والله أعلم | الدكتور علي جمعة يوضح حدود رفع الحرج عن الإنسان في الدين| الحلقة الكاملة

والله أعلم | الدكتور علي جمعة يوضح حدود رفع الحرج عن الإنسان في الدين| الحلقة الكاملة - والله أعلم
ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير، أهلاً بكم في "والله أعلم". نسعد بصحبة صاحب الفضيلة مولانا الإمام الأستاذ الدكتور علي جمعة، وعضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، لنقرأ معه ونفهم أكثر وأكثر ما معنى المبادئ القرآنية، وكيف تكون في حياتنا في كل هذه المناحي، وفي كل عناصر حياتنا، مولانا أهلاً بفضيلتك، أهلاً وسهلاً بكم، مرحباً. لا يكلف الله هذه النفس البشرية إلا ما تطيق في هذه الحياة، وتكلمنا عن مظاهر وتجليات رفع الحرج عن المكلف، وقلنا إنها
تشكل أربع جهات. تكلمنا فيها عن الزمان، فما الجهات الأخرى التي دائماً تضعون وتوقرون من خلالها هذه المعاني وهذه المبادئ؟ بسم الله. بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. لقد اهتم علماء المسلمين بدراسة الواقع دراسة متأنية متعمقة، فمما توصلوا إليه - بعض ما توصل إليه علماء الاجتماع فيما بعد - أن الواقع حتى ندركه فإننا يجب أن ندرس جانب الزمان فيه ثم جانب الأحوال، وليست كلمة "ثم" هنا على وجهها من الترتيب مع التراخي، ولكنها تعني أن هذه طبقاً لبعض الأهمية في بعض العناصر، بمعنى أنها في
الحقيقة الجهات الأربعة هذه هي جهات واحدة ومتساوية في قدر الاهتمام بها. تكلمنا عن الزمان وكيف أن الله قد رفع الحرج في الزمان كذلك، الله سبحانه وتعالى عنده رفع الحرج وتأكيد للرخصة في المكان، فإذا كان المكان على حد معين فإنه سبحانه وتعالى يضع لنا التكليف المناسب لهذا المكان، مثل مكة حرم الله سبحانه وتعالى، فالله سبحانه وتعالى جعل لها أحكاماً خاصة ليست موجودة في القاهرة، ليست موجودة في لندن، ليست... موجودة في أي مدينة كانت أو في أي قرية كانت لأن الله سبحانه وتعالى رتب
هذه الأماكن وجعل مكة أم القرى. أم القرى معناها أنها على رأس هذه القرى، وأنها إمام هذه القرى، وإنما الإمام ليُؤتم به. فجعل مكة رأس هذه القرى، فجعل لها أوضاعاً خاصة لا توجد للمدينة ولا للقدس هذه الأوضاع الخاصة وذلك لاحتوائها على بيت الله الحرام الذي هو محل نظر الله، وذلك لاحتوائها على البيت الحرام الذي هو أول بيت وُضع للناس، وذلك لاحتوائها على مقصد الحجاج عندما يتوجهون إلى هذه الرحلة المقصودة بالسعي لهذا البيت المبارك الذي هو قبلة المسلمين في العالم يلتفون حوله في مكان فالذي في الهند وفي مشرق الأرض يتوجه إلى الغرب والذي في المغرب ومغرب الأرض يتوجه إلى الشرق حتى
نكون جميعاً ونحن في الجنوب نتوجه إلى الشمال ونحن في الشمال نتوجه إلى الجنوب ملتفين بهذا البيت المبارك. كل هذه المعاني جعلت مكة أم القرى لها أوضاع معينة من ضمنها مثلاً. أن الله سبحانه وتعالى أمر المتوجه إليها حاجًا أو معتمرًا أو داخلًا بالإحرام، فإذا أردت أن تقصد مكة فلا بد أن تُحرم وتلبس الإحرام، وهذا شيء غريب لا يوجد في سائر المدن. نحن عندما نتوجه إلى سيدنا رسول الله، مع جلالة قدر المدينة وعلو شأنها بوجود النبي فيها، إلا أنها لا نحرم ولا نلبس الإحرام، إنما ربنا سبحانه وتعالى جعل هذا
