والله أعلم | الدكتور على جمعة يتحدث عن مرحلة جمع القرآن الكريم وحقيقة التعديلات | الحلقة الكاملة

بسم الله الرحمن الرحيم. باسمك اللهم نمضي على طريقك، تثبت اللهم أقدامنا على طريقك. ما أجمل أن نستفتح بها كل حياتنا. اللهم ارزقنا أسرارها وبركاتها يا رب العالمين. وأهلاً بكم في هذا اللقاء، وما أسعدنا دائماً بصاحب الفضيلة مولانا الإمام الأستاذ الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف الإمام: أهلاً بفضيلتكم، أهلاً وسهلاً ومرحباً بكم. واسمحوا لنا في تواصلنا المستمر أن نلحق الإجابات التي سألنا فيها أسئلة كثيرة حول المصحف الشريف، كيف خرج
من الصدور إلى السطور، ومراحل جمع المصحف الكريم. مولانا الإمام، هل كان هناك أكثر من مصحف في أيام سيدنا صلى الله عليه وسلم وفي حياته؟ بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. صلى الله عليه وسلم. النبي صلى الله عليه وسلم علمنا أن هذا الكتاب إنما هو القرآن، والقرآن يعني الاعتماد فيه على القراءة، وأن تسجيله على الأوراق أو الجلود أو سعف النخل أو شيء من هذا القبيل إنما كان هو للإثبات وليس للتوثيق، فالتوثيق إنما يأتي عن طريق نقل الشيخ للتلميذ، لأن القرآن ليس فقط هو هذا المكتوب، بل هو طريقة للتلاوة تختص
بهذا المكتوب، ولذلك حفظه الصحابة الكرام وأتموا حفظه، وهناك كان من الكبار كأبي بن كعب وعبد الله بن مسعود، وهكذا وكان هناك قرّاء آخرون حتى إنهم يقولون أنهم كانوا يدخلون المسجد فيسمعون صوتاً كدوي النحل من التلاوة ومن الاسترجاع. نعم، فإذا قُضِيَ أن يكون للإنسان مصحف خاص، فهذا ما وجدناه مع فاطمة بنت الخطاب عندما دخل عليها عمر قبل إسلامه يبحث، فأتت له بأوراق مكتوب فيها سورة طه عمر قارئاً، فبسببها أسلم. إذا هذه فاطمة
بنت الخطاب في مكة قديماً كان عندها شيء من المصحف كان مكتوباً، وعندها تتلوه، وعندها تقدمه لأخيها عندما يضيق عليها بعد سماعه أنها هي قد أسلمت وزوجها أيضاً. فبعد هذا السماع أتى، وكذا إلى خلال القصص هذه، نأخذ منها مثل هذا الوجود نستطيع. أن نقول إنها كانت نُسَخاً لكنها ليست نُسَخاً معتمدة، ليست نُسَخاً مراجعة من مجمع البحوث الإسلامية. ما هي إلا مصاحف موجودة في السوق لم تأخذ إذناً من مجمع البحوث الإسلامية. المصحف الموجود قام الرجل بجمعه وطباعته، ولكنه ليس معتمداً، فنجد فيه خطأً. ترتيب الصفحات نجد فيه ملزمة ناقصة لأنهم حين يجمعون الملازم ينسون، وملزمة نجد
فيها أشياء من هذا القبيل، ولذلك نستطيع القول إن المصحف المعتمد هو الذي اعتمدته في عصرنا هذا حتى اعتمدته الجهة المرجعية التي نرجع إليها للاعتماد، فالمصاحف التي كانت موجودة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. لم تكن معتمدة، ما الذي كان فيها يجعلها غير معتمدة؟ يعني أولاً أنه لم يكن فيها نقط، لم يكن فيها نقط ولا مصحف عثمان كان فيه نقط، ولم يكن فيها أسماء السور، ولم يكن فيها شيء من هذا، ولكن الأهم أنهم كانوا يفسرون ما يريدون تفسيره ويقيدون ما يريدون تقييده. في ذات النسخة نفسها، أي في الهامش يا مولانا، في الهامش فوق الكلمة وما بين السطور وهكذا، ويعرفون بدلاً
