والله أعلم| فضيلة الدكتور علي جمعة يوضح حقيقة الفتنة .. وكيفية الوقاية منها؟| الحلقة الكاملة

والله أعلم|  فضيلة الدكتور علي جمعة يوضح حقيقة الفتنة .. وكيفية الوقاية منها؟| الحلقة الكاملة - والله أعلم
ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير. أهلاً بكم في هذا اللقاء الذي يتجدد دائماً ودوماً مع مولانا الإمام الأستاذ الدكتور علي جمعة وعضو كبار العلماء بالأزهر الشريف. نناقش معه دائماً المبادئ القرآنية في ضوء هذا المنهج الإصلاحي والتجديد لهذه الحياة، لنصلح هذه الحياة بهذا الدين. مولانا الإمام أهلاً بك. أهلاً وسهلاً بفضيلتكم، مرحباً بكم مولانا. إن مبدأ "الفتنة أشد من القتل" من أهم المبادئ القرآنية في حياة النقي. كيف نفهم هذا المبدأ ليكون منهج
حياة في حياتنا؟ بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه صلى الله عليه وسلم. قد يكون القتل للشخص فتكون دائرة الضرر محصورة في فائدة ذلك الشخص. ضرر وفاة هذا الشخص بعد قتله تفتقده عائلته أو أسرته، يفتقده أبناؤه، يفتقده عمله. قد لا تفتقده هذه الجهات كأن يكون خالياً من هذه الجهات مثلاً أو نحو ذلك، فيكون ضرر إزهاق الروح ضرراً محدوداً في ما ترتب على قتله. هذا الإنسان مع صوم الدم الذي
حرَّم الله سبحانه وتعالى قتله إلا بالحق، لكن الفتنة أولاً تشيع وتنتشر، وثانياً تبقى، وثالثاً تعم وتصيب أشخاصاً وأحوالاً ومواقف ودولاً وأمماً أكثر مما يتصوره حتى هذا الفاتن الذي سببها وأحدثها. إذاً هذا مبدأ مهم أن الفتنة وهي تنتشر وتبقى أجيالاً بعد أجيال وتعم. وتعم من أصابته وما ومن لم
تصبه ويقع ضررها على من حول هذا المتضرر والمتأذي وحول من ليس كذلك، فهذا يشمل قسوة في المصيبة وعنفاً فيها وظلماً لأنه سيصيب من لا يعرف عنها شيئاً ولا علاقة له بها ولم يكن شريكاً فيها، وبالرغم من ذلك تصيب هذا البعيد آثار. الفتنة إذاً فالفتنة صحيحة أشدُّ أشدُّ، هذا ما نسميه عندنا في اللغة العربية أفعل التفضيل، وأفعل التفضيل يقتضي المشاركة،
فالقتل شديد والقتل يستوجب خلود القاتل في النار، والقتل كبيرة من الكبائر وعظيمة من العظائم يهتز لها عرش الرحمن، والفتنة في الشدة أكثر وأعمق وأبقى من ذلك عندنا في الكلام العام. يقول لك لو صبر القاتل على المقتول لكان مات وحده، يعني هذا المقتول سيموت حتماً، ولكن هذا الموت حتى سماه ربنا "فأصابتكم مصيبة الموت"، يعني اعتبر الموت مصيبة. الموت الذي كتبه على كل ذي روح هو مصيبة لما يترتب عليه من تغيير
للمراكز القانونية، من تغيير للملكية، من تغيير للخصائص. والوظائف المنوطة بهذا الإنسان الذي مات، فإذا تدخل إنسان غبي فقتل إنسانًا بريئًا فقد تدخل في ملك الله فيكون ظالمًا. الفتنة في الشدة أشد ظلمًا وأشد عنفًا وأشد بلاءً ومصيبة من القتل، فالقتل شديد عظيم عند الله والفتنة تفوق ذلك. يبقى إذًا أفعل التفضيل هنا مهم أن نفهمه جدًا لأن... الله ذم القتل لكنه جعل الفتنة أكثر ذماً من هذا القتل، والفتنة أشد من القتل. لذلك