الإحرام لتلك المدينة المقدسة التي هي مكة المكرمة. إذاً، فلو كنا في غير مكة فإن الله قد خفف عنا. ألا يمكن تصور أن الله كان يأمرنا بالإحرام في كل مدينة ندخلها؟ ألا يمكن؟ ممكن طبعاً، وارد، طبعاً شرط. فضيلتكم، هذا وارد على وارد عقلاً، نعم وارد عقلاً، وارد عقلاً، بل إن الله سبحانه وتعالى جعل بعض الزعماء مثل غاندي مثلاً يلبس الإحرام دائماً لعلة أخرى، وهي يعني مقاومة الاحتلال الإنجليزي، ويبين لهم أننا لسنا في حاجة إلى قماش الشاير ولا إلى الصوف الذي يصنعه الإنجليز، هذه المقاومة أتت وكان
لها وضعها إلا لم يكن الله سبحانه وتعالى يكلف الناس هذا التكليف بأن يجعلهم عندما يسافرون يفعلون طقساً مثل هذا. مثلاً هذا وارد ووارد وكنا سنتصرف حينها تصرفاً آخر، لكن تخيل رحمة الله بنا أنه لم يجعل هذا الحكم إلا لهذا المقدس الفريد الوحيد أم القرى، أم القرى فقط. فهذا تخفيف من قبل المكان عندما أكون في بلاد المسلمين، ففي بلاد المسلمين حرّم الله علينا عقودًا وهي كل العقود الفاسدة وكل العقود الباطلة، حرّمها الله علينا لأن النظام الإسلامي يجب أن يتسق بعضه مع بعض، ويجب أن يُبنى على منظومة من القيم والأخلاق، ويجب
أن يُبنى على منظومة من القوانين تتسق مع هذا النموذج المعرفي الذي أمرنا الله به سبحانه وتعالى، لكن عندما نذهب إلى بلاد غير المسلمين كيف نعيش؟ فضرب الله لنا مثلاً بذلك ما حدث مع الصحابة الكرام في الحبشة، ضرب الله لنا مثلاً بذلك عندما مكث النبي صلى الله عليه وسلم أربع عشرة سنة في مكة. ضرب الله لنا مثلاً بذلك إلى آخره، فإذا نحن الآن على مشارف رفع الحرج في غير بلاد المسلمين عن المسلمين. يعني لدينا جهات أربع ونماذج أربع يا مولانا. بهذا لدينا نعم الجهات الأربعة والنماذج الأربعة، ولكن يعني هو لا علاقة لـ "لا إله إلا الله"، يعني نذهب إلى هذا. الرفع الحرج يا مولانا، هل هذه الميزة
فقط موجودة عندنا نحن المسلمين؟ فطوبى لنا معشر الإسلام، إنّ لنا من العناية ما تَرَكنا الغير منهدمين. يعني نحن لا نعرف على جهة اليقين إذا كانت موجودة في غيرنا أم لا، ولكن الله سبحانه وتعالى أشار أن ذلك من منن الله ونعمه علينا على سبيل الإجمال، إنه يضع عنا إصرنا والأغلال التي كانت في أعناقنا، يعني أن الله سبحانه وتعالى وضع عنا الأغلال التي وضعها على أمم سابقة، ووضع عنا الإصر، والإصر هو المشقة، هو التكليف الشاق. لقد حُرّم على بني إسرائيل السبت مثلاً، لكن لم يُحرّم علينا يومٌ كما حُرّم يوم السبت كانت إسرائيل تُحرم عليهم اللحم الذي خالط العظم يعني الموزة، هذه
