والله أعلم| فضيلة الدكتور علي جمعة يتحدث عن حقيقة مبدأ عدم تكليف الإنسان ما لا يطيق| الحلقة الكاملة

أشهد الله أوقاتكم بكل خير، وهي حلقة جديدة من برنامج والله أعلم، لنسعد بصحبة صاحب الفضيلة مولانا الإمام الأستاذ الدكتور علي جمعة وأعضاء هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، لنواصل معه هذا الحوار المهم حول المبادئ القرآنية. مولانا الإمام، أهلاً بفضيلتكم، أهلاً وسهلاً بكم. دعونا نقف عند هذا المبدأ الغاية في وهو لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها، ما هذا المعنى وما هذا المبدأ؟ وكيف يكون في البُنى الأفقية في حياتنا: سياسة واقتصاد واجتماع وعلم نفس وكل شؤون الحياة؟ بسم
الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. بنى الله سبحانه وتعالى هذا الكون. على عدة مبادئ وأركان، من ضمن هذه المبادئ التوازن، فخلقه متوازناً، فكل ما يؤدي إلى الاختلال والخروج عن التوازن منعه وحرمه وأمر بضده من أجل الوصول إلى هذا الأصل الأصيل وهو التوازن. بنى الله سبحانه وتعالى هذا الكون على العدالة، ولذلك كل ما يؤدي إلى تأخير العدالة أو كل... ما يؤدي إلى الظلم والتظالم بين الناس وضياع الحقوق وتكثير الهرج بينهم والنزاع
والصدام فإن الله منعه وأمر بضده. فعندما بنى هذا الكون على التوازن وعلى العدالة، بناه أيضاً على الحب وليس على الكراهية. فكل ما يؤدي إلى الكراهية أو يقدح في الحب بجميع أنواعه وأشكاله فإنه قد منع ونهى وأمر بضده، فترى مثلا من أجل الحفاظ على التوازن يأمر بهذا الأمر، ومن أجل الحفاظ على العدالة يأمر بهذا الأمر، ومن أجل الحفاظ على الحب يأمر بهذا الأمر، ومن أجل الحفاظ على النجاح. بنى الله سبحانه وتعالى هذا الكون وجعل للعمل معياراً، نعم، أسماه معيار القبول. كيف
يكون العمل المقبول؟ لكي يكون العمل مقبولاً، يجب أن يكون صواباً وأن يكون مخلصاً فيكون منتجاً. نعم، منتج، ماذا يعني ذلك؟ يعني أنه يأتي بثمرته. كل عمل له ثمرة، وإذا لم يأتِ العمل بثمرته يكون قد فشل. فكل الشريعة مبنية على هذا الأساس، فعندما يأتي ويقول: "بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه"، يصبح ما هو هدف الأكل؟ ليس هدف الأكل التخمة، وليس هدف الأكل هو التلذذ فقط، بل هدف الأكل عمارة الحياة. فالذي يؤدي إلى هذا الغرض هو لقيمات، أما الذي يؤدي إلى ضد
هذا فهو السرف. فيقول: "وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين". لا نريد تخمة، لا نريد تخمة صحيح، في كل شيء وسنرى الآن، فعندما تسألني الآن عن عندما أُمِرْنا ببر الوالدين، فإنّ أمر الحياة جاء للعدل، وليس من العدل أن نعق الوالدين. جاءت الحياة من أجل التوازن، وليس من التوازن أن نقدم كمية معينة من العطف والحنان وما شابه، ثم يقدم الأولاد في مقابلها كمية أقل أو أدنى. أو عكس هذا وتستقيم الحياة. ما الذي حدث عندما شاع العقوق في الأبناء في دول كثيرة؟ عزف