علماؤنا يقولون إن الفتنة تأتي على الأخضر واليابس، لا تأتي على جانب واحد، بل تأتي على الأخضر واليابس. ولعن الله من أيقظها والفتنة نائمة، لعن الله من أيقظها. كل هذا إذا لم يلطف الله سبحانه وتعالى. بعبادِه إذا تركنا سُنن الله في خلقه في شأن الفتنة عمَّت وذاعت وانتشرت وبقيت وأضرت الجميع، وإذا لطف الله سبحانه وتعالى فإن الله سبحانه وتعالى لطيف بعباده، فالله يلطف بنا مع مَن يصنعون ويتفننون في هذه الفتن التي يسوقونها. مولانا، دائمًا نسمع في الدعاء: "اللهم قِنا شر الفتن ما..." ظهر منها وما بطن أنواعُ الفتن التي نتعرض لها بدءاً
مما يظن البعض أنه يُحسن صنعاً حينما يقوم بعمل ما، ولكن تبدو أو تظهر بعد ذلك أنها فتنة. عندما يأتي أمر، كلمة "فتنة" تعني خدع، ظهر بمظهر غير المظهر الذي هو حقيقته، ولذلك يسمون المرأة الجميلة فاتنة. فاتنة لماذا؟ هي من ناحية قد تؤدي إلى فتنة، لكن من ناحية أخرى تُنسي الناظر حقيقة الإنسان. الإنسان يجب أن يكون عاقلاً وأن يكون العقل عنده متحكماً في السلوك، ولذلك
حرَّم الله علينا في العلاقة بين الرجل والمرأة حماها من كل ما يؤدي إلى فتنة في المجتمع. أنواع الفتن تختلف باختلاف الفاتن. فهناك فاتن فرد وهناك فاتن مجموعة، وهناك فاتن عن قصد وهناك فاتن عن غير قصد، فلديك أربعة أنواع. ولذلك فاتن فرد، وفاتن مجموعة عن قصد وعن غير قصد، عن قصد وعن غير قصد. فهناك فاتن فرد عن قصد، وهناك فاتن فرد عن غير قصد، وهناك فاتن مجموعة.
عن غير قصد الذي هو عن قصد فهو عن علم يريد أن يُحدث الفتنة بخطة بترتيب وهذا الترتيب يجعله داخلًا فيما نستعيذ بالله سبحانه وتعالى ونطلب أن يبعدنا عنه وعن هذه الأحوال التي تعكر العلاقة بين العبد وربه والعبد ونفسه والعبد وكونه والعبد ومجتمعه ونحن نقول في الفاتحة اهدنا الصراط المستقيم. صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ الفَاتِنِ بِقَصْدٍ سَوَاءٌ كَانَ فَرْدًا
أَوْ جَمَاعَةً وَلَا الضَّالِّينَ الفَاتِنِ بِغَيْرِ قَصْدٍ سَوَاءٌ كَانَ فَرْدًا أَوْ جَمَاعَةً. كُلُّ صَلَاةٍ؟ لَا، لَيْسَ كُلُّ صَلَاةٍ، هَذَا فِي كُلِّ رَكْعَةٍ مِنَ السَّبْعَةَ عَشَرَ رَكْعَةً الَّتِي نُؤَدِّيهَا لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ عَلَى أَسَاسِ أَنَّ هَذَا هُوَ عَمُودُ الدِّينِ وَذِرْوَتُهُ. سنامه وأنه ركن من أركان الإسلام، من أقامها أقام الدين، فمن أقامها أقام الدين. نلتجئ إلى الله سبحانه وتعالى أن يقينا شر هذا الصنف وشر ذلك الصنف. عندما نسأل الضالين يقول لي: "أنا لم آخذ بالي، أنا لا أعرف، حدث معي هكذا"، أي أنه بغير قصد، هذا هو. عن غير قصد، هذا فربنا سماه الضال. هذا عندما نسأل المغضوب عليه يقول: نعم، أنا كنت أريد ذلك، أنا أريد هذه الفتنة الجميلة،
أنا أريد أن يحدث هكذا لأنني متصور أنه سيترتب على ذلك أمور متتالية. فالفتنة لعن الله من أيقظها سواء كان ضالاً عن غير قصد. أو كان مغضوباً عليه عن قصد، وقد قيل: "إن كنت لا تدري فتلك مصيبة، وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم". سنناقش هذه المعاني بعد الفاصل، ابقوا معنا. أهلاً بحضراتكم مولانا الإمام، ونتحدث عن الفتن وأنواع الفتن، وأشد أنواع الفتن التي يعيشها الإنسان، وكيف نقي أنفسنا من شر هذه الفتن، يعني ونحن... في العالم الذي نعيشه الآن يقولون إنه مليء بالفتن ويقولون