الموزة الطيبة التي نحبها. كانوا لا يأكلونها فهي حرام عليهم. وقد حُرمت عليهم أشياء غريبة وعجيبة، من ضمنها أنه حُرم عليهم الخنزير، لكن أيضاً حُرم عليهم كل ما تحتويه المركبة التي تنقل خنزيراً. تخيل أن في ثلاجة تحتوي على وثلاجة فيها طعام طبيعي حلال فيصبح الكل حراماً، واسمه الحرام بالمجاورة. ما هذه الشدة؟ شددوا على أنفسهم فشدد الله عليهم. فعندما أخبرنا ربنا أنه، يعني أنه، إنه يقول رسول الله: "إنما بُعثت بالحنيفية السمحاء"، يبين أننا نتميز بحنيفية سمحاء في الصورة المجملة، لكن في التفاصيل ألم يكن. هناك تيسير
لا بد أن يكون في الديانات الأخرى ولكن ليس كمبدأ أساسي عميق في دين الإسلام. نحن لسنا كذلك، نحن أعمق، نحن أعمق بكثير. لماذا؟ لأنه من هيكل البناء عندنا، من أسس القواعد عندنا "فإن مع العسر يسرا، إن مع العسر يسرا". لم نرَ في الأديان الأخرى هذا. المعنى بل كنا نرى أن كثيراً من الشدة يكون علامة على التقوى وعلامة على القرب من الله وعلامة على مزيد الأجر والثواب. مولانا، يعني ما حدود أن يحمل الإنسان نفسه ما لا تطيق؟ وتعلمنا من فضيلتكم، ودائماً تقولون لنا "المشقة تجلب التيسير"، ما
هي حدود هذه الطاقة في الحقيقة عندنا؟ حسب قدرته، وهذه الأشياء تُقاس طبقاً لقدرة الإنسان في نفسه. "ذلك مبلغهم من العلم". "لا يكلف الله نفساً إلا وسعها"، وليس وسع النفس البشرية بل وسع تلك النفس. وهكذا مولانا، اسمح لنا أن نخرج لفاصل قصير ثم نعود لنكمل الحوار حول المبادئ القرآنية في قرآننا الكريم. فاصل ونعود إليكم، ابقوا أهلاً بحضراتكم مولانا، يعني هل معنى ذلك ورفع الحرج عن المكلف إذا فاق الأمر طاقته أو قدرته على التحمل في الحياة؟ هل يأثم المسلم حينما يكلف نفسه فوق
طاقته في العبادة؟ مثلاً مريض والطبيب قال له لا تصم وصام، يعني من ناحية أنه فيه نهي والنهي قد يكون... كما لا يخفى يترتب عليه إثم بأن يكون حراماً أو قد لا يترتب عليه إثم بأن يكون مكروهاً، لكن على كل حال هو غير مرغوب فيه أن يكلف الإنسان نفسه فوق طاقتها. ولذلك يقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في هذا المجال: "ومن رغب عن سنتي فليس مني". فكلمة "من رغب عن سنتي" تعني تخيل أن النبي يقول لك: ابتعد عني، أنا لا أحب ذلك. لا، لست أحب ذلك. ماذا يعني هذا؟ فهل هي حرام يا تُرى أم أنني فعلت شيئاً؟ على كل حال، سواء كانت حراماً أو مكروهة، فهي منهي عنها. نعم، لكن
عندما تأتي لتقول... طيب، هذا فعلاً أنا مريض غير قادر وسأصوم سأصوم. يقول الإمام الغزالي: "فلو مات من صيامي هذا مات مفطراً"، يعني هو مات وهو يمتنع عن الأكل، وهل يُعَدُّ منتحراً؟ قولان. هذا السؤال صعب جداً، نعم قولان. ولذلك لا يجوز أن نعبد الله بما نهى عنه، ولذلك قالوا إنه... لا يجوز أن نصلي بعد العصر إلى المغرب، وعند الاستواء قبل الظهر بخمس دقائق، وبعد الفجر (بعد صلاة الفجر) إلى الشروق. لماذا؟ لأن النبي نهى عن ذلك. قال: ما هو مكروه؟ قال: نعم هو مكروه، لكن لا يجوز أن نعبد الله بما كره الله. كره هذا، فكيف أنك تذهب ولذلك...
