والله أعلم| فضيلة الدكتور علي جمعة يتحدث عن أنواع الفتن.. وحقيقة فتنة النساء| الحلقة الكاملة

بسمك اللهم نمضي على طريقك، فثبت اللهم أقدامنا على طريقك. أهلاً بكم في هذا اللقاء الذي يتجدد دائماً ودوماً مع مولانا الإمام صاحب الفضيلة الأستاذ الدكتور علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، لنناقش معه هذه المبادئ القرآنية ونكمل الحديث حول الفتن وما هي الفتن التي نواجهها في هذه هل حب الأبناء والأموال والنساء نوع من هذه الفتن؟ وكيف نجعل هذه الفتن أو نواجه هذه الفتن بالشكل الذي رسمه لنا إسلامنا الجميل؟ مولانا الإمام، أهلاً بفضيلتكم،
مرحباً بكم، أهلاً مولانا. إذا ما كنا نتحدث عن الفتنة ونتحدث عن فتنة الدنيا، فهل هذا يعني أننا لا نحب الحياة ونكره الحياة؟ نكره ما خلقه الله لنا في هذه الدنيا. بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. خلق الله الدنيا وأمرنا بأن نتعامل معها تعاملاً راقياً، وأرشدنا إلى الدعاء لما فيه خيرها. قال تعالى: "ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك وقال تعالى ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار أولئك لهم نصيب مما
كسبوا. إذاً، عندما أرشدنا الله سبحانه وتعالى إلى هذه الدنيا لم يأمرنا بكراهيتها، إنما أمرنا أن نتقي بلاءها وامتحانها واختبارها المتمثل في الرغبات والشهوات وعدم الرضا وعدم التسليم لقدر الله سبحانه وتعالى. أمّا الحياة الدنيا فأمرنا أن نحافظ عليها ونهانا عن الانتحار وعن إنهاء الحياة. أمرنا أن نفرح بقدومها، فأمرنا بأن نحتفل بالطفل فنذبح له عقيقة ونسميه فنحسن تسميته ونصنع له سبوعاً
في اليوم السابع. كل مولود مرتهن بعقيقته تذبح عنه يوم سابعه ويدمى ويسمى. فرح، فالله سبحانه وتعالى جعل الموت بخلاف... ذلك مصيبة لم يجعل الحياة مصيبة الموت بل جعل الموت مصيبة فأصابتكم مصيبة الموت. الأمر واضح أن الله سبحانه وتعالى أمرنا بعمارة هذه الحياة الدنيا، هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها، أمرنا في هذه الحياة الدنيا أن نكون خلفاء عنه، نصلح ولا نفسد، نأمر بالمعروف ولا ننهى عن المنكر. بالمنكر فقال إني جعلت في الأرض خليفة، قالوا أتجعل فيها من يُفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس
لك، قال إني أعلم ما لا تعلمون. وعلّم آدم الأسماء كلها، بدأ بتكريمنا وقال: ولقد كرمنا بني آدم. بدأ بتكريمنا فأسجد لأبينا ولجنسنا في صُلب أبينا الملائكة اسجدوا. لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين. هذه هي الحياة، فنحن نَعمُر الدين، ما كان ضد الحياة، وإنما الدين كان جزءاً من الحياة، منظماً للحياة. فتنة المحيا والممات هي فتنة تصيب الإنسان وتُغبش عليه أمر الله. سبحانه وتعالى بعدما خلقنا، ماذا خلق
فينا؟ خلق فينا. جسداً وخلق داخل هذا الجسد روحاً، وخلق داخل هذه الروح نفساً، وهداه: ﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا﴾. الله سبحانه وتعالى ركَّب في هذا الإنسان بكُلِّه الشهوات وزيَّنها له، لكن ابتلاه الله سبحانه وتعالى بالموت والحياة: ﴿تَبَارَكَ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ﴾. ليبلوكم أيكم أحسن عملاً، وهناك زُيِّن للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث، ذلك متاع الحياة
الدنيا. كل هذا متاع الحياة الدنيا، ذلك متاع الحياة الدنيا. فماذا نصنع بهذا المتاع؟ نعامله معاملة النعم، وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها، ولكن لا. نُعامله معاملة الحجاب بأن نجعله حاجزاً بيننا وبين أوامر الله، وبيننا وبين اختبار أوامر الله وطاعته. وماذا يعني أن يكون كل هذا المتاع حجاباً عن طاعة الله، وعن الوصول إلى الله، وعن الطريق إلى الله؟ حسناً، اترك الأوامر وقع في النواهي، مفضلاً تحصيل هذه الدنيا بمتاعها ونعمها على الأمر الرباني. يعني أنا أمامي أن أصلي وأمامي أن أعصي، فقلت لا، وأنا متبقي لي الصلاة ثم ذهبت لأعصي، فيكون
