والله أعلم | الدكتور علي جمعة يتحدث عن طباعة المصحف الشريف وأدق طبعات القرآن | الحلقة الكاملة

والله أعلم | الدكتور علي جمعة يتحدث عن طباعة المصحف الشريف وأدق طبعات القرآن | الحلقة الكاملة - والله أعلم
بسم الله الرحمن الرحيم، وما أجمل أن نستفتح بها كل حياتنا. اللهم ارزقنا أسرارها وبركاتها يا رب العالمين. أهلا بكم لنستأنف هذا الحوار المفتوح دائماً مع صاحب الفضيلة مولانا الإمام الدكتور علي جمعة وأعضاء هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، لنفهم ولندرك ولنعطي كل هذه الإجابات على تلك الأسئلة الصعبة والملحة. التجديد وسؤال الإصلاح نواصل الحديث عن خروج أو مرور كتابة المصحف وطباعة المصحف بدءاً من خروجه من الصدور حتى وصوله إلى
السطور. مولانا الإمام أهلاً بفضيلتكم، أهلاً وسهلاً ومرحباً بكم. المصحف من خلال هذه الرحلة الميمونة المباركة التي أوفيت فيها التفصيل وعرفتنا هذه المعرفة المهمة جداً كيف تفنن المسلمون في كتابة المصحف في طباعة المصحف متى ظهرت أول طبعة للمصحف الشريف. بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. كتب المسلمون المصاحف وشاع ذلك فيهم حتى جاء ابن مقلة الوزير وسدَّس لهم الخط وأنشأ خطاً جديداً فيه نسبة إلهية فاضلة وهي واحد. وستة من عشرة، وستمائة وثمانية عشر من ألف نسبة إلهية موجودة خلقها الله سبحانه وتعالى، ليس فقط
في المنظور بل أيضاً في المسموع، يعني جمال السمع يتفق مع جمال الرؤية. نعم، ومن هنا كان يؤمن كثير جداً من كبار العلماء الرياضيين والفلكيين عندما يرون هذا في الكون. لأنه لا يمكن أن يكون هذا وبتلك الدقة وبهذا الانتشار والتقعيد والتجريد إلا أن يكون وراءه حكيم مدبر خالق موجد يكون أعظم من كل هذه المعاني ومن كل هذه الأشياء. ولا يستطيع إطلاقاً بالجمال أن يرد الملاحدة. يقفون موقفاً مرعوباً من الجمال لأن الجمال يهدم
كل الحجج التي أتى بها أو الشبهات التي يذكرها أهل الإلحاد إذا كان ليس هناك ثمة خالق فلماذا جمال هذا؟ لم يعرفوا أن يجيبوا عليه إلى الآن. يعني هل الله خلق أم لا يوجد إله والخلق هذا من تلقاء نفسه؟ لماذا يوجد إنسان جميل وإنسان غير جميل؟ لماذا توجد شجرة جميلة وتوجد... منظر جميل وصوت جميل، ولا يوجد هذا الشيء الآخر في نفس النوع. وكما تعلم، لو لم يكن هناك إله حكيم مدبر خالق عليم، لكنا مثل الروبوت، أي أننا جميعاً بشكل واحد ونمط واحد، لأننا نأتي من نفس
القانون، ولما كان هناك جمال ولا تفاوت. قضية الجمال وقضية التفاوت وقضية النسبة وقضية التفاوت أمر أرهق الملاحدة ولا يستطيعون الرد عليه، ولكن لأن معناه خفي فإن كثيراً من الناس لا يعرفون كيف يردون على الملاحدة به. الملحد ماذا يقول؟ يقول: هي هكذا. نعم، فهذا يعني أنه ليس لديه حجة، وليس لديه برهان، وليس لديه كلام منطقي. أمن المعقول أنه لا يستطيع الرد؟ أهكذا الأمر؟ نحن نقول له: أهكذا الأمر إذن؟ هذه هي التي جعلتنا نؤمن، لأن وراء هذا المنظور عالمًا غير منظور، ولأن وراء هذا العالم غير المنظور عالمًا حكيمًا قديرًا خالقًا سبحانه وتعالى. لم يتركنا عبثًا، وإنما أرسل الرسل وأنزل