عندما نقول للناس الذين يمتلكون أموالاً أخذوها من غير حلها ولا يعرفون من أين أتت، غير عارفين مَن صاحبها، لكنهم يعلمون أنها جاءت من حرام مثل الغش في الميزان أو مثل تجارة المخدرات وما إلى ذلك، فنقول لهم: "يخرجها لله". لاحظ هذه العبارة "يخرجها لله"، نحن لا نقول "يتصدق" لأنها ستُعدُّ صدقة، وإنما ستُعدُّ نوعاً من أنواع التخلص منها في اتجاه ربنا سبحانه وتعالى لخدمة المجتمع والناس. حسناً، وهل هذه ستأخذ عليها أجراً؟ نتركها لربنا يوم القيامة. حسناً، وهل هذه صدقة؟ إن الله طيب لا يقبل إلا الطيب. فلماذا حدث هذا التصرف إذن؟ حدث لأنه لا سائبة في الإسلام. ليس هناك شيء اسمه مال ليس له صاحب أو سائبة في الإسلام أبداً. إنها قاعدة فقهية مقررة
ومتفق عليها أنه "لا سائبة في الإسلام". ليس هناك شيء يقال عنه إنه بلا مالك، فإما أن الدولة تملكه، أو مجموع الناس يملكونه، أو شخص ما يملكه. أنا أملكها بعدي وورثتي يملكونها وهكذا بيت المال يملكها، لكن لا يوجد شيء اسمه أنها ليست ملكاً لأحد أبداً. حتى عندما قالوا في الوقف إنه خرج من ملكه، قالوا إلى ملك الله. معروف أنه نحن الآن، أي الهيئة الاجتماعية التي نطلق عليها المجتمع المدني، فكل هذه الأشياء تُقرر. أنه لا ثائبة في الإسلام، ولذلك عندما ننصحه نقول له: اذهب واعملها لوجه الله. حسناً، والوجه الذي تُعد اسمها صدقة فنياً واصطلاحياً ليس اسمها صدقة، لأن الله طيب لا
يقبل إلا الطيب. إذاً ما هذا؟ هذا تصرف، هذا التصرف الذي ألجأنا إليه جهلنا بصاحب هذا المال، لأننا لو عرفنا... إننا إذا سرقنا منه أو ارتشينا منه لكنا أرجعناه، لسنا على دراية بكيفية رد الفعل، لكنا أرجعناه. ولكن عندما لم نعرفه صاحب المخدرات هذا أصبحنا مرتبكين، فهو لا يعرف، هل تدرك ذلك؟ ولذلك يخرج عليه بالتوبة إلى الله سبحانه وتعالى، ولأنه لا سائبة في الإسلام فيتوجه إلى أعمال ظاهرة. هكذا أنها من أعمال الخير لكن كانت تُعدّ صدقة لا فداك ذلك ومن رغب عن سنتي فليس مني، فليس مني. صعب جداً ما نستطيع، ولذلك نقول: لا يا جماعة، لا تفعلوا أكثر من طاقتكم، فليعبد أحدكم ربه بقدر طاقته، فإنه
لا يمل حتى تملوا. حسناً، وأنت تريد أن تمل فربنا من هناك لا يوجد كلام صعب جداً، ولذلك بدون الدخول في ما سيترتب عليه إثم يوم القيامة وأننا سندخل النار وسندخل كذا، لا، بدون هذه القضية، يعني يكون غير عاقل من أراد أن يعبد الله بما كرهه الله، ولذلك يصبح كأنه في تجاوز للأدب العالي وتجاوز في العلاقة الطيبة التي ووالله وهذا من حال هذا المتشدد، أي من هكذا مع الله تعالى دائماً، ولذلك عندما يزداد هذا التشدد ويصل به إلى أن يكون خارجياً دائماً، فإن النبي قال: "كلاب أهل النار". نعم مولانا، يا مولانا، يقول سيدنا أن هذا في إطار رفع الخطأ، وهذا الحديث هو من تجليات رفع الحرج. عن المُكلَّف إذا ضاق عليه الأمر، هذا هو رفع
