والله أعلم | حقيقة استمرار الهجرة وأفضل الأعمال لاستقبال العام الهجري الجديد | الحلقة الكاملة

بسم الله الرحمن الرحيم، وما أجمل أن نستفتح بها كل حياتنا. اللهم ارزقنا بركاتها يا رب العالمين، وما أجمل أن نستفتح بها عامنا الهجري الجديد. كل عام وأنتم بخير. أهلاً بكم في "والله أعلم" لنسعد بصحبة صاحب الفضيلة مولانا الإمام الأستاذ الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف. ونحن قد ودعنا عامًا هجريًا قد مضى ونستقبل عامًا هجريًا قد أتى، ودائمًا تتجدد المعاني بتجدد الذكرى. ونتساءل عن الكثير من المعاني والرسائل لنفهم الهجرة في حياتنا وكيف نتحقق ونحققها
في حياتنا، نخرج من ضيق النفس إلى براح الروح. أهلًا بكم مولانا الإمام، كل عام وحديثكم جارٍ في خير. كل عام وأنتم بخير والمسلمون جميعًا بخير ومصر بخير والأمة العربية بخير. تتجدد الذكرى وتتجدد المعاني وتتجدد الرسائل. أليس من معاني الهجرة أن نخرج من ضيق هذه النفس إلى فسحة الروح، أن نتخلى عن كل خلق دنيء ونذهب إلى كل خلق سليم. مولانا بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة. والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. كان هناك ما يسمى بالهجرة التاريخية، والهجرة التاريخية المرتبطة بالإسلام كانت من مكة إلى الحبشة أولاً في هجرتين: الهجرة الأولى والثانية، والثانية إلى المدينة. سُميت هجرة الحبشة بهجرة الأمن،
وسُميت هجرة المدينة بهجرة الإيمان. وهذه هجرات تتالت: الهجرة الأولى للحبشة، الهجرة... الثانية للحبشة ثم الهجرة للمدينة، بعد ذلك أُغلقت هذه الهجرة التي هي للمدينة وأُغلقت ما يُسمى الهجرة التاريخية. سيدنا الرسول صلى الله عليه وسلم دائماً في مواقف كثيرة ينقل لنا توسعة المعاني وتوسعتها، فالهجرة لم تنتهِ. انتهت - أي انتهت تاريخياً - لكنها باقية إلى يوم الدين، فيقول: "لا هجرة بعد الفتح". ولكن جهاد ونية، فإذا
كانت الهجرة التاريخية هي التي لا هجرة بعد الفتح، فالهجرة أخذت منذ أن هاجر مصعب بن عمير قبل النبي وجمع في المدينة ولم يصل بعد النبي. بدأت الهجرة إلى المدينة وهي هجرة الإيمان واستمرت إلى الفتح. مدتها هكذا حتى فتح مكة، فتح مكة، نعم فُتحت مكة. نعم، وأسلمت وذهب معنا الانتقال، يعني أنت ستسافر إلى المدينة لماذا؟ أنت يداك ستتعب. سافر إلى المدينة هرباً بدينك وطلباً للإيمان، فانتهى هذا وأمن الناس عن معاناتهم وكل شيء. حسناً، إذاً لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية،
الجهاد الصادق الذي هو في سبيل الله والذي هو لصد العدوان ورفع الطغيان. والذي هو دفاعاً عن القضية الكبرى وحماية القضايا التي أمرنا الله بها لعبادته ولعمارة الدنيا ولتزكية النفس مع النية الخالصة لله رب العالمين تسمى هجرة، ولذلك قال: المؤمن المؤمن معروف، الذي هو الذي يصدق بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره، هذا هو المؤمن، قال من... آمن الناس هذا توسعها، فها هو قد جعل هناك مفهوماً آخر لدرجة ومستوى آخر من الفهم. والمهاجر الذي يهاجر من مكة إلى المدينة، أو