الكتب وبيّن دلائل وجوده وأخبر الرسل بما لا يمكن أن يدركه إلا هو سبحانه وتعالى فعرفنا أنهم على الحق ونحن في طمأنينة وأنتم في شك دائم. فابن مقلة عندما جاء كانت قضية أخرى، ثم جاء بعده ابن البواب، وجاء بعده كبار الخطاطين المستعصمي وغيره، وهكذا. وكتبوا للسلاطين المصاحف، عندنا مصحف يُسمى مصحف السلطان. شعبان السلطان هو أخو السلطان حسن صاحب المسجد. أليس لدينا مسجد يسمى السلطان حسن؟ يقول المؤرخون إنه من أبدع مساجد الإسلام. أما أخوه السلطان شعبان، فيقال إنه هو المدفون داخل الضريح، لأن السلطان حسن قُتل واختفت جثته ولم يُدفن، فالذي دُفن
هو أخوه السلطان شعبان بن قلاوون. مصحف بديع عندنا في دار الكتب المصرية من المصاحف التي يفتخر العالم الإسلامي بها أن تكون موجودة في زخرفتها وفي خطها وفي تذهيبها وفي تجليدها وفي كل شيء، وبعد ذلك ظهرت المطبعة. ظهرت أواخر القرن الخامس عشر الميلادي وظهرت في ألمانيا وتحولت الأمور من الكتابة إلى الطباعة في صورة المطبعة. أول مطبعة دخلت لدينا هنا في الشرق كانت في بلدة من بلدان لبنان
في القرن السابع عشر، سنة ألف وست مئة وقليل. جاءت المطبعة هنا، ولما جاء نابليون أحضر معه أيضاً مطبعة عربية، لكنه أخذها معه عندما رحل. وجاء محمد علي في سنة ألف وثمان مئة وعشرين تقريباً. وفتح المطبعة الأميرية في مصر وتأخر صدور المصحف من هذه المطبعة ربما أكثر من عشر سنوات، وثمة كان أمر مهم جداً عبر التاريخ هذا منذ عصر ابن مقلة إلى ما بعده، وهو أن الخطاط لا يصل إلى مصاف الخطاطين الكبار إلا إذا كتب المصحف الشريف، فكانت هذه بمثابة شهادة. الدكتوراه هكذا يقولون له: نعم، جيد، خطك جيد وجميل، كتبت المصحف. فيقول لهم: لا، ما زال مبكراً
عليك. كتبت المصحف؟ نعم، خلاص إذاً خذ الشهادة. فكانت حكاية أن يسلبوا منهم تلك الشهادة عزيزة قليلاً على قلوب العلماء وقلوب الخطاطين وقلوب أهل الجمعة الذين يسمونهم ماذا؟ الجماعة العلمية، الجماعة العلمية. عندما قالوا لهم إننا سنصنع لكم مطبعة وما إلى ذلك، قالوا: هذا شيء جيد من ناحية، ولكن ما رأيكم عندما تطبعون فيها الأمور العسكرية والأمور الزراعية والأمور الطبية؟ فبدأت المطبعة بطباعة هذه المجالات. لماذا؟ لأنهم كانوا يعتبرون فن الخط نوعاً من أنواع الشهادات العليا التي يُمنحها طالب العلم حتى يدخل. في مصاف
أخرى شهادة معينة شهادة ثانية يعني تشريف وتكليف في نفس الوقت. وهل كان الأمر لم يكن مقبولاً في بداية موضوع أن أطبع المصحف بالمطبعة؟ نعم، لأجل ذلك. أي نعم، هل انتبهت؟ بعض الناس يقولون لك إنهم سمعوا أن الاستوامة مصنوعة من لحم خنزير. لا، هذه إشاعات يطلقونها. عندما رأى العوام العلماء - هل أنت منتبه - يرفضون، لماذا؟ لأنه يجب أن ننجسه، يرفضون لماذا؟ لأن هذا الحبر في شيء لا يجوز أن يُكتب به هذا الأمر. هذه إشاعات وهي حكايات باطلة. لكن بعيداً عن الحكايات الباطلة، ما الذي حصل في داخل الجماعة العلمية؟ كانت الجماعة العلمية أنه في الطبقة العليا من العلماء، المصحف بالذات كان عندنا واحد اسمه