إن القابض على دينه كالقابض على جمرة من نار، فكيف أفهم هذا المعنى؟ لما تتبع العلماء الدين ورأوا كل شريعة أنزلها الله سبحانه وتعالى وبحثوا عن مقاصدها وغايتها، اتفقوا على أن الله سبحانه وتعالى أراد أن يحمي الإنسان في خمسة. أمور سماها المسلمون المقاصد العليا للشريعة، المقاصد العليا للدين. هناك سؤالان: لِمَ خلق الله الخلق؟ يعني ما قصد ربنا سبحانه وتعالى ومراده من خلق الخلق؟ والإجابة أن الله خلق الخلق لعبادته، وأنه خلق
الخلق لعمارة الأرض والكون، وأنه خلق الخلق لتزكية النفس، واستدلوا بقوله تعالى: "وما خلقت الجن والإنس إلا". ليعبدون، وبقوله تعالى: "هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها" يعني طلب منكم عمارتها، وبقوله تعالى: "قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها". هذا هو مراد الله من خلقه، فماذا أراد من المكلف؟ قالوا خمسة وسموها المقاصد العليا للشريعة. ما هي؟ قالوا: أمرنا، بل وكل شريعة ودين قد أمر مع... اختلاف الأحكام والتكاليف وكذلك، إلا أن كل الأديان
تصب في هذا الذي يمكن أن نسميه بأدبيات العصر النظام العام والآداب الذي تتفق عليه البشرية: حفظ النفس. حفظ النفس إذاً هو الغاية من كل تشريع، نريد أن نحافظ على الإنسان، ولذلك أول جريمة قتل بين هابيل وقابيل حين قتل أخاه كانت جريمة. بشعة لابن آدم الأول نصيب من كل من قُتل بعد ذلك، لأن من سنَّ سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من اتبعها إلى يوم الدين. أصلاً الإنسان لا يتصور نفسه وهو يقتل أخاه أبداً، فهذا أمر مفروض منه أن الله سبحانه وتعالى أمر الإنسان أن
يحافظ على النفس التي حرَّم الله، ومن هنا أخرج أبو الشيخ الأصبهاني عن سيدنا رسول الله: "الإنسان بنيان الرب، وملعون من هدم بنيان الرب". الإنسان، كل الإنسان، ولذلك حفظ النفس غاية من غايات الشرائع كلها والأديان كلها. حفظ النفس ستأتينا الآن الفتن من أجل القدح في هذا المقصد، وحفظ النفس، حفظ النفس فتزهق الروح. يصبح إذاً أول شيء حفظ النفس. عندما تأتي الفتنة ماذا تفعل؟ تخل بهذا المعنى، تخل بهذا المقصد، تعتدي على النفس. بدلاً من الحفاظ على النفس نعتدي عليها ونقتلها. ثانياً: حفظ العقل. الله
سبحانه وتعالى عندما خلق الإنسان وكلفه بماذا؟ بثلاثة: كلفه بالعبادة، والعبادات تحتاج إلى حضور العقل. كلَّفهُ بعمارة الأرض، وعمارة الأرض تحتاج إلى النظر والتفكر والتخطيط وتراكم المعرفة. يحتاج إلى العقل وإلى تزكية النفس، وتزكية النفس تحتاج إلى تخليةٍ من كل قبيح وتحليةٍ بكل صحيح، وتحتاج إلى طريق نسير فيه في السلوك إلى الله، وإلى إنشاء القلوب الضارعة، وهذا يحتاج إلى عقل، ولذلك فالتكليف مرفوع. عن المجنون مسكين، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي الصغير والبنت الصغيرة حتى يبلغ الإنسان مبلغاً يدركه
به معنى العبادة ومعنى العمارة ومعنى التزكية، وهكذا إذاً، فماذا ستكون في الفتنة؟ الاعتداء على العقل. ثالثاً، أُمرنا بحفظ الدين مخلصين له الدين ولو كره الكافرون، فستأتي الفتنة من أجل أن تعتدي على... الدين على مفهوم الدين، لا تريد ديناً ولا تريد للإنسان أن يعبد ربه، ولا تريد للإنسان أن يعترف حتى بوجود الإله ولا بوجود ذلك التكليف. هذه فتنة. الأمر الرابع: حقوق الإنسان، يقولون حقوق الإنسان، ونحن سميناها بعد ذلك كرامة الإنسان، وكان الأقدمون منا يسمونها العرض. أنا لي حقوق.
