دقته. في تقواه وليس في مواقفه وطريقته، فهذا هو نوع من التجديد وليس إصلاحًا، لأن كل ما فعله الدردير في اعتقادي كان صوابًا. ولماذا لا تُقلد لاختلاف الزمان، ولاختلاف المفاهيم، ولاختلاف الأحوال، ولاختلاف موازين القوى في العالم، ولاختلاف أوضاع الناس في عالم الأفكار، وهكذا. إذًا أنا أمام مصطلحين: الإصلاح والتجديد. هناك أيضاً مصطلح ثالث يفيدنا في ما نحن
فيه في كيفية مقاومة بلاء هذا التطرف والإرهاب والإرجاف وكل هذه الأشياء، ما هذا الثالث؟ إنه الاجتهاد، لأن كثيرين يميلون إلى التقليد ويعجزون عن الاجتهاد فيحاكون أو يريدون سحب الماضي على الحاضر والمستقبل. كأن الماضي هذا لحاف ويأتون متغطين به اليوم، وأي أيضاً وغداً وسينفع وسيصطدم بما يضيع المقاصد الشرعية وما يضيع المصالح المرعية وما لا يراعي المآلات المعتبرة وما يسبب الخروج عن هدف الشريعة وروح الشريعة ومراداتها فيؤدي إلى فساد عريض في الأرض كما ينبه
على ذلك القرافي وكما ينبه على ذلك غير واحد من العلماء منهم الشاطبي ومنهم ابن تيمية ومنهم منه كثير جداً من العلماء نبّهوا على هذه المفارقة أن لا يعيش الإنسان عصره ولا يخدم مصره، فتلك مصيبة كبرى لأنها ستضيع الدين والدنيا معاً. هذه هي القضية، أريد عند البداية ونحن نتحدث أن نفرق بين الإصلاح الذي قد نكون في حاجة إليه وما بين التجديد الذي نحن قطعًا في حاجة إليه، وما بين الاجتهاد الذي نحن بالتأكيد في احتياج إليه حتى نصل بهذه المنظومة الإصلاحية التجديدية الاجتهادية للإحاطة بالفكر
الإرجافي الإرهابي المتشدد المتطرف الذي يخرج عن مفاهيم أهل السنة والجماعة. إذًا بعد تحديد هذه المفاهيم، وبعد وضع الأهداف المرجوة، كيف تكون هذه المواجهة؟ هذا هو المعنى. المواجهة فاصل ونعود إليكم، ابقوا معنا. أهلاً بحضراتكم مولانا الإمام. بعدما تفضلت فضيلتك ووضعت لنا تحديد المفاهيم، لأنه لا بد من الانطلاق من هذه المفاهيم التي حددناها، كيف تكون هذه المواجهة ومعنى المواجهة وأبعادها ومراتبها عندما آتي لأولئك المتطرفين وأدرسهم في أماكن مختلفة، وعندنا
نماذج كثيرة من هذا التطرف والانحراف. لدينا نموذج يُسمى نموذج الإخوان المسلمين، ولدينا نموذج يُسمى نموذج القاعدة وأخواتها، ولدينا نموذج يُسمى بنموذج الدولة الإسلامية والدولة الإسلامية منه براء وهي داعش، ولدينا نموذج في الأفكار الباطلة التي يتبناها بعض المسلمين مثل ما يُسمى بالقرآنيين وإنكار السنة، كل هذا سيؤدي في النهاية إلى التطرف عندما نراه في الواقع. إن هناك إرهاباً وإرجافاً من الذين ينتمون إلى الإسلام، وأن هناك إرجافاً وإرهاباً من الدول مثل ما تقوم به دولة إسرائيل من فساد في الأرض ومن حرب للبشرية يتمثلون
فيها النازية والعياذ بالله تعالى. كل هذه الأشياء يجب أن ندرسها، فدرسناها وجمعناها وتعمقنا في أدبياتهم وعرفنا عللهم. هذه أول خطوة. وقد انتهينا منها والحمد لله رب العالمين فوجدنا أن هؤلاء الناس يفهمون النص فهماً خاطئاً بسبب عدة أمراض قائمة فيهم، فينظرون إلى النص وما النص إما أن يكون نصاً مقدساً كالكتاب وكالوارد في السنة المشرفة الصحيحة، وإما أن يكون اجتهاداً من المفكرين والعلماء المسلمين عبر القرون، يفهمون هذا خطأً ويفهمون خطأ، لماذا؟ لأنهم، أولاً، عندهم تجزئة.
