والله أعلم| فضيلة الدكتور علي جمعة يوضح حقيقة البر.. وما هي أعلى مراتبه؟| الحلقة الكاملة

والله أعلم| فضيلة الدكتور علي جمعة يوضح حقيقة  البر.. وما هي أعلى مراتبه؟| الحلقة الكاملة - والله أعلم
بسم الله الرحمن الرحيم، باسمك اللهم نمضي على طريقك، فثبت اللهم أقدامنا على طريقك. ما أجمل أن نستفتح بها كل حياتنا وكل شؤوننا. اللهم ارزقنا أسرارها وبركاتها يا رب العالمين. أهلا بكم في "والله أعلم" لنسعد دائما بصحبة صاحب الفضيلة مولانا الإمام الأستاذ الدكتور علي جمعة، وعضو كبار العلماء بالأزهر. الشريف لنسأله هذا السؤال المهم جداً في حياتنا: ما البر؟ لكي نعرف ما هو البر واقعاً وتفصيلاً، نظريةً وتطبيقاً. مولانا الإمام، أهلاً بفضيلتك. أهلاً وسهلاً بكم. يقول ربنا: "لن تنالوا
البر حتى تنفقوا مما تحبون"، فما معنى البر؟ بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله. وآله وصحبه ومن والاه، عندما نسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يُعَرِّف البر حتى نعرف معناه يقول: "البر حسن الخلق". إذاً فهو مرتبة عليا من مراتب التدين الذي يشمل الإيمان ويشمل الإسلام ويشمل الإحسان، فهو درجة من الدرجات العليا للإيمان. وربنا سبحانه وتعالى يقول: "ليس البر أن تولوا..." وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله، إذاً فمكون أساسي من مكونات البر أن
نكون مؤمنين، ولكن هذا الإيمان لا بد فيه بعد ذلك لأن من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين، لا ليس يكفي هذا، وآتى المال على حبه، فقد دخلنا في العمل، نعم بعد. الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره، إلى آخر الأركان الستة. هذه الأركان الستة وردت في حديث جبريل. ثم نذهب إلى "وآتى المال على حبه مسكينًا ويتيمًا"، إذ "وآتى المال على حبه" هذه تعني أننا دخلنا في نطاق العمل. هو "وآتى المال على حبه ذوي
القربى السبيل والسائلين وفي الرقاب يكفي، وأقام الصلاة وآتى الزكاة، كل هذه أعمال متنوعة. وآتى الزكاة يكفي، لندخل في درجة الإحسان، درجة الأخلاق. "إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق". والموفون بعهدهم إذا عاهدوا، فإذا دخلنا في الأخلاق والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس، فهذا يعني أننا أمامنا في هذه الآية. ثلاثة مقاطع: مقطع للإيمان، ومقطع للأعمال والإسلام، ومقطع للإحسان والأخلاق. هذا هو البر الذي إذا قطعنا تلك المراحل كلها وفعلنا كل هذه الطبقات المتتالية في الهرم، نجد في
أعلى الهرم البر حتى نصل إليه. ليس البر أن تولوا وجوهكم ولكن البر من آمن بالله إلى آخر الآيات. إذا فالبرُّ هو هذا، يمكن أن نلخصه ونقول: البرُّ حسنُ الخلق، كما لخصها رسول الله بأن حسنَ الخلق لا يقبله الله إلا بالعمل، والعمل لا يقبله الله إلا بالإيمان. ولكن نحن هنا في هذا الترتيب، نعم مولانا، البرُّ بهذا المعنى وبهذه التراتبية وبهذه الطبقات المهمة جداً يُعتبر من المبادئ المهمة. في القرآن الكريم من المبادئ القرآنية التي نحن بصددها بدون شك لأن الله سبحانه وتعالى يحب المحسنين، نعم، ويستجيب لهم دعاءهم، والأمور