عندنا الأشياء التي ماذا أفعل الآن في علامات الترقيم الحديثة عن "حطاب ناقصين" نعم، فكانوا هم يعملون أشياء من هذا القبيل، فكان سيدنا عبد الله بن مسعود بعد ذلك يقول. جردوا القرآن، جردوا القرآن. يعني ماذا؟ جردوا القرآن يعني لا تكتبوا فيه شيئاً لا بالزيادة ولا بالنقص. عندما تأتي مثلاً السيدة عائشة تتحدث عن "حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى"، فكانت هي تكتب لكي لا تنسى أن النبي عليه الصلاة والسلام قال عن الصلاة الوسطى هذه أنها صلاة. العصر فتكتب فوقه صلاة العصر. ابن مسعود لا يحب أن تكتب صلاة العصر لتتذكر أنها صلاة العصر. في التفسير، صلاة العصر غير موجودة في المصحف، وهي غير موجودة
في المقروء، وغير موجودة في الكتاب المُنَزَّل. في هذا النص تفسير للنص، فلم يكن هناك هذا التطور الذي حدث بعد ذلك. هكذا في عصرنا أصبحنا نجعل القرآن وحوله تفسيره، نعم مثل تفسير محمد فريد وجدي، مثل تفسير الشيخ الزحيلي رحمه الله، مثل تفسير الشيخ عبد الجليل عيسى. تجد المصحف هكذا وحوله تفسيره. لم يكن هذا التطور قد تم، فكان ابن مسعود يغضب عندما يجد هذه الأشياء. جردوا القرآن إذن، فيقول. لقد جرَّد القرآنَ بعضُ المستشرقين لأنهم ليسوا من أهل العربية، كما أن هؤلاء المستشرقين المساكين في ورطة كبيرة. في الحقيقة، لم يجدوا شيئاً في الإسلام، ولم يجدوا. هل شكُّوا في موضوع الهوامش والتفصيل
هذا على أنه ربما تكون هناك تعديلات دخلت على القرآن؟ هذا هو فكر المستشرقين الذي يريد. يرى شيئاً فيتشكك فيه شك الحيرة، وهذا ليس شك المجادل، بل هو شك الحيرة. فهو يتساءل ماذا يعني هذا الكلام؟ يعني أن الإسلام سليم مئة في المئة. حسناً، إذا كان سليماً مئة في المئة، فلماذا يسبب لي مشكلة؟ وهو سؤال سيتبادر إلى ذهن المخلص: لماذا لا أُسلِم أنا؟ لماذا لست مسلماً؟ حسناً، أنا لا أريد أن أكون مسلماً. هل الله غاضب مني؟ وبسبب هذا الغضب معه يجب أن أجد في الإسلام شيئاً؟ حسناً، ابن مسعود يقول: "جردوا القرآن". دعنا نقف معه قليلاً هكذا ونجعل "جردوا القرآن" تعني أن القرآن دخلت فيه تعديلات. الأوهام ستبدأ في
العمل، ها هو يمكن أدخلت عليه تعديلات، فابن مسعود قال لهم: "لا يا إخواننا، دعونا من التعديلات". نعم، الكلام الذي تقوله يا حضرة المستشرق هو من عندياتك هكذا، هو من عقلك. أهو احتمال أم ليس باحتمال؟ فأخرجنا له حينها قاعدة اتفق عليها العقلاء أن مجرد الاحتمال العقلي لا يقدح في قطعية الدليل. نعم. هل هناك احتمال واحد في المليون أن الشيء الذي ضاع مني أثناء الطواف - حيث سقطت مني سبحة - أن يعود إلي؟ بالطبع هناك احتمال، نعم هناك احتمال. هل تعلم؟ كنا مرة مع سيدنا الشيخ، ثم وجدنا شخصاً داخلاً هكذا يسلم: "السلام عليكم"، فقال له سيدنا الشيخ:
"الله! هذه السبحة وجدتها في الطواف سنة كذا من عشر سنوات مضت، فقال له: نعم، ماذا يا مولانا؟ قال له: هذه خاصتي، هل تلاحظ؟ وكان قد علّمها بأن الحبة الثانية فيها مكسورة كسرة معينة ويحافظ عليها هكذا. قال له: نعم، حدث أنني وجدتها في الطواف. كم مرة تتكرر هذه الحادثة؟ واحدة. في العشرة ملايين تتكرر هذه الحادثة أن يضيع مني شيء في المطاف، وبعد عشر سنوات أجد شخصاً يأتي إلي به. هل تنتبه؟ هذا وارد وممكن، لكن هل هذا يعني أنه يقطع في ضياع الشيء؟ عندما يضيع شيء، فقد ضاع. هناك اثنان مليون، ثلاثة ملايين، أربعة ملايين، من يأخذها سيمضي. أو الذي سيتركها فات الكنس في المكنسة أو
