والله أعلم| فضيلة الدكتور علي جمعة يرد على ادعاء المتطرفين بعدم مشروعية الديمقراطية| الحلقة الكاملة

والله أعلم| فضيلة الدكتور علي جمعة يرد على ادعاء المتطرفين بعدم مشروعية الديمقراطية| الحلقة الكاملة - والله أعلم
بسم الله والصلاة والسلام على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم والذي يقول: "ولا تحقِرَنَّ من المعروف شيئاً ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق". صدق سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. ما أجمل أن تكون باسماً في وجه الناس! هكذا يريدنا سيدنا صلى الله عليه وسلم لنكون عناوين مهمة. عناوين رائعة جدًا لإسلامنا الجميل، أهلًا بكم في هذه الحلقة الجديدة من "والله أعلم". نسعد دائمًا بصحبة صاحب الفضيلة مولانا الإمام الدكتور علي جمعة، وعضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف. مولانا الإمام، أهلًا بفضيلتكم. أهلًا وسهلًا
بكم، مرحبًا. مولانا، نقف عند هذه الدعوات المغلوطة التي يطلقها المتشددون كثيرًا ويستند عليها أخرى للتذرع بالعداء أو بمناصبة الإسلام العداء حول مشروعية الديمقراطية وهل هناك فرق بين الشورى والديمقراطية وكيف نفهم هذه الأمور وهذه القضايا التي أثارت كثيراً من الجدل فهل الديمقراطية من الإسلام بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه الديمقراطية نظام التجأت إليه الدولة الحديثة عندما أرادت أن تفصل بين شخص الحاكم وبين مؤسسة الدولة التي تبقى بعد بقائه والتي تنفصل انفصالاً تاماً عنه، عن مصالحه، عن شهواته
وعن رغباته، بل إنها تريد مصلحة البلاد والعباد. فالديمقراطية نظام من النظم يتطور ويتعمق ويتغير، وديمقراطيات الغرب في نشأتها تطورت أيضاً. كان قديماً عندما... بدأت هذه اللفظة في الشيوع في العصر الروماني، وديمقراطيات أثينا وروما تختلف اختلافًا كليًا عن ديمقراطيات أمريكا وبريطانيا، فهذه نظم تتطور. ولكن في النهاية هو نظام علينا أن نتأمله ونأخذ منه كله أو بعضه بحيث ننفع البلاد
والعباد. هذا أمر يعد من النظم، أما الشورى فليست نظامًا. مبدأ وليس نظاماً، ولذلك ليس من اللطيف أن نقارن بين أمرين لا تجمعهما قاعدة مشتركة إلا قضية أن الحاكم ليس ديكتاتوراً. يعني الشورى هذا نظام، هذا مبدأ. الشورى مبدأ يقول فيه الله سبحانه وتعالى: "وشاورهم في الأمر" و"أمرهم شورى بينهم"، فهذا مبدأ. طيب ما هو النظام
إذاً؟ الديمقراطية تقول إن الديمقراطية نظام وليست مبدأ. الديمقراطية نظام، نقول فيه يجب علينا أن نفصل بين سلطات ثلاث: السلطة القضائية والسلطة التشريعية والسلطة التنفيذية. فالفصل بين هذه هو الخطوة الأولى في بناء الديمقراطية. والسؤال: هل وجود هذه السلطات الثلاثة في الدولة المسلمة مقبول أو منهي عنه؟ الإجابة أنه مقبول. طيباً، الخطوة الثانية كيف نفصلها؟ الخطوة الثانية تتمثل في أركان ثلاثة أيضاً بخلاف السلطات الثلاث. بخلاف السلطات الثلاث، هذه
الأركان الثلاثة تقول أنه لا بد من تداول السلطة، فالسلطة المطلقة مفسدة، مطلقة. ومن أجل هذا، وحتى نفهم حقيقة أخرى وهي أن السلطة والمسؤولية وجهان لعملة واحدة، ولذلك إذا أردت تساءل أحدهم فلا بد أن تمنحه سلطة القرار وسلطة الفعل وسلطة التصرف وسلطة القيادة، ثم تسأله قائلاً: "هل نجحت أم فشلت؟ أنا كنت مسؤولاً". تعال لنسألك، ما هي المسؤولية؟ ومن هو المسؤول؟ وكذلك هذا الشخص مسؤول، ماذا يعني مسؤول؟ المسؤول يعني سيُحاسب ويُسأل: ماذا
فعلت؟ ماذا أنجزت؟ أنت... سواء فشلتَ أو نجحتَ، وسواء حققتَ الهدف أم لم تحققه، فلا بد من وجود مساءلة. ومعنى المساءلة أن هناك سلطة ستُعطى. إذاً بداية المساءلة هي القضية الثانية وهي تداول السلطة. حتى نسائل، ما الذي يجب أن يكون؟ لا بد من وجود مراحل، فما الذي سنسائل عليه؟ إننا سنسائل بشأن التداول. لكي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم، يبقى تداول الأموال نحن مأمورون به، وتداول السلطة نحن مأمورون به. ولذلك يعلمنا عمر، وهو ممن يرشدنا رسول
