والله أعلم| فضيلة الدكتور علي جمعة يرد على تبرأ داعش من الأفكار التكفيرية| الحلقة الكاملة

والله أعلم| فضيلة الدكتور علي جمعة  يرد على تبرأ داعش من الأفكار التكفيرية| الحلقة الكاملة - المتشددون, والله أعلم
أسعد الله أوقاتكم بكل خير، وهي الحلقة تتجدد معكم دائماً ودوماً، ومع فضيلة الإمام، مولانا الإمام الدكتور علي جمعة، عضو كبار العلماء بالأزهر الشريف. مولانا، أهلاً بفضيلتكم، أهلاً وسهلاً بكم. مولانا، إذا ما كنا نتحدث دائماً عن تلك الجماعات المتطرفة المتشددة التي تبدأ من التفكير للتكفير وتنتهي بالتفجير والتقتيل الآن. يتبرؤون من أنه ليس في مناهجهم أي شيء يدل على التكفير ويتبرؤون من ذلك وأصدروا من خلال ذلك
الكتب، فما حقيقة هذا التبرؤ من حقيقة تكفيرهم لعموم المسلمين؟ بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. تقويمنا لأهل الإرجاف وهكذا نحب. أن نسميهم تطابقاً مع المصطلح القرآني لهذه الطائفة: "لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا * مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا" في سورة الأحزاب. فنحن مع هذه التسمية التي هي أليق وأنسب باللغة العربية والتي تؤدي معنى الإرهاب
بالمفهوم العالمي يتحدث عن أولئك الذين يفرضون آراءهم بالسلاح والقتل والإرهاب بمعنى التخويف، وهذا أمر نرفضه جميعاً، وهو حقيقة الإرجاف الذي كان يقوم به طوائف من المنافقين في المدينة، إذاً هم مرجفون بهذا المعنى. نحن دائماً نطلق عليهم الإرجاف والمرجفين وما إلى ذلك اتباعاً للقرآن الكريم. والمعنى واحد ولذلك لا نشدد لأننا دعونا الصحافة العالمية ودعونا الإعلام العالمي أن يتبنى كلمة "الإرجاف" بدلاً من "الإرهاب"، ولكن دائماً ما يسير الإعلام مع المقولة التي تقول "خطأ شائع خير من صحيح مهجور"، فلا
نقف كثيراً لأنه لا مشاحة في الاصطلاح في الحقيقة، ولكن الدقة تجعلنا نصف هؤلاء. الشرذمة بأنهم من المرجفين. الإرجاف حدث في العصر الأول، الإرجاف حدث عندما كانت هناك طائفة من المنافقين تريد قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عائد من تبوك. أربعة عشر منافقاً حاصروه في شعب الجبال يريدون قتله. الإرجاف حادث في هؤلاء الذين بنوا مسجداً للضرار في عهد. رسول الله، الإرجاف حدث عندما تخلى المنافقون في معركة أحد عن المسلمين. الإرجاف حدث في تجليات
كثيرة انتهت بعد ذلك بأولئك الذين قتلوا علياً رضي الله تعالى عنه، كانوا يظهرون الإسلام. وكان عبد الرحمن بن ملجم هذا من تلاميذ معاذ، وكان عنده كتاب يحفظ الناس فيه القرآن، وبالرغم من... ذلك قتل باب مدينة العلم عليه السلام الإمام علي، هذا أول من أسلم، الإمام علي هذا ابن عم رسول الله، الإمام علي هذا الذي رباه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونقول كرم الله وجهه لأنه لم يسجد لصنم، الإمام علي هذا زوج ابنته السيدة فاطمة عليها. السلام وهي سيدة نساء أهل الجنة وأبو الحسن والحسين هذا قول أبو الريحانتين الحسن والحسين شيء لا يتصوره عقل
عاقل أن هذا المجرم الآثم وهو يحفظ القرآن ويُحفِّظ الناس القرآن إلا أن النبي أخبرنا من شأنهم أنكم تحقرون صلاتكم إلى صلاتهم وصيامكم إلى صيامهم طوبى لمن قتلهم وقتلوه من قتلهم. كان أولى بالله منهم يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية، يعني وصفهم وصفاً عميقاً وحقيقياً. وهؤلاء أصبحوا مكونين لفرقة خرجت على الإمام علي وخرجت أيضاً على معاوية وسُميت بالخوارج. وهؤلاء الخوارج كان في بداية أمرهم ستة آلاف مقاتل، مشربهم هكذا عنيف، عقلهم هكذا غبي، لا يدركون الواقع ولا يدركون. الشرع ولا يدركون المآلات ولا يدركون إجماع الأمة ولا يدركون
الشيء، يعني لا يدركون شيئاً، لكنهم يدركون أنفسهم. بمعنى ماذا؟ أتعلم عندما رفض إبليس أمر الله سبحانه وتعالى أن يسجد لآدم وقال: "خلقتني من نار وخلقته من طين"، لا أستطيع أن أتقبل في عقلي أن أسجد لآدم، أنا خير منه. فقال العلماء: يريد أن يعبد الله كما يريد، يعني إبليس أراد أن يعبد الله بمزاجه، بمزاجنا، لا كما يريد الله. يعني يريد أن يعبد الله كما يريد هو، لا كما يريد الله. تعالى يقول لك: اسجد، فتسجد. قالوا: سمعنا وأطعنا، غفرانك ربنا وإليك المصير. أنت في الحضرة الإلهية، ولذلك وهم يتحدثون عن إبليس