كذا، مطلق الاحتمال العقلي هذا لا يقدح في قطعية الدليل. هل تنتبه كيف؟ وعليه بُنيت الهندسة، وعليه بُنيت القضاء، وعليه بُنيت المواريث، وعليه بُنيت الاجتماع البشري. حسناً، هذا فقط يعني، هل هي الواحد في المليون هذه أم في العشرة في المليون؟ يحدث يعني نعم من الممكن أن يحدث ولكن بعيد المنال. حسناً، عندما يتأكد له أن هذه السبحة ذهبت إلى الهند وامتلكها مالك فباعها، خلاص يصبح من المستحيل أن ترجع. تأكدت كذلك هنا أننا عندنا جردوا القرآن، وهي معناها
كان هكذا، فيحتمل احتمالاً بعيداً جداً، نعم، ولكن الذي حدث أن أصل ليس مكتوباً لماذا لم تنتبه إلى هذه النقطة، فالذي حصل أن كل آية من آيات القرآن الكريم شهد عليها شاهدان مع السند الإجمالي لعموم الناس. نعم، أي أن اثنين من الشهود شهدوا عليها، حسناً، والبقية؟ البقية سكتوا، بمعنى أنه لا يوجد أحد منهم لديه ما يخالف هذا في شيء. الآية ستة آلاف ومائتان وستة وثلاثون آية بقراءاتها العشر، فهذا يعني استحالة [تحريفها]، لأن واحداً على ما لا نهاية يساوي صفراً. واحد على ما لا نهاية من هذه الاحتمالات يساوي صفراً. فرياضياً، نحن قد بلغنا مبلغ اليقين،
وأزحنا [الشكوك]، فهذا ليس مجرد مبلغ اليقين، بل هو مبلغ الإتقان الخالص، أي لقد بلغنا مبلغ اليقين واتضح فاتّضح ما حدث. إن ما حدث أن هذا كتاب مقروء تلقيناه من أفواه المشايخ كما هو وبأدائه، يعني في غاية الإتقان. عندما آتي لأقرأ، يقوم الشيخ ويقول "والضحى"، فأقول له: غلط؟ فأقول له: أنا لم أفعل شيئاً. فيقول لي: لا، "والضحى" هكذا. رَقِّقْ، اجعل شفتيك بجانب أذنيك. إذا أردت تفخيم الصوت، اجعل شفتيك كالقُبلة. كانوا يقولون لنا هكذا ونحن صغار، ونحفظ إلى هذا الحد بوضوح. نعم، بوضوح. هذه "حاء"، وهذه "حاء" أيضاً. نعم، وهذه لا. فهذا أصل. هذا مثل أي
شيء معجز. ليس أن يقول وحسب، ولا أن أعمل وحسب، بل بالحرف يا مولانا التلقي، فهذا التلقي ثَبَتَ في القراءات، وبعد ذلك يأتي شخص ويخطئ. إنّ المصحف ليس فيه نقاط "أعذابي أصي به من أساء؟ آه" يقول له: "لا، خطأ، من أساء". حسناً، أين النقاط الثلاث؟ الموقع لم يضعوها بعد، لكنه محفوظ أيضاً. إنما المحفوظ مقروض في السطور في... الصدور وهذا الفرق بين القراءة الشاذة التي هي عبارة عن خطأ مخطئ من عدم الضبط، من عدم التخصص، من التسرع، من صغر السن. كان سيدنا حمزة والده يعمل زياتاً. ترى الولد وهو طفل هكذا عنده تسع سنوات، الزيت داخل والزيت خارج في
مخازن والده. فجاء يقرأ القرآن فقال. ذلك الكتاب لا ريب فيه، أصبحت ماذا؟ لا زيت فيه، فقال له: لا يا بني، اسمها لا ريب فيه. الولد ربط في ذهنه الريب بالزيت، فلما وجد هذه التركيبة هكذا، قرأها زيت. نعم، هذا يحصل، يحدث، ولكن على سبيل الخطأ، ولذلك فتشوا هم في... التاريخ في الشيء في كذا إلى آخره وفشلوا، من هم يا مولانا؟ المستشرقون ومن أراد التشكيك في صحة الكتاب المبين، لأن أصل صحة الكتاب أقول لك هذه معجزة وصلت إلى حد يقين اليقين، ولذلك هم لا يعرفون ماذا يفعلون معه، لأنه في المقابل لم يصل كتاب قط في الدنيا. إلى هذا الحد ولذلك
