والله أعلم| فضيلة الدكتور علي جمعة يرد على تمسك المتطرفين بمصطلح إسلامي| الحلقة الكاملة

والله أعلم| فضيلة الدكتور علي جمعة يرد على تمسك المتطرفين بمصطلح إسلامي| الحلقة الكاملة - والله أعلم
ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير، أهلاً بكم في "والله أعلم" لنسعد دائماً بصحبة صاحب الفضيلة مولانا الإمام الأستاذ الدكتور علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف. مولانا الإمام أهلاً بفضيلتكم، أهلاً وسهلاً بكم مولانا. الجماعات المتطرفة خوارج العصر يقفون دائماً ليفرقوا ما بين كلمتين: مسلم وإسلامي. وهم يصرون دائماً على هذا المعنى، يعني لماذا هذه التفرقة، وهل ثمة فرق ما بين أن أكون مسلماً
أو أن أنسب هذا العمل إلى كونه إسلامياً. بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. الذي ورد في النصوص الشرعية هو استعمال كلمة مسلم والنسبة إلى الإسلام ظهرت في أدبيات العلماء متأخراً، ربما لم نحصل على نص في حدود علمنا قبل القرن العاشر الهجري ينسب ويقول "إسلامي". بحثنا كثيراً عن أن يكون هذا الاستعمال قد ورد، لكننا لم نجد، خاصة قبل القرن العاشر. أما بعد القرن العاشر، فقد وجدنا بعض
الكاتبين في علم إننا قد استفدنا من أرسطو في الأرجانون الأعظم عندما سطر فيه ما يسمى بالمنطق وجعله على تسعة أجزاء: التصور والتصديق والخطابة والجدل والشعر وكذا إلى آخره على تسعة أقسام. فلما نقلناه إلى العربية اقتصرنا فيه على التصور والتصديق فقط الذي هو إدراك النسبة وإدراك المفرد وأضفنا له ما يتواءم مع اللغة العربية مما يُقال له دلالات الألفاظ ومما يُقال له الموجهات فأصبح علماً وكأنه علم جديد ولكنه علم مستقل استعملناه في الصياغة الدقيقة للفقه وللأصول وللحديث ولسائر
العلوم من علوم الآلة يا مولانا يعتبر من علوم الآلة هكذا وصار علماً من علوم الآلة أو علم من علوم الوسائل وهذا المنطق أيضاً تطور إلى ما يُسمى بأدب البحث والمناظرة، وتطور بما يُسمى أيضاً الحكمة العالية التي تتحدث عن الموجود والعدم. كل هذه الأشياء بدأ يتحدث عنها، فهل هذا ورد في شريعتنا؟ شخص يسأل هكذا، فقال: هذا إسلامي، يعني ظهر في العصور المنسوبة إلى الإسلام. إسلامي نعم، يعني نسبة إلى الإسلام، أن يقال هذا مسلم وهذا إسلامي فهذه التفرقة هي تفرقة للنابتة في عصر الحدث الحاضر،
ولا أثر لها فيما تركه لنا السلف الصالح رضي الله تعالى عنه وأرضاه. الذي ورد في الكتاب والذي ورد في السنة كلمة "مسلم": "هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيداً عليكم". وتكونوا شهداءَ على الناس فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وإلى آخره. فإذا أنا عندي هنا مسلم، وهو الذي يُطلَق على مَن تَبِعَ رسولَ الله فصدَّقه وآمن به وكذا إلى آخره. وعندما نزل جبريل يُعلِّم الأمة أمرَ دينها، فإنه سأله: ما الإسلام؟ قال: أن تشهد أن لا إله إلا الله، أو انظر... أن تشهد فعلاً، يكون إذا المسلم
هذا هو من فعل هذه الخمسة: أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت لمن استطاع إليه سبيلاً. قال: صدقت. يكون إذاً المسلم موجوداً في الكتاب والسنة، والمسلم ورد به ونطق به. الدين الحنيف، أما كلمة "إسلامي" فقد وردت بعد القرن العاشر في الرد على من يسأل هل هذا أمر ورد في الديانة، لأن صاحب السُّلم يقول ماذا في سبيل بيان حكم المنطق، فيقول: "وابن الصلاح والنووي حرَّم المنطق".