الله أن نأخذ ديننا منه، فيقول: "فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ". فيعزل خالد بن الوليد من الجيش في الشام. فيصير خالد بعد ما كان قائداً يصير جندياً فيلتزم بهذه الآداب العسكرية العليا للفارس النبيل، لأنه لا يهتم بأن يكون قائداً أو مقوداً، هو يهتم بأن يؤدي رسالة لهذا العسكري النبيل أو لهذا الفارس النبيل، ويُعيَّن فلان ويُترك فلان ويُزاح فلان ويُغيَّر فلان ويضع أبا موسى لا أعرف على أي أين في العراق ويضع فلان أبا عبيدة بن الجراح، بدأ سيدنا خالد مع سيدنا، وهكذا يكون إذاً التداول. والسؤال هو: هل
هذا التداول يقره الإسلام أم أنه منهي عنه في الإسلام؟ هذه الأركان، هل هذه الأركان تتوافق مع السلطات الثلاث؟ هل يقرها الإسلام أم لا؟ نعم، يقرها الإسلام، والأمثلة كثيرة، وأتتني القضية الثالثة في هذا المجال، نحن قلنا التداول والمسؤولية، والتداول يصبح رقم ثلاثة: المشاركة. هذه المشاركة يأتي ويقول لي: "نريد أن نفكر معاً، نريد أن نفكر معاً. هل عندكم جائز أم غير جائز؟ هل يصلح أم لا يصلح؟ هل تصطدم مع الحقائق الشرعية؟" قلت له: "هذه هي الشورى". هي الشورى هي أن نفكر مع بعضنا، "وأمرهم شورى بينهم"، "وشاورهم في الأمر"، "وشاورهم في الأمر"، فهذا
هو الذي نفعله. يعني المشاركة ليس فيها شيء. قلت له: لا، إن سيدنا عمر هذا هو الذي نخبرك عنه، فقد ذهب وحبس الصحابة في المدينة وقال لهم: احذروا أحداً. منكم من يغادر لماذا؟ ما كان هناك برلمان للرجال يعرض عليهم الأمر، حتى لا يفكر وحده، بل يفكر مع الناس الذين تشبعوا بفهم الشريعة وتشبعوا بالتقوى والالتزام بها، ليقولوا رأيهم في هذه الحادثة القادمة التي ليس لدينا مثال سابق لها، فيجلسون ليفكروا، ولكل عقل ولكل عين نظرة، وهذا أمرهم. شورى بينهم، فإذا أنا أمام مشاركة حقيقية في النص كمبدأ
وفي التطبيق كنظام. أنت تقول لي ما معنى الفرق الدقيق بين النظام والمبدأ؟ المبدأ هذا نظري، لكن تطبيقه أصبح له تجليات في النظام. في النظام، هل تدرك؟ هذا المبدأ هو الروح، لكن النظام هو الجسد، فالروح تحل في الجسد. يتحرك المعنى والمبنى المعنى والمبنى، فيبقى أنا عندي الديمقراطية هذا النظام. فلماذا تفعل هكذا؟ الذي تقول نظام هكذا وتعمل، ها، ضغط يسمونه عندنا في التجويد النبر. كأنها يعني شيء تافه، لماذا هكذا؟ قال إن تغير هذا، نحن ندعو الآن الغرب إلى ما بعد الديمقراطية وهم مهتمون جداً بدراستها. الآن ما بعد ما بعد الديمقراطية،
ما بعد ما نحن الذين ندعوهم، نعم، لماذا لا تتغير الديمقراطية ويصبح هناك شيء ما، نظام أيضاً ومتطور عن حصر تفكيرك في السلطات الثلاث والشروط الثلاثة والقضايا الثلاث والمبادئ الثلاثة. لماذا لا نأتي ونخرج ونزيدهم لنجعلهم أربعة؟ ماذا إذن؟ كيف؟ فلتفكروا، فها هو السادات إننا نحن المصريين سابقون غيرنا بالطبع. دعك من كل هذه الضوضاء المحيطة بنا والاستغراب الذي أضاع الناس وشتتهم، لكننا سبقنا غيرنا في وضع سقف للمجلس التشريعي. هذا السقف للمجلس التشريعي، الحقيقة أنها فكرة عبقرية، فأنشأت ما يُسمى بالدولة المدنية وليست الدولة العلمانية، أي أن المدنية هنا في
مقابل. المدنية مقابل العلمانية: العلمانية لا سقف لها، فهي متفلتة، لكن المدنية لها سقف تلتزم به. من العبقرية أن في كل دساتير مصر تنص على أن مبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع، هذه عبقرية. هذه العبقرية بدأت منذ أيام ما قبل وجود الدستور، منذ أيام إسماعيل. هذه العبقرية صنعها مجلس في الماضي، هؤلاء المصريون كانوا أناساً عباقرة، ولذلك عندما تأتي وتتحدث معهم ويترجمون لك مثلاً "الدولة المدنية"، يبتسم الأمريكي هكذا لأنه لم يسمع أبداً بمصطلح "دولة مدنية"، لكن قاموسه يشير إلى أين؟ إلى "الدولة العلمانية". نقول له: لا، المدنية غير العلمانية.
