والله أعلم | علي جمعة يستكمل الرد على إدعاءات المتطرفين حول التمكين لنصرة الدين | الحلقة الكاملة

أهلا بكم وأحييكم بتحية الإسلام، وتحية الإسلام هي السلام، عليكم ورحمة الله وبركاته. وسيدنا دائماً ينصحنا أن أفشوا السلام بينكم ليعم هذا السلام العالم أجمع، وتنضبط حركة هذه الحياة، ولتستقبل موجات القلوب إرسال ربها. أهلاً بكم في "والله أعلم" لنسعد بصحبة صاحب الفضيلة مولانا الإمام الأستاذ الدكتور علي جمعة كبار العلماء بالأزهر الشريف لنفنّد كل هذه الادعاءات للجماعات المتطرفة حول التمكين في دولة قائمة
بمؤسساتها أو في الدول القائمة بمؤسساتها لنصرة الدين. هذه الادعاءات الباطلة التي نرد على كل هذه التساؤلات ونجيب على أسئلة ملحة في هذا العصر وفي هذه اللحظة الحرجة في حياتنا. مولانا الإمام أهلاً بفضيلتك أهلاً. وسهلاً بكم مولانا. من خلال ما استعرضته في الحلقة الماضية حول التمكين وهذه الادعاءات، هل التمكين هو السيطرة المسلحة من خلال هذه الادعاءات والعقيدة الفاسدة لهؤلاء التكفيريين؟ بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. قال تعالى: "الذين إن مكناهم في أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور. هذا هو التمكين. هو أن يوفقك الله سبحانه وتعالى لإقامة الصلاة. التمكين هو أن يوفقك لأداء
حق الغير عليك مما فرضه الله على الأغنياء مقابل الفقراء. التمكين هو أن تأمر بالمعروف وأن تنهى عن المنكر وأن تتبع. سيدنا صلى الله عليه وآله وسلم يخاطب بالتمكين كل إنسان، وليس التمكين أن أستولي على مُلك ولا أطلبه. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول لرجل تقي نقي عُرف بورعه وعبادته وشفافيته وتقربه إلى الله سبحانه وتعالى، يقول له لأبي ذر: "يا أبا ذر، إن هذا الأمر لا نوليه". من طلب إنك امرؤ فيك ضعف، يؤتي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء ويعز من يشاء ويذل من
يشاء، الله سبحانه وتعالى هو الذي يهب الملك لمن يشاء. ونفسية المالك نفسية خلقها الله من أجل أنه إذا أراد أن يكون تقيًا كانت عقليته لا تضيع الناس لأن في بعض... الناس حتى يكونوا أتقياء، تصرفاتهم تضيع الناس بالرغم من نبل هذا الهدف، من نبل هذا الهدف لكنه ضعيف، نعم ليس قوياً، ولذلك يقولون إن هذا رجل دولة، ما معنى رجل دولة؟ من هذا؟ سيدنا أبو بكر، سيدنا عمر، سيدنا عثمان، سيدنا علي رضي الله تعالى عنهم أجمعين، رجل دولة سيدنا. معاوية كان رجل دولة حقاً، وسيدنا
الحسن وسيدنا الحسين رجلا دولة يعرفان متى يقاتلان ومتى يسكتان ومتى يتحدثان. وكذلك سيدنا الزبير كان رجل دولة، وهارون الرشيد كان رجل دولة بالطبع، رحمه الله، الذين أساؤوا إليه كثيراً، فقد كان يحج عاماً ويجاهد عاماً. والله، إن هارون هذا من رجال الدولة، كيف يعني؟ ما شكله؟ ما صفته؟ عندما ذهبنا رأينا الحُمق المشتَّت الذي لدى الجماعات الإرهابية، لم نجد ولا صفة واحدة موجودة فيهم. ولذلك عندما ركبوا الحافلة وقادوها بالتجلس، سألنا الناس: "وهل سيستمر هذا كثيراً؟" والله كان هناك من يبكي عندما يلقاني ويقول: "ألا يرفع الله سبحانه وتعالى هذا البلاء عنا"، واحتسب
قريباً، فشخص تطفّل عليّ وكنا في يناير سنة ثلاثة عشر تحديداً. تحديد التواريخ مهم جداً، وقال لي: "يعني متى هكذا؟ أنا حصل لي حال". قلت له: "ستة أشهر". "ستة أشهر؟ لماذا؟ لماذا؟" يعني واحد على فكرة جاءني بعدها وقال لي: "أنت قلت في يناير ستة أشهر، أنت كانت معلومة قلت له لا، فقال لي: إذاً ما هي الآية؟ قلت له: على فكرة أنا قلت لك حينها، قلت لك. قال لي: ماذا قلت لي؟ قلت لك: هؤلاء شخص ركبوه الحافلة وهو لا يعرف كيف يقودها، ماذا سيحدث؟ سيصطدم بشجرة. الحافلة ستصطدم بشجرة يا جماعة، وسيصاب هو ومن معه