طبعاً المنطق الذي حرَّماه إنما هو ذلك المنطق الذي يرجع إلى... أرسطو الذي فيه الشغب وفيه الشعر وفيه الجدل وفيه وفي من الأقسام التسعة الخليط بفلسفة اليونان الوثنية والتي كانت ترى الله سبحانه وتعالى وكأنه قضاء مبهم لا صفات له. يقول أرسطو أن هذا القضاء كانوا يسمونه القضاء، يعني كأنه لا صفات له، فهو لا مريد ولا غير مريد لا. عليم أو قدير أو غير عليم وغير قدير مبهم بالنسبة لي. وقد استغرق هذا في كتاب الأرجانون نصف صفحة فقط في الحديث عن الله. حسناً، شكراً لك يا أرسطو على أنك لم تفرض الشيء الذي لا تعرفه، لم تفرض ولم تتكلف فيه لنا. لكن الحمد لله،
فابن النواوي وابن الصلاح حرما وقال غيرهما يجب أن يُعلَما، الله هذا في النظم، هل انتبهت؟ والقول المشهور الصحيح جوازه لكامل القريحة. الله مخالطٌ السنة والكتاب ليهتدي به إلى الصواب. هذا كلام السلم للأخضري، ماذا يعني؟ يعني أننا نسير في ظلال الكتاب والسنة. والكتاب والسنة وردا بماذا؟ باللغة العربية. وأبو حيان في المقابسات له. أشياء لطيفة جداً في معرفة أن هذا المنطق إنما يمكن الاستغناء عنه لمن تبحّر في اللغة العربية، ولذلك
سُمي منطقياً، أي شيء متعلق باللغة. وهذا باب طويل وكبير ليس لنا تعلق به الآن. نعود مرة أخرى إلى المسلم والإسلامي. "إسلامي" نشأت في الأدبيات على استحياء، يعني لم نجد إلا... مرة لم نُفرط في استخدامها أيضاً، لا هذه حدثت لها مرة واحدة فقط في شرح أحد الكتب الملاوي في المنطق على السُلَّم. بعد ذلك أصبح لا، هذا مسلم يعني يظل يصلي ويصوم، هو يضع يده هكذا، يظل يصلي ويصوم وما إلى ذلك، حسناً، وإسلامي يعني. ماذا؟ لا، هذا يعني رجل واعٍ، يعني رجل يتجول ويدور، يعني رجل ماهر، يعني رجل يريد الحكم، يعني رجل يريد أن يسيطر على النقابات
ويسيطر على التجمعات العمالية. سيطر عليها لماذا؟ لأجل أن يقيم كلمة الله. حسناً، ماشٍ. وسيستخدم ماذا ليفعل ذلك؟ يعني ما هي وسيلته؟ ما هي وسيلته؟ كل والإيمان الغموس والمداهنة وكل ما نهى الله سبحانه وتعالى عنه لتربية الإنسان السوي، هو سيرتكب عكسها لأن الله عندما قال وعلمنا: "يؤتي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء، يؤتي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء، ينزع الملك من يشاء ويعز من يشاء ويذل من يشاء بيده". المَلِكُ وهو على كل شيء،
بيده الخير وهو على كل شيء قدير. إذاً هذه هي القضية: أنه يُؤتي المُلْكَ مَن يشاء، [لكنهم] يقولون: "لا، نحن سنأخذ المُلك"، ولذلك [هم] خائبون من ذلك الوقت حتى الآن. بل ذهبوا إلى ما هو أبعد من ذلك، وهو أنهم أصبحوا هم الذين يمثلون الإسلام أنهم إسلاميون، فاصل ونعود إليكم، ابقوا معنا. أهلاً بحضراتكم. مولانا الإمام، هم دائماً يسرقون المصطلح ويحتلونه ويُحدثون به هذا الخلل. إذا ذهبوا إلى ما هو بعد ذلك، أنهم وصفوا أنفسهم بأنهم الإسلاميون الذين يمثلون الإسلام، فما الخطورة في هذا التوصيف وفي هذا التصنيف؟ النبي صلى الله