على الأقل يهاجر من مكة إلى الحبشة هجرة الأمن، أو من هجر ما نهى الله عنه. هذا مفهوم واسع، ها هو يوسع القضية عندما كنا في شبابنا. كان لدينا أزمة هنا في مصر تسمى أزمة المواصلات. هذه الأزمة كنت ترى فيها الحافلة المسكينة والناس صاعدين عليها بطريقة لا تعرف كيف يصعدون هكذا من شدة اكتظاظ الحافلة بأهلها وسكانها. فكانت تتعرض الفتيات إلى مضايقات من الزحام ومن التصاق الأجساد، وكان هناك من تكون نيته غير صادقة فيتحرش. بالفتاة أو كذا إلى آخره، فكنا نعيب هذا، والمهاجر من هجر
ما نهى الله عنه ولو بشبر من الأرض، يعني تحرك شبراً لأجل الله، نعم. فعندما يأتي مقتضى الزحام ويجعل فتاة تلتصق بك وهي كارهة لهذا، يعني أفسح قليلاً هكذا، انقل رجلك اليسرى ورجلك اليمنى بعيداً قليلاً، يعني بمقدار شبر. يعني شبراً شبراً هكذا أي بعيداً لكي تتيح لها أن لا يكون هناك حرج ولا يكون هناك تضييق وما إلى ذلك. فقال هذا والنية هذه، انظر إلى نية عدم إيذاء الناس، نية عدم العدوان والتحرش، فهذا يُدخلك الجنة. هذا الشبر، هذا الشبر، ويعدك يوم القيامة من المهاجرين إلى الله.
سيدنا وسّع المعاني، انظر كيف وسّع معنى الإيمان ووسّع معنى الهجرة. والمسلم المسلم معروف، الذي يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ويؤمن بالخلاص أنه في سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم. من سلم المسلمون من لسانه ويده، نعم هذا يوسع المعاني. الصلاة في اللغة كان معناها العطف، ما هو العطف؟ وتثنت هكذا ومن أجل هذا ونحن نسير في الحارة يحدث انحناء هكذا ويسمونها عطفة، ففي الحارة توجد عطفة. عطفة تعني ماذا؟ تعني منعطفة. وعندما يأتي شيء نضيف
إليه شيئاً آخر، يقولون لك العطف في النحو كذا. والصلاة معناها العطف، أي أن هناك شيئاً وأضفت إليه شيئاً آخر، ولذلك. كان العرب في سباق الخيل يسمون الذي يأتي في المركز الأول "المجلي"، والذي يليه "المصلي". انظر إلى معنى "المصلي" هنا، فهو ليس الشخص الذي يصلي لربه عبادةً، بل هو الذي يأتي في المركز الثاني. لكن النبي جاء وأخبرنا بالمعنى الحقيقي للصلاة، وهو إضافة العمل الصالح لله. يكون هناك إنسان وهناك ربنا. ما الأصل؟ الله هو القديم وهو الذي خلق
وهو الذي رزق والذي أمر، وأنا ماذا أفعل؟ أنعطف إليه وأثني عليه، فسميت هذا الذي نفعله بالصلاة. الصلاة على الدوام، أول ما يسمعها العربي يشعر أن هناك اثنين: من الأول؟ الله. ومن الذي جاء بعد ذلك؟ العبد. فيشعر بالتبعية بأننا تابعون لله، يقول لك: هذا الشخص تابع لله، تابع لله. ماذا يعني تابع لله؟ يعني يصلي. تابع لله يعني يصلي من الصلاة. فالنبي وسَّع المعاني، وتوسعة المعاني هنا جعلت للهجرة معنىً. ما هو معناها في اللغة؟ اللغة العربية عجيبة غريبة تجعلنا هكذا جالسين. ونحن مسرورون منها نتلذذ بها كل يوم.