الناس عن الزواج، واستبدلوا بالأولاد قطة، وربوا الكلاب واستغنوا بهم عن من لبس الثياب. ما هذا؟ لماذا فعلوا هكذا؟ لماذا حدث هذا الخلل؟ من أين أتى هذا الخلل؟ من العقوق. عندما عقّ الأبناء ورأى الآباء أنه ما دام كل واحد حرًا وما دام الولد بعد سن الثامنة عشرة يفعل ما يشاء وما دامت الروابط الأسرية غير موجودة، فلماذا أُنجب؟ ولماذا أتعب؟ ولماذا يحترق قلبي عليك؟ ولذلك انهارت الأسرة وسينهار بذلك بنيان العالم. كل هذا من أين؟ من عدم البر، وقس على هذا أبداً. فهناك أسس بنى الله سبحانه وتعالى هذا الكون عليها، وهذه
الأسس هي التوازن، هي العدالة، هي الحب، هي الجمال، وهكذا. وعندما نأتي ونسأل عن الأمر الذي يتعلق بهذا الخصوص، يقول: "لا يكلف الله نفساً إلا وسعها". تخيل أنني قد كلفت النفس أو كلفت الحكومة أو كلفت المسجد أو كلفت العالمة أو كلفت الجاهلة أو العاملة، كلفت أي شيء، فرضاً جماعة أو مجتمعاً أو دولة أو دنيا وأمة، لو كلفتها بأكثر مما تطيق لاختل توازنها، فإذا اختل التوازن ضاع العدل، وإذا ذهب هذا ضاع هذا في... الدنيا،
وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون، لأن كل واحد سيكون منشغلاً بنفسه، جالساً في طاحونته وليس لديه وقت ليذكر الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم، ولا أن يتفكر في خلق السماوات والأرض. تخيل إذاً أن هذا... انظر، الضابط عندما صار هذا مبدأ، لأنه موجود ويذهب بشعاعه في كل مكان. في العدالة، في التوازن، في الحب، في عمارة الأرض، في عبادة الله، في تزكية النفس، صيرورة الحياة، يعمل على صيرورة الحياة يا مولانا، وانتشار الحضارة، واستقرار الأمن والاجتماع البشري، وسعادة الإنسان، سعادة الدارين. أصبح كل هذا أنني لم
أكلفك. نعم طبعاً، تعال الآن ونطبق هكذا ونرى لو كلفتك فوق. ماذا يحدث لو تجاوزت طاقتك؟ إن المنبتّ لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى. ستسقط مني في الطريق مثل ماذا؟ شبّه رسول الله المُنبتّ. من هو المنبتّ؟ ما معنى المنبتّ؟ هو شخص معه جمل ويسير في الصحراء ويريد أن ينجز، لكن الإنجاز هو الذي يشغله وليس أي شيء غير الإنجاز، وهذا ماذا يعمل حتى يصل إلى هدفه؟ هو يريد أن يذهب إلى أين؟ يذهب إلى الإسكندرية. حسناً، فلقد مشى. حسناً، مشيت اثنتي عشرة ساعة، فيجب عليك أن تريح الجمل وتستريح، لكي تدخل الحمام
وتذهب للصلاة وتأكل وتتقوى وتستريح. قال: لا، عندما أفعل ذلك سأجلس ساعة أو ساعتين أو ثلاثاً، ولماذا أفعل أكثر، فعندما مشى أكثر، عطش البعير الذي يمتلكه فمات. وعندما مات البعير، رأى أنه قطع مسافة معينة، لكنه مشى نصف المسافة ولا يزال هناك نصف المسافة متبقي، ولم يصل بعد، ولم يصل بعد. ليس هذا فحسب، بل أيضاً مات البعير. من الذي سيقول له "إن شاء الله"؟ لقد فقد الوسيلة، كلف نفسه ما لا يطيق فوق طاقته. إن المُنْبَتّ - المُنْبَتّ