غيورون ولذلك متعبون ولذلك يقول لك هذا كتبنا ليست لها حجة، لماذا هذا الكتاب بالذات هو الحجة؟ لمَ لا تغيرونه؟ الكتاب الوحيد في العالم يا مولانا، الكتاب الوحيد الذي في العالم الذي نُقِل هذا النقل البديع، وبعد ذلك هذا النقل أصبح مستمراً حتى يومنا هذا، مستمر لا يستطيع أحد أن يفعل معه شيئًا لأنه منضبط جدًا ولأنه مضبوط بالحرف ولأنه محفوظ عشر مرات لا مرة واحدة، إنه شيء مذهل، شيء قد حُسم تمامًا وضرب ضربة قاضية وانتهى الأمر. والذي ينكر ذلك فهو ينكر المحسوس، أي كمن رأى ملاكمًا يضرب أخاه بضربة قاضية والآخر سقط، ثم قام الذي انتصر هو الذي انتصر، المضروب هو الذي انتصر. ففي بعض الأحيان والله الإنسان ماذا؟ لا يريد أن يكمل،
خلاص. الذي نام هذا، نعم، ارفعوه من فوقه حتى لا يضربه. فعندما تسقط أنت على الأرض، خلاص، لم تعد هناك فائدة. وهذه أمور في الحقيقة لا علم ولا أخلاق ولا تقوى. لأنه إعجاز القرآن في نقله، لا أقول في أي مكان آخر إعجاز مذهل. مولانا، لماذا تأخرت كتابة المصحف إلى ما بعد وفاة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن صاحب أول بادرة في جمع القرآن الكريم؟ فاصل ونعود إليكم لنجيب على كل هذه التساؤلات. أهلاً بحضراتكم مولانا الإمام، يعني تتتابع
الأحداث حول جمع المصحف الشريف، ولماذا تأخر جمع المصحف في مصحف واحد أو جمع القرآن في مصحف واحد إلى ما بعد وفاة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. ذلك لأنه إثبات وليس توثيقاً، إذ لم نكن في حاجة أصلاً إلى وجود مصحف. وقد اشتدت الحاجة إلى المصحف عندما دخل غير العرب إلى الإسلام قال الله إن هذا يكون فيه حكمة من كتابته لأن غير العربي لا يعرف أن ينطق العربية جيداً لأن غير العربي ليس لديه الحافظة التي كانت عند العربي، فيكون فعلاً نحتاج أن نجمعه، وهذا هو الذي دفع أبا بكر لكتابته، وهذا أيضاً هو الذي دفع عثمان الذي دفع أبا بكر لكتابته في مكان
واحد وفي مصحف واحد كان استشراء القتل في القراء، أي أن أصل الموضوع يتعلق بالقراء، نعم، فالقراء مات سبعون منهم مع مسيلمة الكذاب عند ذهاب خالد إليه، فمات سبعون شخصاً، فقال: الله، إذاً هو مقروء، لكن لنفترض أنه لا يوجد أحد قرأه. والحفظُ انتهى، وماذا نفعل؟ ينبغي أن نُحضرَ الإثبات. حسناً، أين هو الإثبات؟ هيا نجمع، فذهبوا يجمعون. فالأصل هو القراءة. وعندما نأتي لنرى كم شخصاً حفظ القرآن الآن، لندع مصر على سبيل المثال، أصبح عدد سكان مصر مائة مليون، اثنان مليون منهم حافظون للقرآن. ليبيا كان عدد سكانها ستة ملايين، وكان منهم حافظ للقرآن، هل
تدرك؟ فإذا قلنا إن المائة مليون فيهم اثنان، وإذا كنا مليارًا ونصف، فكم يكون العدد؟ ثلاثمائة مليون حافظين للقرآن. قارئ يا مولانا، نعم قارئ. فالآن، يعني والله هذا عدد ضخم كبير، حيث إن اثنين في كل مائة يعني عشرين في كل ألف، وعشرين مليونًا في كل يصبح عددنا حوالي ثلاثين مليون إنسان حافظوا للقرآن، ثلاثين مليون إنسان. والغريب في الأمر أن التركي يحفظه، والماليزي يحفظه، والإفريقي يحفظه، حتى لو كانوا لا يعرفون العربية. والغريب في الأمر أن لا أحد من الذين ترجموا إلى اللغات الأخرى ترجم معانيه ليحفظ الترجمة، بل يحفظ القرآن نفسه.