لا تتم في الإسلام إلا إذا وصل الإنسان درجة الإحسان. إذاً هذا البر هو مفتاح من المفاتيح، هو مبدأ من المبادئ القرآنية العظيمة التي لا بد من... أن يتحلى بها الإنسان وإلا صارت الأسواق بدون بر نوعاً من أنواع الآلية كما هو حادث في العالم الآن. المصالح تتصالح بلا مبادئ وبلا روح، صارت الصنعة بلا إدراك لسر ما فيها، صارت الحياة بلا روح. يا مولانا، هل كانوا يبحثون قديماً عن السر؟ نعم. هو السر الذي يطلق عليه سر الصنعة الإلهي وما شابه، وكانت الطوائف المختلفة
والحرف المتنوعة يدرك شيخها هذه الصنعة. يعني ما هو سر الشجرة؟ هذه الشجرة لها سر. ما هو سر الحب الذي يُدهس ويُطحن ويتألم من هذا الدهس والطحن حتى يصير طحيناً، حتى يُشوى بالنار فيصير خبزاً. ما هو النار ما هو سر الخبز ما هو سر الدقيق ما هو سر الماء المتدفق. كل شيء كانوا يتعاملون معه باعتبار أن الإنسان عالم مصغر وأن الكون إنسان مكبر. الإنسان كون مصغر، عالم مصغر، وليس على الله بمستغرب أن يجمع العالم في واحد، فهو الله،
جمع في كل. واحد منّا هو العالم، وليس شخصًا بعينه مثل حسن أو حسين أو علي، بل في كل واحد منّا العالم بأكمله. وتحسب أنك جرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر. أهكذا هو الأمر، هل انتبهت؟ فعندنا هنا الإنسان هو بؤرة هذا الكون، والله وهذا الكون هو إنسان منفتح كانوا. يسميه أهل الله قديماً الإنسان المنفتح، أي إنسان على هذه الحال، يعني في سماوات وفي أرض وفي مُلك وفي ملكوت وفي فرش وفي عرش، حسناً، جيد، مفهوم. من عرف ربه عرف نفسه، ومن عرف نفسه عرف
ربه. لنقف عند هذا المعنى الجميل والرائع والعميق جداً، ولنناقشه بعد هذا الفاصل. ابقوا معنا فهلاً بحضراتكم. كيف نفهم إذاً أن هذا الكون أسموه بالإنسان المنفتح؟ ولكن قبل هذا وذاك، اسمح لمولانا - أعني أقول لحضرتك - تقبل الله وحرما جمعاً إن شاء الله. ومن الجميل أن الإنسان دائماً يجمع ما بين العمل وأداء الصلاة في وقتها. يا مولانا، طبعاً الدين جزء من الحياة يعني عندما سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "جُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا"، "جُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا"، هذا معناه أن الصلاة اختُلطت معنا، فالله قال: "حَيْثُمَا أَدْرَكَتْكَ الصَّلَاةُ فَصَلِّ" في أي مكان، في أي مكان، ولكن بشروطها طبعاً، يعني في وضوء في...
استقبال القبلة في كذا إلى آخره، ولكن هذا المعنى - معنى أنه حيثما أدركتك الصلاة فصل - حتى قالوا أن الوضوء سلاح المؤمن. لماذا هو سلاح المؤمن؟ لأنه سيلبي هذا التوجيه النبوي: حيثما أدركتك الصلاة فصل. ثم يقول لك: هل هذا حديث صحيح؟ هل هذا حديث؟ هل هذا يعني... مساكين والله الواحد تصعب حالتهم علينا، يعني يا أخي هذه حكمة، طيب دعها حكمة أو شيئاً من هذا القبيل، لكنه فعلاً سلاح المؤمن بمعنى أنه كلما - يا عيني - لم يُرِد شيئاً يصبح عدواً له، بل فاعلاً لضده، فيُوضع عليه نفس الدين، ويتحرق. طبعاً التجربة الإنسانية بيّنت جزء من الحياة وليس ضد الحياة، الدين جزء من الحياة، يعني
نعمل ثم نصلي ثم نعمل مرة أخرى، وهكذا، أي أنه جزء من الحياة. لكن الآخر هذا يفهم الدين بأسلوب آخر، أن له مكاناً مخصوصاً، وله طريقة مخصوصة، وله تهيؤ مخصوص. فإذا عارض هذا التهيؤ الحياة، هو... سيقدم الحياة لأنه لا يستطيع أن يموت، حتى هو لا يستطيع أن يموت، هو نفسه لا يستطيع أن ينتحر، ولذلك يترك هذا من أجل هذا، أو يترك هذا من أجل هذا، فيختل المقال. أهو هذا ليس البر؟ نعم، الذي أنا سأتكلم فيه. هذا هو السؤال الثاني، نعم، إنه البر. وآتى المال على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً، وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل، وآتى