الذي يسير بلا راحة ولا استراحة - لا ظهراً أبقى ولا أرضاً قطع. الإبل التي نطعمها ونسقيها ونريحها وننزل عنها الحمولة لكي ترتاح قليلاً وتخفف هكذا وتستطيع أن تكمل معي. ولكنه قطع نصف المسافة وغرق. في النص الثاني ولم يستطع أن يصل، وهل هذا نجاح أم فشل؟ فشل، وربنا بنى هذه الدنيا على النجاح وليس على الفشل، يعني هذا الفشل ليس هو مقياس النجاح. لا يا حبيبي، حاول مرة أخرى بطريقة مختلفة لأنك هكذا قد فشلت. فإذا كان الأمر كذلك والله أعلم بما. هنالك تعرف أن هذا مبدأ وسنراه في الاقتصاد وفي الاجتماع وفي السياسة وفي التربية
وفي الدين وفي العلم وفي كل شيء لا تكلف أحداً ما لا يطيق وهذا المبدأ الإداري الذي معمول به في كل الدنيا سنعود بعد هذا الفاصل لنفهم أكثر وأدق أن تلك المثل العليا التي كان ينشدها والفنانون والمبدعون، الحب والعدل والجمال والمساواة هي الأصل في الحياة، وأي شيء يعيق المسير إليها يحرمه الله سبحانه وتعالى كما فهمنا من فضيلتكم أكثر من مرة. المشقة تجلب التيسير ورفع الحرج عن المكلف، نعم، ولذلك دائماً في تعبيرات المسلمين
أن هذا الدين يدعو ويؤكد ويأخذ بيد الإنسان إلى سعادة الدارين. سعادة الدار الدنيا التي فيها هذه المعاني فيها العدل الذي يستشعر معه الإنسان بالراحة والأمن والأمان، فيها المساواة التي لا يستشعر فيها بالصدام والخصام، فيها الحب الذي يستشعر فيه بالسعادة والهناء والألفة والعلاقات الاجتماعية المستقرة إلى آخره، لدرجة أن هذه الأشياء عندما نذكرها سويًا يقولون لنا إنكم تدعوننا إلى المدينة الفاضلة يوتوبيا هي اليوتوبيا، على فكرة هذه اليوتوبيا عندنا ليست هكذا فحسب، بل عشناها
بل أنكى من ذلك أننا نعيشها. الله هل انتبهت؟ الله، وهذا هو الذي يقول أهل التصوف وأهل الله معنىً لو عرفه الملوك لقاتلوا عليه. لماذا؟ لأن السعادة، سعادة الدارين تُحقَّق، يتذوق كل شيء ومن... ضمن هذا أنه لا يكلف نفسه ما لا تطيق، ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول عندما رأى السيدة زينب بنت جحش عليها السلام، وهي أم من أمهات المؤمنين، وكانت كريمة وكانت معطاءة وكانت عابدة لديها همة عالية في العبادة هكذا هي رضي الله عنها، فكانت تصنع في حجرتها بالطول هكذا مثل حبل الغسيل حتى إذا جاءت وأُصيبت بالدوار أثناء الصلاة واعتمدت
عليه أو رمت نفسها عليه، فهذا الحبل يمنعها من السقوط. فسيدنا النبي رآها وبعد ذلك قال لها: "ما هذا الذي فعلتِه؟" قالت له: "هذا من أجل مسألة: لا، ليعبد أحدكم ربه بقدر طاقته" نعم، أي بمقدار طاقته، يدعو أحدكم ربه حسب طاقته وهو نشيط، وهو نشيط، اعبدوا ربكم بنشاطكم، إن الله لا يمل حتى تملوا. أي إذا قال لنا ليس هكذا، وعندما جاء جماعة يسألون عن عبادة رسول الله، فكأنهم استقلوها، قالوا: لا، أين أنا من رسول الله؟ رسول الله وصل بالفعل وهو في الحضرة القدسية الربانية. أبيتُ عند ربي يطعمني ويسقيني. أما نحن فسنفعل شيئاً آخر.