يجب على كل البشرية أن تحترمني لأنني إنسان. على الطبيب أن يحترمني لأنني إنسان، ولا يعتبرني قطعة خشب أمامه، إذ إن بعض الأطباء يتعاملون معي كما لو كنت من عالم الأشياء. لا، فهذا ليس طبيباً جيداً، بل هو طبيب سيء، وهذا يضره. أكثر ما ينفع يا مولانا يضر ولا ينفع حتى لو كان شاطراً، حتى لو كان ماهراً. إنه يعتبرني شجرة، يعتبرني بقرة، يعتبرني مدرة. فهو بذلك قد انحط في تعامله معي، ولذلك دائماً يتحدثون عما يسمونه في الإنجليزية "طبيب سيء"، لماذا؟ لأنه خرج عن النسق الذي أقسم عليه، ولأنه خرج عما... علَّمَه أساتذته أن يكون الأساتذة الكبار الذين في الطب يعلمونه
كيف يصبح إنساناً. كل هذه الكليات الطبية هدفها هكذا، تعلم طلبتها كيف يكونون بشراً ويعاملون الإنسان. عندما يخرج وينحرف عن هذا الميثاق، فإنه يصبح مجرد طبيب، أي طبيب سيء، والأطباء يتبرؤون منه ويرفضونه مثل أي شخص منحرف. في أي مهنة كانت - مهنة المحاماة، مهنة الشيخ، مهنة البوليس - رجال الشرطة يعلمون الناس أن الشرطة في خدمة الشعب. فعندما تكون الشرطة ظالمة للشعب، فهذا لا يصح. لا يناسبني أنا هذا الكلام، ومن لا يناسبه؟ لا تناسب من؟ الشرطة. الشرطة هي التي تقول، الشرطة هي التي
تعلم. لدينا شيء يسمى... أكاديمية الشرطة يعلمونهم كيف تكون إنساناً، فإذا كرامة الإنسان التي أسموها الحقوق، يقولون ماذا؟ حقوق الإنسان، حسناً يا سيدي، حاضر، لا مشاحة في الاصطلاح، حقوق الإنسان. لكن هذه الكرامة تقول لا أحد يعذبني، تقول لا أحد يقيدني في الحريات الأربع: الانتقال والعمل والعقيدة وهكذا، لا أحد يؤذيني، لا أحد. يعتدي على وهكذا حقوق الإنسان فهذه مسألة في أصل ديننا وفي أصل تربيتنا وفي أصل أنه لا يصح، عيب، اخجل، خطأ، هكذا عدوان، والله لا يحب المعتدين. نعم، الخامسة المال والملك، فهذه
الفتنة تذهب بالملك. تجدني عندما تظهر فتنة ثم يأتون محطمين المحال، يأتون محطمين يحرقونها أو ينهبونها، يحرقون السيارات. نعم، بالاعتداء على المُلك، صحيح أن صاحبها لم يمس جسده شيء من هذه الفتنة، إلا أن هذه فتنة ذهبت إلى المال فقضت عليه، فاختل بذلك النظام العام. إذن، الفتنة ماذا تؤدي؟ تؤدي إلى ماذا؟ تؤدي إلى ضرب مقصد أو أكثر من الكليات الخمس من المقاصد العليا الشرعية.