هذا أنه في حالة نسيان تام. إبليس الآن لكي يستطيع أن يستمر لا يتذكر أنه شرير. لماذا نسي؟ نسي! منصوص عليه في كتبنا، في كتب أهل الله، أن إبليس في حالة نسيان تام حتى يستطيع أن يتكيف مع نفسه للاستمرار في الإغواء. هذه هي العلة. هذه العلة نسيانه، اجعل بالك (انتبه)، كيف نسي؟ ولذلك أُلِّفَت قصص كثيرة عن نسيان إبليس. هل هو نسي فعلاً أم أنه ما زال متذكراً أم ماذا؟ أم أنه يتناسى؟ إنه يتناسى، لكنها ليست حاضرة عنده الآن. هل تنتبه كيف؟ فهذه في الحقيقة مسألة بلاء. هذا البلاء شهدناه في
البشر، ولذلك لنا في البشر شياطين، الإنس والجن، يعني في البشر شياطين أيضاً. لماذا ينسى الأمور الأساسية ويعتقد أحقية نفسه مع الجهالة التامة بالمآلات، بالواقع، بالشريعة، بالإجماع، باللغة؟ جهالة تامة بهذا. فهذا الشأن حدث للخوارج الأُوَل، هؤلاء الخوارج لما ذهب ابن عباس إليهم من طرف الإمام علي رضي الله عنه. قال الله تعالى عنه وعليه السلام له: خاطبهم بالسنة لأن القرآن حمّال جداً، كلما تأتي له بآية سيلتف لك ويبحث عن آية أخرى ويضرب القرآن بعضه ببعض. لديهم قدرة عجيبة في رفض
الحجج ورفض ما اتفق عليه أهل اللغة وإجماع الناس وهكذا، ويفهمون فهماً معوجاً قاصراً من أنهم يؤمنون ببعض. الكتاب ويكفرون ببعض وربنا حذرنا من هذه الحالة: أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض؟ فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزيهم في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب. لماذا هكذا؟ قل هل أنبئكم بالأخسرين أعمالاً؟ الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً. فلما ذهب... ابن عباس وجادل لهم فرجع معه ألفان عادوا إلى صوابهم وانكشفت لهم الحقائق وفهموا أين العلة. هؤلاء من المخلصين فعادوا بعدما اتضح لهم، وجادلهم
فكراً بفكر. بقي أربعة وتم قبولهم يا مولانا، تم قبولهم ولكن كانت نياتهم صادقة وكانت رجعتهم صادقة. تم قبولهم وتم احتواؤهم وأصبحوا معنا في. طرف أهل السنة والجماعة ومع إمام الحق علي رضي الله تعالى عنه وعليه السلام، إذ يأتي الأربعة، لم يفضلوا هؤلاء الأربعة، فقد كانوا في غاية القسوة والعنف والشدة وهكذا، وانتشر هذا الداء فيمن مشربه كذلك. انتبه إلى هذا الهراء الذي أتى به أولئك المرجفون أو أولئك الخوارج أو... أولئك الإرهابيون في عصرنا كل
هذا لا يتأتى إلا مع طبع عنيد عنيف يحب رؤية الدم، وهذا موجود في البشر جميعًا وليس في المسلمين فقط، طبع بعيد عن قول النبي "يا عائشة إن الرفق ما دخل في شيء إلا زانه، وما نُزع من شيء إلا شانه"، طبع بعيد عن اللهج سبحانه وتعالى: "فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون". مشرب بعيد عن التبري من العدوان: "وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين". في أشد المواقف ربنا يأمرنا بضبط النفس وبالعفو. "ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفاراً حسداً
من عند أنفسهم". من بعد ما تبين لهم الحق ماذا سنفعل بهم؟ فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمركم، إن الله على كل شيء قدير. وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة. يعطيني سلوكاً وعملاً لأنشغل به عن الانتقام وعن التجبر وعن العدوان، لأن الله كما قرر لا يحب المعتدين، مولانا الإمام إذا كان فضيلتكم. أصدروا كتاباً لدحض شبهات الحاقدين على دولة المسلمين، يريدون فيه أن يتبرؤوا من أنهم لا يكفرون أحداً. فهل يأتي هذا بعد سلسلة هزائم تحققت فيهم ويريدون إيجاد صيغة للحياة لإعادة الحياة لهذه الجماعات المتطرفة الهاربة لكي تعيش بين الناس؟ أذكرك بما ذكرناه توًا أن الستة آلاف من الخوارج الأوائل.