فواحدٌ قال: أصوم ولا أفطر، والثاني قال: أقوم ولا أنام، والثالث قال: أنا لا أتزوج النساء. فالنبي سمع بهم فقال: أما إني أصوم وأفطر. وكانت عائشة تقول: كان يصوم حتى نقول لا يفطر، وكان يفطر حتى نقول لا يصوم. الله صلى الله عليه وسلم، وكان في بعض الأحيان يدخل على التوكل فيقول: "هل عندكم شيء؟" شعر بقرصة جوع في بطنه الشريفة، فتقول: "لا يا رسول الله"، فيقول: "اللهم إني صائم" برغم هذا الجوع والألم. قال العلماء: وإذا كان ذلك قبل صلاة الظهر انعقد الصيام، يعني أنا لم أنوي هذا الصيام
من الليل، ولكن هذا حال، فالنبي صلى الله عليه وسلم، يعني بالرغم من أن هذا أمر عملي، لكنه لم يكلف نفسه ما لا تطيق، فلما سمع قال: "إلا أني أصوم وأفطر، وأقوم وأنام، وأتزوج النساء، ومن رغب عن سنتي فليس مني"، وهذا يسمونه منحنى الجرس منحنى. الجرس هذا صنع على شكل الجرس هكذا، يعني يصعد إلى نقطة معينة معنا، ثم ينزل. سيادتك تصعد، إلى المثال النبوي. ستزيد، ستنقص، الله، ستزيد، ستنقص، لن تزيد. ستزيد هكذا على طول خط مستقيم؟ لا، إنه
منحنى جرس. أنت ستنقص، ستعود ثانية هكذا، كلما زدت، كلما نقصت، كلما... تزداد كلما تنقص، وتزدادُ نقصاناً إلى أن نجدك قد اعتزلت في كهف بالجبل. لم تعتزل إلا لسبب معقول مثل الفتن والكوارث والحروب وما شابه ذلك، أو لأنك لا ترضى أن تشترك في فتنة، فهذه قضية أخرى وهي مسألة خاصة، ولكن "من رغب عن سنتي فليس مني". من يقول ما هو هذا الحديث أنه "لا يكلف الله نفساً إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت". رأينا أن الشريعة حتى تحقق هذا المبدأ وحتى يصير ملكة عند المسلمين في كافة تصرفاتهم في الإدارة، في الاقتصاد، في السياسة، في الحكم، في الدين،
في الدنيا، رأينا أنه لا يكلف. المحال ولا يُكلّف بالمحال، فقلنا للأصوليين: "هل يوجد فرق بين العبارتين 'يُكلّف المحال' و'يُكلّف بالمحال'؟ يعني عندما أضفنا الباء هكذا، هل حدث شيء؟ 'لا يُكلّف المحال' وهذه 'يُكلّف بنفس المحال'". قال: "لا، يوجد بينهما وبين بعضهما فرق كبير جداً". "ما الفرق بينهما يا مولانا؟" "نعم، لقد قلنا لهم". هكذا أيضاً سألناهم سؤالك هذا، فقال: "تكليف المحال الخلل فيه راجع إلى الفاعل، هو نفسه محال أن يفهم الخبر". لماذا؟ قال لي: "نائم، مجنون، صبي صغير"، يسمونه
في العربية "بابوس"، بابوس صغير هكذا، وهو ما حمله وجاء أنا للبابوس الصغير هذا، وأقول له يعني: "جاهد في سبيل الله". أو أقول له قم حج فينظر إلي هكذا ويضحك فقط لأنه لا يفهم شيئاً. قم صلِّ، قم توضأ. طفل في المهد عمره شهر تقول له قم توضأ، هو لا يفهم. فهذا يسمى المحال. هل الله كلف بالمحال؟ أبداً. قال: "رُفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن المجنون حتى الصبي حتى يبلغ يكون كالذي حيل بينه وبين فهم الخطاب، هو غير مكلف، ولذلك من هنا انطلق
الأشاعرة والماتريدية وقالوا بعدم تكليف أهل الفترة لأنه لم يأتهم رسول، فبماذا سيكلفون؟ هل هم يفهمون شيئاً؟ ذلك مبلغهم من العلم، وقالوا بنجاتهم، ينجون عند الله سبحانه وتعالى، إذاً فلا يكلف الله نفساً. إلا أن الشريعة جعلت لا تخاطب إطلاقاً المحال الذي يكون الخلل فيه راجعاً إلى الفاعل الشخص نفسه، وهو الشخص الذي لا نستطيع أن نوصل له التكليف، سواء كان مجنوناً أو نائماً أو فاقداً للوعي، ولا يمكن أن يكلف بالمحال. والتكليف بالمحال الخلل فيه راجع إلى الفعل، فلم يأتِ الشرع قط ليس عليّ أن أحمل هذا الجبل فوق رأسي، عمر الشرع ما جاء وقال لي