هذه الأوامر التي تحفظ علينا نفسنا وعقلنا وديننا وكرامتنا وملكنا، أي فتنة من فرد أو من مجموعة تؤدي إلى هذا وجب علينا أن نوقفها فوراً لأنها أشد من القتل. مولانا الإمام، حينما تكون هذه بضاعتنا ونحن الذين حافظنا على حق الإنسان وحافظنا على هذا الكيان وحافظنا على هذا الملك، لماذا؟ تبدو الأمور وكأننا نستورد هذه المبادئ ويقف الآخر كأنه يمن علينا ويأتي ليعلمنا. هذا أين حدث؟ متى حدث الخلل؟ وكيف أمرنا الله سبحانه وتعالى بالعدل؟ وهذا العدل مبدأ من المبادئ، هذا العدل شُوِّه بعد تقديم
المصالح على المبادئ عند كثير من الناس. يعني نحن عندنا "ولا يجرمنكم شنآن قوم". على ألا تعدلوا، اعدلوا هو أقرب للتقوى، فنحن عندنا الأمر بالعدل هذا مبدأ، مبدأ اسمه العدل. حدث بعد ذلك أن أفكاراً جاءت خاصة بعد ما سُمي بعصر النهضة في أوروبا وبعصر التنوير، ثم بعد ذلك بما سُمي بالعلمانية، ثم بعد ذلك بما سُمي بالعولمة، أن المصالح مقدمة. على النباتات، إن كان ممكناً أن نعمل بالمبدأ، كان بها. إن كان
هناك تعارض بين المبدأ والمصلحة، فالمصلحة هي الأولى. نعم، مصالحي... لكن هذه المصالح في النهاية تصب في أي شيء؟ تصب في الدرهم والدينار. صحيح، أعطني نقوداً، شغّل مصانعي، خذ منتجاتي للاستهلاك، أحبك. إن لم تفعل... هكذا لا أحبك، هذا هو الفرق بين المصالح والمبادئ. لدينا مثال قريب حدث منذ يومين: السيد ماكرون فعل ما فعله في أصحاب السترات الصفراء ولا يريد أي شيء هناك في باريس، نعم هناك في باريس، فاعترضت إيطاليا عليه، فاعتبر اعتراض إيطاليا عليه
تدخلاً في الشؤون الداخلية، وبعد ذلك... ضاقت به العبارة عندما يأتي إلى مصر لأجل الحصول على أكبر قدر من المصالح، فيقول: "على فكرة، لماذا لا تراعون حقوق الإنسان هكذا؟" وذلك لأنه لا يوجد عدل. عندما جلسنا معهم كثيراً في المؤتمرات لنرى كيف تعمل هذه العقلية، وجدنا أنه لا يوجد عدل عندهم ولا يوجد عدل منهم، نعم منهم. لا يوجد عدل منهم، نعم العدل داخل فرنسا يمكن أن نبحث عنه، لكن العدل لنا نحن لا. لماذا؟ قال: لأن المصالح مقدمة على المبادئ. قلنا لهم: لكننا عندنا شيء أساسي وهو أن المبدأ مقدم على المصلحة. قال: هذا كان موجوداً أيضاً في الوثنيات اليونانية القديمة مثلكم. قلنا لهم: حسناً، أنتم... تأخذون من
اليونان، ألم تأخذوا هذه العبارة الجميلة إذا كانت الوثنية اليونانية مثل الأديان؟ قالوا: لا، كان هناك شيء يسمى إله العدالة، وكان هناك شيء يسمى إله الحرب، وكان هناك شيء يسمى إله الجمال، وشيء يسمى كذا، وإله الحب، فكان... أنتم تقولون أن هذه صفات ربنا. أنه عادل وأنه كذا يعني أنتم حوّلتم الوثنية إلى توحيد، قلنا لهم: لا، نحن نتحدث عن الواقع ونفس الأمر، لأننا أناس علميون ودائماً العلم يهتم بالواقع ونفس الأمر، وليس يهتم بمثل هذه الترهات أن تقدموا المصالح ثم ليس لكم شأن، نحن في صفات ربنا حوّلنا الآلهة إلى إله واحد. هذا ليس الموضوع، أنا أسألكم: لماذا تقدمون
المصالح على المبادئ؟ قالوا: هذا هو المبدأ، مبدأ أن أقدّم مصلحتي على أي شيء بما فيها المبادئ العليا من العدالة ومن هذه الأمور. فنحن أمام عقليات لا نستطيع فهمها لأنها لا تملك العقليات التي تقول لك ما تكسبه. العبد والعقليات كلها آتية من أين؟ إنها آتية من أن الله لم يعد في منظومة تفكيرهم. لقد خرج الله عن المنظومة. نحن متمسكون جداً بربنا، لكنه يقول: "لا، أنا لست متمسكاً بربنا، دعنا ننحي هذه المسألة جانباً". فأصبح فتنة، هو نفسه أصبح فتنة تعود على المقاصد الكلية بالبطلان