جذر الكلمات الثلاثة كله يعني أصل الكلمة نفسها من تحت جذره ثلاثة، ثلاثة حروف، ثلاثة حروف، نعم "هـ ج ر". هذا هو الجذر الذي نعمل فيه الآن هكذا، الهجرة "هـ ج ر". فيقول لك: لكن هناك شيء غريب جداً، هذه الهجرة. يمكن أن ترتب حروفها عدة مرات، كم مرة أخذناها في الأعداد والتباديل والتوافيق؟ تحصل على ستة: "ها جا را"، "ها را جا"، "جا ها را"، "جا را ها"، "را ها جا"، "را جا ها". هكذا ستة منها تكوينات تُستعمل في اللغة ويكون لها معنى، ومنها تكوينات مهملة. كل ما
كان من ذات الحروف نفسها يكون له اتصال بينه. وبين بعضها يعني يوجد قاسم مشترك، كما يوجد قاسم مشترك آخر. نعم، لا يوجد شيء مثل هذا في اللغة، في كل اللغات هكذا. لدينا ثلاثة آلاف وست مئة لغة مستخدمة الآن. نعم، لا توجد أي لغة فيها هذه الخاصية إلا العربية، الله! هل انتبهت؟ فـ "هجر" ما معناها؟ هذه الحروف الثلاثة، وتقرأ إذاً... هذه الأمور موجودة في معجم مقاييس اللغة لابن فارس وفي معجم العين للخليل بن أحمد، إذا كنت تريد التوسع فاذهب إلى هذه الكتب. ما معنى "هجرة"؟ إنها تعني التحرك، والتحرك يكون بالانتقال. أنا يمكنني أن أتحرك هكذا، فأنا جالس وأتحرك هكذا، لكنني لم أنتقل. أما إذا مشيت خطوة فهذا يعني أنني انتقلت، نعم، هذا يعني... الإله والجيم والراء فيها تحرك وفيها
انتقال. حسناً، قل لي إذاً: "جهر" يعني صوته وصل، أليس كذلك؟ ليس فقط جهد وتحرك، بل وصل وانتقل إلى أذنه. جهر بدعوته، فلو أنه كان سراً لما سمعتموه. إذاً عندما أتكلم سراً هكذا وأنا واقف، أصلي سراً. وعندما أصلي جهراً، هل تسمعني؟ نعم، تسمع الصوت. وهكذا إلى آخره كما نفعل في الصلوات الجهرية، وكان جهوري الصوت أي أن صوته يُسمع في آخر المسجد. الله! فقط هذه نفس الحروف لكنها بتكوين آخر. طيب، "والنار ذو رهج"، واحد جاء يسألني قائلاً: رهج يعني ماذا؟ قلت له: أنا لا أعرف، لكن الراء والهاء والجيم هؤلاء خاصون بالحركة، نعم. فالنار
هذه رهج يعني أنها تذهب وتأتي هكذا مع الآية مع الهواء، نعم ذهب يبحث عنها فقال إنها مضبوطة هكذا، إنها مضبوطة هكذا. كيف عرفتها؟ نقول له: عرفناها بالملكة العربية الأصيلة التي حتى لو أنه لم يضع رهجاً بإزاء شيء في ذهنه سيشعر من داخله، انظر. كانوا يشعرون بالقرآن كيف يحس المرء من داخله بأصل المعنى، وهذا ما يجعلنا نقول دائماً يا إخواننا: اللغة، اللغة، اللغة. لأننا إذا فهمنا اللغة هكذا سنعرف كيف نفكر، وإذا فهمنا اللغة هكذا سيُفتح علينا ما يسمونه الآن الإبداع، وهذا هو المفتاح، سيُفتح علينا، سيُفتح علينا، سيُفتح علينا في العلوم وسيُفتح. علينا في التكنولوجيا وسيُفتح علينا في الحياة وفي كل شيء، إذاً الهجرة معناها الانتقال
بحركة، يعني تنتقل من مكة إلى المدينة، من مكة إلى الحبشة. هذا هو مدخل القصص التي لدينا الآن، وهي التي نقول عنها ماذا؟ نقول إنه يا جماعة الخير إن هناك هجرة للأمن. وفي هجرة للأمان والهجرة معناها الانتقال، والهجرة توسع معناها في أيام النبي، والهجرة بدأنا عاماً هجرياً جديداً فيها، ومع مولانا نفهم هذه المعاني لنتحقق بها في هذه الحياة الدنيا. فاصل ونعود إليكم. ابقوا معنا. العام الهجري الجديد
