والله أعلم| فضيلة الدكتور علي جمعة يوضح حقيقة الضرورات التي تبيح المحظورات| الحلقة الكاملة

بسم الله الرحمن الرحيم وقل رب زدني علماً يا أرحم الراحمين يا أرحم الراحمين يا أرحم الراحمين افتح لنا فتوح العارفين بك. أهلاً بكم في هذا البرنامج الجديد، حلقة جديدة من "والله أعلم" لنسعد دائماً بصحبة صاحب الفضيلة مولانا الإمام الدكتور علي جمعة، عضو كبار العلماء بالأزهر الشريف، لنناقشه. في أحد أهم المبادئ القرآنية وهو الضرورات تبيح المحظورات وكيف نفهم هذا المبدأ على كل أبعاده ومحاوره مولانا الإمام أهلا بفضيلتكم أهلا وسهلا بكم مرحبا مولانا الإمام يعني المبادئ القرآنية هذه التي نقف أمامها
لنفهمها نقف عند هذا المبدأ ما معنى الضرورات تبيح المحظورات بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. تناول الإنسان للأشياء يكون على مراتب، أول هذه المراتب ما يسمى بمرتبة الضرورة، وقد عرّفوها بأنه إذا لم يتناولها الإنسان هلك أو قارب على الهلاك. إذاً، فهذا هو معنى الضرورة، وينبغي أن نتذكر هذا بأنه إذا لم يتناولها الإنسان هلك. بعد ذلك يلحق به ما لو كان الهلاك متأخراً لكنه متيقناً فيقول هلك أو قارب على الهلاك، فهذه هي الضرورات. فإذا
نظرنا إلى الضرورات في هذه المرتبة والتي إذا لم يفعلها الإنسان أو لم يتناولها هلك أو قرب من الهلاك، لوجدنا الأكل ووجدنا الشرب. فعلاً، الإنسان عندما يُواجِه الإنسان... استطاع أن يمتنع عن الشرب، امتنع ثلاثة أيام. بعد الثلاثة أيام يدخل فيه وهو لم يشرب أبداً، يعني لم يشرب أي سائل. هذا أقصى ما سجلته التسجيلات إلى الآن، وامتنع عن الأكل مع الشرب. يشرب دائماً ودائماً يعني نحو أربعين يوماً، ثم يبدأ جسده في المرض المؤدي في كثير. من الأحيان
إلى الموت والوفاة والهلاك، فالأكل والشرب من هذا الذي إذا لم يتناوله الإنسان هلك أو قارب على الهلاك. كذلك الإنسان يهلك إذا ألقي في النار مثلاً، وغاية ما استطاع الإنسان أن يتحمله - وهذا من عجائب خلق الله سبحانه وتعالى - مائتان وستون درجة مئوية، مائتان وستون درجة. مئوية أي أنها تعني غليان الماء عند المائة، لكن هذا وصل إلى مائتين وستين. ومن رحمة الله بالإنسان أنه يستطيع أن يتحمل الحر حوله أو الحرارة حوله إلى هذه الدرجة المتأخرة، ولكن الأمم المتحدة قالت إنه إذا ارتفعت الحرارة الجوية عن
خمسين فيجب على الدولة أن تمنح الموظفين إجازة. في هذا اليوم لأجل أن يتصرف كل واحد في كيفية اتقاء هذا الحر الذي زاد عن حده بأرقام عادة لا يستطيعها الإنسان، يعني سيقع ضرر على الإنسان، هي الحمى يقيناً أو قريباً، فهذا هو معنى الضرورة، فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه، وهذه الضرورة تبيح المحظور لأنها أكل الميتة والميتة محرمة وتبيح أكل الخنزير والخنزير محرم وتبيح تناول الخمر والخمر محرمة باتفاق لكنها تبيح هذا المحظور. المرتبة الثانية لأننا قلنا خمسة، قلنا أن في مراتب أولها ماذا؟ الضرورة. المرتبة الثانية
هي مرتبة الحاجة، والحاجة إذا لم يتناولها الإنسان أصابته مشقة، ومثل هذه الحاجة إلى السكن، تخيل. أن إنساناً بلا مأوى يسير أي أنه لا يموت، فهو حي، ولكنها حالة سيئة جداً، يعني شخص ليس له سكن يكون متأذياً أذىً مستمراً، فهذه يسمونها الحاجة إذا لم يتناولها الإنسان، إذا لم يكن له سكن فإنه تصيبه مشقة وعناء وعنت وجهد وتعب، هذه المرتبة الثانية من. مراتب تناول الإنسان للأشياء هكذا يتكلم العلماء ويفصل هذا السيوطي
في الأشباه والنظائر وغيره في غيره. المرتبة الثالثة هي مرتبة التحسينات، والتحسينات إذا لم يتناولها الإنسان فإنه يشعر بشيء من النقص. مثل، مثلاً، لا يوجد ملح في الطعام، هذه تحسينات. لا يوجد طعام، هذه ضرورة، لكن لا يوجد ملح في... الطعام ليس فيه ملح. ماذا تعني بكلمة "رتوش"؟ ولكن أيضاً انتبه ألا تضايقه أنه لا يوجد لديه هذا النوع الذي ينضج به الطعام، فمثلاً لا توجد نار ينضج بها الطعام، فيضطر أن يأكل الكوسة وهي نيئة، وهذا أمر مقرف بعض الشيء.
