والله أعلم| فضيلة الدكتور علي جمعة يوضح الفرق بين المبادئ والحقائق القرآنية| الحلقة الكاملة

بسم الله الرحمن الرحيم، بسم الله عبده كل خير ورأس كل أمر ذي بال، بسم الله الرحمن الرحيم، وما أجمل أن نستفتح بها كل حياتنا. اللهم ارزقنا أسرارها وبركاتها يا رب العالمين. أهلاً بكم في "والله أعلم" لنسعد دائماً بصحبة صاحب الفضيلة مولانا الإمام الأستاذ الدكتور علي جمعة وضيفه الكريم. العلماء بالأزهر الشريف لنواصل معه دائماً هذا الحوار الذي نتعرف فيه على إجابات على أسئلة التجديد والإصلاح. مولانا الإمام أهلاً بفضيلتك. أهلاً وسهلاً بكم. يعني لو سمحت لك البداية وقبل أن أدخل في الموضوع، يعني فضيلتك أول ما يؤذن للصلاة تصلي مباشرة؟
هل يجب الانتظار قليلاً أم ماذا؟ أنا... كنتُ أريدُ أن أفهمَ فقط واسمحْ لي في هذا السؤال، بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. نصَّ العلماء في كتبنا الموروثة القديمة أن الأذان يجب أن يقع بكله في الوقت، ولذلك كانوا وما زالوا وهم يحسبون أوقات الصلاة في النتيجة عليها المؤذن ويؤذن عليها التلفزيون والراديو وما إلى ذلك، يصنعون شيئاً اسمه التمكين. والتمكين هذا معناه أن الوقت الذي هو موجود في النتيجة يمكن أن يكون بعد نصف دقيقة من الوقت المحسوب على مستوى العاشرة. انتبه إلى أن لدينا دقيقة فثانية يعني درجة ثانية فثالثة
فرابعة فخامسة، وكل واحدة التي قبلها يعني الدقيقة ستون ثانية، فنحن نحسب حتى العاشرة الفلكية. المهم أننا عندما يقول لي إن الأذان اليوم على الخامسة ودقيقتان، فهذا يعني أنه إذا كان فيه تمكين فهو على الخامسة وواحد وثلاثة من عشرة. فذهب وجعل الثلاثة من عشرة دقيقة منفصلة وأضافها إلى الدقيقة لتصبح دقيقتين، فلا بد انظر إلى كلام سادتنا القدماء. الهمزة من لفظ الجلالة يجب أن تقع في وقت "الله أكبر"، "الله أكبر". ماذا لو افترضنا أن الهمزة كانت خارج الوقت؟ "الله"، كانت داخل الوقت "الله". نعم، كانت
خارج الوقت. يا لها من مسألة! ماذا تعني؟ ثانية... قال: يكون الأذان باطلاً، فلا بد من... الأذان الذي يُسمع هذا أن يكون كله يعني أن يكون بالهمزة، حتى حرف الهمزة يكون في الوقت، ولذلك أول ما تسمع "الله أك" آه فقط هكذا فستعرف أن الوقت قد دخل. هذه هي القصة، فأنا طبعاً حرصاً على صلاة المغرب، وكما يقول المصريون "المغرب غريبة"، فأنا أسمع كلمة "الله آتي أنا قائلًا الله أكبر بعدها مباشرة وأصلي الثلاث ركعات بينما هو ينهي الأذان، فأكون أنا على الكرسي مستعدًا لأداء البرنامج، وبذلك نكون قد أدينا الفريضة والواجب الذي علينا. تقبل الله منا.