عليه وسلم. حذّرنا من التلاعب بالأسماء الشرعية، فالأسماء الشرعية تأتي وتضع اسماً للأشياء واسماً للطوائف واسماً للأشخاص. فهناك أسماء تضعها اللغة وهناك أسماء تضعها الشريعة لأنها رتبت عليها أحكاماً تختلف باختلاف حقائقها. فقال في حديث مهم: "سيأتي على أمتي زمان يستحلون فيه الخمر يسمونها بغير
اسمها" هي اسمها خمراً. فيسمونها ويسكي، يسمونها بيرة، يسمونها شامبانيا، وبعد ذلك ورد أن الصحفي الخاص بفاروق عندما قالوا له: "هل كان الملك يشرب شيئاً؟" قال: "لا، كان يقول أنا ملك مسلم لا أشرب الخمر". قالوا له: "إذن، يعني لم يكن يشرب؟" قال له: "إلا الشامبانيا فقط". يعني المسكين يظن أن الشامبانيا ليست خمراً مَلِكٌ مسلم هو يعتقد هكذا، وقد تربى على ذلك، ويفهم هكذا، أنه لا يشرب الخمر لأنه يشرب الشامبانيا فقط. فهذا
الأمر وقع فيه المسلمون، فترتبت عليه أمور من المضحكات المبكيات، وهو أن تسمي الشيء بغير اسمه. سأضرب لك مثالين فقط لضيق الوقت، عندما ظهر البن اكتشفوا... واحد من أهل اليمن اسمه أبو الحسن الشاذلي، غير سيدنا أبو الحسن الشاذلي الذي لدينا في حميثرا المتوفى سنة ستمائة وستة وخمسين هجرية. لا، هو غيره، كان في سبعمائة وكذا وخمسين، يعني بعده بمائة سنة، قرن كامل. أثناء سيره وجد بعض الحبوب سقطت من شجرة لا أعرف اسمها والمياه. الماء المغلي الذي يُعدّه لكي يتوضأ
به في الصباح أو عند قيام الليل عندما يكون الجو بارداً، فشرب منه ثم هلّل قائلاً: "ما هذا؟ أهذه قهوة الصالحين؟ أم ماذا؟ هذه قهوة الأتقياء التي جعلتني أقوم الليل وأنا متيقظ هكذا وذهني حاضر غير غائب، إنني مركّز"، فسمّاها قهوة أو قهوة الصالحين. فانتشر اسمها أنها قهوة الشاذلية، حسناً. وبعد ذلك بعدما شاعت كلمة "قهوة" هذه، ما معناها في اللغة العربية؟ معناها خمر. فلما عُرضت على العلماء: "يا علماء، ما قولكم - زاد فضلكم - في هذا السائل الجديد الذي بدأ ينتشر المسمى
بالقهوة؟" فقالوا له: "يا بني، حرام"، لأن ذهنهم ذهب إلى حرام وهو لا يعرف كُنْهَ هذا الجديد ولا التلاعب بهذه المصطلحات، ونتج منها لمدة أربعمائة سنة يا مولانا تحريم يا مولانا تحريم وتحليل وخناقات وما إلى آخره. سلطان يأتي ويصدر فرماناً بالحل، والسلطان الذي بعده يأتي ويصدر فرماناً بالحرمة. الشرطة تأتي وتطبق في عهد سلطان الحل وتهجم على البيوت لأنهم يشربون الخمر ويعصون الله تعالى وبعد ذلك إلى آخره إلى أن قام أحد العلماء في الأزهر وجمع الناس واحتجزهم وجمع علماء وطلبة العلم ليبحث بطريقة علمية تجريبية وأعطاهم هذه