اشرب البحر أنا لكي أرضى عنك. اشرب البحر؟ كيف أشرب البحر إذن من بطن بهذا الحجم والبحر هذا شيء كثير؟ عندما تمتلئ بطني من مياه البحر، خلاص لو زدت قليلاً أغرق، فأكون لا شربت البحر ولا... شربت نهر الشرع عمره ما قال لي هكذا، عمره ما أمرني بأمر خارج عن نطاق التكليف، خارج عن نطاق الإمكانية. هذا كله هو عدم تكليف المحال، أي المختل في الخطاب، وعدم التكليف بالمحال يعني التكليف بالفعل غير المقدور عليه. يخدم "لا يكلف الله نفساً إلا وسعها" لما كسبوا الذي. قالوا لي كله حتى على سبيل الاختبار
والابتلاء في ديانات أخرى والحمد لله ليست في دياناتنا أنه قال لسيدنا إبراهيم اذبح ابنك. اذبح ابنك؟! يا لها من مصيبة كبيرة جداً! نعم، لكنها ممكنة. انظر الفرق بينها وبين أن أحمل الجبل فوق كتفي، انظر الفرق بينها وبين أن أشرب مياه المحيط، يقول لي اذبح ابنك فجاء ليذبح، فلما أسلم وأضجعه على جبينه وناديناه: "يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا". إذاً فهذا كله سعي من الشريعة من أجل إقرار مبدأ قرآني عظيم أنه لا يكلف الله نفساً إلا وسعها. نعود بعد الفاصل لنعرف تجليات هذا المبدأ
في الطاعة وفي العبادة وفي العمل وفي... الحياة فاصل ونعود إليكم، ابقوا معنا. أهلاً بحضراتكم. مولانا يقول: ربنا سبحانه وتعالى "ما جعل الله عليكم في الدين من حرج، ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين". هذا الحرج كيف رفعه الله سبحانه وتعالى في الدين؟ أولاً بأنه لم يكلف المحال، بأن لم يخاطب الصبي ولا السكران ولا المجنون ولا... المعتوه ولا الغافل ولا الناسي ولا الساهي ولا النائم وهكذا، وفرّق حتى ما بين الساهي والناسي، أن الناسي إذا ما ذكّرته لا يتذكر،
تأتي لتذكره فتقول له: "ألست تتذكر كذا؟"، فيقول لك: "أبداً، لست أتذكر"، هذا يكون ناسياً. أما الساهي فإذا ما ذكّرته تذكّر، وقال: "نعم والله، أتصور كنت نسيتها، ساهٍ عنها فهناك فرق بين النسيان والسهو، وبالرغم من ذلك يُسمى الغافل غير مكلف، ولذلك من نام عن صلاة أو نسيها أو يتهيأ له أنه صلى فليصلها حينما يستيقظ أو يتذكرها بمنتهى البساطة والشفافية، وحيثما أدركتك الصلاة فصلِّ، فمن هنا عرفنا أنه لا يكلف بما لا. يطيق، وكذلك الأفعال، فهو لا يكلفنا بما لا نطيقه إطلاقًا، وكذلك
أمرنا أن نفعل هذا، فيقول النبي صلى الله عليه وسلم في العلاقة التي بيننا وبين عبيدنا وخدامنا وما إلى ذلك، يتحدث عن هذه: "ولا تكلفوهم ما لا يطيقون"، لا تقل له احمل هذا الزنبيل أو هذه السلة وهو يزن كيلوغرامًا واحدًا كيف يحمله؟ لا بد أن يحمله اثنان أو ثلاثة لأنه ثقيل. وإذا كلفته بأمر فأعنه، أي ساعده يا حبيبي، يدك مع يده حتى تعرف أن هذه المسألة ثقيلة أو صعبة أو ما شابه ذلك. علينا أن ننجز هذا الآن، فتكون يدي مع يدك. فكان النبي صلى الله عليه أهله يداً بيد وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحفر مع من
يحفر الخندق صحيح، فإذاً فهذه المعونة جزء من عدم التكليف بما لا يطاق. طيب، ماذا يعني التكليف بما لا يطاق؟ التكليف بما لا يطاق معناه أن هناك أربع جهات لابد أن ننتبه إليها. جهة متعلقة بالزمان، وجهة متعلقة بالمكان، وجهة متعلقة بالأشخاص، وجهة متعلقة بالأحوال. لا يمكن أن يرتد الخارج عن واحدة من هذه الجهات الأربع. هذه الجهات الأربع هي التي دائماً ننتبه إليها أثناء الفتوى، وننتبه إليها عند تغير المعاني الدقيقة، وننتبه إليها عند تنزيل النص.