وتعود على المصالح. وسنكون في وضع من الفوضى والغابية يتسلط فيه القوي على الضعيف، ونحن لن نترك هذا أبداً، سنلقى الله سبحانه وتعالى مقدمين المبادئ على المصالح. وكانت تسود أفكارهم التي تقول دائماً: المصالح تتصالح. فاصل ونعود إليكم. اتقوا الله! وما معنى أن أشد أنواع الفتن التي نواجهها الآن هي الكذب بكافة أنواعه؟ إنها فتنة. القتل والفتنة قد استشرت في المجتمع وأصبحت قضايا القتل في المحاكم كثيرة جداً، والناس صارت الأرواح بالنسبة لها كأنها تذبح فريخاً، غير مدركين أن الإنسان يمكن أن يتوفى في أي وقت، وهذه آخر شيء له، والوقيعة بين
المسيحيين والمسلمين أبناء الوطن الواحد فتنة دينية لأن كل شخص يدلي برأيه في الدين. ليس من حقه فيدّعي أن رأيه ليس له. الفتنة في الدين تكمن في المعاملة، أي كيف نعرف أن نطبق الدين بشكل صحيح من الناحية العملية والناحية النظرية في آن واحد. أي الأقوال بحيث تكون النصوص القانونية والأحاديث وتفسيرها، وهذا هو التأويل والتفسير في النصوص المفهومة، والآية الواردة من القرآن والسنة بعد القرآن. يعني النساء يمكن أن تكون فتنة، يعني يمكن أن تكون في الشارع كثيراً. طبعاً هذه من الفتن، وهناك أشياء كثيرة طبعاً بالنسبة للشباب. كثير منهم طبعاً يخرج بشكل غير جيد أيضاً، وهذا طبعاً من الفتن. هل ترى لماذا الآن بعض الناس يفتنون في دينهم؟ أقول الحقيقة الأكبر، وهي لو كان متأسفاً صحيحاً في... دينه وتعلَّم من ظهره كما لدينا الأطفال الصغار يصلون مما حفظوا وليس لأنهم وصلوا لكذا. الناس نسيت الرجوع إلى الله،
يعني الرجوع إلى الله هو الفضيلة التي ينبغي أن يرجع إليها الناس. وكتاب الله لو تمسك به الناس ما أخطأ أحد. الناس الذين ليس لديهم وعي بالدين هم الذين يُفتنون في دينهم، أما إذا كانوا يقرؤون... الناس المعتمدة بمعنى الناس الذين لديهم ثقافة دينية متحضرة هؤلاء لا يستطيع أحد أن يفتنهم في دينهم. يكونون ضعافاً دينياً وليس لديهم من يقوّمهم في الدين ويعرّفهم أسلوب دينهم وحياتهم لأنه لا يوجد الخطاب الديني القوي الذي يجعلهم يشعرون بالدين ويشعرون بالمجتمع ويشعرون بالدنيا، ويشعرون أن الإيمان أهم شيء يُفتح. لأنها طبعاً غير فاهمة بشكل صحيح وتأخذ الكلام من ظاهره فقط، أي تأخذ الدين كظاهري، تأخذه نصاً من الظاهر دون البحث في التفسير الذي بداخله أو المقصد أو الغاية من الآية أو من الحكم نفسه. مثلما نستطيع أن نواجه انتشار الفتن بين الناس، وهذا عمل علماء الدين وعمل الإعلام. المهم علماء. ينبغي للعلماء
أن يخرجوا في المساجد ليتحدثوا، وعلى الإعلام أن يوسع المنظومة الدينية قليلاً بحيث يعرف المسلم دينه وغير المسلم يعرف دينه، حتى لا تكون لدينا فتنة في الدين، لأنه عندما تحدث فتنة بالنسبة للدين، لا بد للمؤمن القوي الواعي أن يواجه الفتان. سي بي سي أهلاً بحضراتكم وخيرص. التحية والتقدير للزميلة، ماذا
يا حسام، التي أعدت لنا هذا التقرير. أقول إن الإمام، أي ربما جاءت إجابات متنوعة ولكن الكل ركز على الدين، على الفتنة في الدين. لماذا؟ لأن الدين في الحقيقة جزء من الحياة، هو مدخل الحياة، ولذلك ليس في أذهانهم فرق ما بين الدين والدنيا باعتبارهما ضدين. في بعض المذاهب يُصَوَّر الدين على أنه ضد الدنيا، ولكن في واقع الحال، يا مولانا، هما وجهان لعملة واحدة. الدين والدنيا بهما قوام الأمر، ولذلك من أدرك دينه وتمسك به، فالدين نفسه ليس عبادة فقط، بل هو عبادة وعمارة وتزكية. ليس هو يأمرني بالانسلاخ من هذه.
