والله أعلم| فضيلة الدكتورعلي جمعة يتحدث عن ثقافة الموت عند المتطرفين| الحلقة الكاملة

بسم الله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي يقول إنما أنا رحمة مُهداة، صدق سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. ويقول شاعرنا: أتيت والناس فوضى لا تمر بهم إلا على صنم قد هام في صنم. وماذا حدث لهذا العالَم بعد مجيئه يا
فضيلتك؟ أهلاً مرحباً بكم، إذا كان نبينا وسيدنا وإذا كان علماؤنا الأكابر وإذا كنتم أصحاب الفضيلة دائماً تنشرون بيننا ثقافة الرحمة والتراحم، يأتي المتطرفون ليؤكدوا دائماً على الموت وثقافة الموت ويرفعون هذا الشعار "الموت في سبيل الله أسمى أملنا"، كيف نرد عليهم؟ كيف فهموا هذا الدين؟ بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله. والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. حتى نعلم الإجابة على السؤال الأول، نجيب على السؤال الثاني وهو ما الذي حدث لهم حتى يفهموا هذا. هذه نظرية بعد دراسة لكل ما كتبوه والأدبيات وتتبعها وتاريخهم ابتداءً من سنة ألف تسعمائة
ثمانية وعشرين ثم ما تتالى من... أجيال متتالية بعد ذلك في شأنهم تبين أن هناك ما يسمى بالهرم المقلوب هو السبب الذي تسأل عنه وهو السبب الذي تبحث عنه. ما الذي حدث؟ إذا كان الله سبحانه وتعالى يبدأ ويقول: "بسم الله الرحمن الرحيم"، لم يقل "الرحمن المنتقم"، ولو قال لقلنا إنه هذا بين الترغيب والترهيب، جائز. لكنه قال الرحمن الرحيم يعني جمالاً في جمال، إذا كان النبي صلى الله عليه وسلم وصفه ربه فقال: "وما أرسلناك إلا" وهذا أسلوب اسمه القصر والحصر "رحمة للعالمين"، ولم يقل للمسلمين ولا للمؤمنين، وإنما للعالمين. إذا كان الله سبحانه وتعالى يجعل رسوله يقول إنما أنا رحمة مهداة، إذا كان الأمر... كذلك، فما الذي حدث؟
ما الذي أخرج لنا هؤلاء الناس بهذه القسوة، بهذا التخلف، بهذه الهمجية، بهذه المفاهيم المغلوطة؟ لماذا؟ لأنهم ظنوا أن هذا الأمر الذي هم عليه إنما هو ذاته صحيح الدين، وهو الذي سيدخلهم الجنة. وكيف فهموا هذا بالهرم المقلوب؟ عندما اصطادهم الصياد عن طريق الإنترنت عن... سلك الجماعات طرقاً كثيرة ووقعوا في هذا الشرك، وقعوا في هذا الشرك حيث درسوا آية "واقتلوا المشركين حيث ثقفتموهم" وأصبحت هذه هي قاعدة الهرم عندهم. بعد ذلك أصبحوا يأتون بالأمور بالمقلوب،
فتكون "بسم الله الرحمن الرحيم" في الآخر في قمة الهرم، فتصبح "بسم الله الرحمن الرحيم" هذه لها معنى آخر. ما هذا؟ شيء غير أساسي! إذاً ما هو الشيء المهم؟ يعني أنا أرحم نفسي وأرحم ابني فقط وكفى. ليست شيئاً يُبنى عليه العالم. ماذا حدث لنا؟ ماذا جرى؟ قضينا سنة ندرس في "بسم الله الرحمن الرحيم" هذه في العلم، في العلم، في البدايات، حتى مَلَّ بعضنا. لا شيء إلا بسم الله الرحمن الرحيم، أليس كذلك؟ في العلم من خلال بسم الله الرحمن الرحيم عرفنا البلاغة، من خلال بسم الله الرحمن الرحيم عرفنا العقيدة، من خلال بسم الله الرحمن الرحيم