فدائمًا في هذا الوقت من السنة يحدث هذا، أن موعد البرنامج يكون في وقت المغرب، هل انتبهت؟ فنحن للإخوة المشاهدين، إذا أردتم أن تأخذوا القسم الأول، وبينما تنتظرون قدوم الإعلانات، كونوا مستعدين لأداء الصلاة في الفاصل الأول، وحاضر وكل شيء في أمان الله. حتى بعد البرنامج حاضر أيضاً، لأن وقت صلاة العشاء لم يحن بعد، فالمهم أنني أحرص على هذا الأمر تعلقاً. وجعلنا الله سبحانه وتعالى من المتعلقين بالمساجد آمين يا رب العالمين لأنه هذا أحد من يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله. نرجو الله القبول ونرجو الله سبحانه وتعالى أن يجعل هذا خالصاً لوجهه. فهذا هو السر، ولكن ما دمت قد كبرت حتى ولو
لم تنتظر إجابة الأذان. نعم، حينما يقول لك أحدهم "الله" فقط، ضع في اعتبارك هكذا إجابة الأذان. نعم، هذا يضيّع الفريضة. هذا فريضة وذاك سنة، هذا سنة وذاك هيئة، وذلك أيضاً هيئة، وهذا أيضاً فريضة. لكن الفريضة مقدمة، وأحب شيء إلى الله ما افترضه عليه، فالله يحب أن تقدم الفريضة على غيرها. تقبّل الله يا مولانا، وكان لزاماً عليّ أن أسأل: تقبّل الله منكم. وهي عمامة جديدة، هي جميلة جيدة مع فكاهة التمكين وقصة التي تطمئنني وأنا أصلي في البداية مع الأذان مباشرة، هكذا يطمئن قلبي دائماً. وتُفطر معه، الله. أول ما تسمع الهمزة هذه، قم وأفطر أيها الصائم. يفطر لأنها داخل الوقت. نعم مولانا الإمام، تكلمنا في الأسبوع الماضي حول المقاصد والمبادئ والحقائق القرآنية. ما الحقائق القرآنية المقصودة ونحن
نتكلم عنها كثيراً؟ نحن نتحدث عن المبادئ وعبرنا عن المبادئ منها جمل، وهذه الجمل تفيد وهي جمل مفيدة تفيد شيئاً ما. مثل ماذا؟ أحدهم يقول لي قاعدة، يعني أقول... له في الحقيقة يوجد فرق بينها وبين القاعدة. يقول لي يعني مثلاً مثل مقصد، فأقول له: والله يوجد فرق بينها وبين المقصد. يقول لي يعني مثل الحقيقة، أي أنك تقرر حقيقة، فأقول له: لكن الحقائق شيء والمبادئ شيء آخر. فحتى يتبين معنى المبادئ بعمق، يجب علينا أن نفهم الناس المقاصد، الناس يجب أن نفهمهم الأحكام، ويجب أن نفهمهم الحقائق، ويجب أن نفهمهم القواعد، فيتضح لهم ما
هي المبادئ إيضاحاً متميزاً، أي تكون متميزة عن هذه الأشياء. قل لي هكذا: قاعدة "لا ضرر ولا ضرار"، حسناً، هذه القاعدة أنه "لا ضرر ولا ضرار"، وهي نص حديث، لا تصلح أن تكون مبدأً، يكون المبدأ كما يقال في تقاطع ما بين المبادئ والقواعد، في بعض القواعد وليس كل القواعد. "الميسور لا يسقط بالمعسور"، نعم هذه قاعدة لكنها ليست مبدأً. مثلاً يقال لك "اليقين لا يزول بالشك" إلى آخره. إذن ما هو هذا المبدأ؟ هذا المبدأ شيء ينفعنا في علم النفس وفي علم القانون. وفي علم السياسة وفي علم الاقتصاد وفي علم توليد العلوم، توليد العلوم التي تُسمى فضل التولد تنفعنا في استعمالات العلوم الاجتماعية والعقلية وما