الحياة الدنيا وتركها، ولكن هذا يأمرني بأنه عندما سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى الرجل يعمل فسلم عليه، فوجد يده خشنة فقال: "هذه يد يحبها الله ورسوله". وعندما جاء الرجل يسأل، ولأنه فقير ومعدم، فباع أثاث بيته وأحضر له فأساً وحبلاً وقال له: "احتطب"، وجعله يعمل وعلمه الصيد. ولم يعطه السمكة بالرغم من أنه قادر على ذلك، وبالرغم من أنه شديد الفقر، ومع ذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم وجهه للإنتاج وللعمل. فالدين والدنيا معاً هما الحياة، الدين ليس
ضداً للدنيا، بل هو المدخل الصحيح للدنيا الصحيحة. فهذا الفهم راسخٌ في قلوب المصريين أن الدين. إنما هو جزء من هذه الحياة وليس ضداً لهذه الحياة، الذين يأتون ليقتلوا وينهبوا ويدمروا ويفتنوا ويُحدثوا الفوضى لديهم مبادئ راسخة في أذهانهم وفي مشاربهم وفي نفوسهم أن الدين ضد الحياة وليس جزءاً من الحياة كما يرى كل المصريين أن الدين ضد الحياة، وعلى ذلك نريد. أن ننهي هذه الحياة لأنها ملعونة، ولا يفرقون بين الحياة بمعناها الواسع الذي يشمل
الدنيا والآخرة، وأن الدار الآخرة هي الحيوان لو كانوا يعلمون، وبين الدنيا بمعنى الرغبات والشهوات والفتن وما إلى آخره، والتي نحن نقيمها من أجل تلك الآخرة، فمن هنا ألفت الكتاب الذي وفقني الله إليه لهذه. النظرة فقه وحب الحياة، فنحن نحب الحياة ولا نندرج تحت الدنيا، بل إننا نحب الحياة التي هي هذا الجزء الذي نعيشه منها في تلك الأرض مكلفين عاملين سالكين إلى الله، وهذا الجزء الذي سنعود فيه إلى الله متنعمين منعمين مثابين عند الله. إذاً فهذه وجهة النظر لا... لا بد أن
نأخذ أنفسنا بها وهي أن الدين جزء من الحياة وليس هو ضد الحياة، ومن هنا يأتي فقه حب الحياة. مولانا هكذا دائماً تؤكد لنا وعلينا أننا خُلقنا لنعيش في سبيل الله لا أن نموت في سبيل الله. هذا هو المعنى الحقيقي في حب فقه الحياة كما أمرنا الله. سبحانه وتعالى بأن نقتل أنفسنا. ورد في بعض الديانات الأخرى مثل ديانة سيدنا موسى "أن اقتلوا أنفسكم"، لكنه لم يأمرنا لا أن نقتل أنفسنا ولا أن نُخرج أنفسنا من ديارنا ولا أن نعتزل الناس في القلال والجبال والصحراء وما إلى ذلك. لم يأمرنا بهذا، بل أمرنا بأن نخالط الناس وأن نصبر على أذاهم، وأن نأمر بالمعروف، وأن ننهى عن المنكر، وأن نقيم في أنفسنا أوامره،
وأن ننتهي عن نواهيه. يعني واضحة العملية أن الدين عندنا هو جزء من الحياة. قول الإمام، يمكن البعض يقول: "إن كنت لا تدري فتلك مصيبة، وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم". البعض ربما يتدخل ودعني بعد. إذن فضيلتك، نرقب الحياة من بداية الأسر، من بداية العلاقات الفردية. يدخل ليصلح بين اثنين فيفسد وتكون فتنة بعد ذلك. ما علامات من يدخل بين الناس بالفتن؟ كيف نقي أنفسنا؟ شرط الدخول الذي أراه أنا ربما فعل خير كما نسمع كثيراً، وفعل خير يحدث هذه الفتنة. هناك خمس علامات. تقريباً تسبب هذا أول هذه العلامة أو الذي يجمع هذه العلامات الخمس هو الجهل، فالجهل مصيبة كبرى،