يعني إذا: "أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا". ربنا نبهنا على السياق والسباق واللحاق، وأننا نقرأ النص كاملاً كالجملة الواحدة. يا مولانا، كما تشير، كالجملة الواحدة، ليس انتقائياً، وليس انتقائياً، ولكننا وجدنا البلاء. الكل منهم من يجزئ الفهم، ومنهم من يجزئ الفهم رقم اثنين أنه يحكّم الهوى. قال: "أنا أريد أن أفعل كذا". ابتداءً، نحن لا نفعل هكذا، بل نذهب إلى الكتاب والسنة وننظر بماذا يأمروننا ثم نفعل، لكنه قال: "لا، أنا أرغب في إقامة الخلافة وأرغب في التحكم في الدولة حتى تصلح
وأرغب أن أتزعمكم فأعلمكم. قلنا له: نعم، لكننا لسنا هكذا، نحن نذهب أولاً إلى المحجة البيضاء التي ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، ونسألها: يا رسول الله، ماذا نفعل لو أن الخلافة انتهت؟ فيقول: إذا كان في الأرض إمام فالزم الإمام ولو ضرب ظهرك وأخذ مالك من قصّين. هو يا رسول الله الذي سيضرب ظهري ويأخذ مالي هذا يعني رجل صالح؟ قال لي: أنا قلت لك اتبع الصالح، لكن هذا أنت لازم تتبع الإمام حتى لو كان طالحاً ولو ضربك وفعل بك هكذا. الله له التقديم للصالح العام على الصالح الخاص، لماذا؟ لأن ظلم غشوم ولا فتنة تدوم
يقولونه على العكس يا مولانا، إنه يقول لك فتنة تدوم، هذا لم يقل به عاقل، لا مسلم ولا غير مسلم. فالمهم الحاصل هنا، ما معنى التجزئة والهوى؟ من أين يأتي الهوى؟ إنه يريد أن ينطلق من نفسه فيفهم النص كما يريد. حسناً، ما هو الأمر الثالث؟ أنه ظاهري، ما معنى أي أنه يبحث عن المسائل لا عن المناهج، أي أنه مفتقد ما يسميه أهل العلم بالتجريد. فطوال تاريخ المسلمين كانوا ينظرون إلى الكتاب وينظرون إلى السنة ويتعمقون فيها ويجردونها، يجردونها من ماذا؟ من الجهات الأربع: من الزمان، من المكان، من الأشخاص، من الأحوال، ويتوصلون بذلك إلى ماذا؟
إلى منهج فهم، يغوصون إلى المناهج ويأخذون المنهج هذا ويضعونه في صورة قاعدة تصلح لأن تكون في كل الأبواب أو ضابط يصلح لأن يكون في باب واحد. واسمعوا، هذا العلم بالأشباه والنظائر، واتسع هذا العلم وسيطر على العقل المسلم حتى استطاع أن يطبق المطلقة في النسب مسترشداً بالتطبيق المعصوم الوحيد وهو تطبيق الرسول. الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهنا تأتي خطورة إنكار السنة في أنك ستنكر التطبيق المعصوم. ولذلك ليقل من شاء ما شاء، وبذلك يكون هناك إسلامات، وهم يحركون منذ زمن على وجود إسلامات. وإذا وجدت إسلامات فلن نتفق، ويصبح كل واحد يغني على ليلاه، مما يعني إذكاءً للصراع.