الشيخ ملا علي بن سلطان القاري، كان شيخ القراء في مكة. هو هذا شيخ القراء في مكة، وبما أنه صار شيخاً للقراء في مكة، كان يكتب مصحفاً كل عام، كل عام، ويرسله هدية إلى الخليفة في اسطنبول. انظر يعني طوال السنة يعمل في كتابة المصحف فتكون هذه عبادة وهذه عبارة عن درجة علمية، وهناك في مكتبات إسطنبول الآن المخطوطات في كثير جداً من المصاحف التي أرسلها علي سلطان القارئ إلى حضرة الخليفة في إسطنبول. هذا الرجل أتى بشيء غريب نوعاً ما وهو أنه جعل المصحف بداية آية. وأي
نهاية وأي بداية وأي نهاية وأي بداية آية وأي نهاية آية؟ هذه أخذتها من خطوات شيخ تركي قديم اسمه الأستاذ حامد، قبل الإمام سلطان علي القاري في القرن السابع عشر، هو قبل ذلك. وما هذه العبارة؟ هذه عبارة بعد ذلك ربطوها بكيفية حفظ القرآن وهو أن يبدأ القرآن بآية تبدأ بآية وتنتهي بآية، وفي كل جزء عشرون صفحة، وعلى ذلك فالقرآن ستمائة صفحة، لأننا لدينا ثلاثين جزءاً في عشرين صفحة، أي ستمائة صفحة. تجد ستمائة وأربع صفحات لأجل الفاتحة وتقدمة البقرة، ولأجل خواتيم السور من (قل يا أيها الكافرون) حتى آخر القرآن، التي
تأخذ صفحة زائدة تقريباً. فهذان اثنان وهذان اثنان يصير ستمائة وأربع صفحات، لكن كل جزء عشرون صفحة. عند الصفحة العشرين ينتهي الجزء الأول، وفي الصفحة الواحدة والعشرين يبدأ الجزء الثاني. فهذا يسمونه "در كنار در" باللغة الفارسية، أي "في" و"كنار" تعني الإطار. يقال لك هذا الشيء الإطار الخاص بالجلباب أو الإطار الخاص بالرسمة. كنار ماذا يعني ذلك؟ الإطار، الفريم، الإطار هكذا. صار كنار داخل الإطار. ما الذي داخل الإطار؟ خمسة عشر سطراً. لماذا؟ عندما أخرجه البيهقي: "من قرأ القرآن خمسة لم ينسَ" أو "من حفظ القرآن خمسة لم ينسَ"، فما هو في البيهقي "لم ينسَ"، فيصبح خمسة عشر سطراً.
خمس سطور، خمس سطور، خمس سطور، تحفظهم فيصبح اليوم تحفظ صفحة، وكانت لديهم طريقة عجيبة في الحفظ. أما بالنسبة لهذا الموضوع، فقد بدأت الطباعات هذه، أول شيء أنهم غير راضين أن يتخلوا عن هذه الدرجة العلمية، بغض النظر عن انتشار المصحف، إذ كان شائعاً وذائعاً، ولكن لماذا لم ينتقل مباشرة يفرح بالطباعة لأن الخط كان درجة علمية يتمسك بها العلماء، وكان فن الخط العربي واحداً من أهم تجليات الحضارة الإسلامية إضافة إلى العمارة الإسلامية. كان الأجداد يتشرفون دائماً بأن يكتبوا القرآن بخط أيديهم. فاصل ونعود إليكم لنواصل الإجابة على ما لدينا من تساؤلات، ابقوا معنا. أهلاً بحضراتكم
مولانا الإمام. اسمح لي أن تُتاح فرصة قبل أن أسأل الأسئلة التالية. نقدم لك أجمل التهاني، كل عام وفضيلتك بألف خير، ودمت لنا شيخاً ومربياً ومرشداً، ودمت لهذه الأمة مصلحاً ومجدداً. كل عام وأنتم بخير، شكراً لكم. نرجع إليه أولاً، فعلاً أول مصحف. طيب ما دام كان هذا التشريف وهذا التكليف. بالنسبة للخطاطات لهذا الخط الجميل، فقد تم طباعته قبل أول مصحف حينما أرغم سيدنا محمد علي العلماء إرغاماً وقال لهم: "وإلى متى سنظل هكذا متخلفين عن ركب الحضارة وغيرها؟ لا بد أن نطبع المصحف"، وأرغم المشايخ على ذلك، فسكت المشايخ وقالوا له: "والله لقد أخبرناك بكل ما لدينا".