الترجمة الغريبة فيها أنها وسيلة وإلى يومنا هذا للفكر المستقيم بحفظ ستة وستين ألف كلمة، والمطلوب حفظ الأطفال عشرين ألفًا فقط. الغريب إذا كان هذا... لا، لو جلسنا نفعل هكذا، فهذه ضربات قاضية، ضربات قاضية لهذه الأوهام والرغبات. نحن نتعامل مع واقع. هناك ذلك الشخص الذي في تركيا الذي يَؤُمُّ الناس في صلاة التراويح بالقرآن وهو لا يعرف اللغة العربية. رأينا الشيء نفسه في ماليزيا، والشيء نفسه في الفلبين، والشيء نفسه في الهند. إنهم يحفظون القرآن
كله ويؤمون به في صلاة التراويح وهم لا يعرفون اللغة العربية. أي معجزة هذه، وأي كتاب هل حَفِظَ شكسبير كتبه؟ هل حفظوا الكتب المقدسة؟ لا أحد حفظ الكتب المقدسة، ويوم أن يتعاظم أحدهم هكذا ويكون قد حفظ صفحتين، يعدّ نفسه من كبار العلماء، صفحتين فقط. فهذا ما لدى الهندوس، عندهم كتاب اسمه الفيدا، وهذا الفيدا كانوا في الزمن القديم يخصصون عائلة لكل سورة. منها عشر صور من الفيديا، عشر صور. قوم يخصصون العائلة الفلانية لحفظ الصورة الأولى، نص واحد فقط، نص واحد هو، والعائلة الثانية لحفظ الصورة الثانية، ويتوارثونها وهم يفتخرون بأنهم حافظون
للفيديا. ما من أحد حافظ للعشرة، فكل عائلة تحفظ صورة واحدة فقط، حتى هذه ليست موجودة. لم يعد أحد يحفظ شيئاً الآن بعدما تُرجم إلى الإنجليزية في القرن التاسع عشر، لم يعد أحد يحفظ شيئاً على الإطلاق في الفيدا، لا بالسنسكريتية ولا بالإنجليزية. فنحن أمام ظاهرة فريدة وحيدة شريدة تتمثل في أن الله سبحانه وتعالى هو الذي حفظ هذا الكتاب، وسيظل كذلك. هل كانت هناك نسخ كانت هناك نسخ متعددة للقرآن لكنها غير معتمدة. هل اهتمت الدولة باعتماد النسخة المعتمدة؟ نعم، حدث هذا بلجنة علمية موثقة في عهد أبي بكر. إلى أين ذهبت نسخة أبي
بكر؟ ذهبت إلى سيدنا عمر. وإلى أين ذهبت نسخة سيدنا عمر؟ ذهبت إلى حفصة. فلما جاءت حفصة أم المؤمنين عليها السلام، استعار عثمان المصحف لتوحيد الناس على نسخة واحدة مثل القراءات العشر المحفوظة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستعار منها النسخة وراجعها وضبطها حرفاً ثم أعادها إليها. فلما توفيت حفصة، أعطت المصحف لأخٍ من إخوانها، ثم باعوه لأسرة من أسر الشام، وبعد ذلك اختفى المصحف مع مرور التاريخ، قام السيد عثمان بصنع ستة أو سبعة مصاحف، واختص نفسه بمصحف، ووضع المصاحف الأخرى في الآفاق، أي وزّع تلك النسخ في الأمصار.