والجهل على نوعين: جهل بسيط وجهل مركب. الجهل البسيط أن أنا لا أعرف، لا أعرف أصلاً، فأنت تعرفني أنا لا أعرف مثلاً كيف أصلي، هذا جهل بسيط، فأنت تقول لي: الصلاة، اذهب وتوضأ. وادٍ في بلدة هنا تجاه الكعبة، وتُصلي خمس مرات في اليوم: ركعتين وأربعاً وهكذا. قم لتتعلم الجهل المركب، وهو أن يكون في ذهني شيء خاطئ أصلاً. فتضطر - يا عيني - عندما تعلمني الصلاة أن تقول لي: "أتعرف كيف تصلي؟" فأقول لك: "نعم بالطبع أعرف كيف أصلي". ثم تسألني: "كيف تصلي؟" فأجيبك: "أقوم هكذا وبعد ذلك..." أضع وجهي في أي مكان وأذكر
اسم ربنا أي ذكر مثل "يا رحمن" وبعدها أقرأ الفاتحة. قلت لي لكن هذا خاص بالصلاة لأنك لم تتوضأ، لأنك لم تستقبل القبلة، لأنك لم تطهر المكان والثوب والبدن، لأنك فقدت كل الشروط، نعم لأنك أنت لم تدخل في الوقت. قلت لكم ما تعلمته. هذا كان خطأً، قلت لي: نعم، كان خطأً. إذاً أنت تضطر إلى ماذا؟ أن تزيل الصورة الخاطئة المخطئة من ذهني أولاً، لكي تعلمني بعد ذلك. هذه الصلاة مسألة تحتاج إلى خطوتين. الجهل البسيط يحتاج إلى خطوة واحدة فقط، وهي أن يقول له: تعال تعلم الصلاة هكذا، فيتعلمها بشكل صحيح. لكن الثاني في ذهنه شيء آخر. الحقيقة هذا هو الجهل المركب، كما قال حمار الحكيم توما: "لو أنصف الدهر كنت
أركب". كان يريد أن يركب الحكيم توما نفسه. لماذا؟ لأن الحكيم توما يتظاهر بأنه حكيم وعالم بكل شيء وهو لا يعرف شيئاً. فأنا جاهل بسيط، وصاحبي الحكيم توما جاهل مركب. كانوا يعلمون هذه القصة للأولاد قديماً لكي يفرقوا لهم بين "أن" و"ما". لا تعتبرني الحمار جاهلاً بسيطاً لأنه لا يعرف، لا يعرف. عندما تعرف وتُظهر وجهه، يذهب نعم، لكن الحكيم توما الذي يظن نفسه شيئاً ويظن الواقع شيئاً آخر، هذا جهل مركب. من هنا يأتي جهله، يعني هؤلاء الناس، كل صاحب فتنة جهله رقم واحد أنه جهل إدراك الواقع، لا يعرف الواقع. ماذا يقول؟ يأتي أشخاص مثلاً ويقولون لك: "إن مصر تحكم بغير
ما أنزل الله"، فنقول لهم: "لا يا إخواننا، أنتم هكذا تتصورون صورة ذهنية عن مصر مختلفة لم تحدث. مصر تحكم بما أنزل الله"، ونقيم لها الأدلة. إدراك هذا الواقع شيء مهم جداً. شخص يأتي ويقول لي: "على فكرة أنت..." قلت له: لست مؤمناً؟ قال: لا، الواقع يقول غير ذلك. فإدراك الواقع فيه خلل. رقم اثنين: إدراك ما أجمعت عليه الأمة. رقم ثلاثة: إدراك اللغة العربية. رقم أربعة: وهذا شيء مهم جداً وشائع، إدراك المآلات. أنا عندما أصنع هذه الفتنة، هو يتصور أنها ستصل به إلى غايته وأنه سيفعل ذلك. أمر يستطيع به أن يصل إلى مراده. فإن إدراك المآلات، وعدم
إدراك الواقع، وعدم إدراك التكاليف الشرعية، وعدم إدراك المآلات، وعدم إدراك اللغة، وعدم إدراك ما أجمعت عليه الأمة من هوية الإسلام، هي التي تسبب الفتنة دائماً هكذا في الدين والدنيا معاً. يعني هناك أناس خسروا الدين والدنيا معاً فانتبهوا لذلك. الذي يحدث الآن في الأجواء المحيطة بنا أنهم خسروا الدين والدنيا معاً. ويقول الإمام: إذا كنا نمتلك هذه الإمكانية لتشخيص المشكلة، فبإمكاننا أيضاً أن نضع علاجاً لهذه المشاكل التي نعيشها في هذا العالم المحيط بنا، ليس عند المسلمين فقط، ولكن عند العالم أجمع. كما يقول الإمام نصر الدكتور
علي جمعة. وضوء أكابر العلماء بالأزهر الشريف، شكر الله لكم، رضي الله عنكم دائمًا يا مولانا. شكرًا لكم، دمتم في رعاية الله وأمنه. إلى اللقاء،