الحرج عن الشخص. لقد تحدثنا عن الزمان والمكان، وها أنت أدخلتنا الآن في الأشخاص. نعم، فالشخص هذا إذا نام فقد غفل، وإذا أُغمي عليه فقد غفل، وإذا أُعطي مخدراً لإجراء عملية فقد غفل، فتجد أنه رُفع عنه التكليف على سبيل... رفع الحرج كذلك إذا استُكره على شيء، يعني أُكره أحدهم على شيء، والإكراه جاد ومن أهله، يعني أن هذا الشخص قادر على أن يفعل ما هدد به وأكرهه. فإننا نقول له: خلاص، يبقى هو معذور حيث أنه "لا إكراه في الدين إلا من أُكره وقلبه مطمئن بالإيمان"، فمن استُكرهك على التكليف يتوقف عند الإكراه، والنائم حتى يستيقظ،
والساهي حتى يتذكر. فالساهي هذا، طالما أنه ليس في ذهنه وهو يظن أنه صلى العصر، ثم اتضح يوم القيامة أنه لم يصلِّ العصر، فإن ربنا لا يؤاخذه عليها ويعفو عنه مباشرةً، لأنه ساهٍ. ساهٍ. لا يعتبر متعمداً إلا ما تعمد عليه قلب الإنسان، وهو الذي يؤاخذ به يا مولانا. يا مولانا الإمام، أريد أن أتأمل مع فضيلتك هذه الآيات من خواتيم سورة البقرة: "لا يكلف الله نفساً إلا وسعها، لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت"، ونأخذ في الدعاء حتى قول ربنا: "ولا تحملنا ما وارفع لنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين، أي إلى أي مدى تحمل هذه الآيات الكريمة هذا الدعاء إلى ربنا ليرفع عنا هذا التكليف، وذلك أن القصة هي أن الله سبحانه وتعالى يعلمنا أن ندعوه بما منَّ به علينا، نعم،
ندعوه بالنعم التي منَّ الله بها علينا ننسى النعمة فتتحول بذلك إلى نقمة، ولذلك نحن نبتعد عن أن تتحول النعم إلى نقم بمثل هذه الأدعية التي علمنا إياها ربنا سبحانه وتعالى في كتابه الكريم. هذه الأدعية تلخص في النهاية هذا الموقف من التيسير في الأربعة: في الزمان، وفي المكان، وفي الأشخاص، وفي الأحوال أيضاً هناك. في الأحوال، نعم كذلك، هناك فرقٌ بين الجالس في مدينته وبين المسافر. هناك فرقٌ ما بين السلم وبين الحرب. هناك فرقٌ ما بين الرخاء
وبين المجاعة. كل هذا له أحكام، هذه أحوال يا مولانا، هذه أحوال. نعم، فالحرب حالة، والمجاعة حالة أخرى، والسفر أمرٌ ثالث، وهكذا فكل... حالة من هذه الأحوال لها أحكامها وأحكام مخففة في كل شيء في الصلاة وفي الصيام وفي الأكل وفي الشرب وفي العلاقات الاجتماعية وفي البقاء وفي النوم وفي اللباس وفي كل شيء، كله ربنا سبحانه وتعالى يريد أن تمضي الحياة سهلة يسيرة، والنبي صلى الله عليه وسلم كما وصف نفسه بُعثت. بالحنيفية السمحة الحلوة الجميلة، هل تدرك أنها ليست كما يصورها المتشددون من أنه بُعث بشيء جديد؟ هم يعتبرون أن الناس كلهم قد انحرفوا.
هذا الشيء ليس سوى الحب والرحمة، وهو الذي يقول: "ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء"، ويقول: "إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق"، ويقول: "والله لا يؤمن جائع وهو يعلم ويقول في من لم يكرم ضيفه فهو غير مؤمن، يعني يسّر ولا تعسّر، يسّر ولا تعسّر، في غاية من الجمال. وأيضاً تطبيق هذا الجمال "ما تظنون أني فاعل بكم؟" قالوا: "أخ كريم وابن أخ كريم"، قال: "فاذهبوا فأنتم الطلقاء". هذا هو سيدنا صلى الله عليه وسلم فصلوا. عليه وسلموا تسليماً.