القهوة حتى الظهر فوجدهم مستيقظين، فقال: هذا عكس الخمر، وبدأ الناس يطمئنون إلى أن القهوة ليست خمراً. كما هو وجودها في الصورة، كذلك الصورة الفوتوغرافية هذه عندما جاءت إلينا أول مرة، دخلت عام ألف وثمانمائة وثمانية وعشرين، ولذلك توجد صورة لمحمد علي في الديوان، صورها شخص إيطالي. الصورة من عام ألف وثمانمائة وثمانية وعشرين، وترجمت إلى العربية بكلمة "صورة". والصورة فيها نهي، فبدأ الناس [يهتمون بـ] الصورة. حلال الصورة حرام، في عام ألف وتسع مائة وعشرين كان موجود عندنا سيدنا الشيخ بخيت المطيعي مفتي الديار، فذهب وألّف كتاباً
اسمه "الجواب الشافي في إباحة التصوير الفوتوغرافي"، وقال هذا ليس صورة، هذا احتباس ظل. افهموا نفس القضية التي تحدث في البنوك، مُسمّين العلاقة التي بين البنك وبين الناس قرضاً قرض فذهبوا يحرمونها وجلسوا يطبقونه ويسيرون على هذا يا أستاذ، أنه مطبق حتى الآن لكي يخربوا الاقتصاد، يعني حكاية مملة، حكاية أن تخرج عنك. فهذه الجماعة الإرهابية أو النابتة أو الدواعش أو ما شابههم ذهبوا يسمون أنفسهم إسلاميين، لماذا؟ لكي يكون هناك فرق بين المسلم وبين الإسلامي، وهذا الإسلامي يكون... ماذا يعني أن يكون هو الذي يعيش عصره والذي
يسعى لملك مصره؟ نعم، ويمثل الإسلام، نعم، فيمثل الإسلام. فما هو إسلامي إذن؟ وما هو هذا المسلم؟ لا، إنه رجل جاهل كما يقول سيد قطب، يقول إنكم في جاهلية مطبقة منذ أكثر من ألف سنة، وهو ما شاء الله أتى فجأة يطل علينا من فوق لكي يقول أنه هو الإسلامي، وبدأ هذا الكلام السخيف يؤثر على كثير من الناس، حتى أصبح غير المنتمي إليهم يسمع هذا الكلام ولا يستغربه، يسمع هذا الكلام ولا يثور، بل بالعكس بعض الناس يقول: "يا أخي، دعهم وشأنهم"، "يا أخي، دعهم وشأنهم". أدع مَن؟ الذين في حالهم أتركهم يُفسدون كما أفسدوا، أتركهم وهم ليلاً ونهاراً يسعون إلى الفساد
في الأرض. أترى الذي يحاول أن يفرّق بين المسلم والإسلام؟ هذا مصطلح جديد مثل من حاول أن يصف الخمر بغير اسمها، أو من حاول أن يصف الخمر بغير اسمه، فيحدث خلل في الأحكام الشرعية وفي الديانة. عموماً، وبالتالي هذا الخلل في الفهم عندهم، مولانا، كنتم خير أمة أُخرجت للناس. من تجليات هذه الخيرية أن هذه الأمة لا تجتمع على ضلالة أبداً. ألم يفهموا هذا المعنى يا مولانا؟ وهل هذا التصنيف الذي دائماً يصرون عليه ينافي هذه الخيرية؟ طبعاً ينافي هذه الخيرية لأن كان سيدنا... عمر بدأ يلاحظ أن أناساً تفرقوا في ما يشبه الشلل