لك أنها هذه عبارة عن مسألة لا نحبذها، قال لهم: "لا، الكلام لا يدخل عقلي"، ولذلك أنا سأطبع المصحف. قالوا: "حسناً، الأمر لله، أنت ولي الأمر، اطبعه". فطبع حوالي مائتي نسخة من المصحف، فظهرت فيها أخطاء كثيرة جداً لم تكن موجودة طبعاً عند الكاتب، لأن الكاتب حافظ يكتب. ماذا يكتب السماوات؟ كيف يكتب الأرض؟ كيف يكتب كذا؟ لكن عندما جمعنا وأتينا لنعمل ما يسمونه التجربة أو البروفة، وصححنا أيضاً، لم يكن هناك فائدة. عندما أتينا لنصلي، تداخل حرف في حرف
آخر، فغضب محمد علي كثيراً، وكأنه خجل من المشايخ. قال له المشايخ: "أرأيت؟ ألم نقل لك ذلك؟" ألم نقل ذلك لك بالطبع؟ هم لم يكن قصدهم هكذا، لأنه يمكن كتابة المصحف بدون أي خطأ ولا تمديد للحروف ولا أي شيء فيه إطلاقاً. من الممكن أن نكتب المصحف على أعلى مستوى، فليست هذه هي القضية. أنه ذهب وجمع العلماء وقال لهم: "حسناً، أنا آسف"، ولذلك هذه المصاحف... أمسكوها وأصلِحوها بأيديكم، فذهبوا ممسكين المصاحف المائتين وأصلحوها بأيديهم، وخصص لكل واحد مبلغاً للتصحيح، أظن كان اثني عشر قرشاً أو شيئاً من هذا القبيل. طبعاً اثنا عشر قرشاً في حقبة
القرن السابع عشر، ألف وثمانمائة وثلاثين، كان القصر بعشرين جنيهاً، القصر كان بعشرين جنيهاً، فهو عندما يقوم المرء بعمل له عَشر نُسخ يُصبح أخذ جنيهًا. الجنيه كان يكفي لشراء شقة، أي يشتري به شقة أو يشتري به شيئًا. كان الفدان في ذلك الوقت بحدود سبعين قرشًا، وفي نهاية القرن ارتفع سعره كثيرًا فأصبح بجنيه أو جنيه ونصف. كانت الأرض الزراعية في ذلك الوقت بسبعين قرشًا، وفي آخر القرن باع جدي وعشرون فداناً بمائة وعشرين جنيهاً كان في عام ألف وثمانمائة تسعة وتسعين، هل انتبهت؟ فالفدان كان بجنيه. هذا من واقع المستندات الخاصة بعائلتنا، يعني ليس شيئاً سمعته، بل هو ما رأيته في مستندات موجودة، أن الفدان في ذلك الوقت
كان بجنيه في نهاية القرن، لكن... ألف ثمانمائة وثلاثين، كان ذلك لا يزال رخيصاً بسبعين قرشاً، والجنيه كان مبلغاً كبيراً جداً في تلك الفترة، أي مبلغ ثروة، يعني بالطبع مبلغ ضخم، مبلغ ضخم. أقول لك إنه في ألف وثمانمائة وكذا وثلاثين، كان القصر يُبنى بعشرين جنيهاً فقط، نعم فالمهم الحاصل أن محمد عندما طبع علي باشا المصحف، أسند مهمة التصحيح إليهم فصححوه. بحثنا كثيراً عن هذا المصحف الذي حدث فيه هذا الأمر، لكننا لم نجده إلى الآن. لعله يكون في خزائن دار الكتب، وقد يكون أنه حدث له شيء اختفى بموجبه، لأننا لا نملك أية نسخة من هذا المصحف الذي طُبع. منه مائتا
نسخة لم نجدها في مكتبات العلماء ولم نجدها في كذا إلى آخره، ولكن في التاريخ مذكور أنهم قد صححوها بأيديهم بعد، يعني قبل ذلك. إذًا، إذا كنا نبحث عن متى طُبع المصحف، فأول من حاول طباعته كان في فلورنسا، وكانت عائلة في فلورنسا لها اتصالات جيدة مع حدث في الدولة العثمانية عام ألف وخمسمائة وسبعة وثلاثين أن هذا الرجل في البندقية حاول أن يطبع هذا المصحف الذي مكتوب في التاريخ، وأيضاً لمدة طويلة لم نر أين توجد هذه النسخة، فبدأ بعض الناس