إلى ذلك. مثل ماذا؟ مثل مبدأ يقول "عفا الله عما سلف". حسناً، أليست هذه حقيقة بمعنى أن الله عفا عن... نعم من ناحية أن يقولها. ربنا هي طبعاً حقيقة، لكن عفا الله عما سلف، يعني فورية القوانين إلا ما قد سلف. ما معنى فورية القوانين؟ يعني لا يوجد شيء اسمه قانون بأثر رجعي. نعم صحيح، لقد علمونا أساتذتنا في القانون أنه لا يوجد شيء اسمه قانون بأثر رجعي، لا يصح أن يكون هناك قانون باطل لماذا تحاسبني على شيء لم أعرفه؟ بمعنى أنك الآن تقول لي اليوم ادفع ضريبة، لا تأتي وتقول لي منذ سنة ثمانين، لأنني الضريبة التي سأفتحها بعد القانون وليس قبل القانون. تقول لي عندما أضيء
لك نوراً أحمر قف، ونوراً أخضر امشِ، حاسبني إذاً بعد القانون. حسناً، وقبل القانون بالأمس، لم تكن هناك إشارة أصلاً، فلا لوم عليَّ ولا شيء عليّ وهكذا. فالمبدأ هذا "عفا الله عما سلف" يصلح في القانون، ويصلح أيضاً في التربية. عندما أقول لك ابدأ صفحة جديدة، يصلح. فاعلْ من نفسك عندما أقول لك: تجنّب العقوبة وابدأ صفحة جديدة، أي هو... الإسلام يَجُبُّ ما قبله. "ما تظنون أني فاعل بكم؟" قالوا: "أخ كريم وابن أخ كريم". قال: "اذهبوا فأنتم الطلقاء". هذا في السياسة، لا تجلس لتثير الأحزان القديمة. ليس مثل بديع أفندي وهو يقول لمرسي أفندي، يقول له: "ما هو القصاص؟ القصاص! القصاص!" هكذا
في الفيديو المشهور ذاك. قليل الأدب من حكمة النبي عليه الصلاة والسلام كي لا تحتقن الأمور وتتجاوز الحد، قال لهم: "اذهبوا فأنتم الطلقاء". من هم هؤلاء الذين ذهبوا وهم الطلقاء؟ إنهم أصحاب جرائم حرب في بدر وفي أحد وفي الخندق وفي المعارك والغزوات، وأخرجوا الرسول، وكانوا أصحاب حقوق، وأكلوا وشربوا على حساب المسلمين في أموالهم وأعراضهم يمكن أن يعمل لهم محاكم ثورة. لا، ممنوع عندنا محاكم الثورة. بكلمة واحدة أصبح عفا الله عما سلف. ما الدور؟ ما رأيك هل تصلح في السياسة؟ ما رأيك هل تصلح في التربية؟ ما رأيك هل تصلح في القانون؟ ما رأيك أنها تصلح في علم الاجتماع البشري؟ ما رأيك أنها
تصلح عندما يقع الاقتصاديون في مشكلة، يقولون إن هناك مبدأً عظيماً في الاقتصاد، وهو "نعم ولكن" و"ولكن على الديون، لكنني لن أسدد"، أي "عفا الله عما سلف". يعني هيا لنبدأ من جديد، لأن التقليب في الدفاتر القديمة سيعطلنا ويؤخرنا ولن يقدمنا. فيصبح هذا مبدأ، إذن كيف؟ الحقيقة هي أن الله مع الصابرين، هذه حقيقة. وعندما يقول والله غفور رحيم، نعم هذه حقيقة. فإذاً هناك حقائق، أحياناً تكون الحقائق إلهية تصف الله، وأحياناً تكون الحقائق كونية، وأحياناً تكون الحقائق اجتماعية. "وخلقناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا"، هذا التعارف هو سنة