والجماعات، وهذا أخرجه الإمام الطبري في تاريخه في ترجمة سيدنا عمر رضي الله تعالى عنه وأرضاه. فجاء أحدهم يسأل: "أنت تابع لمن؟ إلى من تذهب؟" فتقول: "لفلان". فيقول: "إذاً أنت لست من أتباعنا". فخاف عمر من هذا التمييز. هذا خطير جداً فقال قولته الشهيرة التي أصبحت عنواناً للمسلمين "أفيضوا بينكم مجالسكم". ماذا تعني "أفيضوا بينكم مجالسكم"؟ ماذا تعني؟ نهي عن الشلّة. أي احذر أن تمنع مجلسك من بقية المسلمين، احذر أن
تمنعهم من بقية المسلمين وتقصرهم على أبنائك أنت فقط، الشلة الخاصة بك أنت فقط، لأنك لو فعلت... هكذا تكون مخالفاً للإسلام، مخالفاً لقوله صلى الله عليه وسلم: "لينوا في أيدي إخوانكم، استقيموا". انظر إلى الإمام حين يقول: "استووا". كان النبي عليه الصلاة والسلام يقول هكذا فيما أخرجه النسائي، نعم، "استووا، استووا". هل انتبهت؟ لأن الله سبحانه وتعالى لا ينظر إلى الصف الأعوج، ولأن الله سبحانه... وتعالى يعني يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً كأنهم بنيان مرصوص. هو يحب البنيان المرصوص هذا في القتال، ويحب البنيان المرصوص هذا في الجنازة، ويحب البنيان
المرصوص هذا في الصلاة. يحب هذا النسق والاستقامة. فالنبي عليه الصلاة والسلام أمرنا ألا نختلف، ولذلك أمرنا جميعاً أن نلبس ملابس واحدة في الحج. أُمرنا جميعاً أن نصلي وأُمرنا جميعاً أن منى مناخ من سبق في منى. أين سنجلس؟ وكيف نقسمها؟ الذي يسبق يأخذ المكان الخاص به، الذي يكون قريباً من المرمى والذي يكون بعيداً، والذي كذا، حسب وصولك وحسب منى. مناخ من سبق، مناخ من سبق يعني يُنيخ فيها الإبل الخاصة به. ويجلس ما هو بالأولوية؟ ليست حجزاً، هي بالأولوية. كل هذا يذيب الفوارق بين المسلمين ويفتح النسق
المفتوح في الصلاة، في الحج، في القتال، في الجمعة، في كل شيء. ثم آتي أنا وأصنع هذه الشِلَل وأجعل هذا إسلامياً وذاك مسلماً متميزاً وهكذا إلى آخره، أو أُشكّل فرقة وأسميها الخوارج. ولا فرقة ثانية سَمِّها الجهمية ولا فرقة ثانية القدرية ولا فرقة ثانية كذا إلى آخره، كل هذا بدعة في دين الله، وكل هذا تقسيم والخروج عنه. "واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا"، فلا تزكوا أنفسكم. كيف نفهم هذا المعنى؟
سنفهمه بعد قليل، ابقوا معنا. أهلاً بحضراتكم مولانا، أي مع فضيلتك. نتأمل الصفحات المضيئة في إسلامنا الجميل وكيف نفهم إسلامنا الجميل، أي أنه لا يوجد جيتو في الإسلام، يعني هذا المعنى "فلا تزكوا أنفسكم"، هي أصلاً "فلا تزكوا أنفسكم" هذه نزلت في طائفة من اليهود، أنهم كانوا يتعالون على المسلمين، فربنا قال لهم "ولا تزكوا أنفسكم"، أي أن هذا خطاب لليهود في التفسير يعني لكن القضية أن الله سبحانه وتعالى يرى مثلاً في هذا الموضع لم يذكر من هؤلاء. إنه يخاطبنا نحن الله، ولذلك الذي أنزله من أجله هو المسلمون. فلا يقولن أحد إننا متعصبون ضد اليهود ولا أن هذا خطاب لا أحد. سيعرف أن هذا هو الذي يخص اليهود فقط من يقرأ في التفسير، لكن ماذا يقول الكتاب؟