إذا تركت أمر الله من أجل أن أشغل هذا الوقت الذي خلقني فيه الله من أجل طاعته، أشغله في غير طاعته في المعصية. أمرنا الله سبحانه وتعالى أن ننزه أنفسنا عن السرقة، ننزه أنفسنا عن الاعتداء على الأعراض، وأُمرنا أن ننزه أنفسنا عن العدوان على المال، وأُمرنا أن ننزه أنفسنا عن الاعتداء على الدين، وأُمرنا أن ننزه أنفسنا عن الاعتداء على الحياة. فإذا به من أجل الحياة الدنيا، ومن أجل أن يستعمر أرضاً، أو من أجل أن يستغل مصالح، يحتل بلاداً ويطرد. منها سكانها وأفسد في الأرض كما تفسد دولة الصهاينة
في الأرض وتظلم الصبيان والشيوخ والرجال والنساء والأطفال والجميع. إذًا هذه معصية لأنها خلاف أمر الله سبحانه وتعالى. أليس الله سبحانه وتعالى هو الذي جعل القتل كبيرة من الكبائر بالنص وواضح الكلام؟ أليس الله سبحانه وتعالى هو الذي حرم المخدرات؟ وحرّم الخمر وحرّم كل ما يُذهِب العقل، أليس الله سبحانه وتعالى حتى في احترام الأديان قال: "فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر"؟ ألم يقل الله سبحانه وتعالى: "لكم دينكم ولي دين"؟ ألم يقل الله سبحانه وتعالى: "لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي"؟ ألم يقل الله سبحانه وتعالى... ما على الرسول إلا البلاغ، ألم يقل الله سبحانه وتعالى لسيد الخلق: "لست عليهم بمسيطر"، ألم يقل
الله له: "وما أرسلناك عليهم حفيظا"، ألم يقل الله سبحانه وتعالى لرسوله: "ما على الرسول إلا البلاغ" "إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء"، بلى قال. إذاً فالله قد احترم. الدين واحترم العقل واحترم النفس واحترم العرض واحترم الملك والمال. "السارق والسارقة فاقطعوا أيديهما". "الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما". الله سبحانه وتعالى حببنا في الحياة، ولكن هذه الحياة لها ترتيب في الأولويات، أولها "أطيعوا الله وأطيعوا الرسول". أول هذا أننا مخلصين له الدين ولو كره الكافرون. أول هذه الحياة. وغايتها قل هو الله أحد
الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد، هناك فارق بين أن أفعل هذا وأدعوه "ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة" بعد الطاعة، بعد الطاعة، وبين أن أعادي بين ما أمرني به وبين هذه الحياة الدنيا فأحكم عليها بالبطلان، ولذلك... حرَّم علينا الرهبانية، وحرَّم علينا أن نسير في الصحراء هكذا مُهملين من غير ماء ولا زاد، وحرَّم علينا أن نتبدّى بعد أن تحضَّرنا، وحرَّم علينا يعني الرجوع إلى البداوة. في الإسلام ممنوع، نهى رسول الله أن يعود من تحضَّر إلى البادية. هل انتبهت كيف؟ فلما قالوا لسلمة بن الأكوع... ألا تذهب فتقاتل مع علي؟ قال: أذهب
إلى البادية وأنجو بنفسي من الفتن. قالوا: ألم تسمع رسول الله وهو ينهى عن التبدي بعد التحضر؟ قال: ألم تسمعوه يقول: "إلا خوفاً من الفتنة"؟ يعني هل فهمت؟ قال له: من كان له أرض فليلحق بأرضه. في هذه الحالة يكون هذا ما نسميه الضررين كل هذا يبين لنا أن الحياة هي أمر مرغوب فيه وله ترتيب للأولويات. يأتي المفسدون ويريدون أن يقولوا: ما دمتم تركتم فسادنا وما دمتم تركتم شهوتنا وما دمتم تركتم ما زُيِّن لنا فأنتم ضد الحياة. لا يا أخي، نحن لسنا ضد الحياة، بل نحن الحياة نفسها، نحن نحب. الحياة مملة ومنهكة ولكن هذه الحياة التي نحبها، وهذا إنما جاء في الترتيب من