المال على حبه، وبعد ذلك بعد أن آتى المال على حبه، ماذا يقول؟ والآن لا، يقول: وأقام الصلاة، أقام الصلاة، انظر أين تضعها، أتنتبه؟ وآتى الزكاة، فإذاً يعني إلى أن... وضع أن حتى الإنفاق يتم ينفق وهم راكعون وهم راكعون، كيف ينفق وهو راكع؟ يعني وهم متلبسون دائماً بالركوع وبالسجود وغير ذلك إلى آخره. فالحمد لله الذي جعلنا مسلمين، ولكن نعود مرة أخرى إلى قضية البر. هو البحث عن السر الذي وضعه الله كامناً خلف هذه الكائنات. التي نراها من أرض وسماوات وأشياء عالم للأشياء وكذلك الاقتصاديون عندما تحدثوا عن العمل
أو عن الإنتاج قالوا إنه من أربعة عناصر: الأرض والمال والعمل والتنظيم في تطور تاريخي لهذا، فجعلوا الأرض منها، فعندما جاء أرادوا أن يجعلوها ثلاثة فقالوا حسناً: الأرض ورأس المال والعمل، فعندما جاء شخص قال لهم هذا تنظيم مهم، قاموا بحذف الأرض. فعندما كنا ندرس على أيدي أكابر الاقتصاديين، كانوا يقولون لنا ماذا؟ يقولون لنا إن هذه الأرض مهمة جداً، لا تحذفوها. دعونا نجعلها أربعة بدلاً من أن نجعلها هنا ثلاثة، تتطور ثلاثة، لا تتطور أربعة، لأن الأرض فريدة وحيدة، وهي التي تُنشئ وتعطيك الماء، وهي الحبوب التي أقول لك تطحنها فتصبح طحيناً، فعندما تضع هذا الطحين مع الماء يصبح عجيناً، ثم تضع هذا العجين وتنضجه بالنار، فإذا
به يعطيك في النهاية نتيجة. إذًا لا بد أن المشقة والتكليف نهايتهما العطاء. كل هذه رسائل ربانية إلهية كانوا يبحثون عن أسرارها، وكان أصحاب الحرف والصناعات والخبّاز. والنجار والحداد وغيرهما يفهمون هذه المعاني بعمق ويعلمونها لمن بعدهم ويسمونها سر الصنعة. إنهم يفهمون الجمال وقضية الجمال الداخلي والخارجي، ويفهمون الإتقان وقضية الإتقان الداخلي والخارجي. يفهمون أنه يجب ألا تتحدث بما لا تعرف من العلم، ولا تتبع ما ليس لك به علم. إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان ولذلك عندما وضعوا كانوا يسمون البحث عن هذا السر بالعشق،
هذه مصطلحاتهم، العشق الإلهي. ساداتنا الصوفية - وفضيلتكم من أهل الله والسادة الصوفية - والحقيقة أن طوائف كثيرة من الأمة في تجربتها لتطبيق الدين على النفس وعلى المجتمع وعلى الناس فعلوا هذا، فأصبح عندنا شيء اسمه البحث عن السر، ما عن هذا السر قالوا العشق الإلهي. فقام الآخر ووقف عند كلمة عشق، وهل ترى هي تقتضي الزواج أم لا تقتضي الزواج؟ هل يصح أن نقول عشق إلهي أم لا يصح أن نقول عشق إلهي؟ في تعنت لم أرَ مثله قط، يعني شيئاً انقطعوا عنه كانقطاعهم عن الحضارة الفرعونية، لم تفارق خلاص لا توجد لغة، فاللغة فُقدت في العشق الذي كانوا يقصدون به أن شخصاً
انجذب إلى الله، فأراد أن يفهم تلك الرسائل الكامنة في الشجرة، في الحبة، في المياه، في النار، في الإنسان، في السماء، في الأرض، في النور، وهكذا. أراد أن يفعل هذا لانجذابه لله، يريد أن يرى. الله في كونه وفي كل شيء له آية تدل على أنه واحد، فآمنوا بعمق وآمنوا بما لا يمكن أن يهتز إيمانهم، فقل انتشار الإلحاد فيهم. لكن لماذا كل هذا ذهب؟ وهذا ما فعله النابتة، أنهم قد صدوا عن سبيل الله بغير علم، وأنهم صدوا عن سبيل الله وهم غير مدركين. يظنون أنهم يحولون الناس من العمق إلى السطح، وفي السطح يكون المرء أمام