فيرد: لكن لا يوجد شيء اسمه مدنية. لدينا ما لم نسمعها من قبل. أنت لا تقرأ، فاقرأ واعرف أن المدنية غير العلمانية. ما ذنبي أنك لا تقرأ؟ فالدولة المدنية هذه دولة مهمة جداً. نحن دولة مدنية. ماذا تعني مدنية؟ تعني أن برلماننا له سقف، هو حر ويشرع ما شاء في إطار محدد. سقف مبادئ الشريعة الإسلامية لا يُضرب هذا السقف أبدًا ولا يُرفع، لن يأتي لي يوم ويقول لي أن الانتحار حلال ويجوز، وأن القتل الرحيم يجوز، وأن الإجهاض يجوز، وأن العلاقة الشاذة بين الرجل والرجل أو بين المرأة والمرأة تجوز، لماذا؟ دائمًا هذا يكون مخالفًا لمبادئ الشريعة
الإسلامية ولكل الديانات. إلى أين ستذهب؟ سأذهب لأشكوه إلى حضرة المحكمة الدستورية العليا، وأرى إن كانت الدستورية العليا فيها مجتهدون يدرسون المسألة وينظرون فيها إن كانت هذه مخالفة حقاً أم أنها تصلح. إن وجدوها تصلح، يقولون: "لا يا إخواننا، هذه تصلح"، ومن يقول إنها لا تصلح، يُبطل القانون. ولله في يده سلطة أن قلنا في فصل بين السلطات، قلنا نعم هذا هو تطوير للنظام. المحكمة الدستورية العليا هي تطوير للنظام أنه يُبطل القانون فيرجع مرة أخرى فيلتزم به البرلمان. إذن وجود سقف هو تطوير للديمقراطية، ووجود محكمة دستورية عليا هو تطبيق وتطوير للديمقراطية، ووجود الصفة للبلاد والعباد في الهوية.
ما هي هذه الهوية؟ إنها هوية حضارية. هذا تطوير للديمقراطية. ما هي هوية مصر؟ هوية مصر تتمثل في أمرين: الحضارة وليست الديانة. نعم، ألست معي في ذلك؟ سؤال: الحضارة الإسلامية مضافاً إليها اللغة العربية. حسناً، لماذا ليست الديانة؟ لأن فيها ديانات متعددة منها المسيحية ومنها اليهودية وغيرها، فإذن هي الحضارة. الإسلامية موافق عليها من الجميع، فهي إذن التي تحقق الهوية. وماذا عن اللغة العربية؟ نعم، هي التي تحقق الهوية أيضاً. فنحن إذاً أمام هوية يجب الحفاظ عليها. وإذا كنت أمام تطوير للديمقراطية فيما بعد الديمقراطية،
فبالطبع هناك أمور كثيرة لا تصلح في هذا الوقت الضيق الذي نحن فيه في البرنامج. واكتساب ولكن يعني يقول أشياء عجيبة. الشك - وأنت تنتبه - فأنا الآن أمام نظام، والشورى عبارة عن مبدأ، والمبدأ هو المعنى وهو الروح، والنظام هو المبنى وهو الجسد. مولانا الإمام، إذاً نفهم من أن الدولة في الإسلام في الحضارة الإسلامية دولة مدنية بهذا الشكل وبهذا الفهم، يأتي البعض ليكون ويقول: "لا، أنتم تتحدثون الآن عن دولة دينية. لا، الدولة الدينية عندنا نحن أنهيناها من أيام الرسول. أنهيناها بقوله تعالى: محمد رسول الله، بقوله تعالى: رسول
الله وخاتم النبيين. هل تنتبه كيف؟ ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين. خلاص، انتهينا من الدينية. تحتاج نبيٌّ أو كاهنٌ يخبرنا ما يفكر فيه ربنا، لكننا لدينا "تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ". خاتم النبيين يعني أنه لا يوجد نبي معنا هنا الآن، فلا يمكن أن تكون دينية. والدين ماذا يعني؟ يعني أنها تسير بأمر الله الذي هو ماذا؟ أمر الله. اسألوا إذن من الذي يسأل ومن الذي يتكلم: الله أم الرسول أم النبي؟ حسناً، انتهى الوحي، فلا توجد دولة دينية أصلاً في مفهوم الإسلام. لا توجد دولة دينية أصلاً لأنها تتعارض