المقدس على الواقع المتشابك إلى آخره، هذه الجهات الأربعة لا يمكن. الله سبحانه وتعالى يقول لي: "تعال صلِّ بالأمس". هل تنتبه؟ أأصلي بالأمس؟ أي صلاة كهذه من ثلاث ركعات الساعة العاشرة صباحاً؟ العاشرة صباحاً متى؟ بالأمس؟ لكن الزمن قد انقضى، لم يحدث أنه يفعل بنا هكذا، هذا غير ممكن. أنا أريد أن أرى إن كنت ستذهب للوضوء أم لا وستغتسل أم لا، مثل قصة ذبح سيدنا إسماعيل هذه التي هي أن سيدنا إبراهيم شرع، فلما أسلم الاثنان وتله للجبين، وناديناه أن يا إبراهيم، لكن
الفدية لأن هناك مقدورًا عليه، لكن هذا غير مقدور عليه أن أوقع الفعل في زمن مضى خلاص، طيب، لو سمحت، صلِّ لي في أمريكا الآن. أصلي كيف أصلي في أمريكا؟ كيف يعني؟ ماذا أفعل يعني؟ ها عندما نرى ماذا ستفعل. فكر هكذا، إنه لا يفكر، ولذلك ربنا لم يفعل فينا أبداً هكذا لأنه، أو مثلاً حتى في حالة الحرب خفف الله عنا وجعل... هناك شيء يُسمى صلاة القتال وصلاة الجهاد. يقول إسحاق بن راهويه وهو من المجتهدين العظام في الإسلام: ويصل الأمر عند الالتحام، خلاصة الأمر أنني في سنة ثلاثة وسبعين ومشتبكين، كما حدث في أكتوبر ثلاثة
وسبعين عندما كنا مشتبكين هكذا، ثم حان وقت الصلاة، قال: حتى عندما يقول "الله أكبر" فكأنها... كبّرت تكبيرة الإحرام، الحمد لله رب العالمين، فقد قرأ آية، ثم السلام عليكم، هذه يسبقها إسحاق. انتبه، صلاة شدة الالتحام، أي أنني والعدو - مع ذلك - الصلاة لا تسقط، لدرجة أنني فوق العدو هكذا، أقول: الله أكبر، الحمد لله رب العالمين، السلام عليكم. انتهى الأمر هكذا، نصلي الظهر ونؤدي. لحظة واحدة. ما معنى "صليط العصر"؟ إلى أي مدى تصل أهمية الصلاة يا مولانا؟ إلى أي مدى تصل أهمية الصلاة من ناحية، والتخفيف من ناحية أخرى؟
التوازن وأهمية الصلاة يعني أنه لا يرضى أن يجعلنا ننساها أو نؤجلها أو نؤديها بأي طريقة أبداً، بهذه الكيفية إلى هذا الحد. البالغ الأهمية هو الصلاة التي هي عماد الدين، والتي هي ذروة سنامه، والتي هي الفارق الذي بيننا وبينهم. وفي الناحية الثانية، التخفيف الذي يصل بالرفع الحرج عن الناس إلى هذا الحد، لأن المشقة تجلب التيسير. رمضان، وبعد ذلك يأتي التيسير في السفر ويبيحونه له، وفي المرض ويبيحونه له، وفي كِبَر السن ويبيحون له، والمرأة عندما يأتي لها الحد، وهكذا. إذا هذا هو المبدأ الذي سنراه كثيراً
متشعباً في كل مجالات حياتنا، والذي هو مستقر، يحقق العدالة، ويحقق السعادة، ويحقق المساواة، ويحقق الحب، ويحقق الجمال، ويحقق كل هذه العمارة، يحقق العبادة، يحقق التزكية للنفس، يحقق كل ذلك دون أن تختل فيختل الاجتماع البشري فتختل كل هذه المعاني الكبرى، لذلك لم يأت الإسلام ليقف ضد هذه الطبيعة البشرية، ولكن جاء ليهذب هذه الطبيعة. مولانا الإمام علي وعد باستكمال هذه المبادئ القرآنية ومناقشة هذا المبدأ تحديداً في الحلقات القادمة. شكراً لكم مولانا الإمام فضيلة الدكتور علي جمعة وعضو هيئة كبار العلماء. بالعزيز الشريف شكراً لكم، دمتم في رعاية الله وحفظه،
إلى اللقاء. اشتركوا في