وللتفريق وجدنا فيهم ضحالة في الفكر، وجدنا فيهم جهلاً باللغة العربية، وجدنا فيهم عدم إدراك بات للواقع ولقواه، وجدنا فيهم تخلفاً كبيراً لإدراك المآلات والمصالح والمقاصد، وجدنا فيهم... ما هذا؟! كل هذه العلل درسناها وبحثناها ووضعناها في برنامج. ما هي سماتهم الشخصية؟ ما الأسباب التي أدت بهم إلى هذا؟ كيف تكون إلى آخر ما هنالك، واستخرجت أربعين صفة للسلوكيات الخارجية، وصفة للعقلية، عشر صفات للعقلية، وعشر صفات للسلوكية، وعشر صفات للنفسية، وعشر صفات للقضايا الكبرى التي
تبنوها، والتي من أجلها انحرف كل هذا الانحراف. أصبح لدينا أربعون بنداً، وهذه البنود الأربعون موجودة في أيدينا الآن، وكل شيء حسن. كيف سنقاوم إذاً؟ كيف تمت المواجهة بشكل عملي وبشكل نموذجي قدمه فضيلة مولانا الدكتور علي جمعة؟ شيئان: فكري وواقعي. الواقعي تركناه للأمل. عندما يحمل شخص ما السلاح لي، يقول الحسن البصري: "لا تقل لمن حمل السيف وسار في الأسواق يقول اتقني اتقِ الله". لا يصلح أن تجادله، هذا سيأخذ هو يضربني بالنار، فردَّ عليه بالنار وكفى، لأنه خارجي، ولأنه باغٍ، ولأنه حربي، ولأنه مفسد في الأرض على أنواع مختلفة. وكل شخص فليُحبَّه. أنا ليس لي علاقة بهذه القضية. أما بالنسبة
للمعركة الفكرية، فنحن نقوم بها أساساً ليس للإقناع، إنما للوقاية، حتى لا يتم خداع الشباب. لا يضحك عليه حتى يتعلم الناس فيكون لديهم وعي. أما الذي دخل في هذا الهراء وأبجديته بالضبط، فنجادله أيضاً، لكن كم واحد منهم يرجع؟ يعني شيء بسيط. إذاً، كيف نقضي على هذا الفكر؟ أصنع لي وقاية. فالذي قمنا به إنما هو للوقاية وليس للمجادلة. المجادلة موجودة وقوية وكثيرة. منهم لكن الكثير هنا قليل يعني عشرة في المائة أو عشرين في المائة يرجع، لكن مع هذا الرجوع نحن لسنا مشغولين بهم، نحن مشغولون بأن نقي
الناس الباقين والأمم. فعندما يقرؤون هذه الأشياء يقولون: "والله، هذا الذي هم عليه ليس هو دين الإسلام إطلاقاً، ليس هذا". هو الدين الذي ورثناه وتعلمناه وعرفناه واطمأننا إليه وعشنا فيه ليس هذا دين آبائنا وأجدادنا وآبائهم وأجدادهم، ولذلك يجب علينا أن نهتم بمثل هذه السمات، أولاً: إدراكاً لحالهم، ثانياً: وضعنا خمس نقاط حول المواجهة، نعم نحن نقول المواجهة الفكرية أولاً، المنهجية ثانياً، المعرفية ثالثاً. النموذج المعرفي رقم أربعة، موقفنا من التراث رقم خمسة، إدراكنا للواقع. فهذه الخمسة إذا استطعنا
أن نفهمها للناس، نكون قد قمنا بالإصلاح والتجديد واستعملنا الاجتهاد من أجل وقاية الناس من أن تقع في براثن هذا الإرهاب والإرجاف والضلالة. وهذه الخمسة هي التي تقي الناس من الوقوع بل وهي التي تهدي. الضال عن ضلاله خمس أمور تحفظهم مثل اسمك، يمكننا أن نصنع خمس حلقات فيهم: المنهجية، المعرفية، والمعرفية، النموذج المعرفي، نعم، الموقف من التراث، نسق الإدراك للواقع. خمس أمور افتقدوها وضلوا بها وأضلوا وتكلموا عن دين لم ينزل، لم ينزله الله على سيدنا النبي المصطفى والحبيب المجتبى صلى الله عليه بل دعوا الناس إلى شيء آخر استوجب كلام