وكانوا أعلم وكانوا أكثر معرفة باللغة وبغيرها وما إلى ذلك. من الستة آلاف رجع منهم ألفان فقط مع حبر الأمة ابن عباس، ابن عباس الذي دعا له رسول الله والذي كان أحد العبادلة في الفقهاء من الصحابة. ألفان فقط، أي الثلث، حسناً، والثلثان لم يحترموا رأي حبر الأمة. حسناً، ماذا ما الذي يحدث لهؤلاء الناس؟ سيرجع منهم قوم، لكن هؤلاء القوم سيكونون في حدود الثلث فقط. إذاً، والثلثان؟ نعم، إن الثلثين سيعيثون في الأرض فساداً، ولا يفل الحديد إلا الحديد، ولا يفل السلاح إلا السلاح. هكذا أمر الله فيهم. هؤلاء
الذين فعلوا هذا في الخوارج الأولين، جلس المسلمون يحاربونهم. من سنة سبع وثلاثين إلى سنة اثنتين وثمانين - خمسة وأربعين سنة - حتى استطاع المسلمون أن يقضوا على هذه الفتنة العمياء الصماء. ثم عادوا متى انتهوا؟ لقد انتهوا تماماً، لأنه لا يوجد عودة ولا شيء، فمن عاد فقد عاد من جديد، ولكن الآخرون استمروا في نشر مذاهبهم واستمروا في النسل يُخرجونه فلا يلد إلا فاجراً كفاراً. كان سيدنا نوح في الزمان القديم ففعلوا هكذا، وظلوا يؤسسون هكذا خمسة وأربعين سنة، يعني في جيلين. في جيلين وُلدوا من الخوارج. الأوائل الذين رأوا سيدنا علي غير الخوارج الذين قُضي عليهم سنة اثنتين وثمانين، بينهم خمسة وأربعون
سنة، وبعد أن قضى قضاءً مُبرماً بدأ المسلمون في بناء حضارتهم، إذ القضاء عليهم أو البناء مرهون بالقضاء على فصيل لما يتنكرون له الآن وينكرونه. إنهم لم يقتلوا أحداً رفض البيعة لهم، ولم يُجبروا أحداً على الانضمام إليهم. كيف يقبل العقل كل هذه التُرَّهات بعد ما قدموا كل هذه المشاهد من مشاهد الفساد والإرجاف عندهم الغاية تبرر الوسيلة وعندهم أنهم يريدون مرة أخرى العودة إلى ما كانوا
عليه والذي جربناه مع جماعات الإرهاب والتطرف، لأن هناك بين هذه الجماعات فوارق. هناك متشددون يتولد منهم طائفة من داخلهم من المتطرفين، ويتولد من المتطرفين من يحملون السلاح وهم الإرهابيون أو المريفون الذين يحملون السلاح، فهي مثلاً دوائر تفصيلاً هي خمس دوائر، لكن دعنا نقول إنها ثلاث دوائر. دائرة واسعة كبيرة هكذا من مشرب ومتشدد. دائماً عندما يرى رأيين، أحدهما فيه يُسر والآخر فيه عُسر، يأخذ الذي فيه عُسر. ينزع إلى التشدد دائماً الله مسرور، هو هكذا، لا إله إلا الله. أتنتبه كيف هو تربى؟ عَلى هذا حسناً، لا يحدث شيء، فشأنه
مع نفسه. إلى متى لا يحدث شيء؟ يعني متى يبدأ "لا يحدث شيء" هذه؟ أي "لا ضرر ولا ضرار". في المنطق، متى يتجاوز هذا الحد الفاصل أن يُلزم غيره بما رآه؟ الورع لا نهاية له، وكان الصحابة يدعون سبعين باباً من أبواب الحلال. خوفاً من أن يقعوا في باب من أبواب الحرام، هذا جيد في نفسك يا أخي، حقاً لا تُلزم جارك به، ولا تقل لجارك إنني أفضل منك لأنني أكثر ورعاً منك، أو لأنني تركت سبعين باباً من أبواب الحلال. إذا قال ذلك فهو متطرف، يصبح متشدداً عندما يسير بمنهج الورع في شيءٌ كانت تجد الصحابة تسير في منهج الورع في هذا الموقف، ثم تسير في منهج الرخصة في الموقف الثاني. نعم، تأخذ بالعزيمة اليوم في