مع عقيدة المسلمين، لأن وجود دولة دينية يستلزم وجود نبي مقيم مثل أنبياء بني إسرائيل. هكذا لكن النبوة ختمت وانتهت، فيصبح خلاص، إذاً ماذا يكون؟ علماء أمتي ورثة الأنبياء. هؤلاء العلماء يجتهدون. الله! هل هم معصومون؟ لا، ليسوا معصومين. هل يمارسون السلطة يا مولانا؟ العلماء ليس لديهم سلطة، بل هذا اجتهاد. نعم، وهذا الاجتهاد قد يخطئ فيأخذ أجراً، وقد يصيب فيأخذ أجرين. فيكون إذاً هذا أين تلك القداسة التي تمنع الناس من أن تقول للمخطئ: نحن نرى أن هذا خطأ لأنه يترتب عليه أذى، ولأنه يضيع مصالح،
ولأنه يعود على المقاصد بالبطلان، ولأنه يتعارض مع المآلات، ولأنه خارج عن الإجماع. أي شخص في الشريعة الإسلامية يستطيع أن يفعل هذا عندما يكون على علم. يكون عالماً عندما يكون عن غير علم فيصبح شغباً، فهذه هي الحكاية. نحن ليس لدينا كهانة، وليس لدينا قداسة للمجتهد. المجتهد يخطئ فيأخذ أجراً له لأنه كان حسن النية، ويصيب فيأخذ أجرين له من فضل الله تعالى. فنحن ليس لدينا أصلاً دولة دينية بأصل الإسلام لأننا ندّعي ونقول. ونعتقد اعتقاداً جازماً أنه خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم. إذاً الدولة في الإسلام هي دولة مدنية، وعلماؤنا ليسوا متشددين
ولا يقولون أن الحكم لله وحده كما قال الخوارج مع سيدنا علي. هل كل ما نقوله أو ما تفضلتم به مولانا يتفق مع مفهوم الحاكمية؟ هو طبعاً كل هذا يتماشى لأننا جعلنا هذه الحاكمية سقفاً للاجتهاد، ولأننا جعلنا هذه الحاكمية سقفاً لصياغة القوانين الجارية بين البشر، بعض الناس يقول: ولماذا تصوغون قوانين ولا تجعلون الأمر بيد القضاة؟ نقول لهم: لا يوجد مانع، ولكن
هذا النظام ليس موجوداً الآن، ولو وُجد لكان من الأفضل أن يكون كل القضاة من طبقة المجتهدين. كان شريح من طبقة المجتهدين، وكان علي من طبقة المجتهدين، وكان أبو يوسف من طبقة المجتهدين. أبو يوسف القاضي، وكانوا قضاة كلهم يا مولانا. وكانوا قضاة: شريح القاضي، وعلي كان قاضياً، كلهم كانوا قضاة، وكذلك وكيع كان كذلك. وهكذا حضرتك تأتي الآن وتقول لي: نكلف الناس بما لا يطيقون؟ لا، نتعامل مع الواقع، أن الاجتهاد قل. هذا الاجتهاد القليل في وقت كثُرت فيه الناس. لدينا في مصر فقط مائة مليون. إن الذين شهدوا النبي كانوا
مائة ألف، مائة وأربعة عشر ألفاً في حجة الوداع. اليوم ثلاثة إلى أربعة ملايين يحضرون الحج، أي أربعين مرة مما كان مع النبي. تخيل زادت هذه الزيادة المفجعة، كم يحتاجون من القضاة؟ وكم يحتاجون من الترتيبات؟ يجب تعليم القاضي وتدريبه وتعميق معرفته. كل هذا موجود لدينا في وزارة العدل، ولدينا معهد للقضاء، ولدينا ترتيبات ومؤسسات، ولدينا كذا وكذا لمساعدة هذا الحاكم كي يقضي بين الناس بالحق. وبالعادل فهو يجلس على منصته محاولاً أن يكون له طرف من نور السماء نازل عليه كالقاضي، لأن القاضي منحه الله قوة أن حكمه سينفذ ظاهراً عند الناس وباطناً عند