خلال أن الله حبّبنا فيها وليس من خلال هذه التفاهات والأوهام التي تعيشون فيها. ويا أخي، تركناكم تدخلون النار بحرية، فلم لا تتركونا ندخل الجنة بحرية؟ يا أخي، أنا أمر مزعج لا شيء بعده. هكذا والله ولا بلادة، يعني هو حتى الآن يقول لك "فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر" وأنت غير راضٍ أن تتركني في حالي، هذا أيضاً ظلم من ظلم العباد للمؤمنين. إذاً، ما معنى هذا المعنى الجميل والعنوان الأجمل والأروع؟ ما معنى فقه حب الحياة؟ فاصل
ونعود إليكم، ابقوا معنا، أهلاً مولانا الإمام في إطار فقه وحب الحياة، كيف نفهم الآية الكريمة "إنما أموالكم وأولادكم فتنة"؟ الفتنة لها أركان: هناك مُفتَتَن وهو المتلقي للفتنة، وهناك فاتن، وهناك فتنة. يعني توجد ثلاثة أشياء ينبغي أن نلتفت إليها حتى نفهم كل النصوص التي تتحدث عن هذا، فلا ننكر نصاً وهو صحيح ولا نفهمه. فهموا غير الصحيح من الفاتن
هنا. الفاتن هنا الأولاد، والفاتن هنا الأموال، وأيضاً أول فتنة بني إسرائيل النساء. من الفواتن النساء. إذاً المرأة فاتنة، والمال فاتن، والأولاد فاتنون. من المفتون؟ المفتون المقابل، المفتون بالمال هو الغني، والمفتون بالأولاد هو الأب، والمفتون بالنساء هو الرجل. المنحرف، نعم، ليس هو الرجل، لا، تصحيح، نعم، هذا هو المنحرف، هذا هو الذي يرتكب
الفاحشة، الله، الذي لم يسمع كلام الله سبحانه وتعالى في غض البصر وفي ألا يقع في المعصية في العلاقة بين الرجل والمرأة إلا داخل علاقة الزواج، فهو أبى، ففتن، فعلى من تقع الفتنة؟ تقع. على هذا المتلقي، وهذا المتلقي هو الذي تكلمت عنه النصوص أنه مفتون، وهو الذي تكلمت عنه النصوص لتضع له حلاً. فهل تكلمت النصوص عن الفاتن؟ لا، لم يرد نص عن الفاتن. لم تتكلم النصوص عن الفاتن الذي هم الأولاد، الذي هم الأموال،
الذي هن النساء. والمرأة لم تتكلم عنها إطلاقاً، دعوة هؤلاء نعمة، نعم، حتى نفهم الآن. نعم، هذا هو الفهم الصحيح. نعم، هذه النعم، هذه نعم بلا حدود، هذه نعمة كون أن الله سبحانه وتعالى رزق للبشرية شيئاً اسمه المرأة، هذه نعمة الله. كون أن الله سبحانه وتعالى رزقك أولاداً ويهب الناس أولاداً، هذه نعمة الله. كون أن... الله سبحانه وتعالى رزق الناس أموالاً، وهذه نعمة. كما أن الله سبحانه وتعالى رزق بعض الناس سلطةً، وهذه نعمة. كما أن الله سبحانه وتعالى رزق بعضهم علماً، وهذه نعمة. والذي رزقه الله سبحانه وتعالى شهادةً في سبيل الله، فهذه نعمة. وكون أن الله سبحانه وتعالى رزق
أحدهم صحة. هذه نعمة وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها. ما الذي أمرنا الله سبحانه وتعالى به إزاء النعم؟ هل قال اكتموها؟ أبداً هل قال دمروها؟ أبداً. أحضر لي نصاً يقول يجب عليكم أن توأدوا البنات، مستحيل. لقد جاء الإسلام من أجل إنقاذ البنات من هذا الظلم لأنه خلل أن نتسلط. على النعمة بالهلاك خلل، وإذا المَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ. نهانا عن هذا، وإذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ، يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ
بِهِ. وأصبح - يا عزيزي - يعاتبهم بشدة لأنه للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن. وأسأل الله من فضله، هذه نعم المفتون. قال لي: "احذر أن تطغى بالمال الذي رزقتك إياه، والذي هو في الأصل نعمة". وهو طبعاً أصل النعمة، نعم. ونحن نفرح عند المستقيم، نفرح أول ما يأتينا المال، نعم، صحيح، نفرح ويحصل لنا فرح وحبور، ليس هناك أحد لم يقل له ربنا ذلك. أول ما أرسل لك مالاً فاعلم أنني غاضب عليك. بالله عليك، أنت رجل مسلم وتربيت في وسط المسلمين وأبوك علمك الإسلام.