الريح، لأن كل ما كان معوجًا فمصيره إلى السقوط، وكل ما كان على وجه الأرض فمصيره إلى الزوال وفنائه. أما الذي هو ثابت في الأرض فلا يمكن لأي شيء أن يزيله، كالشجرة التي لا يمكن لأي إعصار ما هذا الذي لا يوجد، فثبات الجبل كذلك لا يهتز، كريه الجبل لا يهتز، آه يا جبل يهتز كرهي. انظر من أين يأتي هذا الكلام، إنه فهم عميق لتلك الرسائل التي حولنا نراها ليل نهار، ولذلك كانوا في حالة الإيمان لأنه في حالة البر، الله إذًا الأعمق هو الأعم يا. مولانا البر أعم من الإيمان، لا، الإيمان هو الأخص، هو الأخص. الإيمان على أنه ثابت، يعني هذا جزء لا يتجزأ وهو ما - وانتبه - يعني
ماذا أعم ويعني ماذا أخص. إذا أردت المرتبة فهو أخص من - يعني لا بد - الإيمان، لأن هناك مؤمن ليس باراً، هناك مؤمن لم يصل إلى أن "لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون" لم يصل إلى هذا الحد. هل تنتبه كيف؟ طبعاً هي "مما تحبون" ولكن فقط لأنه قالوا إنها الآية الوحيدة أو تكاد التي موزونة، نعم، على وزن الشعر، لكن تقول "تحبون" نعم. تريدون أن تكسرها قليلاً بسيطاً على هذا النحو، نعم، لكي يكتمل الوزن. تحبسه ولكن إلقاء الآية التالية حتى "تنفقوا مما تحبون"، "مما تحبون"، فهكذا انتهينا. هل انتبهت؟ هكذا انتهينا، نجونا من البيت، من الوزن الشعري، الوزن الشعري. فالمهم أنه "لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون" مقسمة
هكذا يعني. فائدة لأن البر شيء عالٍ، فهو يعني أن كل بر لا بد أن يشمل الإيمان، لكن ليس كل إيمان لا بد أن يشمل البر. وما دام كل بر يشمل الإيمان، فإذن هو الأخص، لكن ليس كل الإيمان، فهو الأعم. هذا بالعموم والخصوص المنطقي، لكن شخص قد يأتي ويقول لك: حسناً، ما معنى ذلك؟ هو لن يستطيع حتى أن يفعلها. فالبِرّ أخص على طول الخط. الإيمان أعم، والبِرّ يكون لنا. البِرّ أخص من الإيمان، فالإيمان هو الأعم. الإيمان فيه أناس كثيرون مؤمنون، نعم، لكن بعض هؤلاء المؤمنين وصلوا إلى مرتبة البِرّ، نعم مولانا، إذا ما كانت...
مكانة البر هي الترقي من درجة إلى درجة. هل للبر أنواع كالسلم الذي نصعد عليه لكي نصل إلى قمة الهرم لنتحقق كما يقول السادة الصوفية؟ البر بهذا المعنى ليس أنواعاً، نعم، إنما هو واسع، يعني عندما أمرنا النبي عليه الصلاة والسلام بالصدقة وأن الصدقة... على المسكين صدقة وعلى ذوي القربى اثنتان، انظر كيف على المسكين صدقة واحدة، حسناً وعلى ذوي القربى، أنا قريبي وفقير فأعطيته نفس الصدقة التي سأقدمها للغريب، لكن الأقربون
أولى بالمعروف، لماذا؟ لأنها تُعد صدقة وصلة، فهنا إذا أردنا أن مظهر البر قد يتكاثر كثيراً عندما يكون هناك. برّ بالإنفاق، وبرّ بإقامة العبادة والاستدامة عليها، وبرّ بحسن الخلق، وبرّ بأنواعها هكذا. ولكن البر هو في الحقيقة، في حقيقته، هو درجة واحدة من الدرجات العلى التي يصل إليها المؤمن. حسنًا، ما هي أعلى مراتب البر يا مولانا؟ وإذا كان هناك - يعني لن نقول درجات - ولكن هي كما ما هي مراتب البر وكيف أصل إليها؟ هذا هو نص الآية، نعم "لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون" وليس