يذكرني بذكرى عزيزة عليّ جداً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك بلده. لأجل أن يبدأ في الدين الإسلامي الذي نحن جميعاً ندين به والذي أنار العالم وأعطى أوروبا حتى التطور الذي هم فيه سببه الرئيسي الإسلام والقواعد الأساسية الحسنة التي من غير تعصب الموجودة في الدين الإسلامي، ينبغي على المرء أن يتقرب إلى ربنا ويتبع سنة رسوله عليه الصلاة والسلام، ويتقرب إلى ربنا سبحانه وتعالى، ويحاول بقدر مستطاع أن كلما فاته من أخطاء وكل ما فاته من أعمال غير صالحة أن يتقرب من ربنا بالأعمال الصالحة لأن عمره بدأ ينقص، فالمفترض أن ما هو قادم ليس أكثر مما مضى بل العكس، إن عمره ناقص، فالمفترض أن يتقرب من ربه بهذا. كيف تستطيع أن تطبق مفهوم ومعنى؟ الهجرة في حياتك مفهوم ومعنى الهجرة، طبعاً عندما ترجع للدروس المستفادة من الهجرة، طبعاً تتعلم الصبر، تتعلم العزيمة، تتعلم كيف تحقق هدفك في
ظروف صعبة جداً، تتعلم أنك حتى لو تهاجر من منطقة إلى منطقة، يعني أي شخص اليوم يهاجر من منطقة إلى منطقة للعمل والتعليم وللبيت أو لأي شيء آخر. خارج مصر أو داخلها، تعلم من هنا أنه يجب أن يكون لديك إصرار وصبر، وأن تعتصم بالله في أصعب الظروف لكي تصل إلى النتيجة التي تريدها. لا بد أن نفهم معنى الهجرة وما هي حقيقتها. فالهجرة ليست مجرد انتقال من مكان إلى آخر، بل تعني أنني يجب اهجر أشياءً معينة يُفترض أنها أشياء محرمة علينا. إذا لم تكن تفهم هذا المفهوم، اعتقدنا أننا سنطبق معايير كثيرة جداً ستحدث فرقاً معنا في مسابقة البلد كله. ما رأيك في بعض الجماعات التي تقول أن الهجرة يجب أن تكون موجودة الآن لنصرة الدين؟ لا طبعاً، هذا جانب وذاك جانب مختلف تماماً، يعني طبعاً أنا... أدعو جميع الشباب الذين هم أصحابنا وزملاؤنا، ليس هناك شيء اسمه هجرة نصر الدين، يمكنك أن تنصر الدين. وأنا أيضاً أوجه من خلال هذا المنبر أن جميع الشباب يبتعدوا عن أي منبر للفتنة، أي منبر يتحدث لتوجيه الشباب فكرياً لأي شيء من جهاد وما شابه،
لا أبداً، هذا كلام مضلل. هذا كلام يقوده شيوخ الفتنة، وهو كلام ضد الوطن وضد الدين وضد تعليمنا أساساً. كل شخص اليوم في الجماعة أو ما شابهها يتبع المنهج الإسلامي حسب مزاجه الخاص، ولو أننا اتبعنا منهج الرسول عليه الصلاة والسلام، لما كان هناك أي إرهاب ولا أي شيء آخر. نعم يا حسام. سي بي سي، أهلاً بحضراتكم، مولانا الإمام. تعليقاً على ما تفضل به السادة الموجودون في التقرير عن معنى الهجرة وأن بداية العام الهجري بالنسبة لهم ما هي. الهجرة كما قلت لحضرتك، وتعليقاً على ما سمعنا، عندما سُئلت السيدة عائشة كما ورد في صحيح البخاري عن أنهم يريدون الهجرة
إلى المدينة. كان الانتقال إلى المدينة بعد الفتوحات وبعد ذلك إلى آخره يعني مرغوباً فيه أيضاً. طبعاً سكن المدينة هذه مسألة أخرى، لكن قالت لهم كان المسلمون يهاجرون فراراً بدينهم وقد أَمِنَ الناس، يعني الآن أَمِنَ الناس. وروى فيما هو متفق عليه: "لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية"، لكن النبي... صلى الله عليه وسلم يعني يقول: "لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة، ولا تنقطع التوبة حتى تخرج الشمس من مغربها". تشرق الشمس إن الهجرة باقية دائماً، وهي الهجرة النوعين، ليست التاريخية، نعم، وإنما هي إما
أن تكون هجرة الأمن أن أنا لا أستطيع إقامة ديني في بلد. فإذا هاجرت طلباً لإقامة ديني أو للأمن على نفسي، أي أنني لست آمناً على روحي أو لست آمناً على مالي أو لست آمناً على عرضي أو ما إلى ذلك، فأهاجر إلى مكان آمن كما هاجر الصحابة إلى الحبشة. ولكن هجرة الإيمان هذه هي هجرة عندما أُفتن في ديني في بلد ما. قم بالهجرة إلى بلد آخر طلباً للإيمان، فينبغي أن يكون البلد الذي أذهب إليه مثل المدينة المنورة، أي كما كانت في عهد النبي داراً للإيمان، وأن الإيمان ليأرز إلى المدينة كما تأرز الحية إلى جحرها.