يعني لا يكون مبتهجاً بذلك، يسمونها مرتبة التحسين. المرتبة الرابعة هي مرتبة الزينة. يريد أن يأكل وجبة كاملة، هل تنتبه؟ كان العرب يبدؤون بالفاكهة وهذا صحيح، هل تنتبه؟ وبعد ذلك يأكلون، والأكلة ينبغي أن تكون مشتملة على المجموعات الخمس من المجموعات الغذائية، وبعدها يتناول الحلوى بعد الطعام، نعم هذا زينة. أصبح هذا منتبهاً، هذه رفاهية يعني أننا لم ندخل بعد في الرفاهية، لأن الرفاهية هذه ستُطلق
على ما بعد ذلك، الخامس نعم، الذي بعد ذلك وهو الفضول. هل أنت منتبه؟ هذا الفضول يشبه ماذا؟ الكعكة عندما نصنعها، هذا هو أصلها هكذا، لكن عندما نضع عليها الكريمة، لا. هذا يعني زينة، أما إذا وضعنا على الكريمة الكرز، لا، هذا فضول بقى، هذا. أتنتبه؟ حسناً، هذه هي الخمسة، وهذه الخمسة كلها مباحة، فيجوز للإنسان أن يكون له قطعة جاتوه عليها كريمة حلوة هكذا، وأيضاً مزينة بماذا؟ بكرز مع السلة. فالقضية هنا خذ التناول، انظر الفرق. بينها إذاً ما الذي يبيح المحظور؟ الضرورة فقط، قالوا: لا، أو الحاجة
التي تنزل منزلة الضرورة. حاجة ما هي هذه الدرجة الثانية قريبة جداً من الضرورة فتنزل منزلتها نفسها. بالنسبة للتعريف هما شيئان، لكن بالنسبة للأثر يصبحان شيئاً واحداً، مثل السكن هذا الذي ضربناه مثالاً، هذه حاجة أساسية. جداً، هذا قد يُصاب بالبرد وقد يقتله البرد. شيء سيء جداً أن لا تكون لديه ملابس. شيء سيء جداً أن يستمر في عدم الاستحمام مثلاً، هذا شيء سيء جداً. ولذلك كل هذه من الضرورات، من الأشياء التي تنزل منزلة الضرورة. صحيح أنه إذا لم يتناولها لم يهلك. نعم، لكنه تصيبه مشقة بليغة يخاف على حياته منها، وهذا
الذي كنا نقوله عندما نجد أطفالاً بلا مأوى. هذه ظاهرة - الحمد لله - قضينا عليها، قضينا عليها، ولكننا ما زلنا لم نقضِ على أسبابها. يعني فجأة ممكن أن تعود، أتفهم؟ ولذلك نحن نعمل باستمرار. لماذا؟ لأنه يجب أن نقضي، على هذه الظاهرة خطوة أولى وكأنها معجزة، لكن الخطوة الثانية هي أن نقضي على أسباب الظاهرة لكي لا تعود. الموضوع هو أنها لا تعود لأن السكن من ضمن الحاجات التي تُنَزَّل ونُزِّلت منزلة الضرورة. مولانا في ذلك جملة نسمعها ودائماً توضع موضع الانتقاد: "الغاية تبرر الوسيلة"، كما أشار ميكافيلي أو نحن لدينا نقول: "الضرورات تبيح المحظورات". البعض يتساءل ما الفرق بين هذا وذاك إذا كان يتصور
من الظاهر أن هذا معنى ذاك. ترتيب الأولويات هو الفرق بين هذا وذاك. فعندما أرتب الأولويات أقول: حسناً، ارتكاب أخف الضررين واجب. أنا الآن محرم عليّ الميتة، وبعد ذلك آتي وأقول أنا... سآكلها، لماذا؟ لأنني في ميزان له كفتان، كفة أضع فيها حياة الإنسان، وكفة أضع فيها أكل الميتة. والسؤال: هل هاتان الكفتان متساويتان؟ ترتيب الأولويات يقول لي: لا، الحفاظ على النفس البشرية مقدم على أكل من الأكلات سواء كانت محرمة