الله. يا له! إنه يجب أن يكون رجلاً محترماً. حسناً، ومن أين أجلب العدد؟ من أين أتى كل هؤلاء الناس؟ وأُكلِّفه أيضاً أن يكون مجتهداً. يعني حضرتك، الاجتهاد في التاريخ الإسلامي بطوله وعرضه خمسة وثمانون شخصاً عندما تحسب التابعين وتابعي التابعين. أنت تريد هنا الآن ونحن لدينا عشرون ألف قاضٍ أن يكونوا جميعهم مجتهدين. إذا فقدتُ القاضي المجتهد فلا بد من... القانون، نعم، لابد من القانون الحاكم يا مولانا دائماً، لأنه يرشد القاضي ويوجهه. الناس كثرت شكواها وكثرت دعواها وكثرت أمورها إلى آخره. اليوم أمامي آلاف مؤلفة من القضايا أمام القاضي، الله يكون في عونه. أأتي أنا وأقول له: لا،
أنت تجلس في القضية كم من الوقت؟ فيقول له... هذا أنا أجلس في القضية ربما ستة أو سبعة أشهر أدرسها وهكذا. قال له: لا والنبي، اجلس ستة أو سبعة سنين، أهذا كلام يرضي ربنا أبداً؟ تتعب! إن العدالة المنجزة جزء من العدالة. الناجزة هذه، الناجزة المنجزة هذه، لكن آتي وأقول له: ادرس جيداً واجتهد هكذا وانظر. ما القصة بالضبط؟ ولذلك كل هذه الأشياء هي التي جعلت القانون مساعداً له. هذا النص يا أبنائي، وأنا أحكم بهذا النص. هذا النص من الذي صنعه؟ لجنة تشريعية وصنعه خبراء في الحقوق وصنعه أناس مختصون بالصياغة، لجنة الصياغة، وظلوا يناقشون فيه حتى وصلوا إلى هذه الصياغة التي يُحكم بها. القاضي وأيضاً هذا النص يتطور عبر الزمان طبقاً للعادات والتقاليد
والمصالح ولتحقيق المقاصد ولأحوال البلاد والعباد. كل هذه الأشياء ساعدت القاضي على الحكم الصحيح حتى يكون قاضياً يرضي الله ويرضى عنه الناس. فهؤلاء الناس الذين يدعون إلى هذه السذاجة التي يدعون إليها هم لا يدركون الواقع وهذا أحد. صفات المتطرفين: فقد إدراك الواقع، الصفة الثانية: فقد إدراك المآلات، الصفة الثالثة: فقد إدراك المصالح، الصفة الرابعة: فقد إدراك المقاصد الشرعية. وهكذا، عدم إدراك للواقع، وعدم إدراك للنص، وعدم إدراك للغاية، وعدم إدراك للمصالح، وعدم إدراك للمآلات، وعدم إدراك
للمقاصد، وعدم إدراك لحاجات كثيرة، فينظرون. الدنيا، ولذلك كانوا ألعوبة في يد الأعداء. ولماذا هم ألعوبة في يد الأعداء؟ لأنهم لم يطيعوا سيدنا النبي. قال لك: عندما ترى هذه العلامات انسحب، كن حلساً من أحلاس بيتك. لماذا تصدر بالسلاح؟ شوّه صورة الإسلام والمسلمين، ولم يصل إلى شيء، في حالة هزيمة دائمة ومستمرة، وتمسك دائم ومستمر بنطاق ومقتنع أنه يعني أنه يُحسن صنعاً وأنه هو هذا الإسلام الذي يجب أن يقدمه. نعم هو كذلك وهو مخطئ يا مولانا. يعني إذا ما ذهبنا إلى فكرة الحريات، حرية الشعوب، هل يؤكد هذا المبنى والمعنى في
بناء الدولة في الإسلام على حرية الشعوب التي تؤكد عليها ما يسمونها بالديمقراطيات الحديثة؟ هو على ما هو، انتبه جيداً، إنهم يحاولون كأفكار لم تكتمل أن يطوروا الديمقراطية التي دعونا إلى مصطلح ما بعد الديمقراطية. جعلوا الصحافة هي السلطة الرابعة مثلاً. فالقضية هنا قضية الحريات، حريات ماذا؟ لدينا ثلاثة أنواع من الحريات، أو لا نقول أنواعاً بل نقول مستويات من الحريات، ثلاثة. مواضيع للحريات، وعندنا أربعة أنواع من الحريات المكفولة: حرية الاعتقاد،