وأود أن أقول لسيادتكم إن العام الهجري الجديد هذا يذكرنا بالهجرة ويذكرنا بأمور كثيرة. ربما تُتاح لنا الفرصة أن نتحدث فيها، لكنه يذكرنا أيضاً برجل الدولة، لأن الهجرة تمت في ربيع ولم تتم في محرم، إنما الذي اختار شهر محرم هو سيدنا عمر. عندما اختاروا شهر محرم، كان النبي عليه الصلاة والسلام قد وضع لنا قاعدة كبيرة جداً تقول: "فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين". مِن بعدي الخلفاء الراشدين الذين هم سيدنا أبو بكر وسيدنا عمر وسيدنا عثمان وسيدنا علي، فهذا جعلنا أننا لا نقتصر فقط على زمن النبي بل على منهج النبي، هذا هو الذي يمثل الأزمة بيننا وبين الخوارج.
في هذا، الخوارج يريدون أن يعيشوا زمن النبي، وهذا غير ممكن، وهذا ضد الإسلام. هذا ضد الإسلام أن نعيش زمن النبي. ماذا يعني زمن النبي؟ يعني أن يكون المسجد مفروشاً بالحصباء وليس بالسجاد، وأن يكون المنبر ثلاث درجات، وألا يكون لدينا مكبر للصوت، بل أن يقف المؤذن على سطح عريش المسجد لكي يؤذن، وألا يكون لدينا. سياراتٌ أو طائرات، فهكذا كان زمن النبي. هؤلاء الجماعة وقعوا في تناقض، أصبح لديهم تناقض. الهجرة تم حلها، والاحتفال بالهجرة الذي يعترضون عليه. الجماعة النابتة تعترض على الاحتفال بالعام الهجري، لماذا؟ كيف تحولت الهجرة؟ هذا التناقض الذي وقعت فيه هذه الجماعات. لماذا ينكرون الاحتفال بالهجرة؟ لأنهم يريدون...
أن يعيشوا في زمن النبي وتجد أحدهم يستخدم الساعة، وتجد أحدهم يركب سيارة، إذاً هي ليست موجودة، فهذا لم يكن موجوداً في زمن النبي، ولا طريقة التعليم هذه كانت في زمن النبي، ولا الكهرباء ولا التلفزيون كان موجوداً في زمن النبي، ولا الصحافة. أنت ستعيش عصرك بالإسلام أم ستنسحب؟ إلى زمن النبي وأنت ترجع إلى زمن النبي في أي عالم؟ عالم الأشياء أم الأفكار أم الأحداث أم عالم الأشخاص؟ أنت مجنون! فيقول لك: لا، أصل هذه كلها على الأشياء وأنا أرجع إلى الأفكار. فعندما يفعلون هكذا يرجعون بسطحية، يرجعون بسطحية. جاءني سؤال بالأمس كان سؤالاً
غريباً عجيباً، يقول... إنَّ لي أنَّني عندما أنسى شيئاً، يقول لي السائل هكذا: "اللهم صلِّ عليك يا نبي"، فأتذكرها. فأحد الخوارج الجالسين قال له: "هذا حرام الذي تقوله". قال له: "لماذا؟" قال له: "لأن الله قال: {واذكر ربك إذا نسيت}". فما الحكم؟ قلت له: "هذا المعترض عليك من الخوارج". لقد وصلت التفاهة بهذا الخارجي إلى عداء النبي. لماذا؟ لأنك عندما صليت على النبي فقد ذكرت الله، إنما هو من شدة الحساسية والتخوف أن يكون ذلك شركاً لم ينتبه إلى أنني عندما