مما تكرهون. إذاً الحب عطاء، فحتى أصل إلى البر يجب أن أخلي قلبي من الكراهية، وحتى أصل إلى البر أملأ قلبي بالحب. هم أهل الله الذين لا يُعجبهم هؤلاء الناس. يقول لك ماذا؟ يقول لك: لا يُحب الله مَن لا يُحب الناس. نعم، انظر إلى العبارات العجيبة! ليست في القرآن ظاهرياً وليست في الحديث نصاً، لكنها موجودة في القرآن وفي الحديث إذا قرأتم بتدبر. هل انتبهت كيف عندما يقول سيدنا رسول الله: "مَن لا يشكر الناس..." إذا لم تشكر الله، فينبغي عليك أن تشكر الناس. وكذلك عندما يأتي شخص يشتكي قائلاً: "يا إخواننا، لقد وقعت
في الحب" ظاناً أن الحب خطيئة. كلا، الحب ليس خطيئة، بل إن هذا الحب الذي وقعت فيه هو الدرجة الأولى لحبك لله، لكن افهمه بشكل صحيح، ولا تتوقف عنده، واستخدمه بحكمة. لكي ترتقي به إلى حب الله، هذه هي القضية. لكن الحب في ذاته هو شعور خلقه الله تعالى لكي تصل إليه. الحب شيء حتى تصل إليه. ولذلك يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من عشق فعف فكتم فمات، مات شهيداً". لماذا يموت شهيداً؟ يعني هذا رجل... يحب شخص واحد يحبه شخصة أخرى، ما المشكلة في
ذلك يعني؟ لا، إنه قال لها بحبه ولكن الظروف: هي متزوجة، هي ذات محرم منه، هي كذا وكذا. طيب وما الحل في هذا؟ ما هو الحل؟ الكتمان. كتَم ولم يستطع، فاشتعل من الداخل ناراً. كتَم أيضاً فاشتعل من الداخل ناراً أكثر. كَتَمَ (أنفاسه) فماتَ، إنا لله وإنا إليه راجعون. يعني ضغطُهُ ازداد عليه فماتَ. قال هذا يُعتبر شهيداً. هذا من الآلام في الجسد يا مولانا. هذا ماتَ شهيداً. شهيد ماذا إذن؟ شهيد أنَّ هذه كانت أول مرحلة لكي تصل بها إلى حب الله. هذا المعنى الذي قتلوه جعلني أؤلِّف ألف كتاب. اسمه حاكم الحب،
هذا هو المعنى الذي لا يفهمونه. إنهم لا يفهمون ما الذي جرى بين الصحابة بعضهم مع بعض، ولا يفهمون ما الذي جرى بين الصحابة وبين سيدنا صلى الله عليه وسلم، ولا يفهمون كذلك العلاقة التي جرت بين الصحابة، بين النبي وصحابته وبين الله. لم يفهموها، فالكل في ظلام أغلقوا على أنفسهم من باب، ومن ثم جاءت العلاقة بين المريض والشيخ يا مولانا. مثلاً، نعم، أعني لهذه النقطة، لأنها نقطة مهمة جداً. يعني تُثار كثيراً مع علاقة المريض بشيخه علاقة حب. لا تفعل هكذا يا أخي، ما علاقة هذا الوضع العجيب في بر الوالدين؟ هذا بر الوالدين، هذا انظر كيف أمر الله ببر الوالدين وجعله مكافئاً للتوحيد. وهل انتبهت كيف أنه عندما ذُكر في الآية، ذكره قبل التوحيد؟
فأمرنا ألا نشرك بالله. "وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا". "وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى" "أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ". وبالوالدين ماذا؟ هذا هو المكافئ للعبادة، فما هو البر إذاً؟ "وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما"، هذه هي الناحية الإجرائية العملية، "وصاحبهما في الدنيا معروفاً"، "وصاحبهما في الدنيا معروفاً". عندما تأتي في القرآن "صاحب" و"صاحبهما" هذا يكون بالألف هكذا يعني أنهما على غير يكونوا على دينك، انظر إلى الرسم هنا. إذن الرسم له هذه المحذوفة، أصبحنا