وحرية العمل، يعني لا يمكن أن تتخرج من كلية الطب ثم تعمل طبيباً فيأتي أحدهم ويقول لك: "لا، سأمنعك من أن تعمل طبيباً"، أو تعمل مهندساً فيقول لك: "سأمنعك من أن تعمل"، هذا غير مقبول. حرية العمل وحرية الانتقال ما... لا يصح أن تقيّد شخصاً في الانتقال، يأتي لينتقل من مكان إلى مكان فتقول له: لا، أنا أريد أن أسكن هنا، سأسكن هنا، أنا حر. فحرية السكن وحرية الانتقال وحرية العقيدة وحرية العمل هذه أربع حريات مكفولة، وهناك حريات تابعة لهذا مثل حرية التعليم مثل حرية الاختيار مثل حرية يعني توجد حريات تابعة، لكن ما هي المستويات؟ أنا أريد حرية،
في ماذا؟ ما هي مستوياتها؟ فقال: أولاً تأتي في حرية الرأي، حرية الرأي. فيأتي شخص ويقول: لا، أنا سأمنع كلامك هذا، أو سأمنع هذه القصيدة، أو سأصادر هذا الكتاب، أو سأصادر هذا الكتاب. فهذا مصادرة لحرية الرأي. قلت: له، لكن هذا رأيي أنا وأريد أن أقوله. قال لي: لا، أنا لست موافقاً على هذا، رأيك خاطئ، لا يصلح. أنا لن أصطدم معي وسيصطدم مع كذا إلى آخره. حرية الرأي، لكن الأعمق من حرية الرأي هي حرية المعلومات، هل انتبهت؟ نعم، يعني حرية الرأي واحدة. يقول كلامًا وأنا يمكنني الرد عليه بكلام مثله وتصبح
عملية كلامية بين الطرفين، ويقول كلامًا فأفنده له، فيقول كلامًا فأفنده له، وهي التي يسمونها الفنقلة: "فإن قيل قال، وإن قال قيل" وهكذا. هذه حرية الرأي، لكن توجد حرية أخرى هي حرية الخدمات، وتوجد حرية ثالثة وهي أشد. وهي حرية المعلومات، حرية المعلومات أن المسؤول الفلاني نزل بالطائرة وأدخل بضاعة من غير جمارك. فيقوم الصحفي بمعرفة هذه العبارة ويريد نشرها والصحافة تعمل بشكل صحيح. ليست هذه حرية، فهذه ليست رأياً بل معلومة وهو متأكد منها وقد صوّر البضاعة وهي داخلة
موثقة، الأمر موثق، الأمر موثق. فالحرية الأولى ممكن تصل إليها لكن لا يكون فيها حرية أيضاً. الحرية الثانية يمكن لدولة أن تصل إليها لكن أيضاً لم تصل بعد إلى الحريات التي نتحدث عنها في المجتمعات الغربية. الحرية الثالثة هذه هي أهم شيء، هذه الحريات، الحرية الثالثة هذه هي التي أطاحت بنيكسون في فضيحة ووترجيت. هذه عمل... ماذا؟ أولاد صحفيون حصلوا على معلومات أحرجت الرئيس أمامه، وهذا ما يحاولون فعله مع ترامب الآن في قضية المعونة الروسية في تعيينه أو في ترشيحه أو ما شابه ذلك إلى آخره. لو توصلوا إلى شيء، لكن
كلهم معلوم. هناك حرية وهذه هي الحرية هنا، ممارسة حقيقية، ولا يستطيع رئيس الجمهورية أن يعترض عليه، هل تفهم كيف؟ فحرية المعلومات هذه هي المستوى الأعلى الذي وصلت إليه البشرية في هذه القضية. حرية الرأي، حرية الخدمات، لكن هناك أيضاً حرية معلومات. قل يا مولانا، اسمح لنا أن نذهب إلى فاصل قصير ثم نعود ونكمل هذا الحوار. ابقوا معنا. أهلاً بحضراتكم، كنا نسمع دائماً ونحن نقرأ في تاريخنا وفي حضارتنا هذا العنوان وهو "هذا المسلم أهل الحل والعقد"، فمن هم أهل الحل والعقد؟ وما الذي يمثل هذا المعنى في حاضرنا الآن؟ في المنجز الإسلامي، منجز الحضارة الإسلامية، الحل يعني الفك
وضدها العقد، فمعناها أنه يحل أي يفك، أو أنه يعقد أي يربط. فالحل والعقد مثل النقض والإبرام، إما أن ينقض الحكم السابق ويلغيه، وإما أن يبرمه ويؤكده ويمضيه. فالنقض والإبرام يشبه الحل والعقد. والحل والعقد في عصرنا الحاضر هو مؤسسة البرلمان وما للشعب، وكان بجانبه مجلس الشورى. هذا هو أهل الحل والعقد لأن مجلس الشورى هذا... له نطاق وله اختصاصات، ومجلس الشعب له اختصاصات.