فاصل ونعود إليكم. أهلاً بحضراتكم مولانا الإمام. طيب، وربما يسأل سائل: ما حدود الخطأ الذي به يُرفع الحرج عنا؟ هناك فرق بين الخطأ والخطيئة، والفرق بينهما القصد. إذا كان الإنسان صدر منه الفعل من غير قصد فهو خطأ، وإذا كان صدر منه عن قصد فهو خطيئة. فالخطأ والخطيئة مدارها القصد فالإنسان ما دام فعل شيئاً من غير قصد فهذا نسميه بالخطأ. انظر إلى شخص أفطر لأنه ظن أن الشمس قد غربت وتبين خطؤه، هو لم يفطر عامداً متعمداً في
انتهاك حرمة شهر رمضان، بل فعل هذا لأنه ظن وتبين أن ظنه خطأ أن الشمس قد غربت. أو مثلاً شخص يشرب فيقتل ولكن خطأً، هو لم يكن يقصد هذا إطلاقاً ولم يفعل هذا الفعل من أجل القتل، بل فعله من غير قصد منه ولا إرادة. ومن هنا كان الفرق بين الخطأ وغير الخطأ هو القصد. تبقى الإجابة على سؤالك الدقيق أن القصد هو الذي يجعل الشيء عند... وجود هذا القصد خطيئة وعدم القصد هو الذي يجعل
هذا الفعل خطأً. فالخطأ المرفوع عنه هو المرفوع إثمه. انظر إلى القتل الخطأ، ففيه دية وفيه كفارة تعظيماً للروح الإنسانية، تعظيماً للروح الإنسانية. بالرغم من أنه خطأ ولا يؤاخذ عليه أصلاً، لكنه لا يؤخذ عليه إثماً، أما حقوق الناس فلها شأن. آخر، فهذا الخطأ قبل الناس ينبغي المؤاخذة به عليه، وينبغي أن نقف عنده حتى نعطي كل ذي حق حقه، وحتى نهدئ البال، وحتى نصلح الحال، وهذا هو الفائدة. لكن لا يوجد قصاص، فائدة الدية في القتل الخطأ، فالقتل الخطأ ليس فيه قصاص، لا يوجد قصاص، لا أحد يستطيع أن يقول هذا معتدٍ وإنّ هذا الاعتداء يستوجب
على جماعة المجتمع أن تقتله أو أن توقع به القصاص حتى يكون عبرة لمن خلفه، لا، لماذا؟ لأنه أصل ليس فيه قصد، وعدم القصد يجعله خطأً، وبالرغم من ذلك ألزمناه بالدية لمصلحة الظاهر المجتمعي، وليكن ذلك من قدر الله سبحانه وتعالى، ولكن حقوق الناس. لا تضيع مولانا الإمام فضيلتك، هذا أمان، ونحن نتكلم عن أحد المبادئ القرآنية. نتحدث في ختام كل مبدأ عن كيفية تجلي هذه المبادئ في حياتنا، وكيف تكون عنصراً أساسياً منتشراً في بنائنا، راسخة في اقتصادنا، في سياستنا، في حياتنا، في بيوتنا، في شوارعنا. هذا التيسير وهذه السماحة، كيف تكون عنواناً. حقيقةً، ما نجده في تربيتنا من
مفاهيم رفع الحرج والتيسير والمسامحة والسماحة وما إلى ذلك، هو ذاته أفضل ما توصل إليه النظام الاقتصادي في أمريكا وغرب أوروبا في السنوات الأخيرة. أفضل وأروع ما وصلوا إليه هو ما يحل مشكلات البنوك في تعاملها مع المتعثرين، وهو ما يحل الأزمات الاقتصادية أيضاً. موجودة أين؟ مثلاً، أين؟ هذا كله فوز، كله فائز. سياسة فيها المسامحة صحيح، مبنيّها المسامحة. يعني كما قال: "رحم الله رجلاً سمحاً إذا باع، وسمحاً إذا اشترى، وسمحاً إذا تقاضى". نعم، هذا أين؟ هو لا يوجد أي شيء. ولذلك يتعجبون
جداً ويقولون: كيف معكم هذه الكنوز تلتفتون إليها هذا مبدأ رفع الحرج، هذا يفيد في القوانين كما يفيد في الاقتصاد كما يفيد في السياسة. انظر إلى ما فعله مانديلا في جنوب أفريقيا عندما تولى وبعد ذلك قال: عفا الله عما سلف. هو نفس موقف سيدنا (محمد) في الفتح الذي استند إليه ولم يذكروه. هل تنتبه؟ إلى آخر ما هنالك، انظر إلى عهد علي بن أبي طالب إلى مالك بن الأشتر النخعي ووالي مصر. صحيح، هو لم يأتِ لأنه مات في الطريق، لكن انظر إلى العهد، عهد غريب عجيب، يتكلم بكلام عجيب غريب، كله مبني على المسامحة، مبني على هذه المسامحة التي تنطلق من... أحبب البشر والبشر جميعاً، إذ إننا هداة لا قضاة، أي بشِّر ولا تنفِّر، يسِّر ولا تعسِّر. كل