إلهية وحقيقة لأن الأصل هنا بيننا وبين... الخلقُ هو التعارفُ والتعاونُ والتكاملُ، والصراعُ عارضٌ موجودٌ ولكنه عارضٌ. أما المبدأُ الثاني فهو شيءٌ آخر، المبدأُ يقولُ: "لا تَزِرُ وازرةٌ وزرَ أخرى". ما رأيكَ أنَّ "لا تَزِرُ وازرةٌ وزرَ أخرى" هذا مبدأٌ يصلحُ في مقارنةِ الأديانِ، ويصلحُ في التربيةِ، ويصلحُ في علمِ النفسِ، ويصلحُ في البيولوجيا والمنهج. إصلاحي ومنهج إصلاحي، هذا هو المبدأ لأنه كلام وجمل مفيدة تصلح للدلالة عليها في شتى وسائل الأنشطة البشرية، فهو مبدأ لا نخرج عنه، لأنه إذا خرجنا عنه
سنتيه، وإذا خرجنا عنه ستفوتنا فوائد اتباعه. فهذا هو المبدأ القرآني، المبدأ القرآني مخالف للقاعدة أو هو غير السنن الإلهية. هو غير الحقائق الإلهية والكونية، هو غير الأحكام الشرعية. الصلاة واجبة، والزكاة واجبة، والصيام واجب، فهو متفرد وبه. سؤال آخر حول ما نسميها أو
ما نسميه بالسنن الإلهية والحقائق القرآنية: هل السنن الإلهية هي الحقائق القرآنية؟ هي دوائر بعضها في داخل بعض، الحقائق التي ربنا سبحانه وتعالى أخبرنا بها. منها ما يتعلق بالإله ومنها ما يتعلق بالسنن الإلهية ومنها ما يتعلق بالأحكام ومنها ما يتعلق بالمبادئ. فالحقائق هذه مثل دائرة كبيرة، عندما تدخل هذه الدائرة الكبيرة تجد دوائر بداخلها، كل واحدة منها دائرة. فنستطيع أن نقول إن كل هذه الأشياء حقائق وليست كل الحقائق مبادئ أو سنناً. أو أحكام أو كذا إلى آخره، بل من هذه الحقائق ما تفرّد بوصف الرب سبحانه وتعالى، وهناك من هذه الحقائق مبادئ نسير عليها ونلتزم بها، وهناك من هذه الحقائق قواعد تشمل
أحكام جزئياتها، وهناك من هذه الحقائق أحكام شرعية، وهكذا، وكلها حقائق، فالحقيقة أوسع من السنة الإلهية وأوسع من المبدأ القرآني وهي عبارة عن قول الحق أصبحت حقائق جمع حقيقة، يعني شيء ثابت وهو موافق للواقع وقائم، هذه الموافقة عن دليل يراها كل عاقل وكل إنسان. يعني كل حقيقة تعتبر سنة إلهية وليس كل - لا - ليس العكس، كل سنة إلهية حقيقة قائمة وليس العكس صحيحاً، نعم. حسناً، هكذا اتضح المعنى وانتظمت واتسقت الجملة. طيب، النظم القرآني، يقولون هذا النظم الذي أحياناً حينما أراك وأنت تتحدث عنه تظهر معالم الفخر والاعتزاز والحب والإعجاب، غاية الإعجاب. هذا النظم، هل له دلالة خاصة؟ ما دلالة هذا النظم؟ النظم