أو مكروهة، ولذلك فترتيب الأولويات هو الذي يفرق ما. بيّن أن الضرورات تبيح المحظورات وبين كلام ميكيافيلي لأنه يقدم المصلحة على الضرورة في كتابه "الأمير"، نعم على كل شيء، فيكون إذاً ترتيب الأولويات هناك مختل، نعم، لكن ترتيب الأولويات عندي منطقي منضبط. فإذا كان عندي صورة من ذلك، ولذلك أنا أدق لأن هذه غير هذه، صحيح أن الغاية تبرر يعني الذي تكسبه العبه لكن لا، الذي تكسبه العبه ماذا فعل؟ قدم المصالح على المبادئ. لكن أنا في "الضرورات
تبيح المحظورات" ماذا فعلت؟ قدمت المبادئ على المصالح. ولكن حتى أحافظ على المبدأ فلا بد من تحصيل هذا المبدأ وفي المبدأ مصلحة. فلما اشتبهت هذه المصلحة بالمصالح التي قُدِّمت على المبادئ. هنا اشتبه عليهم الأمر، والأمر ليس كذلك، والله أعلم بما هنالك. هذه أوضح من الواضحات وأجلى من البينات، فالفارق بينهما ترتيب الأولويات، لذلك دائماً نقول: هذا هو ديننا، هذا هو إسلامنا، هذا هو نبينا، فصلوا عليه وسلموا تسليماً. فاصل
ونعود إليكم. قوموا معنا، أهلاً بحضراتكم. إمامنا إذا وفق هذه. الضرورة تتحقق هذه المصلحة التي يحققها الإسلام من خلال الحفاظ على المبدأ. إذاً، هل هذه الضرورة وتتحقق هذه المصلحة بالنسبة للشخص الطبيعي فقط أم بالنسبة للشخص الاعتباري أيضاً؟ لا، لماذا؟ لأن أولاً الشخص الاعتباري هو موجود في الفقه الإسلامي على غير ما يظن بعض القاصرين ممن اطلعوا ولم يلحظوا أن... الشخص الاعتباري موجود في صورة الدولة، والشخص الاعتباري في الفقه الإسلامي موجود في صورة الديوان، والشخص الاعتباري موجود في صورة بيت المال أو بيت مال الذكاء وبيت مال المسلمين، فما هو موجود في المسجد، وهكذا. فالشخصية الاعتبارية موجودة ولها أحكامها التي قد تختلف لأن أكثر أحكامها تتفق مع الشخص. من
الطبيعي أن لها ذمة، لكن هذا الشخص الاعتباري لا يموت. الفرق بينه وبين الشخص الطبيعي أن البنك لا يموت، لكنه ليس له نفس ناطقة، فيُخشى على البشر مثلاً في العقود الدنيئة، فيحرم الشرع بعض الأشياء مثل أخذ الأجر على الكفالة. مثلاً يقول لك: هذا من باب رفع الضيق. عن الصديق، ولكن عندما تأخذ على الشهامة مالاً، فهذا لا يصح لأن لك نفساً ناطقة. أما البنك فهذه أعمال، هذا عمل تجاري لا علاقة له بالنفس الناطقة. مدير البنك ليست له علاقة بأموال البنك لأنه ليس مالكاً لها، وهو عندما يُصدر خطاب ضمان يأخذ عليه أجراً، حسناً. ليست هذه كفالة. نعم، لنفترض أنها كفالة، لكن الكفالة الصادرة من الشخص
الطبيعي تختلف عن الكفالة الصادرة من الشخص المعنوي. حسناً، لنفترض أن هذا البنك أو هذه الشركة أو هذا الكيان الذي استقل عن أصحابه مثل الشركات المساهمة معرض للإفلاس. نعم، إنه معرض للهلاك، أي إذا كانت معرضة لأن يضيع المال بحاله هي معرضة للإغلاق، هي معرضة لخراب البيوت وجلوس الموظفين والعمال في البيوت، يعني ستساهم عند إغلاقها في رفع نسب البطالة. نعم، يجوز لها إذاً من التصرفات ما كنا نحذره عليها. أولاً، إذا كانت هذه التصرفات قلنا نحذرها عليها لأنها ممنوعة شرعاً، فيجوز إذاً للشخص الاعتباري