هل سمعت هذا الكلام من قبل؟ أن يقول لك أحد عندما يصلك مال تكون مغضوباً عليك؟ أبداً، بل نقول الحمد لله ونقول "ولئن شكرتم لأزيدنكم". نحن نقول إن هذا المال له وظائف من ضمنها الزكاة، ومن ضمنها الصدقة، ومن ضمنها الأوقاف، ومن ضمنها الكفارات، ومن ضمنها الإنفاق، ومن ضمن ذلك له وظائف يجب أن أقوم بها وأنا مسرور، وكلما أقول الحمد لله، فأنا الحمد لله ربنا رزقني، فهناك من في البشرية رزقه الله أنه... يحدث له عندما يرزقه الله بالولد غم وهم، أي أنه لم يكن
متنبهاً. مرة كنت أعرف شخصاً كان من النوع الذي يقول: "لا، سننجب كثيراً"، فأنجب أحد عشر طفلاً، ثم جاءته في حالة إعالة فأرسلها. فقلت له: "ما بك تبكي هذا البكاء المر؟ ماذا حدث؟ كفى الله الشر". قال لي اليوم: "وُلِدَ لي الولد رقم اثني عشر لكنه مات". قلت له: "وأنت حزين عليه وأنت في غاية الفقر وفي غاية الاحتياج؟" وما إلى ذلك، فلا يرد عليّ بل يبكي. ما هذا؟ ما الأمر؟ إنها الفطرة هكذا، أتفهم؟ ونحن نقول للناس: "يا جماعة لا تنجبوا"، لأننا نأمرهم بألا يرتكبوا... أعظم الضررين، ونحن نقول لهم هكذا حباً
في الولد لأننا غير قادرين أن نفعل ذلك حتى لا يصبح الأطفال بلا مأوى، لأن المؤمن القوي - نعم هذه معانٍ أخرى غير هذه المعاني البرية - المؤمن القوي خير وأحب عند الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، فيكون الفاتن نعمة، نعم، له عليه إجراءات، يكون الذي عليه هذه مَن؟ الذي هو مسؤول الذي عليه هذه هو المفتون. نعم، ماذا أفعل إذن في فتنة النساء؟ الفاتن بريء جداً ونِعْمَ، والمفتون إذن هو الذي سنتحدث عنه الآن، الذي هو هذا، نعم. ما الإجراءات التي يجب أن يخضع لها المفتون؟ يجب عليك يا أستاذ فإن الصوم له وجاء، فعندما تصوم فصورة المرأة التي
قد تجعلك تخرج عن الإطار لا تؤثر حينئذ فيك، وسترى فيها هذا المخلوق البريء، هذا المخلوق الذي كرمنا الله سبحانه وتعالى به، ولن ترى فيها تلك الأنثى التي تريد أن تهجم عليها هجوم الأسد على الشاة، وتفعل ما لا أعرف وصفه في تلك اللحظة، هذا الصوم لك وجاء يصنع لك حاجزًا هكذا حولك، عمل لك دائرة دقيقة. فإن الصوم له وجهٌ، أمرنا بغض البصر، وأمرنا بالزواج: "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة (النفقة) فليتزوج، ومن لم يستطع" دخلنا
في الصوم. أمرنا الله سبحانه وتعالى أن لا نتبع النظرة، فهي سهم نتبع النظرة بالأخرى، صنع لنا برنامجاً من أجل أن نتقي فتنة النساء، وقال إن المرأة إذا خرجت في زي الشيطان. فذهبوا وقالوا: نعم، إنه يقول أن المرأة شيطان. يا أبالسة القوم! لماذا انصرف بهم الفهم إلى هذا المعنى؟ سيدنا، اللغة العربية لا يعرفونها، لغةً لا يعرفونها، لم يسمعوا اللغة هكذا لنرجع إلى أربابها وأهلها الذين لم يعرفوا اللغة. انتهى الأمر. المشكلة كلها أننا قلنا ستين ألف مرة وسنظل نقول: اللغة. فعندما تُقبل المرأة في صورة شيطان، هم يجعلون المرأة هي الشيطان. لا يا جاهل، المرأة هي المشروع، هي التي