عرفنا المنطق، من خلال بسم الله الرحمن الرحيم عرفنا الأصول، من خلال بسم الله الرحمن الرحيم عرفنا من خلال بسم الله الرحمن الرحيم عرفنا ماذا؟ من خلال بسم الله الرحمن الرحيم، لدرجة أن بعضهم ملّ وضجر بعد خمسة أو ستة أشهر، لا يوجد إلا بسم الله الرحمن الرحيم. إنما عرفنا النحو والصرف واللغة، ما هذا الكلام! ونحن نقرأ وجدنا محمد عبده رضي الله تعالى عنه ورحمه. كيف وقع الله في هذه الحكاية؟ جاء ليدرس فمكث في "بسم الله الرحمن الرحيم" ستة أشهر، ثم ذهب وفرّ من الأزهر، هرب. وكان خاله رجلاً متنوراً وأحد علماء الأزهر،
فلما هرب لم يرد العودة إلى البلد محلة نصر أو محلة كذا، فعاد إلى خاله ذلك الرجل المتنور. ماذا يا بُنَيّ؟ قال له: لا، انتبه، أنا لستُ فاهماً شيئاً. هؤلاء جالسون يشرحون لي "بسم الله الرحمن الرحيم" منذ ستة أشهر في علوم متعلقة بها، وأنا لا أفهم ما هي القصة. فجلسوا وبدأوا يشرحون له أن هذه مدخل لكيفية إدخال العلوم في هذا الوقت. الذي كان محمد عبده يشتكي منه كان أيضاً زملاؤه يشتكون منه، فذهب الشيخ محمد عليش وألّف كتاباً اسمه "حكم البديع في شرح بسم الله
الرحمن الرحيم" يتناول العلوم المختلفة، فيقول لك: علم المنطق، علم الأصول، علم الفقه، علم كذا، علم كذا، علم كذا، يشرح فيها جميعاً معنى "بسم الله الرحمن هي مدخل حقيقي ورئيسي لكل هذه العلوم يا مولانا. هكذا جعلها المسلمون عندما فهموها. المسلمون هم الذين أسسوا هذه العلوم وجعلوا منطلقها "بسم الله الرحمن الرحيم". هذا هو الفرق. من يستهين بهذا الفرق ويقول: "لماذا ستة أشهر؟" هذه كلمة وردت غطاها "بسم الله الرحمن الرحيم"، فإنه سينتج لنا داعش. ودعاة الإسلام وجماعة الإخوان المسلمين والإرهابية والملكية إلى آخر هذه الفوضى التي نحن فيها، فنحن تعلمنا أول قاعدة، وقاعدة الهرم هي الرحمة التي تأتينا من الأساس،
فعندما نأتي بعد ذلك إلى قوله تعالى "وقاتلوا في سبيل الله" سنفهمها بشكل صحيح وسنكون مستنيرين، وستُفهم في موضعها الصحيح. لأن الشخص المتعصب يقرؤها عرفت أن "بسم الله" - كل حرف له معنى، فأصبحت لدي ملكة أن أقول: "ما هذه؟" و"قاتله الله" وليس "واقتله"، و"قاتله ما هو لا يعرف اللغة العربية يا مولانا". حسناً، ما هذا؟ لقد عرفتها هناك والتفت إليها من هناك. هناك. وقاتل في سبيل الله يعني ليس وقاتل فقط، بل لابد أن يكون في سبيل الله. قِضْ، أَخْرِجْ،
وأدخل. ما معنى قِضْ وما معنى أَخْرِجْ؟ لقد تعلمتها هناك وأنا جالسة أقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم، الذين يقاتلونكم. إذاً هم الذين يأتون لقتالي، لست أنا الذي أذهب لأفجر وآخذ الإيزيديين وأضرب الآشوريين المسيحيون وأفجر البوذيين، لا، هم الذين يأتون ليعتدوا على ذاتي، فربنا أذن لي أن أدافع عن نفسي. أنا في مقام الدفاع عن النفس وعن الأرض، وعن "الذين يقاتلونكم"، أليس كذلك؟ ولا تعتدوا. الله لم ينتبه لي هكذا وقال: لا، هم الذين اعتدوا. كيف؟ إنه أصل... نحن استُعمرنا يا جالا، مَن الدول التي استعمرتنا؟ هذا الاستعمار كان في القرن التاسع عشر. فحبيبي،