عندما آتي لأضمهم أو أجعل هناك مجلساً واحداً وهو مجلس البرلمان، يصبح هذا البرلمان هو أهل الحل والعقد. فأهل الحل والعقد هؤلاء هم الذين بأيديهم أن يحلوا الأمور، لأن هذا المجلس التشريعي مجلس في منتهى القوة والخطورة أيضاً لأنه يضع القانون للقاضي للناس ما هو القاضي سيطبقون على الناس، فإذا هو بيده حل المشكلات وبيده عقد وربط الأمور حتى تتقدم إلى الأمام، التي هي السلطة التشريعية، وله الحق في رقبة السابقة واللاحقة في هذه. كذلك نعم، والنقض والإبرام، هو ينقض ويبرم ويحل ويعقد ويؤدي هذه
المهام كلها لمصلحة البلاد. والعباد، ولذلك كان هذا البرلمان فكرته أيضاً وهي فكرة المشاركة، أن يتمثل فيه كل طوائف الشعب. وهنا ثار في الديمقراطيات العريقة سؤال غريب بعض الشيء: ما هو؟ ما دام كل طائفة يجب أن يكون لها ممثل في البرلمان، هل توافقون أن يكون للمجرمين الأبالسة مندوب في البرلمان؟ وتم طرح هذا، في الكتب توجد تصورات وعلاج وما إلى ذلك بتعمق، أي أنه في الوقت الحالي توجد طائفة تسمى النشالين، وتوجد طائفة تسمى مثلاً جماعة الصعيد، وتوجد طائفة
المطاريض الذين في الجبل. حسناً، هؤلاء يريدون أن يشتركوا وليسوا منعزلين عن المجتمع، فهل لهم مكان بين العرب؟ هذا هو السؤال أو هذه. الجملة هل له محل من العرب؟ نعم، هم كذلك، هم يعيشون هذه التصورات كلها، وبدأوا هنا حتى يردوا على هذا التوجه والطرح العجيب الغريب بعض الشيء علينا بفكرة النظام العام والآداب. فالنظام العام لا ينبغي القدح فيه، ومن هنا سيكون النظام العام والآداب هو سقف أيضاً من أسقف الحريات، فقال انتبه، فهناك سقف يُسمى سقفنا، وهو مبادئ الشريعة. أما السقف الذي وضعوه هنا فقال إن هذا السقف هو النظام العام والآداب. ما هو النظام العام والآداب؟ إنه يتغير
بتغير الزمان والمكان، لكن مبادئ الشريعة لا تتغير بتغير الزمان والمكان، ولذلك إذا كنا نضيف النظام العام والآداب فهو هذا. الذي يمنع أن يأتي شخص ليقول لي "حسناً لا بأس، أنا أريد أن أسب الله في كتاب هكذا وأنشره، سب لله"، فأقول له: "ما هو سب الله؟ أنت تريد أن تسب الله بينك وبين نفسك، لن نفعل لك شيئاً، أنت حر، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر، لكن أنت تريد هذا قدح في النظام العام والآداب العامة، وهذه أيضاً جزء من الحريات التي كنت تسأل عنها الآن، وهي الضبط بالنظام العام والآداب. يعني كل شيء ليس مطلقاً، فهناك فرق بين الحرية والتفلت. مولانا الإمام، هناك من يرى، ودائماً لا بد لكي ننصحك أن نقف عند هذين الطرفين. طرفٌ يرفض كل ما يأتي من الغرب رفضاً كاملاً، وطرفٌ
آخر يعشق ويُولع بكل ما يأتي من الغرب. سقفنا المعرفي يرى أن هذا هو نموذج الحضارة الإسلامية، فهل يرفض كل الرفض أم يقبل كل القبول؟ لا هذا ولا ذاك، فأصل القضية تأصيلٌ وليس انتقاءً، لأنه إما الرفض المطلق وإما... القبول المطلق وأما الانتقاء العشوائي فلا يوجد غير ذلك. هذا كله في حالة الانتقاء، إما أن أجلس لأنتقي وأقول: لا، كله لا يعجبني، أو أقول: كله أعجبني، أو أقول: بعضه فقط. حسناً، ما هو المعيار؟ هذا مجرد هوى، لكن التأصيل هو أن يكون كل شيء بدليله مع مراعاة مآلاته. ومستقبله وما سيترتب عليه من فوائد، في هذه