أيضاً كالشخص الطبيعي. أن يتمتع بقوله تعالى: "فمن اضطر غير باغٍ ولا عادٍ فلا إثم عليه"، ويجوز له أن ينقذ حياة المؤسسة بشيء يرتكبه ارتكاباً مؤقتاً حتى تزول الغمة وتذهب الكارثة المهاجمة، ويعود مرة أخرى، تماماً مثل ما حدث في عام الرمادة، وتماماً مثل ما يحدث عند المضطر، لأنه كما قالوا في الأمثال. المضطر يركب الصعب، والصعب هذا هو ما حرمه الله سبحانه وتعالى ولم يبارك فيه، لكن هذا سيكون بلا إثم لأن له غاية أعلى وهي غاية الحفاظ على كل هذه المصالح وكل هذه المبادئ وكل هذه الحياة لتلك المؤسسة. يقولون يعني نسمع من فضيلتكم
دائماً يقول: "الضرورة تقدر بقدرها"، فهل ثَمَّ... أنواع لهذه الضرورة نعم، وهذا هو محل ما ضبطه علم سُمي بعلم القواعد الفقهية، وأيضاً ما ضبطه ذات نفس العلم الذي سُمي أيضاً في تجليات أخرى بالأشباه والنظائر. ألّف فيه ابن الوكيل، وألّف فيه ابن السبكي، وألّف فيه ابن نجيم، وألّف فيه ابن سغير، طبعاً السيوطي هو أبو هذا الباب، المسلمون وبذلوا فيه يعني الإمام الكرخي والإمام الدباس وكذا بذلوا فيه مجهوداً هائلاً يعني يُذكر فيُشكر من التتبع للفروع الفقهية وتجريدها واستنباط القواعد المرعية منها ثم العودة لتطبيقها مرة
أخرى تخريجاً وتطبيقاً وهذه القواعد مثلت هوية الإسلام فجعلوا لكل شيء من هذا ضوابطه وشروطه وأصبحت المسألة جلية وجعلوا كل قاعدة لها استثناءات لأنها من فروع القاعدة لكنها خارجة عنها، وجعلوا لكل قاعدة مخالفات ليست استثناءات. يشتبه عليّ وأنا طالب علم في البداية أنها مندرجة وليست مندرجة، لماذا؟ لوجود فرق، فنشأ علم اسمه علم الفروق بين ماذا وبين ماذا يا مولانا؟ بين هذا الفرع الذي ظننته مندرجاً تحت القاعدة، نعم، وبين... حقيقته وأنه ليس من فروع القاعدة بل هو خارج عنها أصلاً، فهناك
فرق بين ما كان من فروع القاعدة واستُثني منها، وهناك فرق بين ما لم يدخل أصلاً تحت فروع القاعدة فهو في الخارج منها. هذا الكلام واسع وهو الذي يُنشئ الفقيه ويُنشئ المفتي ويُنشئ العالم الحق لأنه. يجعله مشرفاً ماذا يعني مشرفاً على العلوم الإسلامية ومشرفاً على الإدراك والفهم العميق للأحكام الشرعية؟ ما معنى مشرف؟ أي واقف في الشرفة، واقف في الشرفة (البلكونة)، أي على حافة، أتفهم؟ فيرى كل ما تحته، يرى المنظر كله. فرؤيته للمنظر بأكمله هذه تجعله يُقال عنه إنه مشرف، ولذلك عندما ابن المنذر جاء يؤلف كتاباً أسماه الإشراف على مذاهب الخلاف، يعني هو واقف في الشرفة
هكذا ومذاهب الخلاف كلها أمامه هكذا، هو يرى ويشاهد، فيرى هذا المذهب ما بدايته وما نهايته، وإلى أين يتجه ومن أين أتى، ويرى المذهب الآخر ما بدايته وما نهايته، وإلى أين يتجه ومن أين أتى، وهذه الرؤية الكلية تجعله متمكناً من الفهم ومتمكناً من التقعيد ومتمكناً من التخريج على هذا التقعيد، ثم متمكناً بعد ذلك من التطبيق بعقلية فارقة تفرق بين ما هو مندرج وما هو مستثنى وما هو خارج لا يعني شيئاً. أمر بديع، أمر بديع، وهو أن بعض الناس من غير الفقهاء عندما الهيئة تقول ما هذه؟ هذه رياضة، ولذلك اعتمد عندما وضع المنطق