يقول لي أنا: "ولا تزكى". هذا موجه لي أنا. "ولا تزكوا أنفسكم، هو أعلم بمن اتقى". فـ "لا تزكوا أنفسكم" هذه ماذا تعني؟ خوطب بها اليهود وخوطب بها المسلمون أيضاً، إذاً فالله يريد. مِنّا صفاتٌ لمن يحبه الله. يهودي أصبح مسلماً أو مسيحياً أو صاحب شيء ما، هو يريدنا منكم هكذا. كِبر ليس هناك، يجب أن نتخلص من الكِبر. يريد تزكية ليس هناك، يريد فساد ليس هناك. على الكل، يجب أن يلجأ إلى هذا. أما حكاية العقائد والأمور الأخرى، فهذه هداية. ربي عند فقد
المربي أمر الله هكذا، لكن هو يطلب منا. لما كان يقول النبي لسفانة إن أباك كان يحب مكارم الأخلاق، فالبنت طمعت وقالت له: أفي الجنة هو يا رسول الله؟ قال: لا. حكاية الجنة والنار هذه مسألة أخرى لا شأن لنا بها. أكانت الجنة خاصتنا أم خاصة... آباؤنا لم يقل يوماً قط: "رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين". أي إنّ هناك أمراً بينه وبين ربنا، فلا لوم عليه. وبالرغم من ذلك كان النبي مسروراً منه كثيراً. لماذا؟ لأنه كان كريماً معطاءً، أي إنه محب للخير. هذا الكرم الزائد مثل حاتم الطائي، إن أباك كان يحب مكارم الأخلاق، الذي أنا ومن هنا أكرم
بنته سفانة ومن هنا أكرم إبنه عدي غاية الكرم لأن أباكم كان رجلاً صالحاً وكان أبوهما صالحا فالأب الصالح هذا أحببناه لأجل مكارم أخلاقه ولذلك كان يقول خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فقهوا يعني عندما تأتي من الجاهلية هذه الجاهلية سيئة جداً فيها وثنية وفيها وأد بنات وفيها شرب دم ونجاسات وفيها ظلم وربا وفيها قتل بغير حق بلاء هكذا ولكن الشهامة هذه أحبها أنا، الشهامة هذه طيبة، والكرم أحبه أنا، الكرم هذا. وكان إذا ذُكر بن جدعان تبسم، فقالت له عائشة: يا رسول الله، ما لك كلما ذُكر بن جدعان تبسم؟ قال: كان لديه قصعة
يصعد إليها بالسلالم ليثرد فيها الثريد لأهل الحجيج، يعني يصنع فيها فتة. بالطبع الفتة تحتاج إلى لحم وأرز وخبز وما شابه ذلك، فيثرد فيها الثريد بمرق اللحم الذي يصعد إليها بهذه السلالم. وقد وضع فيها عدة عجول أو عدة إبل أو عدة من هذا القبيل لكي يُطعم هل هذا يعني أنك مسرور منه؟ نعم بالطبع أنا مسرور. وبدأ يحكي عنه قليلاً. فقالت عائشة: هل هذا يعني أنه في الجنة؟ قال: يا عائشة، دعكِ من حكاية الجنة هذه، فالأمر ليس بيدي، بل بيد الله. ليس لي دعوى في ذلك، أنا فقط مسرور من هذا الرجل. هذا هو الإنصاف هذا هو الدين. ما