النبي فيهم "الخوارج كلاب أهل النار". مولانا الإمام، من ينادي بالإصلاح؟ أصوات تأتي لتنادي بالإصلاح من خارج المؤسسة الدينية، من خارج العلماء المعنيين والمختصين بالشأن الديني والشأن الإصلاحي والشأن الفقهي. يكون هنا بعض الأمور الواردة بالمناهج الأزهرية ما زالت تسيء للإسلام كالمفهوم. العنوان العام للجهاد في المناهج مما يطالبون به دائماً بتغيير المناهج أو تعديلها، فما صحة هذه الدعوة؟ إن هؤلاء الذين يدعون إلى هذه الدعوات وتنظيم داعش الاثنان وجهان لعملة واحدة. كيف يفهم العملية التعليمية التي يقوم بها الأزهر من لم يفهمها؟ داعش قال: "أنا فهمت شيئاً في
عقلي" والآخر المعترض وأنا فهمت الذي فهمته، داعش ليست صحيحة ولا هو صحيح لأن الواقع غير ذلك. قديماً عندما جاء بعض الإخوان ليأخذوا مني شيئاً، الإخوان أونلاين، قلت لهم: "الإخوان وعلمانية وجهان لعملة واحدة". قالوا: "كيف؟" قلت لهم: "لأنهم يصفون الإسلام بما ليس فيه". الشخص الذي يصف الإسلام بأنه يقهر المرأة. ويقول لهذا السبب أنني لست مسلماً لأنني أحب المرأة أو لأنه يفسد البيئة، فيقول: والله أنا ضد الإسلام لأنه يفسد البيئة. الإخوان يقولون إن الإسلام يقهر المرأة ولذلك سنقهرها. حسناً، كلاهما يقول نفس المقولة. يا جماعة، أنتم مخطئون، أنتم الاثنان، لأن الإسلام لم يقهر المرأة والإسلام لا يفسد البيئة. والإسلام
لا يؤدي إلى انتقاص حقوق الإنسان، والإسلام لا يؤدي إلى... وهكذا. فعندما تأتي صورة خاطئة، فالبعض يقول: "من أجل هذا الخطأ أترك الإسلام"، والآخر يقول: "ولكن من أجل هذا الخطأ سأطبق الإسلام تطبيقًا خاطئًا". فكلاهما في جهنم إن شاء الله، إن شاء الله في جهنم. هذا هو ما يحدث. فنحن الآن هذا الذي يدعو ويتهم المناهج الأزهرية بمثل هذه التهم هو أصلاً يتكلم عنها بلسان داعش لكنه ضده، والآخر يتكلم عنها بلسان داعش لكنه مع داعش، وكلاهما من أهل النار. لماذا هما من أهل النار؟ لأنهم قد وصفوا الأمر على غير حقيقته. ما هي حقيقته؟ حقيقته أن العملية التعليمية من خمسة أركان: الكتاب،
والمنهج، والأستاذ، والطالب، والجو العلمي. وهذه العملية التعليمية مكونة من التعليم والتربية والتدريب، وهذا المثلث في المخمس عملية معقدة لبناء الإنسان. وإن هذه الأمثلة التي يقتطعونها كقوله تعالى: "فويل للمصلين"، وقوله تعالى: "ولا تقربوا الصلاة"، لها مهام أخرى تطبيقية لتدريب الأولاد. على عدم العنف وما إلى ذلك، ولذلك عندما نأتي ونرى الواقع المعيش، نجد أنه ليس هناك من بين عشرة آلاف أستاذ في الأزهر إلا واحد فقط كان اسمه عمر بن عبدالرحمن، رحمه الله تعالى، وقد ضلّ طريقه، وبالرغم من ضلاله لم يشترك في أي عملية نهائياً، واحد. من العشرة