هذه لا بد وأن تكون ليس في مجال الدعوة فقط، ولا على المنابر فقط، ولا في الخطاب الديني فحسب، ولكن لا بد أن نكون في الخطاب الثقافي والخطاب التعليمي والخطاب المتنوع بدوائره. المتعددة هذا صحيح نعم ونرجو الله سبحانه وتعالى أن يهدينا إلى أقوم سبيل، وهذا المبدأ هو فعلاً متغلغل في جميع المناحي، ومن أجل هذا فكان مبدأ هذا يميز أمتنا عن أي أمة ثانية. مولانا هذا، هذه السماحة وهذا التسامح وهذه المسامحة، الأصالة التي وجدناها في تراث المسلمين أصالة مذهلة، وكلما... رأينا أن المسلمين قد احتاروا في اختيار النموذج المعرفي من الشرق إلى الغرب إلى كذا، عرفنا أنها جريمة
ارتكبت في الغفلة عن اللغة العربية والغفلة عن تراث المسلمين والغفلة عن تلك الحضارة العظيمة التي أرجعت للإنسان إنسانيته بعد هذا الحمق الروماني الذي قضى على الفلسفة اليونانية، يعني العصر الروماني لم... يكن صاحب قوة، بل كان صاحب قوة غاشمة، قوة ظلمت الإنسان وتجبرت وكانت مسرفة في الأرض. ذهب الفكر اليوناني بفلاسفته العظام وامتلأ العالم سواداً، فأرسل الله نبيه الخاتم من أجل أن يخرجه من الظلمات إلى النور، وقد فعل وبنى حضارة إنسانية عجيبة غريبة هي التي كانت سبب هداية العالم. ثم تنكرون لها وهذه التي انتشر
نورها في مشارق الأرض ومغاربها لم يزل ولن يزول ولكن بعض الناس قد تنكر العين ضوء الشمس من رمد وينكر الفم طعم الماء من سقم فلا يصح في الأفهام شيء إذا احتاج النهار إلى دليل هل علينا نحن المسلمين أن نستخدم وسائل أكثر وأكثر نفهم الآخرين هذه الدعوة السمحة وهذا الدين الحنيف وهذه التربية التي فيها علاج لأمراض البشرية، هذا واجب، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: "بلغوا عني ولو آية"، ولو آية. نحن معنا ستة آلاف ومائتان وستة وثلاثون آية، نحن معنا أكثر من ثلاثين مبدأ قرآني تقوم على مثلها الفكر المستقيم يقوم. على مثلها تُبنى حضارات الأمم، وعلى مثلها تقوم علاقات الدول،
ولذلك فنحن نمتلك كنزًا من الكنوز التي سنستمر في محاولة استخراج ما فيه وتطبيقه بين العالمين. سيدي، اسمح لي أن أقرأ تعليقات السادة المشاهدين ومداخلات السيدات المشاهدات على سؤالنا المطروح على صفحة الفيسبوك: "برأيك، هل ينبغي للإنسان عدم تحميل نفسه وكيف تقول الأستاذة نادية إن كل شخص بحسب قدرته والله رحيم بعباده. وتقول الأستاذة هالة الدين: نعم نحن مطالبون، ولكي يتحقق ذلك علينا أن نحيا حياة متوازنة كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "إن لربك عليك حقاً، ولنفسك عليك حقاً، ولأهلك عليك حقاً، فأعطِ كل ذي حق حقه". أما لأن ربنا قال لا يكلف الله نفساً إلا وسعها وكفى بنفسك اليوم عليك حسيباً، بمعنى أنه على الإنسان
الاجتهاد والله موجود. كما قال ربنا في سورة إبراهيم: لا يكلف الله نفساً إلا وسعها، والله أعلم. ولكن أيضاً إذا حُمِّلت النفس ما لا طاقة لها به كلَّت وضاقت، وأعوذ بالله من لله كل هذه تعليقات ومشاركات طيبة تُبيِّن أن الوعي ينتشر بين الناس انتشاراً كبيراً، وأن هذه أمة مرحومة، و"لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم إلى يوم القيامة". مولانا الإمام الأستاذ الدكتور علي جمعة، رضي الله عنك يا حبر العلماء، بلازم الشريف، رضي الله عنكم يا مولانا أهلاً
وسهلاً بكم، شكراً لكم، دمتم في رعاية الله وأمنه، إلى اللقاء،