عشرة أمور وتأخذ بالرخصة في ثلاثة، أتفهم ما أقصد؟ والأمر كله بحيث تكون الحياة جميلة ومستمرة، لكن إذا فرض على غيره ورأى أن حد الدين... هل حدُّ الورعِ صار متطرفاً؟ انتقل من مشرب الشدة إلى مشرب التطرف، لأنه ألزم بما لم يُلزم الله به عباده. بالرغم من أنه ورِع يا مولانا، نعم هو ورع. لا تعِش حياتك وتتركها. اعمل يا أخي كل ما في طاقتك، لكن على نفسك، ولا تذهب لتفرضه على الآخرين، على غيرك. إذاً نحن دخلنا في التطرف بعد هذا الإلزام، لأن أصل هذا الإلزام ماذا يعني؟ يعني أن هذا هو الدين، والإلزام ماذا يعني؟ يعني أن
هذا هو حد الحلال والحرام. نحن نقول: لا، يوجد حد يُسمى الحلال والحرام تعرفه من دار الإفتاء المصرية، لكن فوقه حد الورع، وما بين حد الحلال وَرِعَ الإنسان سبعين باباً من أبواب المباح، إنما هو يريد أن يترك السبعين باب هذه. دعك من ذلك، دعك. أن تفرض على غيرك فقد دخلت في حد التطرف، وأن تُلزم نفسك دائماً فقد دخلت في حد التشدد. هذا التشدد نحن أيضاً سندعه يتشدد مع نفسه وهو حر، ولكن إذا دخل الذي ننهى عنه نقول له: لا، توقف عندك لأنك قد تجاوزت الحدود. بعد التطرف يقول: لا، أنتم لا فائدة فيكم. والله إنكم لستم راضين أن تصدقوني ولا تصدقوا مراداتي وحساباتي. ماذا ستفعل؟ قال: سأمسك السلاح وسأرغمكم على ذلك، والذي لن يأتي
معي سأقتله، نعم هذا. هنا اسمه المرجف واسمه الإرهابي واسمه المفسد في الأرض واسمه المحارب واسمه الخارجي واسمه وهذا الذي سنعلن عليه الحرب، وإذا جاءنا بالسلاح جئناه بالسلاح أيضاً، وهكذا. حسناً، افترض أنني قضيت على الخوارج بالشدة وقضيت على الإرهاب بالشدة، هل بذلك أكون قد حللت المشكلة؟ هذا كافٍ؟ لا. ليس كافٍ لأنه لا بد علينا من تأسيس فكري يقي الشباب المُحتمل أن يدخل في هذا الفكر. إذا تركنا الساحة هكذا من غير قوة فكرية ترد وتصد وترسم وتدلل وتتتبع
وتستقرئ موارد هذه الفتنة التي تسمى بفتنة المرجفين أو الإرهابيين أو الخوارج، سيأتي الطفل الصغير وهو يشرب من المعارف. يشرب السم اليوم فيصبح خارجياً من حيث لا أدري، فلا بد من صناعة فكرية تقاوم هذه الفكرة الإرهابية حتى لو كُسِرت شوكة من رفع علينا السلاح وانهزموا وتقوضوا، لكن لا بد من تأسيس فكري يُشاع في معاهدنا وفي كلياتنا وفي دروسنا وفي الثقافة العامة وفي الإعلام وما إلى ذلك. آخره حتى يكون واقياً للغير من أن يقع فيه. ليست مهمته هداية المجرمين، بل
مهمته منع دخول الآخرين. الوقاية خير من العلاج، الوقاية خير من المواجهة. ومن هنا، فإنه من المهم جداً أن أقضي عليهم وأكسر شوكتهم، ولكن هذا ليس كافياً، بل لا بد علينا أن نحوّل المسألة إلى مسألة. فكرية حضارية مستقبلية لكي أرى ماذا سيأتي غداً من أجل أولادي، فعندما ننتقل نحن أترك لهم شيئاً يميزون به رؤوسهم من أرجلهم، وهذا فعل أهل السنة والجماعة عبر العصور أنهم كانوا لا يتركون فكرة الخوارج مُهملة، بل كانوا يؤسسون لمقاومتها ولعدم الوقوع فيها، يعني أرى تحت الرماد يومياً ناراً توشك يكون لها ضرام كما يقول الشاعر.