أصلي على سيدنا النبي أقول: "اللهم... اللهم"، يعني ذكرت الله ها أنا أنادي ربي، فيا أخي عندما تنسى. شيء قل اللهم صل على سيدنا محمد والدليل على ذلك "واذكر ربك إذا نسيت" التي هي الآية التي استدل بها لتبديع أخيه الذي يصلي على النبي فيذكر الله. يا أخي، الإسلام لا تدخله إلا إذا شهدت أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ركنين، ولذلك كنت يا أستاذ. قديماً، عندما كنت تدخل المساجد في الأيام التي كان فيها نموذج معرفي خلف الفنون والعمارة وما شابه ذلك، كنت تجد في المحراب (الله محمد). فعندما ظهرت النابتة وبدأت في الانتشار، جعلوها (الله الله). هل نحن نعبد اثنين؟ نحن لا
نعبد اثنين. هل نحن نعبد محمداً؟ نحن لا نعبد محمداً. هذان هما ركنا الشهادة. الله محمد ذهبوا حاملينها وواضعين الله الله، فعندما اعترضنا عليهم: يا جماعة، "الله الله" هكذا لا يصح، حتى عندما تقول "لا إله إلا الله" وتسكت لا تدخل الإسلام، لابد أن تقول "الله محمد" لأنهما من ركني الشهادتين، والإمام أحمد بن حنبل قال إن الحلف بالنبي ينعقد عندما... تقول إنه هو النبي وعللت ذلك بأنه أحد ركني الشهادتين. إلى هذه الدرجة فأنتم الآن ترتكبون خطأً. ماذا فعلوا؟ فعلوا ما هو أكثر سوءاً من ذلك، مما يدل على أنه لم يعد هناك نموذج معرفي متكامل خلف العمارة والفنون وما إلى ذلك. قاموا بكتابة "الله
الله فوق الله" على المحراب، فأصبحوا ثلاثة وواحد. انتبهوا يا جماعة، ليس هكذا دائماً. إن ما نجده في السلف الصالح وفيما ورثناه عن آبائنا، وراءه نموذج معرفي واضح، ووراءه تطبيق جيد لأوامر النبي، وابتعاد جيد عن نواهي الشرع الشريف، أتفهمون؟ لكن هذا النوع من أنواع التعامل مع الدين ومع النص ومع الاحتفالات، فعندما يفهم الولد أن السنة ليست قاصرة على زمن النبي وأنه يُضاف إليها زمن الخلفاء الراشدين وأن عمر هو الذي جعل المحرم أول السنة الهجرية وأننا نتبع عمر في التراويح وفي السنة الهجرية وفي تدوين الدواوين، يعرف أن الإسلام ليس قاصراً على زمن
النبي وأن المسلم يستطيع أن يعيش عصره بما تركه لنا رسول الله من مناهج صلى الله عليه وسلم لو عرفها الشباب الناشئ هكذا لن يصبح من داعش، ولو عرف أن الشباب الناشئ هكذا لن يصبح من جماعة الإخوان المسلمين. لو عرف هكذا سيكون لديه عمق في التفكير سواء في إدراك الواقع أو في إدراك النص أو في الربط بينهما، الذي نعاني منه من جماعة الإخوان المسلمين. الإرهابية أنهم سطحيون للغاية، ينزلون الرغبات والشهوات منزلة الواقع. مثلاً اذهب إلى بعض ما يسمى بالقنوات الإخوانية، واستمع إليهم، يقولون إن مصر في حريق مستمر ومصر منهارة
وتنهار اقتصادياً. هو يريد ذلك، هو يريد ذلك، ولذلك هم خلاص ملّهم الناس. لماذا؟ لأنهم لا يذكرون الواقع، لا يدركون الواقع. هل انتبهت؟ مرةً كان محمد مرسي يستقبل محاميه، فقال له المحامي: "ألا تخشى أن يتولى عبد الفتاح السيسي الحكم؟" فأجابه: "نعم، لقد تولى الحكم بالفعل". فقال المحامي: "لا"، وكان المحامي حريصاً على ألا يخطئ لأنه ربما يكون هذا اللقاء مسجلاً، وصاحبنا ليس شخصاً عادياً. باله من هذه الناحية ويسترسل في الكلام بما يضره، بما يضره. انظر، انظر إلى أين وصلنا! كل هذا يُنشئ صورة قبيحة لهؤلاء الناس أنهم محجوبون