تُقبل. حسناً، النبي عليه الصلاة والسلام قال... ماذا يعني أن المرأة تُقبل في صورة شيطان وتُدبر في صورة شيطان أيضاً وهي تعطيني جمالاً؟ أي أنها شيطان مضاعف! هذا كلام ساذج. لا يا حبيبي، هي فاتنة، وهذه الفاتنة نعمة. ماذا قال الحديث بعد ذلك؟ "فإذا رأى أحدكم"... "رأى أحدكم"... ها هي المفتونة... "رأى أحدكم امرأة فأعجبته". ماذا يفعل؟ لا، ولكن انتبه جيداً من الذي أعجبته. أين يكمن العجب القادم؟ أين هو في المفتول؟ فإذا أعجبته فليأت أهله. أنت لست متزوجاً؟ اذهب إلى زوجتك يا
أخي. فليأت أهله، فإن ذلك يرد ما في نفسه. إذاً المشكلة أين هي؟ في المفتون، في التي أقبلت وأدبرت. أبداً، إنها في وجعلها مثل طعم لك حتى يوقعك. لا، فأين الفتنة إذن؟ الفتنة في المفتونة عندي أنا. ماذا أفعل يا سيدي؟ نظرتَ. حسناً، ماشٍ، تجاهل. حسناً. قال: لا، أُعجبت. قال له: حسناً، أنت متزوج، ارجع إلى زوجتك فإن ذلك يرد ما في نفسك. اكتفِ بزوجتك. إذن، العلاقة بين الرجل والمرأة ليست محرمة، هي محرمة خارج نطاق الشريعة ونطاق الزواج. الفتنة نعمة والمفتون عليه إجراءات. هذا ما نفهمه وهذه هي اللغة العربية
الأصيلة التي نفهم فيها أن المرأة إذا أقبلت في صورة شيطان، يعني الشيطان يستغل هذه المرأة الفاتنة. حسناً، ألا يستغل المال أيضاً؟ ألا يستغل الأولاد أيضاً؟ حسناً، ألا... هو يستغل الصحة كما يستغل العلم، ما رأيك؟ ويجعل العالم من هؤلاء، أي يتعلم ليماري به السفهاء ويداري به الناس. الله أنت تماري به الفقهاء وتداري به السفهاء، فتكون ليس لوجه الله. أصبحت مفتوناً بالعلم، فسيُبعث يوم القيامة فيُنادى: أين العالم؟ فيقول له: أنا. فيقول له: لا، إنما فعلته لغير وجه الله. اسحبوه إلى جهنم. هذا موجود في كل النعم، موجود في تالي القرآن الذي تلاه
من غير إخلاص، موجود في العالم الذي جعل علمه لغير وجه الله، موجود في الشهيد الذي ذهب فاستشهد من أجل عصبية أو من أجل أن يجعل هذه الشهادة. سمعتك تقول لي ما أنا ميت سأذهب لأموت الآن هكذا. كل هذه الأشياء لا يقبلها الله. لماذا؟ لأنه مفتون. فُتِنَ بماذا؟ فُتِنَ بالنعم. ما هي هذه النعم؟ العلم، الصحة، السلطة، المال، المرأة، الابن، الأولاد، القرآن. فتصبح بذلك فتنة من هذه الناحية. سير النعمة، ما رأيك عندما يأتي شخص ويقول... لك أنا حافظ القرآن يا أستاذ حسن. تفرح له أم تحزن له؟ إنني لا أفرح له. حسناً، عندما
نفرح بذلك، فهذا يعني أنها نعمة بالطبع. هذه النعمة يمكن أن تتحول إلى فتنة فيصبح مفتوناً. لماذا؟ لأنه لم يتخذ الإجراءات التي أمرنا بها الشرع الشريف تجاه النعم. احمد ربنا واتقِ. نفسكَ التزم بالأوامر والنواهي، رتب الأولويات ترتيباً يجعلك مقدماً أمر الله سبحانه وتعالى ونهيه على كل رغبة وشهوة جامحة عندك. والنفس كالطفل إن تهمله شب على حب الرضاع، وإن تفطمه ينفطم. فحاذر النفس والشيطان واعصهما، وإن هما محضاك النصح فاتهمهما، ولا تطع