الرياضي لأنه لاحظ تماثلاً بين المنطق في صوره المعقولة والتفكير المستقيم وبين الرياضيات، في أن الرياضيات لا تخطئ إلا إذا كانت تشتمل على خطأ خفي وليس خطأً ظاهراً، وبمثل هذه المقارنات استطاع أن ينشئ علماً آخر اسمه. المنطق الرياضي مولانا يا إمام، وسندخل بعد الفاصل إلى: هل توسع البعض في استخدام هذا المبدأ؟ وما محددات العمل بمبدأ "الضرورات تبيح المحظورات"؟ سأنصرف
الآن وأعود إليكم، ابقوا معنا. أهلاً بحضراتكم مولانا الإمام، مبدأ الضرورات تبيح المحظورات، هل توسع فيه البعض للحد الذي تم وضع فيه محددات لاستخدام هذا؟ المبدأ بشكل سليم وحقيقي هو الذي يحدث عادة عند غير الفقيه غير المتخصص أن يتعامل مع كلمة الضرورات على أساس أنها التحسينات، يعني يأتي للأمور التي يعدها الفقيه في التعريف، ولذلك يقول لك هذا بالتعريف. التعريف يُخرج أشياء ويُدخل أشياء ويحدد الأشياء، يعني كل ما تطلبه الآن من شروط ومحددات. هو موجود في التعريف، فالتعريف الخاص بالضرورات كما قلنا: ما لم يتناوله الإنسان هلك أو قارب على الهلاك. فيأتي ويقول لي: لا، أنا عندي حالة ضرورية
مثلما يقول لك في الهاتف: ضروري أن أراك، ضروري أن أراك، يعني شيء مرغوب فيه، أو يعني شيء مهم، حسناً. وإذا لم تريني سأنتقل إلى رحمة الله تعالى. قد تكون هناك حالة كهذه، حالة استدعاء الطبيب في الطوارئ. نعم، إذا لم يأتِ الطبيب الآن سيهلك المصاب. فهل من الضروري أن يراكِ؟ ما معنى ذلك؟ هو يفهم أنه يعني من المهم جداً هذا الأمر، فيقول لكِ: الأصل أن الضرورات تبيح المحظورات. في هذه القضية يا جماعة، التي تعدونها كلها من الضروريات، إذا لم يتناولها الإنسان ولا حتى تصيبه مشقة، ولا حتى أن يفكر في هلاك ولا أي شيء، فلو امتنع عنها لكان
أحسن. أتفهم؟ فعندما يأتي شخص ويعتبر أن الرفاهية من الضروريات، نقول له: لا، الرفاهية ليست من الضروريات. ليست من الضرورات أن تبالغ وتتكبر، فإن النعمة لا تدوم. نحن نسعى إلى إيجاد الرفاهية، لكن لا نتوغل فيها بحيث تتقدم على الحلال والحرام. إذا جاءت من طريق الحلال نسعى إليها وننشرها ونقبلها، لكن إذا جاءت من طريق حرام فنحن لا نقبلها، والضرورات لا تبيح إلا الضرورات. التي تبيح المحذورات هي التي إذا لم يتناولها الإنسان هلك أو قرب على الهلاك، فكل المحددات موجودة في هذا التعريف البسيط الذي لا يتجاوز السطر، وكل المخالفات جاءت
من أنهم يخالفون هذا التعريف مخالفة صريحة واضحة بأنهم يعدون لنا ما بين السماء والأرض من الضرورات، لماذا؟ لأنه يتضايق من... بالإضافة إلى ذلك، أعني، هذه من التحسينيات لأنه قد اعتاد على هذا. حسناً، هذا من الزينة لأنه لا يرى في ذلك بأساً. حسناً، هذا من الفضول، ولذلك هذا هو الخطأ الذي يقع فيه كثير من الناس، أي التوسع في هذا المبدأ في أن الضرورة تبيح المحظور من الوقوع في الحرام. أحياناً يا مولانا، طبعاً هذا يقع في الحرام قطعاً عندما لا يُطبق هذا المبدأ سواء بالسلب أو الإيجاب. يعني لو كانت هناك ضرورة فعلية إذا لم يتناولها الإنسان هلك أو قارب على الهلاك فلم يفعلها، يكون بذلك آثماً.