القرآني فريد وحيد، يعني لا مثيل له، النظم القرآني تحدى الله تحدى به البشر قائلاً: فليأتوا بعشرة سور مفتريات مثلاً، يعني قال: فليأتوا بسورة من مثله. فالنظم القرآني لم يستطيعوا أن يأتوا بمثله. النظم القرآني مكون من ماذا؟ هو لغة، ولغة عربية: "إنا أنزلناه قرآناً عربياً لعلكم تعقلون" لكي تفهموا، وإلا كان سينزل بطريقة أخرى، لكنه نزل بنظم وتركيب. بسياقٍ أو بسباقٍ أو بلحاقٍ أو بتركيبةٍ في الجملة غريبةٍ عجيبةٍ، تركيبةٍ في الجملة مع ما
بعدها غريبةٍ عجيبةٍ، مع ما قبلها غريبةٍ عجيبةٍ، تقرأ صفحةً غريبةً عجيبةً، تقرأ سطرًا غريبًا عجيبًا، فإذا هذا الذي نسميه النظم القرآني، هو نظمٌ فريدٌ عجز البشر عن أن يأتوا بمثله، تعال أُعطيك مثالًا، إلى ألف وثمانمائة وعشرين جذراً من جذور العربية، عندما تقول ضرب، أكل، شرب، علم، وهكذا، فإنك تحسبهم في اللغة العربية ثمانين ألف جذر. هذه الثمانون ألف جذر منها ألف وثمانمائة فقط، أي واحد وثمانية من عشرة على ثمانين، ما يعادل ما لا يصل إلى اثنين في المائة تقريباً. إن ما
استخدمه القرآن من لغة العرب يمثل رقماً قليلاً، اثنين في المائة، لأن ثمانية وتسعين في المائة - انتبه مثلاً - الأسد له أسماء كثيرة في لغة العرب، لكنه لم يستخدم إلا "القسورة": "كأنها حُمُرٌ مستنفرة فرت من قسورة" فقط، ولم يذكر أسداً ولا ليثاً ولا... سبعٌ ولم يُحضِر أيّ شيء ولا أسامة ولا أيّ شيء أبداً. فبالرغم من ذلك، إلا أن هناك ألفاً وستمائة وعشرين كلمة في القرآن أتت مرة واحدة فقط دون تكرار. ألف وستمائة كلمة في المتاجرة، هذا يستوي مرة، ألف شيء وجمال، أربع كلمات من الأول إلى الآخر لم يكررها مرة. واحدةٌ قالوا: ما هذه
البلاغة؟ ما هذه الحلاوة؟ طيب، أربعة، طيب، اجعلها أربعين، لا، ألف وستمائة، اسمها الضربة القاضية. ليس هناك كتاب على وجه الأرض بهذه الصفات إطلاقاً، ولا البخاري، ولا مسلم، ولا كتب الفقه، ولا أشعار الشعراء، ولا أي شيء، أن يكون فيه كم ستة وستين ألفاً. كلمة وبعض كم ست مائة صفحة ويكون فيهم ألف وست مائة وبعض ألف وست مائة وأربعين كلمة لا تتكرر لا تتكرر شيء غريب، فعندما تأتي يقول لك سطر واحد "إنا أعطيناك الكوثر فصل لربك وانحر إن شانئك هو الأبتر" في هذه أيضاً سطر واحد فيها شيء لم يتكرر فقلنا حسناً. لنرى ربما فيها كلمة أو شيء ما. اتضح أنهم ست كلمات
لم تتكرر أبداً في القرآن، أول مرة تُذكر هنا في سورة الكوثر. "إنا أعطيناك" هذا التركيب لم يُذكر إلا هنا، "إنا أعطيناك الكوثر" لم تُذكر قبل ذلك في القرآن. "فصلِّ لربك" لم تُذكر قبل ذلك، "فصلِّ لربك وانحر" لم انحر إن شانئك، لم أتذكر ذلك من قبل، وهذا شيء غريب عجيب. هذا كلام غير موجود إطلاقًا في كلام البشر. تقول لي "شانئك"، حسنًا، إنه "ولا يجرمنكم شنآن قوم". أقول لك نعم "شنآن" وليس "شانئك"، هل انتبهت؟ "إنما يخشى الله من عباده العلماء"، هذه لم أتذكرها من قبل.