ليسوا هم الذين استعمروك، ولا تزر وازرة وزر أخرى. فمن أين أتت كل هذه الفوضى؟ من قاعدة الهرم. ما هي قاعدة الهرم؟ أهي "واقتلوا" أم قاعدة الهرم "بسم الله الرحمن الرحيم"؟ فهنا نشأ الفرق النص ومفهوم النص. الفرق ما بين النص وبين الواقع. إدراك الواقع. الفرق بين النص وبين الواقع مع الصلة بينهما. أصبح هنا شيء وهو شيء آخر. هذا ما حدث. إذا الهرم المقلوب أورث
فكراً مغلوطاً، فكراً تكفيرياً، فكراً تفجيرياً، ثقافة الموت. فاصل ونعود إليكم. ابقوا معنا. أهلاً بحضراتكم مولانا الإمام. إذا أكدت لنا أن بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم ارزقنا بركاتها وأنوارها يا رب العالمين، كانت المدخل لكل هذه العلوم. كانت الأساس الذي بنى عليه العلماء كل هذه العلوم. أيضاً "بسم الله الرحمن الرحيم" عرفتكم الحديث المسلسل بالأولية، وكان في البدء أيضاً في التعليم الأزهري. المسلمون عامةً والأزهر خاصةً تشبعوا بمراد. الله الذي ظهر في القرآن وظهر في الحديث وظهر في تفكير المجتهدين وظهر في التطبيق تشبعوا به، أتعلم مثل الإسفنجة عندما توضع في الماء فتتشبع به، هكذا فعلوا. فعندما أرادوا اختيار حديث ليجعلوه أولاً يبدؤون به الكلام، بدؤوا بحديث آية الرحمة،
فأصبح كل شيخ حينما يجلس في الدرس. يريد أن يعطي السند للأولاد الذين ينتمون إليه وتلاميذه. يبدأ بحديث الرحمة، فسمى المسلسل بالأولين. لماذا؟ لأن الشيخ أول ما قال لي قال لي هو الحديث هذا الشيخ الخاص به أول ما قال له قال له الحديث هذا، ونحن في سلسلة بيني وبين سيدنا رسول الله، في هذه السلسلة اثنان عندهم تماماً ما ليس لديهم، نعم هذه هي المشكلة، مظهر المقلوب. فأنا رويت الحديث المسلسل من قبل الأولاد من مشايخ المشايخ، هؤلاء كم شيخاً؟ أنا عددت منهم خمسة وعشرين شيخاً، منهم السيد عبد الله بن الصديق الغماري. هل انتبهت؟ عبد الله بن الصديق الغماري هذا أول شيء قاله لي ونحن ليس "إنما الأعمال بالنيات" أول شيء
قاله لي ونحن في درس الحديث، وليس "كل أمر لا يبدأ فيه بحمد الله فهو أبتر" أول شيء قاله لي في الحديث، وليس هو حديث جبريل الذي جاء ليعلم الأمة الإيمان والإسلام والإحسان، لا، أما أول شيء فماذا؟ عن عبد الله بن... عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "الراحمون يرحمهم الرحمن تبارك وتعالى، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء" بسكون الميم "يرحمكم من في السماء" بضم الميم. أول حديث. فلنجلس الآن ونفكر، هذه الأولوية من عند مَن بدأت؟ من الذي من هذا الذكي جداً الذي ذهب ليخترع أن
يكون أوله سفيان بن عيينة؟ من هو سفيان بن عيينة هذا؟ إنه إمام من الأئمة المجتهدين أصحاب المذاهب. سفيان بن عيينة وسفيان الثوري يُسمَّيان السفيانان، أصحاب المذاهب. ماذا يعني ذلك؟ يعني مثل الشافعي لكنه كان سابقاً عليه، يعني مثل مالك وهكذا بعد أن رأى سفيان الثوري أبا حنيفة وسفيان بن عيينة، فهؤلاء هم الذين ابتكروا هذه المسألة. ابتكروها عندما حدث ماذا؟ عندما تشبعوا بالإسلام وفهموه وأدركوا الواقع وعرفوا كيف يصلون وبنوا حضارة الله. الحضارة بدأت يا سيد حسن بعد أن قضوا على الخوارج، بدأت الحضارة الإسلامية. ظللنا نهاجم الخوارج ويهاجموننا منذ سنة سبع وثلاثين هجرية إلى سنة اثنتين وثمانين هجرية.