آلاف، يكون إذاً هذا يثبت لنا سلامة هذا البنيان. الأمر الثاني، الطلبة يا مولانا، ستة عشر ألف شخص اعتُقلوا في الجماعة الإسلامية ووُضعوا في السجون بواسطة القضاء المصري العادل. كم شخصاً منهم منسوب إليهم؟ "منسوب إليهم" تعني ماذا؟ يعني جاء عليهم هكذا. ثمانون شخصاً من الأزهر، ثمانون شخصاً. تَتَبَّعْتُ الأزهر من ستة عشر ألفاً ثمانين على ستة عشر ألفاً، فكم يكون الناتج؟ أعطِ الثمانية واحداً على اثنين، وضع الصفر مع الصفر، فيصير واحداً في الثمانمائة. ألا يستحي من يقول إن الأزهر يُربّي؟ وكذلك أن واحداً في الثمانمائة يعني ثُمناً في المائة، ثُمناً في المائة. ألا يستحي؟ وجهه وبالرغم من ذلك خذ المفاجأة أن هؤلاء جميعاً، الثمانين، اثنان منهم اشتركوا في العمليات والباقي
لم يشترك. حسبنا الله ونعم الوكيل، والله حسبنا الله ونعم الوكيل. هذا إضلال، وهذا الإضلال يجعل متخذ القرار يُشوَّش عليه. هذه هي الحكاية. يجب علينا أن نفهم أن هذا المعهد العريق له تاريخ. وكل تاريخه يصب في مصلحة الإسلام والمسلمين، إذاً لماذا يزجون دائماً بهذا العنوان المضيء، بهذا الاسم المنيف المنير على مدار العقود والقرون والسنوات، الأزهر الشريف؟ لماذا يزجون به دائماً في اتهام أنه عرى حينما سقطت الخلافة
العباسية، وما زال وحمى اللغة العربية حينما حاولوا تهنيكها وما زال. طيب، لماذا يزجون بهذه الاتهامات ويوثقون هذه الاتهامات جزافاً على هذا المعهد، أغلبهم لا يعلمون، يعني تسعون في المائة منهم لا يعلمون، إنما هو صدى صوت واحد يلقي بالمسؤولية على الأزهر، فيقوم الجميع بالقول: نعم صحيح، نعم صحيح، أين الأزهر؟ أين الأزهر؟ الأزهر يا أستاذ ليس عنده سلطة لكي يكون لديه. مسؤولية الأزهر يؤدي ما عليه على أحسن ما يكون. أتعلم أن الأزهر هذا في سنة ألف وتسعمائة وخمسين كان لدينا خمسة عشر معهداً فقط في أرض مصر؟ أتعلم أن هذه المعاهد الخمسة عشر أصبحت عشرة آلاف معهد الآن؟ هل تعلم أن هذه الخمسة عشر بالجامعة الأزهرية كانت قيمتها... كلها عشرة آلاف طالب، وتعلم أن الآن جامعة الأزهر وحدها نصف
مليون. هل تعلم أن الطلبة المنتمين إلى الأزهر مليونان، في حين أنه يوجد عشرون مليوناً في التعليم العام، يعني نحن عشرة في المائة. عندما قلت لك الآن ستة عشر ألف شخص ذهبوا في العمليات والاجتماعات وما إلى ذلك. ستة عشر ألف، العشرون في المائة منهم كم؟ ستة عشر ألف، العشرون في المائة منهم ثلاثة آلاف وأربع مائة. أو نعم، اثنان في ستة عشر بثلاثين يساوي ثلاثة آلاف ومائتي شخص. لا، هؤلاء ثمانون فقط، ومنهم اثنان فقط الذين قاموا بالعمليات. ثلاثة آلاف ومائتان منهم اثنان، فكم يكون؟ في المائة لا يوجد بح، يعني لا يوجد يا أستاذ. حرامٌ أن نعطي معلومات خاطئة تشوش الأمر على متخذ القرار. الأزهر هو