كيف حالك فضيلتك؟ قلت لن نتوقف عند فكرة الهزيمة العسكرية لهم أو الهزيمة الأمنية لهم، ولكن أن تكون هناك وقاية على مختلف المستويات، مشاركة أهل السنة والجماعة، من يشارك في إطار هذه التوعية العامة في تنشئة الطفل وتربية السلوك، بل هي قضية أمة. فالذي
نحن نطالب به الأمة، تعني أنه لدينا في مصر هنا ثلاثة آلاف مؤسسة، بعضها قانوني وبعضها قضائي وبعضها سياسي وبعضها اجتماعي وبعضها تشريعي وبعضها ثقافي وإعلامي وتعليمي. مؤسسات، ثلاثة آلاف مؤسسة لدينا، يجب أن تعمل الثلاثة آلاف مؤسسة كلها من أجل تأصيل مقاومة هذا الفكر. النجس وهذا الفساد الذي لا بد أن ينتهي لأنه يشوه صورة الإسلام والمسلمين في العالمين. مولانا، هذا التطرف الديني أنشأ في الطرف الآخر، أقصى الطرف الآخر، تطرفاً لا دينياً. أصبح هناك عبء آخر على تصحيح هذه المفاهيم من أبناء المجتمع الواحد. ستنتهي هذه بمجرد أن الحق أبلج
والباطل لجلج. نحن هذا الانحراف المقابل أمامنا ثلاثة أشياء، ما هي؟ البيان، الهجوم، الرد. البيان، الهجوم، الرد. نحن نعمل خمسة وتسعين في المائة للبيان. أنا لن أعمل بأن فلاناً قال كذا عنا فنرد عليه ونفنّد الكلام والنظرات وغير ذلك. كل هذا الكلام لا يؤسس، الذي يؤسس هو الحقيقة، نعم في مصادرنا. هي تقول ماذا؟ كيف نطبقها؟ كيف ندرك بها الواقع؟ كيف ننزل هذا النص الذي هو من عند الله، الذي هو محترم عندنا، على هذا الواقع المتغير المتبدل المتشابك؟ فالتنزيلات التي كان المالكية يقولون عليها فقه التنزيل، فذهبوا
مسمين الفتاوى ماذا؟ النوازل. تعني أنه ينزل هكذا النص القادم من السماء. آتٍ من الوحي لينزله على الواقع المتغير الذي هو متشابك متدهور متطور متغير، وهكذا مولانا الإمام. على جانب آخر وعلى بُعد، العائدون منهم كيف يتم قبولهم إذا تم قبولهم؟ وفضيلتكم تفضلتم منذ قالوا وتوكلتم، تم قبولهم مع حبر الأمة، كيف يمكن أو يتم التعامل معهم على نحو يضمن سلامة وجودهم؟ في المجتمع وأن يكونوا حوائط صد أساسية لأنهم عثروا المشكلين أو المشاكل. درسنا هذا بعمق، كبير، جلسنا سنين طويلة وجلسنا مساحة واسعة مع هؤلاء الناس خاصة من رجعوا منهم، فوجدنا أنهم
ليسوا سواء كما هو الحال طبعاً. وحين عودتهم قلنا إنهم ثلاث دوائر مرفوضة وهي: المتشددون والمتطرفون والإرهابيون، هؤلاء ذلك الشاب الإرهابي الذي كان يحمل السلاح وما إلى ذلك، عاد، إلى ماذا؟ هل عاد إلى دائرة الاعتدال؟ فوجدنا أغلبهم قد عاد إلى دائرة التطرف. أي أنه ترك الإرهاب، وعندما ترك، ماذا ترك؟ ترك الإرهاب، دائرة واحدة فقط. والقليل منهم من خرج من التطرف إلى التشدد، أي أنه عاد. خطان، هذا عشرون في المائة وهذا ثمانون في المائة. نحن
نتحدث عن من؟ عن الراجعين. فهؤلاء الراجعون ليسوا سواء. العائدون، نحن نطلق عليهم العائدين. هل تنتبه؟ المراجعون يراجعون أنفسهم ويرجعون، فنجد أن كثيراً منهم ينتقل من الدائرة المذمومة المفسدة إلى دائرة التطرف. هذا بالنسبة لنا أيضاً جيد لأنه... ترك السلاح ترك الفتنة العمياء الصماء ودخل في فتنة قد تتعلق بشخصه لكنها خطيرة أيضاً لأنها تتعلق أيضاً بأسرته وتربيته لأبنائه وأيضاً تتأثر بها زوجاته. فالذي رجع إلى التشدد هذا يمثل نحو