منهما خصماً ولا حكماً، فأنت تعلم كيد الخصم. والحكم إذا تأمل يا سيدي ها هو الفاتن وها هو المفتون وها هي الفتنة، وعسى أن أكون قد وضحت ما هنالك. وعندما يأتي أن المرأة تقبله في صورة شيطان، وشخص يقول لك: "لا، لا، هذا ليس حديثاً". أأنت فهمته؟ أنت تنكر ما قد فهمته أن الرسول يصف المرأة بأنها الرسول لم يصف المرأة بأنها شيطان، ولم يصف الطفل بأنه شيطان، ولم يصف المال بأنه شيطان، ولم يصف الشهادة أو القرآن أو العلم بأنه شيطان، وإنما الشيطان يستغل هذه النعم فيشغلك عن واجبات قد أوجبها الله عليك، وعن إجراءات قد أرشدك الله إليها حتى لا تؤديها، فتقع أنت أيها
المفتون. في الفتنة وتصبح ويصبح الفاتن نعمة من نعم الله مولانا. هناك خطاب أكثر من خطاب، المفرط والخطاب المفرط بين الإفراط والتفريط. هم دائماً يقفون عند هذه المعاني، ويتم تسويق الإسلام بشكل لا يليق بالإسلام، أن المرأة شيطان، أن الأولاد عدو، كل هذه أن الإسلام جاء ليقف دون أو للحيلولة. دون أن يتقدم الإنسان في هذه الحياة، كيف ندافع عن أنفسنا؟ أنا من عامة الناس الآن، وأسمع هذا الخطاب وذاك الخطاب، وهذا الخطاب الحقيقي الصحيح المستنير الذي يوضح كيف يتم الإصلاح والتجديد. كيف أفرق بين هذا وذاك؟ كيف أدافع عن المجتمع من هذا وهذين الخطابين؟ كما ذكرنا قبل ذلك لا علينا أن نعيد شأن اللغة العربية إلى مدارسنا وأن نعيدها إلى معاهدنا وأن نهتم بها اهتمام الثقافة العامة
السائدة وأن نقاوم كل ما يحاول أن يقدح في هذه اللغة حتى يستقيم تفكيرنا، فكما قلنا مراراً أن التفكير واللغة وجهان لعملة واحدة، لن نصل إلى التفكير المستقيم ولن تكون عندنا عقلية. ناقدة تستطيع أن تقوّم الأشياء وأن تختار الاختيار الصحيح وأن تبني على هذا الاختيار المناسب إلا باللغة. فإذا تأملنا، انظر، عندما أقرأ هذا النص وأن المرأة تُقدَّم في صورة شيطان كنص صحفي، ككتابة صحفية، التي هي الكتابة السطحية ذات الفهم المباشر، الفهم البسيط السطحي، أعتقد أنه يسب. المرأة فماذا
أفعل؟ هذا ما أنت... معنى اللغة غير موجود هكذا. ما أنت هكذا افتقدت اللغة. أن المرأة تُقبَل في صورة شيطان لا تُقبَل وهي شيطان. نعم، هناك فرق بين كونها شيطاناً وبين صورة الشيطان. فرق كبير كالفرق بين السماء والأرض. واجلس الآن أولاً هكذا: الفاتن والفتنة والمفتون والإجراءات وهكذا. إلى آخره كل هذا الكلام تعلمناه أين؟ تعلمناه في تحليل النص، وتحليل النص هذا جزء من ماذا؟ جزء من خصائص العربية. ولذلك إذا لم يتعلم الناس هذه المبادئ الأولى سيظلون دائماً في منتهى الهشاشة. مولانا، اسمح لنا أن نخرج لهذا، يعني