في كشيدة بسيطة هكذا، ونضعها بالطول هكذا. يسمونها الألف الخنجرية، الألف الخنجرية. إذن ماذا تسمى الثانية؟ اسمها الألف الاعتيادية. فأصبح لدينا نوعان من الألف: ألف خنجرية وألف اعتيادية. فالألف الخنجرية هذه هي التي تجدها حُذفت من الصاحب صاحبيّ في السجن ستجد عليها ألف خنجر كذلك في سورة سيدنا يوسف هؤلاء كانوا على غير الدين الذي يكلمهم "يا صاحبيّ السجن". طالما لا يوجد فيها اعتياد بل فيها خنجر، فهذا يعني أنهم كانوا على دين يوسف، نعم، لقد حذفوا الألف لأنهم على ماذا؟ على دين يوسف، ولذلك. هل اقتنعوا به وانبهروا به فاتبعوه؟ أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار؟ فهم
تبعوا هذين الاثنين لأنهم آمنوا في هذا السجن الذي وضعهم فيه فرعون أو العزيز. فالألف الخنجرية لو كانت موجودة لها، والألف غير موجودة، إنما هي علامة فقط هكذا مكانها، فيبقى هناك اتصال. موجودة فيكون هناك انفصال، نعم وصاحبهما في الدنيا معروف فيها، موجودة ها هي أمامك. إذا كانت الألف موجودة فهؤلاء ليسوا على دينه، هؤلاء يقولون بالشرك، لكن الحب ماذا تفعل به؟ إذ إنّ الحب حاكم، الحب أصبح هكذا، فربنا قال لنا ماذا نفعل؟ أنبرهم أم نقطعهم؟ أنكرههم أم نعطف إلا تعامل معهم بلطف وصاحبهما في الدنيا بالمعروف. فالله تعالى طيب، وماذا لا يُحب؟ لا يحب الفعل السيء،
لا يحب الكفر، لا يحب الشرك، لا يحب الفساد. وهم أحبوهم، وابني كذلك، وهذا ما علمنا إياه سيدنا نوح عندما قال: "رب إن ابني من أهلي"، فهو يريد أن ينجي ولده انصرف سيدنا نوح عن هذا، لكن سيدنا نوح قلبه معلق به بالذات، هذه له ذات معلقة به. إليك البر، فالبر، أنت تسألني كيف نصل إليه؟ والإجابة واضحة: بالحب. البر ليس له حل للوصول إليه إلا بالحب، ولذلك "على حبه"، "ويطعمون الطعام على حبه" أيضاً "مسكيناً ويتيماً وأسيراً"، فيصبح حب الزواج. هذه أكثر من مجرد حب
تملكه للطعام الجيد، حب لهم طغى على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً. لكن لو أنفقت من الرديء، وأحضرت التمرة الرديئة أو البيضة وأعطيتها للمسكين، فهذا غير صحيح وتكون غير مقبولة، لأن هذه التمرة - انظر إلى التصوير - قد سقطت في يد الله قبل أن تسقط فأنت وأنت تقدمها، كل هذا فيه انجذاب إلى الله. متى يحصل لك انجذاب إلى الله؟ عندما تسلك إليه طريقه. ومتى تسلك إليه؟ عندما تخلي قلبك من كل قبيح وتحليه بكل صحيح. هذا هو البر. فالبر هذا مهم جداً سواء كان للأسواق، وسواء كان للسياسة، وسواء كان للسلام، وسواء كان... للحرب،
وسواء كان في حقوق الإنسان أو في حقوق النساء أو في حقوق الصبيان أو في حقوق الأكوان، الحقيقة أن البر بدونه الحياة لا تساوي شيئاً وتصبح مظلمة كالحياة التي يريدون أن يعيشوا فيها، ليس فيها نور، ليس فيها رحمة، ليس فيها ليونة وتراب، وكانت أمنا رضي الله عنها. تضع أو تعطر هذه الصدقة قبل أن تعطيها للفقير لأنها تستقر في يد الله قبل أن تُحاسَبوا، وزِنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم. المراقبة والمحاسبة وكل هذه الإجراءات
الفعلية للمسلم والمؤمن في الترقي لدرجة البر، أين هي من البر يا مولانا؟ لا، انتبه أن البر لا يُذكر في... القرآن يسير مع التقوى، نعم البر والتقوى، فما الفرق بين البر والتقوى؟ هناك إجابة على سؤالك: البر هو إحسان العلاقة بينك وبين الناس، وهو ما قال عنه سيدنا "حسن الخلق"، ولكن التقوى هي إحسان العلاقة بينك وبين الله، وهما وجهان لعملة واحدة، لأن الله سبحانه وتعالى يرفع درجتك عندما تحسن من أساسيات التقوى، وعندما تتحسن العلاقة بينك وبين الناس تكون من أساسيات البر، فالبر والتقوى وجهان لعملة واحدة.