عشرين في المائة فقط من الانتقال من الإرهاب إلى التشدد، من الإرهاب إلى التشدد لأجل... ليس كما المشاهدين يتابعوننا ونحن من الإرهاب إلى التطرف ثمانون في المائة من الراجعين، ومن الإرهاب إلى التشدد عشرون في المائة من الراجعين. حسناً، ألم يصبح أحد سوياً؟ فقط واحد أو اثنان معدودون على الأصابع بحيث أنهم لا يمثلون نسبة. هل انتبهت سيادتك كيف لا يمثلون نسبة؟ عندما جاءت الكتب حدثت مع الجماعة الإسلامية في نهاية السبعينيات، آه راجعناها، وبعد ذلك قلت لهم عن هذه الفكرة، قلت لهم: "يا جماعة، هذا انتقال من الإرهاب إلى التشدد أو التطرف". قالوا: "يعني نؤيدهم فيها؟" قلت لهم: "نعم، أيدوهم". اسمحوا لي أن نتوقف عند هذه النقطة المهمة جداً، نذهب إلى هذا الفاصل ثم لنقف عند المزيد
والمزيد من هذه التركيبة النفسية لهؤلاء العائدين. فاصل ونعود إليكم، ابقوا معنا. أهلاً بحضراتكم في المراجعات. ماذا قلت لهم؟ ماذا أشرت عليهم؟ النقطة التي توقفت عندها لتكون هناك مراجعات حقيقية وعودة حقيقية. هل هذا غاية المراد من رب العباد؟ أن هم كتبوا هذا. هل هذا يوافق المنهج؟ السوي السني أهل السنة والجماعة عبر العصور قلت لهم لا، هذا لا يستحق، هذا انتقل من الإعراب إلى التطرف أو من الإعراب إلى التشدد، ربِّ لك الحمد. قالوا إذن نرفضه. قلت لهم: لا، ترفضوه، وافقوا
عليه، لعل الله سبحانه وتعالى يأتي في الجيل الذي بعده وننقله من التشدد إلى... الاستواء، لكن من الصعب والنادر جداً أن يُقدّر له أن ينتقل من الإرهاب إلى الاستواء. فعندما يترك الإرهاب، فأهلاً وسهلاً ومرحباً به، وإذا عاد مرة أخرى هكذا إلى التطرف، فليكن، دعه في تطرفه. أو إذا عاد إلى التشدد، فليكن قريباً منه، ويتدرج خطوة فالعائدون ليسوا سواء، وجماهيرهم ينتقلون إلى منهم ينتقل إلى التشدد والنادر منهم هو الذي ينتقل إلى السوية والاستواء، ولذلك في الحقيقة هذا التطرف أو هذا الإرهاب هو بلاء، إنه بلاء،
إنه سرطان فكري لابد أن يقوم المجتمع كله بمواجهته كما قلت لك، هي قضية أمة لأنها قضية متشعبة ولأنها ذات جوانب مختلفة من التعليم ومن التربية الثقافة العامة ومن المؤسسات ومن القانون ومن الاقتصاد ومن السياسة ومن أشياء كثيرة لكن لا بد منها لأننا لو تركنا الأمر لانتهى الإرهاب عشرين سنة إلى أن يخرج جيل جديد على نفس الثقافة ويتربى على نفس القواعد وبنفس الفكر فيصير منه معتدلا ويصير منه متشددا وإرهابيا ومفسدا في الأرض صحيح. هؤلاء المفسدون مهما كثروا فهم قلة، نحن معنا مليار ونصف، صحيح مليار ونصف. يعني فيهم كم ألف من المتطرفين أو المأمورين؟ إنها نسب