نأتي إلى الفتنة في الدين، هل فتنة المسلمين... في دينهم بالضرورة تأتي من خارج المسلمين من أقطار أخرى، دائماً يقولون أنهم يتربصون بين الدوائر. النبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا بعكس ذلك تماماً، أخبرنا أن فتنتنا من داخلنا، وأنه سأل الله سبحانه وتعالى ألا يجعل بأسنا بيننا شديداً فمنعها، فربنا لم يستجب له في هذا الدعاء لكن... استجاب عندما دعاه ألا يُسلط علينا عدواً يستأصلنا من خارجنا، فاستجاب الله
له. ولذلك عبر التاريخ كانت هذه معجزة لسيدنا النبي صلى الله عليه وسلم، أن تكالب علينا واتفق علينا معشر يهود في خيبر ومعشر الوثنيين المشركين في مكة، وبالرغم من ذلك لم يستطيعوا أن يبيدوا وأن يستأصلوا دولة الإسلام. في المدينة بعد ذلك اتفقت علينا دولة فارس ودولة الروم وهما من أكابر وأعظم القوى العسكرية والمادية والاقتصادية في هذا الوقت، ولكنهم لم يستطيعوا أن ينهوا مسألة المسلمين. بعد ذلك تكالبوا علينا واتفقوا في الحروب التي سُميت بالصليبية مع المغول الذين
سُموا بالتتار، وبالرغم من ذلك من الهمجية الكاسحة. التي كان يرتكبها هؤلاء الناس والفظائع البالغة التي كانوا يرتكبونها، إلا أنهم في النهاية لم يستطيعوا القضاء على الإسلام. وبعد ذلك تكالبت علينا أوروبا كلها في فترة تُسمى الفترة الاستعمارية، وكانت بدايتها الحملة الفرنسية، ثم بعد ذلك تسلط علينا الإيطاليون والفرنسيون والإنجليز، كما تسلط علينا وعلى العالم الإسلامي الهولنديون والبلجيكيون. والأسباب يا أخي، سبحان الله! لم يستطيعوا أن - يعني كان المفروض بمقاييس الحساب
أن يُباد المسلمون. أرادوا أن يبيدوا المسلمين في صورة لغتهم، أرادوا أن يبيدوا المسلمين في صورة دينهم، أرادوا أن يبيدوا المسلمين في صورة كتابهم، أرادوا أن يبيدوا المسلمين في صورة كعبتهم. وقبلتهم أرادوا أن يبيدوا المسلمين في كل صورة لكنهم لم يستطيعوا. خرج العالم الإسلامي بعد هذه الغارة التي بدأت عليه بعد انتهاء الحروب الصليبية والحروب التترية المغولية، ثم جاءوا في القرن السابع عشر وبدأوا في غارة شديدة على
العالم الإسلامي بالمستشرقين وبالمبشرين وبهذا وذاك إلى آخره، ثم جاء هذا التبشير مندمجة أو يعني تالية له، يعني شيء سلسلة متصلة الحلقات ودائمة، ويخرج منها الإسلام أقوى والمسلمون أقوى. ففي الحقيقة الفتنة ليست من الخارج، دائماً هو يسعى إلى مصالحه، ولكن الفتنة هي في أننا لا نطيع أوامر النبي صلى الله عليه وسلم بالتعاون على البر والتقوى. نطيع أوامر النبي صلى الله عليه وسلم بالعدل الناجز ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا، اعدلوا هو أقرب للتقوى. نحن نطيع أمر الاتصال بحبل الله ورسوله، ونطيع هذا الأمر بالتدبر "أفلا يتدبرون القرآن" إلى آخر ما هنالك. مولانا الإمام الأستاذ الدكتور علي جمعة ومعظم
كبار العلماء بالأزهر الشريف. الله لكم ورضي الله عنكم دائماً يا مولانا، أهلاً وسهلاً بكم. دمتم في رعاية الله وأمنه. إلى اللقاء،