"العلماء" إنما علماء بني إسرائيل قد ذُكروا في النظم القرآني الذي يحتوي على تراكيب وسياق وتسلسل وتفرد في الألفاظ والجذور، واستخدام متوازن للتكرار وعدمه، وبلاغة لا توجد في غيره. فهو فريد - وانتبه جيداً - ليس له مثيل إطلاقاً، وهذا ما علّق قلوب المسلمين به. كما أن فيه خاصية عجيبة غريبة وأن هذا النظم قابل للاسترجاع لغير العربي وللأطفال وأصبح مبهراً للمسلمين
فضلاً عن غير المسلمين. فاصل ونعود إليكم، ابقوا معنا. أهلاً بحضراتكم مولانا الإمام، ذكرت قبل الفاصل أن ما توافر في القرآن الكريم من دلائل الإعجاز من هذه التفاصيل حول المفردات التي لم تتكرر على كثرتها في سياق القرآن الكريم. وأن البعض إذا أراد فهي حاجات أو أشياء عارضة عند الآخرين، أفلا يتدبرون القرآن؟ ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً. هذا هو المعنى الذي نفهمه من سياق ما تفضلت به منذ قليل. أريد أن أقول إن النظم القرآني فريد، ومن هذه الفرادة أن يكون حمّال أوجه. من هذه الفرادة أنه يتفق مع جميع الأُسقف المعرفية عبر التاريخ. يعني أنني أمتلك سقفاً معرفياً بأن الأرض ثابتة والشمس تتحرك في كبد السماء، يراها كل مبصر، فيأتي النص "والشمس
تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم"، فيحملها البدوي على أن الشمس تسير في رابعة النهار وتغيب بعد المغيب. لكن عندما يتقدم العلم ويفهم أهل الرياضة والهندسة أن الأرض لا بد أنها كرة وأن الشمس لا يمكن أن تكون هي التي تدور حولها وأن الأرض تدور حول نفسها ويأتي مع هذا النص "والشمس تجري"، فإنه يصبح للشمس جريان ظاهري وجريان حقيقي، والنص هنا على الظاهر وليس على الحقيقي كما... أمرنا الله سبحانه وتعالى تماماً باستعمال الماء. في حقيقته هيدروجين وأكسجين، واحد يشتعل والآخر يساعد
على الاشتعال، أي نار الله الموقدة. لكن هذه الحقيقة ليست هي الواقع. أن الماء يحدث الري، وقد أكثر الله الحاجة إليه. فكذلك هذا الجريان الظاهر للشمس، وإذ بلطف الله بنا نكتشف سقفاً معرفياً أن الشمس تدور أربعة عشر حركة حول نفسها وحول المجرة التي هي فيها، مجرة درب اللبانة أو التبانة، وتتجه نحو نجم فيجا بسرعة اثني عشر ميلاً في الثانية. كل هذه الأشياء تجعل السقوف المعرفية تدرك أن الشمس تجري فعلاً، لكن المستقر ليس المغرب، بل المستقر هو النجم. فيأتي وهكذا أبداً شيء مذهل، ولذلك فالقرآن الكريم لا تنتهي
حقائقه في الدلالة الاستقلالية، يعني عندما يأتي ويقول: "فاعتبروا يا أولي الأبصار"، هو ساقها في كلام عن اليهود وعن أمور أخرى إلى آخره، لكن أخذها العلماء كدلالة استقلالية وبنوا عليها أدلة القياس، و"اتبع غير سبيل المؤمنين" أخذها الإمام الشافعي وجعلها على الإجماع عندما يأتي مثلاً ويقول "ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة" يأخذونها ويجعلونها عامة ولا يجعلونها خاصة بالسياق والسياق أنه لا ينفق أو ما شابه ذلك "ما على المحسنين من سبيل" ويجعلونها عامة، فهذه تسمى الدلالة الاستقلالية في القرآن وهي وسيلة للوصول إلى المبادئ القرآنية لو أنك فهمت ما فعله والعلماء والمفكرون
مع القرآن لتوصلت بهذه الحقيقة وهي الدلالة الاستقلالية أن الكلمة يكون لها معنى في السياق ومعنى آخر خارج السياق فنأخذه خارج السياق فيصير مبدأ. فما العلاقة بين الدلالة الاستقلالية والمبدأ؟ إن الدلالة الاستقلالية وسيلة للوصول إلى المبدأ. نعم، إذًا لدينا أسئلة كثيرة، ولتسمح فضيلتكم بأننا... في الأسبوع القادم إن شاء الله سنكمل الحديث حول الحقائق القرآنية والمبادئ القرآنية والمقاصد القرآنية وحول هذا النظم الفريد العجيب في القرآن الكريم. فشكرًا لكم مولانا الإمام الأستاذ الدكتور علي جمعة. وأحاطكم الله بعزة العلماء
وبالعز الشريف. شكرًا لكم، دمتم في رعاية الله وأمنه. إلى اللقاء. اشتركوا في شكراً للمشاهدة