أرسلها إلى مكة وأرسلها إلى الكوفة وأرسلها إلى البصرة وأرسلها إلى دمشق وأرسلها وهكذا وزعها في الأمصار. هذه النسخ التي وزعها عثمان في كافة الآفاق منها ما يُظن النسخ الأصلية هذه مولانا، النسخ الأصلية، فالنسخ الأصلية هذه حوالي ستة، نحن لدينا واحد هنا في المشهد الحسيني ثم نقل إلى المقام الزينبي للسيدة زينب رضي الله تعالى عنها، وواحد كان في توبكابو في اسطنبول، وواحد في متحف الآثار الإسلامية في اسطنبول، وواحد يسمى الآن مصحف فلادلفيا موجود. لأنه ناقص بعض الأوراق، وكان قد نُشر أيضاً مرة ثانية بعد نشره
الأول في روسيا، ثم نُشر بعد ذلك في فيلادلفيا. حميد الله رحمه الله نشروا هكذا أربع نسخ منسوبة إلى المصحف العثماني. كان هناك مصحف في المسجد الأموي واحترق منذ حوالي مائة سنة أو نحو ذلك. لكن هذه المصاحف حتى بعضها تجد فيه نقضًا، فقالوا: هل نُقض عندما نقض المسلمون هكذا وذهبوا ناقضين الإمام؟ أم أن هذه مصاحف منسوبة إلى ما بعد النقض؟ فالكلام واسع وكثير، لكن في النهاية النسخ غير موجودة. لا يوجد كتاب يمتد في التاريخ إلى هذا الامتداد، فالمصحف هو الكتاب الوحيد الذي... تحفظه وتحفظه البشرية عن ظهر قلب،
وهذا ما يفخر به أو يفتخر به المسلمون دائماً بأنه حافظ القرآن الكريم. اسمح لي أن أذهب إلى فاصل ونرجع كي نسأل كيف تم تنقيط القرآن الكريم. فاصل ونعود إليكم، ابقوا معنا. أهلاً بحضراتكم مولانا الإمام، تأتي تساؤلات أخرى ربما حول تنقيط القرآن الكريم الكلمة في المصحف الشريف الذي هو التشكيل الذي نتحدث عنه، كيف تم تدقيق هذه الكتابة؟ كيف تم تنقيط الكلمات داخل القرآن الكريم ولم يكن منقوطاً من قبل؟ مرت بمراحل كثيرة لأنني أقول لك أن هذا للإثبات فقط، فكان مساعداً. يعني أنا أمامي كلام غير منقوط، فـ "يكذبون" مثل "يكذبون".
نعم، مثل "يكذبون" هي وظنوا أنهم قد كذبوا، وظنوا أنهم قد كذبوا، هل انتبهت؟ فهي من غير نقاط ومن غير تشكيل تصلح لهذه القراءة. "فتبينوا" و"فتثبتوا" هي أي تصلح للقراءة هكذا. لكن هل وردت؟ هل وردت؟ هذا هو الذي كان يتلقى من الشيخ، فعندما يقول "عذابي أصيب". به من أساء قراءة النص الحسن فيقولون: لا، هذه ليست من "متوترة عذابي أصيب به أشاء". إلى درجة أن بعض الناس في النسك هكذا يقولون لك: ما هذا؟ فريق في الحبة وفريق في الشعير. وهو يظن أنها حبة وشعير، بينما هي في الحقيقة
"فريق في الجنة وفريق في السعير". فحدثت وهذا يدل على حفظ القرآن، يا سلام! لأنه مع كل ما حدث، فإن القرآن ثابت ولا يتزعزع. الله لم يرضَ أن يذهب هنا أو هناك. هل انتبهت كيف أمرنا مترفيها ففسقوا فيها؟ "أمرنا مترفيها" يعني جعلناهم أمراء، ففسقوا فيها. فيقول لك: لا، هذه "فأمَرنا" هي قراءة شاذة. لا تقرأ بها في القرآن أو لا تقرأ بها في الصلاة، يعني ما الذي ورد؟ فكيف بدأ هذا؟ بدأ هذا عندما ابتدؤوا كما قلت لحضرتك يدخلون مصر ويدخلون الشام ويدخلون إيران ويدخلون الهند، فلو الناس غير عارفة شيئاً، فبدؤوا وقالوا: لا، نحن نزيل هذا اللبس بطريقة التنقيط.