الذي حمى، والأزهر هو الذي علّم، والأزهر هو الذي نقل الإسلام للعالمين، والأزهر هو الذي ما زال يؤدي مهمته التعليمية. ليس من مهام الأزهر أن يكون أمنًا. وليس من مهام الأزهر أن يكون وصياً، إذن ما هو؟ يعني مسؤولاً عن الإعلام، ولا مسؤولاً عن الثقافة العامة، ولا مسؤولاً عن الأحوال الاقتصادية والاجتماعية، ولا مسؤولاً عن التوجهات العليا للعالم. ليس من سلطة الأزهر ولا من وظيفته هذا، هو مؤسسة تعليمية دعوية هي أعلى. مؤسسة في العالم وهي تعمل إلى الآن، القرويين لا تعمل إلى الآن، الزيتونة لا تعمل إلى الآن، لكن الأزهر يعمل إلى الآن وبزخم علّم
العالم ونقل هذا الإسلام في المشرق والمغرب من طنجة إلى جاكارتا ومن غانا إلى فرغانة، فكيف يقال هذا على الأزهر الشريف، والأزهر يعني ماذا؟ قم. في فم الدنيا وحي الأزهر، نعم، سننهض في قلب الدنيا وسنحيي الأزهر، المنهج الأزهري، العلماء الأزهريين، الكيان الذي فعل هذا. أما إذا ضل واحد من هنا أو خرف واحد من هناك فتلك قضية أخرى، هذا هو الشذوذ الذي يثبت القاعدة. وعندما يأتي شخص مثل يوسف القرضاوي، فهو مخرف والله قد عليه بالخَرَف فذهبوا حاملينه حتى من الشيء الذي صنعوه هذا اتحاد علماء المسلمين. اتحاد علماء المسلمين منذ يومين يتحدث عن خاشقجي فيقول لك هشام خاشقجي الذي قتلوه. هشام مَن؟ كررها خمس أو ست مرات. قالوا له: حسناً، لا بأس، ماذا يعني؟ لا تأتنا
مرة أخرى، لا ترشح نفسك، لا... ترشح نفسك، فما رُشِّح، هل أنت منتبه؟ انظر ماذا فعل الأزهر؟ أخرجوه من هيئة كبار العلماء وطردوه خارجاً مبكراً عندما وقف ضد بلده وضد أهله، وعندما أمر بالمنكر ونهى عن المعروف. أليس هناك عالم يضل؟ فإبليس كان عالِماً، وكان طاووس الملائكة، ولكن عندما أبى واستكبر لُعِن ورُجِم. وبعد فاذهب من هنا فإنك رجيم مرجوم يعني وأن عليك اللعنة إلى يوم الدين. هذا هو الأزهر، هذا شيء آخر، الأزهر هذا شيء، أتفهم كيف؟ شيء جميل. والأزهر جزء لا يتجزأ من الهوية المصرية. مولانا
دائماً في أسئلتك التي يسألك فيها الصحفيون في أعقاب بعض المؤتمرات تقول الرسالة العامة والتبديد حينما تظنون أنه تجديد، فكيف نفرق بين هذين المعنيين ونتنبه إلى خطورة عدم التفريق؟ التجديد له قواعد، التجديد مبني على علم، التجديد له خطوات مثلما قلنا سنتحدث عن المنهجية وعن المعرفية وعن النموذج وعن التراث وعن الواقع. له خطوات وقواعد، لكن الثاني شذر مظهر، الثاني ليس له برنامج. هذا التبديد يكون تبديداً دائماً ما دام مُتشتتاً مُفرقاً، وما دام لا يسير وفق قواعد، وما دام لا يسير وفق علم، وما دام لا يسير وفق برنامج، فيكون تبديداً لما نبنيه. ولذلك تجد أن أي اثنين لم يتفقا
على كيفية هذا التجديد. منهم أننا لدينا برنامج لهذا التجديد يُصلِح التعليم، وهو أيضاً خطوة في إصلاح الثقافة العامة، وأيضاً هو خطوة في الإصلاح. والتجديد بمعنييه أن هناك خللاً حدث في الماضي فنزيل هذا الخلل، وأن هناك عصراً يجب أن نقوم بواجبه حتى لو لم يكن هناك خلل في الماضي. هذه هي القصة. الاجتهاد في الأزهر منذ بداية القرن العشرين، وقد بدأ في عملية واسعة من الاجتهاد كان يدعو إليها محمد عبده، وكان هناك من يستغرب هذا لكنهم يحترمونه.