بعد اثنتين وثمانين بدأت الحضارة تظهر: العمارة والفنون والآداب والخط العربي والدنيا كلها، وكذلك العلوم والاستقرار وعلوم الكونيات. كل هذا حدث بعد اثنتين وثمانين. أتعلم ماذا لو كنا دخلنا في نطاق الخوارج ولم نعرف؟ نخرج وكأنه لم تكن هناك حضارة ولم يكن هناك أي شيء، وكانت هذه الدنيا ستزول. واستمرت الخوارج مهمشة وغير موجودة في العالم حتى القرن الرابع، حيث ظهرت مجموعة منهم في المغرب فقضوا عليهم. فظلت موجودة حتى القرن الثاني عشر والثالث عشر، حيث ظهرت بوادر هنا وهناك. فعندما ظهرت الخوارج، قام عليهم حتى قضوا عليهم عسكرياً وانتهت هذه الفتن، وبقينا على هذا الحال
من القرن الثاني عشر حتى ظهور الجماعة الإرهابية في سنة ثمانية وعشرين، ونحن لا نعرف لا خوارج ولا غيرهم. إذاً ماذا حدث منذ سنة اثنين وثمانين حتى ظهور الخوارج أصحاب الجماعة الإرهابية؟ حدث أن هذه الفترة خلت من رأس هنا وتقضي عليه، وظهر رأس هناك وتقضي عليه. في لحظة انتهى الأمر، ثم عادت وبدأت الخوارج والنابتة واستمر ظهور هؤلاء مرة بعد مرة حتى ظهر داعش وأمثالهم من هذه الجماعات. النظرية الثانية التي من خلالها تفهم لماذا يفعلون هكذا، ومن هم هؤلاء. كذلك الأجيال المتتالية، قلنا في المرة الأولى عن الهرم المقلوب الثاني أن كل جيل يأتي
أخس وأنكد وأمر من الجيل الذي قبله. لم يتعلموا من الذين قبلهم يا مولانا، بل يتعلمون الشر لأن عمى البصيرة يشتد عندهم، إلى أن وصلنا الآن إلى شخص يسأل ويقول: هل رسول الله صحيح؟ أفضل الخلق إلى هذا المستوى المتدني، أفضل الخلق هذا باتفاق المسلمين، هذا باتفاق الجن والإنسان، أول الخلق، أول الخلق. أتنتبه كيف؟ فلماذا يفعل هذا؟ خلاص شككوهم في كل شيء، اجعلوهم لا يلجأون إلا إلى مصدرهم، هم الذين صححوا فيكون صحيحاً، والذي ضعَّفوه يكون ضعيفاً، وأنا مصدر الدين، حسناً. والعلماء لا، العلماء والعياذ بالله، ثم واللغة، اللغة والعياذ بالله، ثم والأصول، أحد كبرائهم يقول إن أصول الفقه طاغوت يُعبد من
دون الله. أصول الفقه الذي أتى به الإمام الشافعي المنوَّر صاحب القرآن وناصر السنة، أصبح أصول الفقه طاغوتاً والعياذ بالله تعالى. هذا هو الفهم العفن الذي تردى إليه. إلى هؤلاء الناس الذين جعلتهم يزهدون في العلم فزهدوا، لم نرهم في مساجدنا ولا رأيناهم في معاهدنا. لدي الأزهر مثلاً الذي نراه ليل نهار والذي نحن فيه مليونا شخص، خمسمائة ألف في الجامعة ومليون ونصف في المعاهد. المعاهد. اثنان مليون شخص، كم واحد منهم ضلّ الطريق؟ واحد لأنه لم يذاكر جيداً، وآخر لأنه لم يحضر درس "بسم الله الرحمن الرحيم".