ضئيلة جداً. أصبح هكذا واحد في الألف، واحد في الألف فقط. واحد في الألف هذا كثير، يعني واحد في الألف من المليار والنصف يصبح مليون ونصف كثير جداً، هذا يعني أننا نريدهم واحد في العالم ويكون عائشاً مع نفسه هكذا، ولا يعرف كيف يفعل شيئاً فيسكت. فهذا كثير جداً واحد في الألف، وهي النسبة الحالية، هذا كثير جداً. ولذلك يجب أنه بدأت بوادر هنا وهناك نراها بعدما شعر كثير منهم أنهم أصبحوا ألعوبة. في يد الغير وتيقنوا لأنهم أصبحوا ألعوبة. يا مولانا، القيادات تعرف منذ البداية أنهم ألعوبة، لكن الأفراد لا يعرفون ذلك. لكنهم بدأوا يستفيقون الآن ويدركون أنهم ألعوبة في يد دول وفي يد أجهزة
مخابرات وفي يد خطط عالمية وفي يد من يقدمون المصالح على المبادئ وفي يد العولمة التي أهلكت مولانا، هل يتم التعامل بشكل مختلف مع تلك القيادات التي تخطط، فضلاً عن هذه القواعد التي تتبع تعليمات القيادات التي صُنعت في الغرب؟ أم هم الذين ينفذون هذه اللعبة؟ ليس المقصود النزاع بين القيادة والأفراد، لكن من دخل في دوامة الدم سُلبت عقليته، وسلب العقلية هذا كأنك أخذت منهم عقولهم. يومئذٍ يا رسول الله؟ قال: لا، يومئذٍ يسلب الله عقول أهل
هذه السماء، فالعقول تُسلب. كان شخص في إحدى الدول، هذا الشخص كان ضد الحرب بين شمالها وجنوبها، وبعد ذلك عندما رجع إلى بلاده رأيناه ينضم إلى الحرب، فسألناه - كان هذا الكلام في التسعينيات وكذا - سألناه: يا أخانا، لماذا وأنت كنت دائماً تنتقد هذه الحرب بين أهل البلد الواحد، الشمال والجنوب، الشمال والجنوب، وهكذا اتضمد. قال: تعالوا ثلاثة أيام تسلب عقولكم، النساء والموتى قادمون من الحرب يزورونكم لأنهم شهداء دخلوا الجنة. الجو العام مشحون وأن
هذا لا بد منه، والعدوى انتشرت، والعدوى انتشرت. قال لي: أنا ما... لا أعرف ماذا أفعل، أنا غير قادر على التحكم في نفسي. أنا مع هذا الشعور الجماعي. فبعيدًا عنك، يقول لي أحد الأرستقراطيين الإنجليز إنها تجربة فريدة ينبغي على كل شخص أن يتأملها عندما تصطاد حيوانًا بالبندقية. سألته: ما التجربة الفريدة في ذلك؟ قال لي: بعد أن تصيب الحيوان... يشعر بحدوث شعور لديه بحب القتل، شهوة الدم يا مولانا، شهوة الدم. قلت له: ما هي شهوة الدم هذه؟ قال لي: لا يصفها إلا من جربها، شهوة، الدم. أنا
أريد أن أقتل، أنا، قوي، أنا أصبحت قوياً الآن يا أخي. الإنسان غابة، ولذلك هؤلاء المتطرفون والإرهابيون والمفسدون والخوارج نحن نقول عليهم هؤلاء يعني نحن ندعو الله لهم بالهداية لأنهم ورطوا أنفسهم في مأزق وليسوا قادرين على الخروج منه، واعلموا أن الله سيحول بين المرء وقلبه. ولكن ماذا نفعل في العائدين؟ نقبلهم، نساعدهم، ماذا نفعل في هذا الفكر بعد أن قضينا على شوكته وكسرناها؟ لا بد من برنامج فكري الذي تقوم به الأمة، فلو قامت به المؤسسات الدينية دون الأمة لن تفلح ولن تؤتي ثماراً. هذا ليس شأن المؤسسات الدينية فقط. من يلقي
باللائمة على المؤسسة الدينية فقط مخطئ. لا بد أن تؤدي المؤسسة الدينية عملها، ولكن أيضاً لا بد أن يؤدي الإعلام عمله، ولا بد أن تؤدي الثقافة ينهي عمله لا بد أن الجانب القانوني ينهي عمله لا بد أن الجانب السياسي ينهي عمله فتكون هناك مقررات، فلا يأتي رئيس دولة ويقول لنا: إنكم لا تملكون حقوق الإنسان وحرية التعبير. أين حرية التعبير عند هؤلاء الناس الذين لا... هو يقف عند حرية التعبير فقط. يقتصر على حقوق الناس كلها، حقوق الإنسان من أجل المصالح وليس من أجل المبنى أو حق التعبير فقط. نعم، إذا كان هذا الكلام يخل بحرب الإرهاب التي ذاقوا بعض وبالها، لكنهم لم يذوقوها مثلنا. نحن الشباب خارجون من منازلنا وبيوتنا وجاؤوا إلى هنا، هم أيضاً جاؤوا إلى هنا، هل تنتبه؟ لمصالحهم