يؤلفون قصصاً أن البابا سمع بها فأحرقها، ولم يحدث هذا إطلاقاً يا بنتي وأقول لك الحقيقة قطعًا وبعدين انتهت أيامه وجاءت أيامه الذي لا أعرف ماهيته، وظهرت لنا واحدة من المستشرقات العالمات الإيطاليات، اسمها أنجيلا نوفو، أنجيلا نوفو، أنجيلا نوفو. قالت: يا جماعة أنا اكتشفت اكتشافًا، وما هو الاكتشاف؟ وجدت نسخة من ألف وخمس. مائة وسبعة وثلاثين هذه وجدت نسخة، وهذه النسخة وحيدة فريدة، بحثنا عن مثيل
لها بعد أن أنجيلا فوتو ما نوفو أو أنجيلا نوفو لم تجدها وكتبت مقالة جيدة فيها، أي تصفها وتصف ما فيها وما إلى ذلك، وكانت أيضاً كثيرة الأخطاء المطبعية، ولكن لم نجد مثيلاً لهذه النسخة وظننا لفترة. إننا حصلنا على كنز كبير وهو كنز فعلاً، ولكن الله، وأين ذهبت هذه؟ هل السلطات العثمانية استلمتها لأنه كان يريد أن يطبعها للعثمانية فوجدوها فيها أخطاء فحرقوها مثلاً؟ وارد، هل الإشاعة الغبية التي تقول أن البابا حرقها صحيحة؟ يعني تبين أن كل... هذه أشياء
غريبة، وقد زارني في مكتبي الدكتور محمود الشيخ، وهو أستاذ كبير للدراسات في جامعة فلورانسا. وتحدثت معه عن هذا الموضوع وعن هذا الاكتشاف الذي اكتشفته السيدة نوفو. فالرجل المشهور ذهب واطلع على النسخة ودقق فيها وأمور من هذا القبيل، ثم جاءنا بالمفاجأة المدوية أن هذه النسخة البروذا. نعم، ليست الطبعة النهائية ولا الطابعة أصلاً، هذه بروفة، ثم إن البروفة توفي صاحبها أثناء الإعداد، فسكتوا عنه. فهذه كانت قصة الطبعة المفقودة كثيراً عام ألف وخمسمائة وسبعة
وثلاثين. ذلك زمن متقدم، لكنها لم تُطبع ولا شيء، ولم يظهر أنها طُبعت، ولم يظهر أنها أي شيء بعد ذلك. بدأت في سنة ألف وستمائة أربعة وتسعين هامبورغ طباعة المصحف أيضاً بطبعة متقدمة نوعاً ما، لأننا كنا نظن أن نسخة نوفو - يعني التي سيُكتشف أمرها - هي مجرد نسخة كثيرة الأخطاء، لكنها تبين أنها ليست نسخة ولا شيء، ولم يفعل البابا شيئاً، ولم تُحرق النسخة العثمانية. ولا أي شيء في أي شيء إذا لم نحصل عليه، فقد كانت مجرد بروفة. أما المصحف، فسوف نتعرف على الطبعة الأولى للمصحف، ولكن بعد هذا الفاصل. ابقوا معنا. أهلاً بحضراتكم، ما زلنا نتتبع
الطبعة الأولى للمصحف المطبوع، والتي ربما كانت في نهايات القرن التاسع عشر. كانت هذه أول طبعة، مولانا. ليس التسعة عشر، لا، بل في ألف وستمائة أربعة وتسعين، هذا في السابع عشر، نعم في السابع عشر. هينكلمان هذا مستشرق ألماني قام بطباعة المصحف في هامبورغ في ألمانيا، وهذه النسخة بعض الشيء يعني ما هي... وكان هدفه يعني بعض الشيء... أيضاً فيها أخطاء وكل شيء لكن كان هدفه هو... التعريف بالعربية وبالإسلام جاء في حوالي خمسمائة وستين صفحة، أي قريبة أيضاً من طريقتنا ذات الستمائة صفحة. هذه الخمسمائة والستون صفحة كانت غير منتظمة، فكنت تفتح الصفحة هكذا فتجد فيها سبعة عشر سطراً، وفي الصفحة الأخرى تجد فيها تسعة عشر سطراً، ولم تكتمل الآية بعد. الطباعة لم تأخذ نمط الإستر