وكم عددهم يعني؟ عندما قبضوا على الجماعات الإسلامية والأحداث التي وقعت في أيام المرحوم أنور السادات، قبضوا على ستة عشر ألف شخص، منهم ثمانون شخصاً فقط من الأصل على ستة عشر ألف، يكون ثمانية على ألف وست مئة، يعني واحد في المئتين. ذلك الواحد في المئتين، ماذا يعني؟ نصف في المئة. كم واحد من الثمانين أمسك السلاح؟ ولا واحد من ضمن هذه الطوائف الإرهابية. هناك عمر عبد الرحمن، لكنه لم يمسك السلاح. يوسف القرضاوي أيضاً، لكنه لم... يمسك السلاح. كم واحد تخرج من الأزهر وأمسك بالسلاح؟ عبد الله عزام
واحد فقط من بين الملايين الموجودة. وهو يمثل الاستثناء الذي يثبت القاعدة. صحيح، من هو عبد الله عزام هذا؟ إنه شاب من الأردن جاء ليحصل على الدكتوراة من عندنا، فهو الذي تأثر بفكر الشيخ السايس. الله يرحمه، فيقول له: "ما هذا؟"، الشيخ السايس يقول له: "أتعلم يا عبد الله، أنت في رسالتك هذه ماذا فعلت؟ أنت مثل الذي قلنا له اقرأ الفاتحة، فذهب وقرأ قل أعوذ برب الناس. هكذا أنت فعلت يا بني". فالرجل قال له: "اقرأ الفاتحة"، يعني معنى ذلك أن عبد الله، هناك خلل في الفهم. باحث جيد جمع معلومات ورتبها وعملها، لكن خرجت "قل أعوذ برب الناس" ولم تخرج المطلوب. طوال حياته كان عبد الله عزام هكذا.
كم شخص مثله أو لا شيء؟ هل هو فقط فريد وحيد هكذا؟ فلم يكن القرضاوي، ولم يكن عمر عبد الرحمن، ولم يكن عبد. الله عزام ثلاثة هم من؟ إذاً، لن تجد ثانياً. حسناً، والثمانون، الثمانون كلهم رجعوا الذين نقول عنهم. إذا كان هذا شيئاً لافتاً للنظر، فهذا شيء يجب علينا أن نحلله، لأنهم استطاعوا بما لديهم من حس نقلوه عن مشايخهم أن يخرجوا من نظرية الهرم المقلوب، وأن يخرجوا من نظرية الأجيال المتتالية. سنعود إلى سيدنا صلى الله عليه وسلم لنتعرف أكثر وأكثر ونعرف
من مولانا الإمام حقيقة الحب الذي أراده سيدنا في هذه الحياة لننشر السلام في ربوع العالم. فاصل ونعود إليكم، ابقوا معنا. أهلاً بحضراتكم مولانا، إذا كانت هذه الجماعات المتطرفة تؤكد على أنه لا بد وأن تربي الأجيال على هذه الثقافة ثقافة أن تموت في سبيل الله، وإذا صرفنا أنظارنا تجاه هذه المكتبة القيمة لنجد عنوانًا لكتاب منيف، لكتاب رائق مكتوب عليه "فقه حب الحياة" لمولانا الإمام. بماذا أراد أن يؤكد في هذا الكتاب ليتصدى لهذا الفكر المعوج ولهذا الهرم المقلوب؟ قلنا لهم: قال تعالى "وأن الدار الآخرة". لا، إن الحيوان لو كانوا يعلمون، فهذا ما نحن عليه، نحب الحياة. أتظن أن الحياة هي الحياة الدنيا فقط؟ إنها الحياة أيضاً، الحياة الآخرة، وهذه الدنيا مزرعة للآخرة. ولذلك فحب الحياتين هو المؤكد
عند الله، أما الذي أحب الآخرة وكره الحياة الدنيا، وأما الذي أحب الدنيا وكره الآخرة. فليس مستقيماً ولا مراداً لله، ومن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا وما له في الآخرة من خلاق، وبعد ذلك، ومن الناس من يقول ربنا آتنا، ومنهم من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، أولئك لهم نصيب مما كسبوا، إذاً أنا هنا أمام الفكري الذي يؤمن بإحدى الحياتين دون الأخرى، وأمام الاستواء الحياتي الذي يحب الحياتين ويقول: "ربنا
آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار"، وأمام قوله تعالى: "ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك"، فإذاً أنا أمام توازن، أمام رجل بصير بعينين وليس... اعتبروا رجلاً يسير على قدمين وليس فيه عرجٌ يسير على قدم واحدة. فهذا الذي دعونا إليه في فقه حب الحياة. الإسلام عمره ما دعا إلى "اقتلوا أنفسكم". هل الله قادر أن يقول "اقتلوا أنفسكم" هكذا؟ نعم، قادر. وقد قالها لمن جعل الأغلال والأسرى في أعناقهم، لكن الله أرادنا أمة. رحمةً وضعَ عنّا الأسر والأغلال التي في أعناقنا وجعل
لنا هذه الحياة نحبها دنيا وآخرة، والأمر واحد لأن هذه الحياة الدنيا كبرت أو طالت أو قصُرت لا تساوي عند الله ثلاث دقائق. أعيش كم يعني؟ لنفترض أعيش مائة سنة، طيب المائة سنة هذه ثلاث دقائق عند الله تعرج الملائكة وتروح. إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة فاصبر صبراً جميلاً، إنهم يرونه بعيداً ونراه قريباً. عندما تقسم خمسين ألف على أربعة وعشرين ساعة، تصبح الساعة الواحدة بألفين وقليل. أي أن سيدنا المسيح من ساعة واحدة فقط. وعندما تقسم ألفين على ستين، تصبح الدقيقة الواحدة بثلاثة وثلاثين سنة وثلث، أي بمائة
بالمائة، يعني أنا لو بقيت هنا مائة سنة وبقيت عند ربنا ثلاث دقائق، هذا ما نبّه عليه ربنا: "كم لبثتم؟" قالوا: "لبثنا يوماً"، وبعدما رأوا العدادات مختلة قالوا: "أو بعض يوم"، "فاسأل العادين". هل هناك من يعدّ هنا؟ اسأل العادين، نحن لم نعد، ونحن لم نعد هو. نفس الشعور الذي أشار إليه مع عزير، فأمات الله مائة عام ثم بعث، قال: "كم لبثت؟" قال: "لبثت يوماً أو بعض يوم"، هو نفس الشعور الذي حكاه عن أصحاب الكهف بعد قيامهم بثلاثمائة وتسع سنين، لبثوا في كهفهم ثلاثمائة سنين وازدادوا تسعة، فكم لبثتم؟ قالوا: "لبثنا يوماً أو بعض يوم". يوم قال ربكم أعلم بما لبثتم فابعثوا فإذا أنا أمام نسبية في الزمان
تجعل هذه الحياة الدنيا مع المائة سنة قابلة للصبر، قابلة للصبر، قابلة للعمل الصالح، قابلة لعمارة الأرض، قابلة لعبادة الله، قابلة للالتزام. لا أحد يتذمر ولا يطلب خارج هذا النطاق، فإذا هذا حب الحياة، نحن نحبها وهي. سهلٌ علينا لأنها ستستغرق ثلاث دقائق فقط وهي مزرعة للآخرة، ولذلك نحن نحبها لكي نعمل لآخرتنا التي سنكون خالدين فيها أبداً. هذا هو مفهوم الإسلام الصحيح، وليس مفهوم الإسلام الصحيح أننا نحب الموت. من قال إننا نحب الموت؟ فالله تعالى يقول: "فأصابتكم مصيبة الموت". من يقول نحن نحب... الموت، والنبي يبكي بعد فراق إبراهيم ويقول: "إن العين تدمع وإن القلب