الحالة يكون هذا تأصيلاً أي له أصول، أي أنه يسير على هدى وبينة. ومن هنا نحن نرفض فكرة الانتقاء. كذلك في فكرة ثالثة وهي المقاربات، بمعنى أنه كلما يعملون شيئاً ويعجبنا نقول: على فكرة عندنا مثله. يعملون ديمقراطية فنقول إنها... هذا اسمه ماذا؟ المقاربات. هذه المقاربات في كل مرة نعجب بشيء نقول: لدينا هذا، إنها بضاعتنا، رُدَّت إلينا. أمر غير معروف، مقاربات، وأمامها المقارنات. كيف شكل هذه المقارنات؟ يقول: لا، انظر، لأنهم
فعلوا هكذا أصابهم الإيدز. انظر، لأنهم فعلوا هكذا، لا أعرف، حدث انخفاض في الناس، انظر. لأنهم عملوا كذلك مقارنات بين مقارنات ومقاربات. المقارنات والمقاربات هذا منهج مرفوض. أما لماذا؟ الذي ليس مرفوضًا هو التأصيل. نعم، إذن إذا كان التأصيل مقابله المقاربات والمقارنات من ناحية، ومقابله الانتقاء من ناحية أخرى، وكلاهما مناهج مرفوضة، فما الذي هو مقبول إذن؟ ما هو المعيار؟ ما هو الحاكم؟ إنه التأصيل، ما تريد أن تفعله أصله تأصيل، هذا يجعلك تفكر بشكل أفضل، ويجعلك في حالة ليست مجرد انتقاء أو اختيار. نعم، إنه يجعلك تعرف أصل الشيء ويجعلك
تدرك المآل الذي ستصل إليه. فالتأصيل كلمة نطلقها أمام كل هذه المناهج المرفوضة من المقاربات والمقارنات والانتقاء والقبول المطلق وأمثال هذه المناهج العجيبة. المنهج الذي نسير عليه في الإسلام هو التأصيل وليس هو هذا. حينئذ ماذا يحدث؟ هاتان مبادئ موجودة في الشريعة تقول: "ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا، اعدلوا هو أقرب للتقوى". في تأصيلي أنا محكوم بالعدل، في تأصيلي أنا محكوم بالمصلحة والمنفعة، في تأصيلي أنا محكوم. بما سيكون ويقول إليه الأمر بتأصيلي أنا محكوم بهويتي،
بتأصيلي أنا محكوم بالمقاصد الشرعية العليا التي تسمى الآن النظام العام والآداب. في تأصيلي أنا محكوم بالمصلحة التي هي والمنفعة هي وزناً ومعنى. هذا ما نحن سائرون فيه، لكن لا الالتقاء ولا المقارنات ولا المقاربات ولا الرفض. المطلق ولا التوفيق الذي يصبح تلفيقاً، يا مولانا الذي يصبح ولا أي شيء. هذه المناهج، منهجنا ها هو كلمة تأصيل. التأصيل الذي يحافظ على الثوابت وينفتح على الآخرين دائماً، نعم، ولكن ما رأيك في كلمة أخيرة موجزة: كيف نعطي عنواناً مهماً لهذا النموذج وهذا السقف المعرفي في الإسلام وفي... الحضارة الإسلامية: ما هو التأصيل؟ ما هي كلمة التأصيل؟ هي التي عند شرحها سنقول
كل هذا الكلام. مولانا فضيلة الدكتور علي جمعة وفضيلة كبار العلماء بالأزهر الشريف، شكر الله لكم وغفر الله ذنبكم ورضي الله عنكم. دائماً أهلاً وسهلاً بكم، دمتم في رعاية الله وأمنه. إلى اللقاء.
اشتركوا في