هذه الإجراءات التي توصلني إلى استكمال قبول البر التي ذكرتها حضرتك كلها، هي من علامات التقوى: المراقبة والمحاسبة للنفس والتدبر والتأمل والديمومة والإتقان. كل هذا يوصلني إلى مرحلة الخوف من... الجليل والعمل بالتنزيل والاستعداد ليوم الرحيل والرضا بالقليل، وهي الإجراءات الفعلية للوصول إلى التقوى التي هي الوجه الثاني للبر. فالبر والتقوى وجهان لعملة واحدة، هذا في الإحسان كما يقول ابن عطية، هذا في الإحسان بين الإنسان والناس، وهذا في الإحسان بين الإنسان والله. هذه
هي الصورة أو الخريطة الخاصة بالبر. والتقوى وما شابه ذلك سيدخل فيها "وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان". هل هذا معناه إعادة صياغة العلاقة بيني وبين نفسي، بيني وبين ربي، ثم بيني وبين نفسي، ثم بيني وبين الناس؟ هي هذه العلاقات الثلاث التي جعلت قول "هو الله أحد" ثلث القرآن. هذه العلاقات الثلاث هي كلها اسمها العبادة، وما خلقت الجنَّ والإنسَ إلا ليعبدون، كيف نعبد الله؟ فدلنا على كيفية العلاقة بيننا وبينه ظاهرةً وباطنةً، ودلنا على كيفية العلاقة بيننا وبين الناس ظاهرةً وباطنةً، ودلنا على كيفية العلاقة بيننا وبين أنفسنا ظاهرةً وباطنةً، والكل هذا يصل بنا إلى أن نحسن العلاقة مع الناس فيكون. خارجاً وأن نحسن العلاقة مع
الله فتكون تقوى، وأن نحسن تربية أنفسنا التي جعل الله فيها إلهاماً فألهمها فجورها وتقواها، قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها. فنتصف بهذه الثلاثة عن طريق التخلية والتحلية، عن طريق مفهوم البر والتقوى، عن طريق العمل الدائم على سنة رسول الله صلى الله. عليه وسلم وباعتباره الأسوة الحسنة إلى الغاية والمراد وهي رضا الله. مولاي الإمام انتقل إلى عنوان لكتاب فضيلتكم "فقه حب الحياة". هل هذا التوجيه الإلهي لما فيه صلاح الدنيا وصلاح الدين وصلاح النفس يحقق هذا المفهوم "فقه حب الحياة" أو حب الحياة؟ أرشدنا الله إلى أن الحياة تتكون من مشهدين. مرحلتين، مرحلة اسمها الدنيا لأنها قريبة، وهي
دنيا لأنها قليلة، وهي دنيا لأنها تحتاج إلى إكمال، إلى حساب فيه عقاب للمسيء وفيه ثواب للمحسن. فحياة مكونة من تجليين قال فيهما ربنا سبحانه وتعالى: "ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار". قال فيهما: "ولا تنس نصيبك من". الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك، فالله سبحانه وتعالى لم يأمرنا بهجر الدنيا ولا بخرابها ولا بتخريبها، وجعل هذا فساداً يُعاقب عليه، بل جعلها مزرعة للآخرة، وجعلها دار ابتلاء واختبار وامتحان، ولذلك
قال: "وإن الدار الآخرة لهي الحيوان"، هي الحياة الحقيقية، فلا بد أن نفقه بأننا يجب علينا أن نحب. الحياة لأن الحياة لا مفر لنا منها مرة في الدنيا ومرة في الآخرة فنحن نحب الدنيا والآخرة. ربنا لم يقل لي أن أخرب الدنيا من أجل الآخرة ولا أن أخرب الآخرة من أجل الدنيا. ربنا سبحانه وتعالى قال لي أحب الدنيا والآخرة. ربنا سبحانه وتعالى قال لي ادعني في الدنيا لأجل أن أعمر لك الآخرة، هذا ما نحن فيه. القضية ليست قضية أننا نهدم هنا وأننا نتبرأ من هنا، وأن الدنيا والآخرة ضدان. لا، هما ليسا ضدين، بل هما متكاملان، أي يعملان معاً. حسناً، هل يجوز أن نجمع بينهما؟ نعم، يجوز أن نجمع