التنميت، أن يكون هناك، يعني بعد ذلك وعندما نقرأ في الطبعات الأميرية، الرقم فوق الرقم الخاص بالصفحة التي قبلها، عندما تضعه في الضوء هكذا، تجد الرقم فوق الرقم، يعني شيء دقيق جداً، الصفحة عندما نضع صفحة على صفحة هكذا، نعم، ونضعها في... النور ونجد الرقم الخاص بها وراءه الرقم بالضبط ليس يميناً ولا شمالاً. أجل، كانوا حرفيين يعني، لكن هذا طبعاً بعد مدة، لأننا نتحدث الآن في ألف وسبعمائة وأربعة وتسعين. وفي سنة ألف وتسعمائة، يعني ثمانية وتسعين، هناك أيضاً أناس آخرون طبعوه في إيطاليا، أصبح لودفيكو مراشي هذا طبع. النسخة الخاصة به في إيطاليا والنسخة الخاصة بهينكلمان لدينا
منها هنا في دار الكتب، هل تلاحظ؟ نحن لدينا نسخ موجودة عندنا هنا في دار الكتب، منها نسخة هينكلمان هذه. أما الرجل الإيطالي لودفيكو هذا الذي هو المراشي، فأظن أنه ليس لدينا نسخة منها، ثم بعد ذلك أصبح في... روسيا طبعت أيضاً من أجل العربية سنة ألف وسبعمائة وسبعة وثمانين، ألف وسبعمائة أصبحنا في القرن الثامن عشر، ففي ألف وسبعمائة وسبعة وثمانين كان رجل مسلم من هذه المنطقة اسمه مولاي عثمان، مولاي عثمان لأن قازان كلها كانت مسلمين، وبعد ذلك هو الذي أشرف على طباعة ألف. وسبع مائة سبعة وثمانين فمشهورة دائماً بأنها طابعة مولاي عثمان في عام ألف وثمان مائة ثمانية وأربعين. أصبحنا الآن
متأخرين تماماً بعد ذلك، ظهرت طبعة أخرى لشخص كان اسمه محمد شاكر مرتضى أوغلو، هذا التزم فيها بالنص بالرسم العثماني وليس بالإملائي كما كان في بعض الطبعات هذه، ولم يضع فيها. أرقام الآيات تنظر في الآية هكذا، هي دائرة وفقط، وليس بداخلها فصل آية عن آية يعني. وكان دقيقاً قليلاً في الأخطاء التي وقع فيها، إذ عمل لها ملحقاً: ها الخطأ والصواب، أنا أخطأت في هذه الكلمة فانتبهوا لتذهبوا كي يصلح كل واحد نسخته، وبعد ذلك بدأت. في عام ألف وثمانمائة وثمانية وعشرين، أي قبل عامي ألف وثمانمائة وثمانية وأربعين وألف
وثمانمائة وثلاثة وثلاثين، طُبِع المصحف في إيران، وطُبِع أيضاً بالضبط على ما نحن عليه. ثم دخلت الهند والآستانة في الأمر عام ألف وثمانمائة وسبعة وثلاثين. كل هذا حدث في القرن التاسع عشر، نعم كل هذا حدث طابعة محمد علي التي لم نجدها، والتي سمعنا عنها في التاريخ فقط، وهي المائتا نسخة تلك، التي كانت مائتي نسخة، طوال مائتي نسخة. وبعد ذلك كان لدينا هنا مطبعة، فبدأت المطابع تظهر. كان هناك البابي الحلبي الذي فتح مكتبته، والبابي الحلبي رجل شامي. جاء ليدرس هنا في الأزهر وبعد ذلك وجد أن نشر هذه الكتب سيكون هو المستقبل لها، فذهب وافتتح شيئاً اسمه الدار العربية للكتاب أو دار الكتب العربية، والتي أصبحت فيما بعد مصطفى البابي الحلبي وعيسى أخوه البابي الحلبي. كان أحمد رحمه الله ليس لديه أبناء،
وإنما لديه أبناء أخ. مصطفى وعيسى وبكر، بكر لم يعمل بهذه الأوراق ولكن مصطفى عمل وأصبح مطبعة كبيرة ضخمة، أغلب التراث طُبع فيها، وعيسى عمل وأصبح مطبعة كبيرة وضخمة، وربما حتى اليوم ما زالوا يعملون. مصطفى وعيسى، أما بكر فقد اختفى، لم يشارك ولم يعمل بمهنة الوراقين، يعني الوراقين، أو قد يكون واحداً. من أولاده اشتغل وارداً في مصطفى الحلبي وعيسى الحلبي، هؤلاء أولاد أخٍ وليسوا أولاد أحمد الحلبي رحمه الله تعالى. أحمد الحلبي لم يكن لديه أولاد، لا بنات ولا صبيان. فالمطبعة البهية أصبحت في ذلك الوقت ملكاً لشخص كان اسمه محمد أبو زيد، الله