فعندما بنوا قاعة المؤتمرات الكبيرة الخاصة بهم سمّوها قاعة محمد عبده، فكانت له العربية بالدراسة اعترافاً منهم بهذا العالِم الكبير. وكان الخديوي غاضباً منه أمور شخصية بينه وبينه هكذا في الأوقاف وفي الأمر المتعلق بعباس حلمي الثاني، عباس حلمي رحمه الله جميعاً، فأرسل من الخاصة الخديوية وقال له: "اذهب إلى الشيخ الببلاوي واجعله لا يصلي على محمد عبده، ليعتذر". فصاح الخاصة الخديوية، جاء وجلس وقال: "سموه يقول لك لا تذهب للصلاة على محمد عبده". حاضر اجلس هكذا فقط. اشرب القهوة واشرب ما شربوه. هكذا أذَّن الظهر، هم سيصلون على الشيخ محمد عبده في الأزهر بعد الظهر. قالوا: هيا بنا يا أولاد. قالوا: الخديوي قال لهم:
قل له حاضر، قل له حاضر. وذهب الشيخ الببلاوي هو الذي صلى على محمد عبده. ما معنى ذلك؟ هذا الكلام، الشيخ الببلاوي لم يكن بينه وبين محمد عبده خصومة، يعني نعم، لكنه إمام من أئمة المسلمين. الرمز، فكرة الرمز يا مولانا، فكرة التعددية والاختلاف. أنا أشترك مع محمد عبده في عصبية تسمى عصبية الأزهر الشريف، لكنني مختلف معه في المذهب، مختلف معه في التوجه، مختلف معه. في الترتيب لا ضير، ولكنه قام وصلى به، وما تفعله افعله يا خديوي. لم يرضوا، إنهم يحبون بعضهم البعض وإن كانوا مختلفين في التوجهات. دائماً ما علّمنا
الأزهر التعددية. إن الشاب المنتمي لداعش والمنتمي لواغش والمنتمي للإخوان لا يعرفون ذلك، يعرفون فقط أن يقولوا لك: حسناً، انوِ واتجه نحو واحد، طريق الذين ذهبوا غير عائد، فنحن لسنا هكذا في الأزهر. فيه تعددية وسعة وبصيرة. يأتيني الرجل ويقول: "والله أنا عندي فكرة جديدة هكذا وأريد أن أعرضها"، فأقول له: "تفضل" ويعرض كذا وكذا فأقول له: "لكنني لست مختلفاً معك، والخلاف في الرأي لا يفسد للود قضية". قضية وتستمر الأمور هكذا بحلاوة وما إلى ذلك، لكن بهذا الشكل، يعني فقط العقلية تحتاج إلى تغيير بماذا؟ بالخمسة التي ذكرناها هؤلاء. لكن هؤلاء يحتاجون إلى مواجهات بماذا؟ بأن نسعى إلى تحويل هذه الخمسة إلى دراما، تحويل هذه الخمسة إلى خطاب عام، تحويل هذه الخمسة إلى إعلام يساعد بالتحويل. هذه
الخمسة إلى مناهج تعليم نستطيع بها التعايش إلى آخره، هذا رأينا وهو أفضل ما عندنا، ومن أتى بأفضل منه قبلناه. هكذا تعلمنا من علمائنا الربانيين أصحاب الفضيلة، مولانا الإمام الدكتور علي جمعة، وشيوخي الكبار من العلماء بالأزهر الشريف. شكر الله لكم وغفر الله لكم ورضي الله عنكم دائماً، شكراً دمتم في رعاية الله وأمنه، إلى اللقاء،