بينهما، لكن تحتاج... أيصبح المرء قوياً جداً؟ هل هي معادلة صعبة؟ أما الإسلام بالفهم، دعني أشارك فضيلتك بهذا الفهم، يحل لنا هذه المعادلة الصعبة، يحل لنا هذه المعادلة الصعبة، لأنه يعطينا البرنامج في كيفية التعامل مع الاثنين. ولذلك البوصيري رحمه الله تعالى من طرائفه أنه سمى الآخرة ضرة الدنيا، فإن من... جُودُكَ الدُّنيا وضَرَّتُها يعني الاثنتين منهُ، فإنَّ مِن جُودِكَ الدُّنيا وضَرَّتُها، ومِن عُلومِكَ عِلمُ اللَّوحِ والقَلَمِ. عندما يقولون إنَّكَ مِن الدُّنيا، نعم أنتَ الآن يا رسولَ اللهِ سيِّدُ الدُّنيا وسيِّدُ الآخِرَةِ، لقد جَمَعتَ بينهُما، فإنَّ مِن جُودِكَ الدُّنيا وضَرَّتُها، هي الآخِرَةُ، آمين، قولوا نعم هم نريد أن
نناقش موضوع الزوجات مثل التوائم. ماذا يفعل الرجل عندما يتزوج امرأتين؟ الحقيقة أنه من الصعب عليه أن يتزوج اثنتين لأن كل واحدة منهما تكون ضرة للأخرى. التوائم، هل هذا مباح أم غير مباح؟ نعم، إنه مباح. حسناً، لنبدأ العمل. يقول إن الأولى ضرة والثانية ضرة، كل واحدة ضرة البعض يعني ينسحب المعنى على الثانية أو الثالثة، هذا حتى سمى الآخرة هي التي ضارة أيضاً، لأن هذه التي معنا الآن هي الدنيا، والآخرة لم نذهب إليها بعد. فطيب، هل هذا مباح؟ نعم، مباح أن تجمع بين الدنيا وضراتها. هل يحتاج ذلك لمزيد من الجهود؟ نعم بالطبع ومزيد من... الوعي نعم بالطبع ومزيد من معرفة الأسرار نعم بالطبع، فإذا عرفناها وعلمناها فلا نتكلم بما لا علم لنا به. كل الناس تسير على السطح هكذا، وكل الناس
تسير بالـ"أنا أنا"، يعني أنا أظن في نفسي أنني سلطان. أهل الله ماذا يقولون؟ يقولون لك: الأنا يوقع في الأنا، نعم القنا. يعني القناة أي أن الأنا تؤدي بالمرء إلى أن يغرق في المهالك، في المخاطر. يعني فالكلمة الثانية هذه التي هي "القنا" يعني لكنهم يقولونها "الأنا". توقع في الأنا، نعم الأنا التي هي الغرور بالنفس توقع في القناة التي هي مهلكة أو ضياع لأنه لا يعرف كيف يسبح لا في هذه أريد أن أقول لحضرتك أنه ممكن لكن يحتاج إلى جهد طيب، ولذلك يجب علينا أن نسير على رجلين وأن نسير بعينين، لا نسير بعرج ولا نسير بعور، فنجمع فعلاً بين عز الدنيا وعز الآخرة. سيدنا، نحن
دائماً ندرس هذه المبادئ ونفهم هذه المبادئ، نتحقق بها أو نتحقق منها ونتخلق. ونفهم ونعلم ما معنى البر في حياتنا. في حياتنا الكثير من المشاكل والكثير من الاضطرابات، كيف يتم هذا التعاون على وجه حقيقي في هذه الحياة المشتبكة بالصراعات والمشتبكة بالأغراض، والغرض مرض في النهاية. يعني كيف نخلّص أنفسنا من كل هذه الأغراض لنتعاون على البر والتقوى ولا نتعاون أبداً على الإثم. والعدوان في هذا العالم المحيط لنعطي حلاً لمشكلات العالم، علِّق قلبك بالله، اجعل ربنا معك دائماً، يعني "أينما تولوا فثم وجه الله"، اجعل قلبك هكذا متضرعاً لله. القلوب المتضرعة، القلوب المعلقة بالله سبحانه وتعالى، القلوب التي لا ترى في هذا العالم إلا الله، تستطيع أن تفعل هذا بسهولة جداً. بلا تكلف ولا تكليف
ولا مشقة تستطيع أن تفعل هذا لأن قلبها معلق بالله، فإذا رأت خيراً حمدت الله، وإذا رأت شراً استعاذت بالله. على كل حال، هي في حالة من السلام والهدوء النفسي والاجتماعي والحياتي، وهو أمر غريب عجيب على الناس الذين وضعوا أنفسهم في صدام مع العالم وفي واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه. كيف نصل إلى قلوب الضارعة مراراً وتكراراً ولن نمل من هذا بالذكر. مولانا الإمام الدكتور علي جمعة
وهيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، رضي الله عنكم وغفر الله ذنبكم دائماً ودوماً يا مولانا. أهلاً وسهلاً بكم، دمتم في رعاية الله وأمنه. إلى اللقاء. اشتركوا القناة
    والله أعلم| فضيلة الدكتور علي جمعة يوضح حقيقة البر.. وما هي أعلى مراتبه؟| الحلقة الكاملة | نور الدين والدنيا