يرحمه، هذا عندنا في... مصر أحد نقبل نقول على طباعة المحاولات. نحن دخلنا في مصر والمحاولات للوصول إلى التميز الذي فضيلتك تتحدث عنه، وإن كان كل ما كان قبل ذلك أيضاً محاولات للوصول إلى التميز. لدينا الآن سادة القراء الشيخ محمد المتولي الكبير، نعم، والشيخ رضوان عيد المخللاتي، هؤلاء أناس كانوا من أساطين العالم. الجميع يلجأ إليهم: تركيا، الهند، المغرب، لأنهم كانوا هم، كانوا بمثابة الأهرامات الرابعة والثالثة، تلك هي الأهرامات الحقيقية التي تخص مصر. الشيخ محمد المتولي الكبير وكان سنده من الشيخ مصطفى الأزميري، وكان الشيخ محمد المتولي الكبير والشيخ رضوان عيد المخللاتي، وكان الشيخ رضوان - رحمه الله - مهتماً بالضبط وبالرسم وأخيراً، برز محمد أبو زيد هذا
وقام بعمل لطيف جداً لم يتكرر بعد ذلك، حيث طبع المصحف الذي سُمي "مصحف أبو زيد" دائماً. وكنا نذهب إلى المكتبات القديمة ونقول لهم: "نريد نسخة من مصحف أبو زيد"، فيقولون: "إنه نادر وقليل الوجود"، هكذا كان الأمر. في السبعينيات مثلاً يعني منذ ثمانية وأربعين سنة، فالحمد لله عندنا في مكتبتنا مصحف أبي زيد. ماذا فعل أبو زيد؟ لقد وضع مقدمة كتبها رضوان المخللاتي. كان رضوان المخللاتي موجوداً في ذلك الزمن، فذهب وطبع له ضبط القرآن، كيف يُرسم القرآن، رسم وضبط القرآن، فالرسم متعلق. بالهيكل
الكلمة والضبط متعلق بالشكل وبالنقد وبالكلمة التي كتبها الشيخ المخللاتي. الشيخ المخللاتي كمقدمة لأبي زينب، هي التي اعتمدنا عليها حتى اليوم في ضبط المصحف الشريف. الشيخ المخللاتي هذا كان عالِماً كبيراً، وعندما تقرأ في شيء اسمه "النشر في القراءات العشر" لمحمد بن محمد بن محمد الجزري شمس. القراء مات سنة ثمانمائة وثمانية هجرية، فهو رجع إلى مراجع. هذه المراجع اسمها "أصول النشر". وانتبه، بعض الناس يظن أن "أصول النشر" تعني قواعد نشر الكتب وما شابه، لا. "أصول النشر" معناها عندنا في اصطلاحنا الكتب التي رجع إليها ابن الجزري ليستقي منها كتاب "النشر في
القراءات العشرة"، فهؤلاء شيء أي أن كل ثمانين كتاباً، هذه الكتب الثمانون طُبِع منها خمسون أو أكثر من أصول النشر. هذه الأصول، كل هذه الكتب كان هؤلاء الناس يحفظونها وينظمونها ويعرفونها، ولذلك كان مصحف أبي زيد تحفة من التحف العلمية التي اعتُمد عليها. كان أحسن مصحف صدر وأدق مصحف ظهر بعد ذلك، بعد هؤلاء ماتت وهو مصحف الملك فؤاد رحمه الله تعالى بخط الشيخ محمد خلف الحسيني شيخ القراء. ما أجمل الحديث عن المصحف وعن طباعة المصحف وعن فن المصريين وكيف تفنن المصريون في كتابة المصحف بين الطباعة وبين الخط الجميل. سوف نكمل كل ما بدأناه غدًا إن
شاء الله في الحلقات القادمة. صحِب الفضيل مولانا الإمام الدكتور علي جمعة، مفتي كبار العلماء في الأزهر الشريف. شكر الله لكم ورضي الله عنكم، وكل عام وأنتم بخير. كل عام وأنتم دمتم في رعاية الله وأمنه. إلى اللقاء.