الخاصة، ولكن الحمد لله، ولكن الله سلّم، ولكن الله سلّم. ما هو ربنا أنت تريد وأنا أريد والله يفعل ما يريد. فالله لطف بمصر ولطف أيضاً بالمسلمين في العالم وأنقذه من هذه الورطة. ومصر تدافع عن العالم كله في محارباتها ضد الإرهاب. قدر مولانا، البعض يقول هم ضالعون. في جرائم قتل وفي تكفير وفي تفجير، كيف يتم التعامل معهم مرحلياً؟ قضية يجب دراستها مجتمعياً، لكن لدينا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما دخل فوجدهم وقد اعتدوا على الأعراض واعتدوا على... فقال: "ألا إن كل دماء الجاهلية موضوعة، دماؤهم وأموالهم
في الجاهلية موضوعة تحت قدمي هذه". عفا مصلحة منشغلة لكي نبدأ صفحة جديدة لكن بشروط فتح مكة. نعم، ما شروط فتح مكة؟ الشروط لكي نعرف الشروط لكي نتعامل مع أولادنا. لا، هذه تحتاج يا شيخ حسن حلقة كاملة. ما هي شروط فتح مكة؟ إنها بشروط كثيرة ومترتب بعضها على بعض ويمكن تطبيقها ولكن لأن لها جوانب. قانونية ولها جوانب اجتماعية ولها جوانب اقتصادية ولها جوانب فكرية. لها، سنفرد لها حلقات. لا بد، هذا لا يصلح في أواخر الحلقة وأراك متعجلاً أن نقول هذه الشروط واحد اثنان ثلاثة. لا، استمع إلينا في المداخلات المتبقية. نقرأ فعلاً الفيسبوك، نعم، مداخلات السادة المشاهدين حول سؤالنا على... سؤال الحلقة كان: برأيك، هل يمكن إعادة تأهيل العائدين
من المتطرفين؟ أجابت الأستاذة هالة: نعم، لو عادوا بعد فهم واقتناع منهم بأنهم كانوا على ضلال والرغبة في التوبة والإصلاح. يعني مثلاً هذا التعليق بسيط، ولكنه يشترط شرطاً قد لا يتوفر، وهو أنهم راجعون يقولون: "إننا كنا مخطئين وقد تبنا". إلى الله، يقول: لا، نحن مخطئون في الوسيلة فقط. لكن الذي يرجع عن مواقفه ليس من يخطّئ نفسه في الفكر والوسيلة والحكم وكل شيء، بل هو يرجع قائلاً فعلاً لم يكن وقته المناسب. هناك واحد منهم وقح يقول ماذا؟ "نحن تعجلنا قليلاً". الأستاذة الأمنية تقول: نعم.
وهذه فضيلتك لأنك عالم كبير وعالم دين معتدل ولا نترككم لأنصاف رجال الدين، لا بأس، هذا اقتصار على الدين، لكننا نقول إنها أيضاً تعني كل جهات المجتمع. أما الأستاذة وفاء نور فهي هنا ترفض تماماً، وترى، نعم ترى، ماذا؟ الأربعة آلاف الذين لم يعودوا. مع سيدنا ابن عباس، أراهم جيداً. فوالله إذا كان ابن عباس لا يعرف كيف يقنعهم. الحقيقة أنه أقنع ألفين، وإقناعهم للمجموعات كما أقول لك من منطقة إلى أخرى، ولكن ماذا سنفعل معهم؟ هذه حلقة أخرى، لا تعني النظر بنظارة سوداء للحالة. بالنسبة للوفاء، بالنسبة للسيدة الأخيرة. مولانا المُنصف الدكتور علي جمعة وبيت كبار العلماء بلا إيذاء،
الشريف رضي الله عنكم دائماً يا مولانا. أهلاً وسهلاً بكم، دُمتم في رعاية الله وأمنه. إلى اللقاء،