عن إدراك الواقع، وهم كذلك محجوبون عن إدراك النص، وهم كذلك غير قادرين على إيقاع المطلق على النسبي ولا الصلة التي بين المطلق متمثلة في القرآن والسنة وبين النسبي متمثلة في الواقع، إذا - كما قيل عنهم دائماً - هم لم يقرؤوا ولم يعرفوا ولم يفهموا. فاصل ونقول إليكم: ابقوا معنا. أهلاً بحضراتكم فضيلة مولانا. ربما الجماعات المتشددة والإرهابية تقتل وتخرّب، يعني تتحدث دائماً عن الهجرة وتحث الشباب على أن يهاجروا من بلادهم من أجل نصر الدين وتتعلل بقول. قال الله تعالى: "ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها" هذا مبني على
أمور: الأمر الأول أنهم يعتبرون أن الإسلام قد رُفِع من الأرض منذ قرون، وهذا نص كلام سيد قطب، وهو كان رجلاً ضعيفاً وكان مريضاً في جسده، لكنه هو أيضاً الذي لا يعرفه الناس أنه كان غاية في السطحية. والعجيب جداً أنه كان في أمريكا عندما قُتِل حسن البنا. قُتِل حسن البنا يوم الثاني عشر من فبراير سنة ألف وتسعمائة وتسعة وأربعين. كان سيد قطب وقتها في هذا المكان وكان في المستشفى، فوجد الناس ينظرون من النافذة فرحين والكناسات تُضرب وهكذا. هو لم يكن يعرف الإنجليزية كثيراً وبقي هناك. سنتين تعلم كما أرسل
صديق له اسمه محمد جبر، تعلم حتى الصف الثاني الثانوي تقريباً، يعني شيئاً مثل ما يسمى "إنجليش فور يوز" أو "إنجليش فور ليفينج"، أي الإنجليزية للاستخدام أو الإنجليزية للحياة، يعني شيئاً مثل الاستخدام اليومي، نعم، يعني شيئاً مثل ما يستخدم في المستشفيات والممرضات، وهو لا يعرف الإنجليزية. فقالت له شيئاً لم يفهم منه إلا "داي". هي السيدة لم تقل "داي هي"، السيدة قالت "داي داي" يعني يوم، و"داي" يعني مات. فربط في ذهنه سريعاً أنهم يحتفلون بموت حسن البنا. انظر كيف سوء الفهم!
وهي تقول له أن هذا هو الفالنتاين، هذا هو الفالنتاين، الرابع عشر من فبراير. يعني الصباح الذي كان فيه كانوا يحتفلون فقال كيف أن الغرب يحتفل بموت حسن البنا وتمتلئ الجرائد شماتة فيه. فأنا تعجبت جدًا أن الغرب يهتم أصلًا بموت أحد أو بحياة أحد لأنهم منغمسون في الحياة الدنيا، يعني ليسوا بحاجة إلى أن يحزنوا هنا أو يفرحوا لموت أحد، وبالضبط هذه ليست... طبيعة هؤلاء الناس، فأجريتُ بحثاً وذهبتُ إلى أمريكا لأرى ما تحدثت عنه الصحف في ذلك اليوم عن حسن البنا، لأنه كتب... هو لم يكتب هذه الحادثة. هذه الحادثة كتبها الخالدي وكتبها كل من سمعها منه، وكتبها محمد قطب أيضاً وكان يرويها.