إذاً، لا بد عليه أن يفعلها. شخص مثلاً يقول ماذا؟ أنا لا أريد أن آخذ تخديراً وأريد أن تجري عملية وأريد أن أجري العملية هكذا وأنا مستيقظ، حسناً أنت قد تموت هل تفهم؟ فأجرى العملية وهو مستيقظ فمات. هو آثم ويشبه المنتحر أو أنه يأتي بما ليس ضرورياً ويسميه ضرورياً ليستبيح به الحرام، فيبقى هذا تحايلاً خبيثاً وساذجاً ويرتد على يصح يا مولانا في النهاية أن نعرف العالم ما معنى قيمة النفس في الإسلام، النفس بشكلها المطلق، ليس المسلم فقط. هو الحفاظ والأخذ بهذا المبدأ للحفاظ على هذه النفس. تتبعوا الشريعة كلها، نعم، قرآناً وسنة، وخرجوا بخمسة مقاصد كلية للشريعة، بل ولكل
شريعة، يعني اليهودي كذلك والمسيحي كذلك، كل الشرائع. جاءت لأجل هذه الخمسة حفظ النفس بعد أن أحافظ على الذات التي أمامي هذه التي لها التكليف، أحافظ على عقلها لأن العقل مناط التكليف. ليس من الممكن أن أفرط في النفس لأنني لو مات الإنسان فقد انتهى الأمر ولا يكون هناك تكليف، وأنا الذي يهمني أن يعمر الأرض من خلال. عبادة الله وخلال تزكية النفس، انتقل مرة ثانية إلى حفظ العقل، وانتقل مرة ثالثة إلى حفظ الدين حتى به قوام المجتمعات، ثم إلى حفظ العرض الذي يُسمى عندنا في لغتنا وأدبياتنا بكرامة الإنسان، ثم في الآخر هذا المال الذي هو عصب الحياة والذي به قوام الدنيا
الذي جعل لكم قياماً. المال هذا هو عصب الحياة بهذه الخمسة التي اتفقت عليها الشرائع واستنبطها أهل الإسلام وأوضحوها، فصارت هي المقاصد الشرعية المرعية الخمسة التي تحكم كل فتوى والتي تحكم كل تطبيق. مولانا، يا مولانا، هل تسمح لي أن أقرأ بعض مداخلات السادة المشاهدين حول سؤالنا على صفحات الفيسبوك: ما رأيك في من استخدام مبدأ "الضرورات تبيح المحظورات"، الأستاذ يوسف العدوي يقول: الضرورة تُقدَّر بقدرها، بل الإنسان على نفسه بصيرة. الأستاذة نديم تقول: من يتوسع في "الضرورات تبيح المحظورات" إنما يتبع أيضاً أهواءه إلى حد كبير، لأن الأصل في الإسلام الإباحة وليس التحريم. الأستاذة إيناس تقول: من المفروض أن يُطبّق هذا المبدأ في الحدود باعتبارها ضرورة لكن التوسع لا أعتقد أنه صحيح ولا يخدم الدين. الأستاذة
هالة الديب تقول: "لا يصح"، وهذا مبدأ من المفترض ألا يعمل به إلا أهل العلم والفتوى حتى لا يتوسع فيه العامة ويقعوا في المحظور بدون داعٍ. كانت هذه مداخلة سيد المشاهدين يا مولانا، يعني سادة المشاهدين. الآن يعلمون الحقيقة كما هي، مولانا الإمام الرسول الدكتور علي جمعة وضوئية كبار العلماء إبليل آزري الشريف. شكراً لله لكم دوماً يا مولانا، شكراً لكم، دمتم في رعاية الله وأمنه. إلى اللقاء،
شكراً للمشاهدة.