يحزن، ولا نقول ما يُغضب الرب". من الذي قال إننا نحب الموت؟ "وتبارك الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً". من الذي يحب الموت وقد جعله الله ورسوله مصيبة يستوجب الصبر عليها الجنة إذاً؟ هل نحيا في سبيل الله بمثل أو على خلفية هذه المفاهيم الحقيقية والواسعة والشاملة والأجمل، أم نموت في سبيل الله في إطار هذا الفهم الضيق، في إطار هرم مقلوب وفكر معوج وقدم عرجاء؟ نحن نتعامل مع الموت باعتباره مصيبة، ونتعامل مع المصائب باعتبار أن ذلك يستوجب الصبر والرضا والتوكل. وعدم الإحباط والاستمرار في الحياة حباً في الحياة نعم وحباً في أن نستغل
هذه الحياة من أجل رضا الله، ولذلك كان من الدعاء: "اللهم اجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر". أحياناً يتألم المرء عندما يرى الحبيب والعزيز عليه يتألم من الوجع. ومن المرض كذلك يتمنى له أن ينتهي هذا البلاء وهذا لأن حياته معطلة في داخل هذا الألم وهذا المرض. فنسأل الله السلامة في أبداننا وعافيتنا وسمعنا وبصرنا، وأن يجعل ذلك كله الوارث منا، وأن نحيا في صحة وفي متاع الله سبحانه وتعالى ونعمته، فهو الذي أنشأكم من الأرض. واستعمركم فيها إني جاعل في الأرض خليفة، فإذا هذا هو المفهوم الصحيح الذي تلقيناه
في القرآن الكريم وفي السنة النبوية وفي كلام الأكابر من أهل الفكر ومن أهل الله وأهل طريق الله. اسمح لي مولانا نقرأ بعض المداخلات من السادة المشاهدين حول سؤالنا في هذه الحلقة، يعني ما رأيك أو... ما ردك على الادعاء بأن الإسلام يدعو لثقافة الموت؟ تقول السيدة إيناس أحمد علي: كيف هذا والله تعالى يقول "ولا تنس نصيبك من الدنيا"، والرسول صلى الله عليه وسلم يدعو: "ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار"، فالإسلام لم يحرم التمتع بالدنيا وبمتاعها الحسن والمباح وبما... لا يخالف شرع الله، الأستاذة هالة تقول: "الإسلام يدعو للحياة: يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم"، وتقول أيضاً: "الأبدان مقدمة على الأديان"، تقصد الإسلام. يقول هذا الأستاذ حسام أبو السعود، ويقول: "كيف وقد قال: ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً"،
بالموت ينتهي. التكليف وهذه شريعة تكليف فهي تحتاج إلى الحياة وإلى استمرار الحياة، فلا بد من الحياة. فعندما آتي أنا وأدعو الناس إلى أن يموتوا، فكأنني أدعو الناس إلى الانتحار. لماذا حرّم ربنا الانتحار إذن؟ كان يمكن أن يوجب علينا الانتحار ويجب علينا أن نقتل أنفسنا، لكن جعل القتل جريمة إذاً. الله سبحانه وتعالى يدعونا إلى الحياة وإلى عمارة هذه الحياة وإلى الصبر على هذه الحياة وإلى أن نجعل وأن نحول هذه الحياة إلى بداية الطريق إلى الجنة، ومن رضي الحياة بغير دين فقد جعل الفناء لها قرينه. مولانا الإمام الشيخ الدكتور علي جمعة، عضو
هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، رضي عفا الله عنكم وغفر ذنوبكم دوماً ودائماً يا مولانا. شكراً لكم، دمتم في رعاية الله وأمنه. إلى اللقاء، اشتركوا في