صنعوا حولها أساطير أيضاً، وصنعوا حولها أساطير حقيقية ورواية. ورويه في دماغ الشباب والناشئة، انظر الآن، ظهر أنه في هذا اليوم لم يُذكر خبر وفاة حسن البنا إلا في جريدتين من بين ألف وستمائة جريدة تقريباً كانت منتشرة يوم الرابع عشر من فبراير عام ألف وتسعمائة وتسعة وأربعين. الثالث عشر، بل الرابع عشر من فبراير، الثالث عشر، ومنذ الغد الرابع عشر الاحتفال. الذي رآه جيداً، فانظروا كيف أن الربط تافه. بمقدار هذه التفاهة جاءت هذه الفكرة في ذهن سيد قطب بأن الإسلام انتهى منذ قرون. إن الإسلام يعني إنكاراً للواقع، إنكاراً للقدرة. تُنكر العين ضوء الشمس من رمد، وينكر الفم طعم الماء من سقم، أي أنه مريض. فهذا
الرجل كان مريضاً نفسياً. ولكن في صورة العقلة لدينا مرض ذهاني ومرض نفسي ومرض عقلي. فسيد كان مريضاً نفسياً، ولكن عندما قال هذه العبارة وبنى عليها أنه عندما أتى إلى مصر وتأكد أن حسن البنا، ما دام الغرب يحتفل بموته، إذن حسن البنا صحيح، حتى أن هذا الربط يعني لو أن الغرب... احتفل بحسن البنا، ما كان ليصبح الأمر هكذا. احتفل بموته، ما كان ليصبح الأمر هكذا. لكنه كان هكذا، وعندما أوذي في السجن بأنه كان مريضاً وكان في المستشفى، فجاءه واحد وقال لعبد الناصر: "يا عبد الناصر سيد، يقولون أنهم يعذبونه أو شيء من هذا القبيل في السجن". فرد قائلاً: "إنه في المستشفى يُعذب". مَن كانت نفسيته متكبرة ومتعالية، وكان يتعالى على حسن البنا وعلى
غيره، وكانت حياته كلها هكذا. المهم أن هذا الشخص هو الذي جاء بفكرة الهجرة هذه، حيث قال: "يا جماعة، الإسلام انتهى"، وعلى ذلك تصبح مصر ديار كفر. إذن ماذا سنفعل؟ سنهاجر إذن. إلى أين سنهاجر؟ أين قال؟ إما أن نبقى نهاجم الناس الذين حولنا هؤلاء، وإما أن نأخذ بعضنا ونذهب ونهاجر. إلى أين سنهاجر إذًا؟ أنهاجر إلى الصحراء؟ أنهاجر إلى الكهوف؟ أنهاجر إلى القبائل الرحل التي في أي مكان؟ أم نشكِّل تنظيمًا خاصًا مضطربًا ونبقى نقتل الناس ويقتلوننا؟ هذه هي الفكرة الداعشية التي... أبو محمد العدناني وأبو (لا أعرف ما هو) البلواني تأثروا
بسيد قطب. من هذا مولانا في دقيقة واحدة، في آخر دقيقة في هذه الحلقة. يعني ورقة عمل في العام الجديد، في العام الهجري الجديد، لكي نبدأ وننطلق ولا نركن إلى الكسل وإلى الأخلاق السيئة، بل ننطلق إلى فضاءات الرحمة الرحيبة ونعمل. ماذا؟ نريد أن نتعلم فقط، نريد أن نتعلم، نقرأ كثيراً، ونعلم أولادنا، ونهتم بالتعليم. نريد أن نتعلم فقط، هاتِ الروشتة. نريد أن نتعلم ونطبق، أي أن ما نتعلمه نطبقه في حياتنا، سيُطبَّق، سيُطبَّق ويصبح على ما يرام، لكن نريد أن نتعلم لأن المشكلة التي نواجهها في كل مجال أنه لا يوجد أحد يعرف شيئاً، فيستغربون حتى عندما... يستغربون عندما يسمعون فيرغبون في التعلم، وبالعلم وحده سنصل إلى غايتنا وسنطبق وسنصبح
أفضل الأمم. مولانا الإمام ذكر مصطلحاً مهماً هو النموذج المعرفي، النموذج المعرفي الذي تصدر عنه السلوكيات ونعرف من خلاله أننا أمة متحضرة وأمة لدينا كل هذه القيم، سنتعرف عليه من خلال الحلقات القادمة مع فضيلة. مولانا ونحن نتعرف على منهجه في الإصلاح وفي التجديد، مولانا الإمام الأستاذ الدكتور علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف. كل سنة وحضرتك طيب، كل عام وأنتم بخير، والأمة العربية والإسلامية والمصرية بخير. أعزاءنا المشاهدين، كل سنة وحضراتكم بألف خير. إلى اللقاء.
.