فبدأ النقد ثم بدأ بعد ذلك الشكل وأصبح عندنا علمان تولدا من خلال هذا وهما رسم القرآن وضبط القرآن. رسم القرآن يعني رسم هيكل الكلمة، كيف أكتب "الكتاب"؟ فكان يكتبها ألف لام كاف تاء باء. طيب أين الألف هذه؟ تُنطق "الكتب" لو أننا نسير على ما هو موجود الآن فأنت... كاتبها الكتاب في حوالي خمسة آلاف ألف في القرآن بهذا الشكل. أنا أكتب الكتب وأضع عليها شَدّة هكذا، يعني شرطة هكذا، وفوقها إشارة تدل على أن هناك ألفًا لكنها غير مكتوبة وإنما هي منطوقة. نعم، فأصبح
هناك فرق بين الرسم وبين النطق. إذن هذا يحتاج إلى علم. فلماذا وأين نكتب التاء المفتوحة في رحمة ونكتب التاء المربوطة في رحمة؟ نعم، متى نفعل ذلك؟ امرأة العزيز وكتبها بالتاء المفتوحة، امرأة فرعون وامرأة التي بالتاء المربوطة. متى نكتب أن لا؟ متى أُظهر النون ومتى أحذفها؟ "ينجيك" ثم أجده "ينجيك"، أهذه نونان أم نون واحدة أم لا نكتب النون؟ الثانية والنون والسماوات مثلاً والسماوات وهكذا، فأصبح هناك علم اسمه رسم القرآن، علم أصبح دقيقاً جداً وواسعاً جداً. توافرت كل هذه العلوم يا مولانا. الداني ألّف فيه
كتاباً، بعدما أصبح الداني هذا في الرسم مثل سيبويه في النحو، ومثل الخليل بن أحمد، هو يعني مثل ماذا الإمام. أستاذ النحو دائماً يقول لك سيبويه، وكأننا أخطأنا في حق سيبويه، مثل البخاري في الحديث، ومثل الإمام الشافعي في الفقه، كأننا أخطأنا. فيقول: نحن أخطأنا في حق البخاري. يعني يا أخي، ما هذا؟ الإمام الكبير الذي منهم، من هو الداني؟ نعم، هذا الداني كان له تلميذ. اسمه ابن نجاح بن نجاح، فالعلماء قالوا: حسنًا، إذا اختلف الداني وابن نجاح في حرف أو في دقيقة من الدقائق، فتتبعوا أدلة الداني. هل الداني له أدلة؟ نعم، له أدلة. وتتبعوا أدلة ابن نجاح، فقدموا ابن نجاح،
أي قدموا التلميذ مع أن الداني هو الأستاذ بالرغم من ذلك. أن الدنيا هي الأستاذ، يظل كم من التلاميذ قد يفوقون شيخهم. فيقول لك ماذا؟ وإذا اختلف الذي هو الدنيا بن نجاح، قَدّم بن نجاح، حسناً، ماشٍ. وبعد ذلك وجدنا مرة اثنين ثلاثة أربعة مقدمين الداني، فاضطروا أن يقولوا ماذا؟ غالباً. ها انظروا، نعم يعني إذا اتفق، حسن جداً، ربي لكن أحياناً يختلفون، فيقدم ابن نجاح، لكن في بعض الأحيان يكون تقديم ابن نجاح. وأنا ماذا أفعل؟ أرجع إلى الداني أيضاً، فيكون غالباً أقدم ابن نجاح. نعم، غالباً.
فلابد أن تقول كلمة "غالباً" هذه، وبعض الناس ينساها وهو يتحدث، فيقول لك: "فيقدم ابن نجاح"، وبعد ذلك تجد أنه في هذه الداني وهم مختلفون، أي مرة قالوا لا، هذه المرات الثلاث هي التي يجب أن نضع لها كلمة (غالباً)، وذلك لكي يكون الكلام دقيقاً إلى هذا الحد. تم نقل القرآن وإلى هذا الحد كانت هناك علوم، وهذا هو علم رسم القرآن الذي هو علم رسم، أي الإملاء الخاص بالقرآن الموجود هناك. أصبح ضبط القرآن وهذا علمٌ آخر سنتعرف عليه إن شاء الله في الحلقة القادمة. مولانا الإمام، شكر الله لك ورضي الله عنكم دائماً يا مولانا. أهلاً وسهلاً
بكم، دمتم في رعاية الله وأمنه. سلام الله عليكم ورحمته وبركاته. إلى اللقاء.