هو الدين؟ يريدني أنا في هذه الدنيا أنا وأخي المسيحي وأخي اليهودي أن نعمرها. فيريدنا جميعاً ألا نزكي أنفسنا، وألا نفسد في الأرض، وأن نتعاون على البر والتقوى، وأن نفعل الخير لعلنا نفلح. وإذا فعلنا جميعاً هكذا، ماذا سيحدث يوم القيامة؟ من سيدخل الجنة ومن سيدخل... النار يا سيدي، أنا أعتقد أنني أنا الذي سيدخل الجنة. خلاص يا سيدي، طيب. وأخوك هذا، ربنا هو هذا متعلق بالله. أنا ما شأني بهذه الأمور؟ أنا لا شأن لي فيها، ليس لي تدخل فيها. ما لي تدخل فيه هو أن أعمل ما يرضي الله سبحانه وتعالى وأدعو الناس إلى العمل لو كل واحد من أهل الأديان اعتقد هذا الاعتقاد تصلح الدنيا وتعمر كما كانت
عامرة، فهؤلاء الناس الذين يقولون لك أنا إسلامي وأنت مسلم، أنا لست أدري ماذا وأنت ماذا، هم أناس يميزون، وهذا التمييز خاطئ، بل هو خطيئة، والغرض منه هو التكبر، ولا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من كِبر. مولانا الإمام، دعني أطرح سؤالاً بشكل مختلف، وهو: لو كان الأولون فهموا الإسلام بهذا المعنى الذي فهمه هؤلاء المتشددون، هل كان الإسلام سينتشر في ربوع الدنيا بهذا الشكل وبهذا الجمال وبهذا القبول؟ ما انتشر الإسلام إلا لأنه نسق. مفتوحٌ. كان الله نَسَقاً مفتوحاً في القلب، كان نَسَقاً مفتوحاً في العقل، كان نَسَقاً مفتوحاً لم يَكُرَّ على حضارةٍ من الحضارات بالبطلان ولا بالهدم ولا بالدمار. كان نَسَقاً مفتوحاً
فلم يحدث إطلاقاً أن أَسَرَ شعوباً أو استرقَّ بشراً، ولذلك ليس هناك نظامٌ في العالم وإلى يوم الناس هذا، بل وإلى. يوم الدين أن صار عبيدنا حكامنا، إننا لدينا فترة تتجاوز الألف سنة حكمنا فيها عبيدنا المماليك. تسمى هذه الفترة بفترة المماليك البحرية والجراكسة، وما قبلها وما بعدها إلى آخره. ما هذا؟ هل يوجد نظام مثل هذا في الهند أو في الصين أو في أمريكا أو في الغرب؟ لم يكن في أوروبا ولا في شرقها مَن جعل العبيد يستريحون قليلاً وجعلهم في الطبقات العليا. ولماذا ذلك؟ لأنه
قدّم الكفاءة ولأنه نظام مفتوح عقلاً وقلباً. لم نُبِد شعوباً مثلما أبادوا الهنود الحمر، ولم نستعمر شعوباً مثلما استعمرونا مائتي سنة وأكثر، ولم نسترق بشراً، ولم نفرق بين الرجل والمرأة. لم تاريخ نظيف على أحسن ما يكون، لو أن هذا التحيز وهذا الضيق حدث من البداية ما انتشر الإسلام خارج الجزيرة العربية، وكان سيموت في بعض قبائله. اسمحوا لي أن أتوقف عند بعض مداخلات السادة المشاهدين حول سؤالنا على صفحة الفيسبوك الذي يقول: برأيك، لماذا تدّعي الجماعات بأنها على... الإسلام الحق دون غيرها. يقول السيد أمجد محمد صلاح: "لتمكُّن الجهل والكبر من قلوبهم وعقولهم". وتقول السيدة هالة الديب: "كي لا
يسمع الناس غيرهم ويتمكنوا من السيطرة عليهم، وبهذا تكون السلطة التي يسعون إليها في أيديهم". هذه هي مداخلات السادة المشاهدين حول سؤالنا في صفحة الفيسبوك. مولانا، شكراً لكم. دمتم في رعاية الله وأمنه. خالص التحية والتقدير لفضيلة مولانا. أهلاً وسهلاً، وإلى اللقاء.