في الذي كان يعني نفسية الحاكم هذه، نفسية رجل الدولة، هو الكفء الذي يقود. رجل الدولة هذا قوي الشخصية، قوي الشكيمة، لا يخون، لا يبيع بلاده بدراهم معدودة. لا شيء، المستشار الشامي أعدَّ مجلدين في حيثيات الحكم بالخيانة العظمى على هؤلاء، هذان المجلدان تُرجما إلى العربية والإنجليزية والفرنسية. وأخرجوا العربي في مجلدين هكذا وهو عندي فقط لئلا يقول لك أنت ليس عندي، وبعد أن صدر الحكم واستقر، أخذت هذين المجلدين لأقرأ وأرى ماذا فعلوا. لقد باعوا مستندات
البلد ظناً منهم أن هذه أخوة أو ظناً أن فيها بعض المال لننتفع به. لا يا عمر. لم يكن سيدنا علي هكذا، لم يكن هكذا، لا يقبل الذلة في دينه، وهؤلاء لا يعرفون ما معنى الذلة ولا يعرفون ما معنى الدين حتى يروا ما الذي يحدث. لا يصلح هؤلاء الناس يا مولانا للقيادة، لأن صفات رجل الدولة الموجودة وصفات رجل الدولة التي يمكن الله مثلها زاده الله بسطة في الجسم والعلم، أي يعني في العلم والجسم، نعم يعني زاده الله بسطة. ولكن هذا
لا جسم ولا علم، لا يصلح. وإذا كان يعني سيدي عبد القادر الجيلاني، نعم بالطبع. ولذلك يا أخي هناك شيء ملحوظ، الناس ليست واحدة، ولا غنى عنها ما هي أن عالماً قط عبر الأربعة عشر قرناً لم يطلب الحكمة النهائية لعلمه. لدينا واحد هنا كان رضي الله تعالى عنه وأرضاه، كان اسمه العز بن عبد السلام، فسموه سلطان العلماء وبائع الحكماء الذين نزلوا وباعوا أنفسهم في السوق وباعوا المماليك ووضع الإيرادات في الخزينة. لم يطلب الحكم لأجل أن يعرف معنى رجل الدولة، وأول ما سيعرف معنى رجل الدولة سيعلم أن هذه الصفات ليست متوفرة فيه، فيصبح الأمر ليس له، ويصبح خلاصاً،
فلا يصلح له ذلك. يحتاج إلى سيدنا سليمان وسيدنا داود وسيدنا محمد النبي، لكن سيدنا عيسى لم يأخذ الملك ولم يطلب الملك ربنا سهله له، لكن سيدنا إبراهيم لم يطلب المُلك ولا سأله ربنا عنه. فهذا المُلك يُساق لمن أراده الله بالنص وممنوع لمن طلبه أن يأخذه، ومبني على رجل الدولة وصفاته. ويقول لك ماذا؟ أن يكون قادراً على حماية الحوزة، هكذا من صفات رجل الدولة، أن يكون قادراً على الحماية. الحوزة التي في حيازته، أي التي في مملكته، فإذا - ويشترط الماوردي فيه شروطاً كهذه - هو
لكن العالِم شيء آخر صحيح، طيب والعابد شيء ثالث، أتفهم؟ ففي عبادة وفي علم وفي صلاح. رجل صالح فعّال للخير وما إلى ذلك. ليس لأنه رجل صالح نقوم بالهتاف له ونضعه في... ملك لا يقدر عليه لأننا نحن الذين لا نضع بالنص. من الذي يضع يا مولانا؟ الله. لا يكون في خلق الله أو في كون الله. لا إمارات. الله يؤتي الملك من يشاء، يؤتي الملك من يشاء. فإذا فُقِدَ مفهوم رجل الدولة من الجهالة، أهو شرط؟ والشرط فقدناه وقلنا أنهم... لا يعرفون الشروط، من ضمنها ماذا يعني رجل دولة. لو جلسنا نستفيد يا أستاذ في هذا المعنى، ستأخذ حلقة واثنتين
وثلاثة وأربعة. ما معنى صفات رجل الدولة وهي موجودة في الكتب كلها، وما معنى فقدها؟ هي موجودة أيضاً في الكتب كلها. ثم عندنا تجربة عملية عندما تولى من فقد صفات. رجل الدولة اصطدم بحائط القدر فسلبه الله ذلك حراسةً لمصر ولشعبها الذي أحب أهل البيت وأحب الأولياء وأحب الأتقياء وفتح بابه للعالمين. استضافتهم الناس عندما فروا من ليبيا، إلى أين ذهبوا؟ إلى مصر. وعندما فروا من السودان، إلى أين ذهبوا؟ إلى مصر. وعندما فروا من الشام، إلى أين ذهبوا؟ إلى أين مصر؟ وما رأينا لاجئين يا مولانا، انتبه. وعاشوا
بالطبع، واستمتعوا بالطبع، ووجدوا أخوة صادقة، ووجدوا شيئاً لا يمكن أن يوجد في المديح. يأتي الشامي فنمدح الشامي والحلويات الشامية والثقل الشامي والإنشاد الشامي، والمصريون يحتضنونه. مصر ليس فيها مديح، بل هي أساس المديح وهي التي علّمت العالمين المديح. صحيح هناك... ولكن مع هذا فالقلب طيب والله واليد مفتوحة والقلب منفتح والذهن منفتح، كل هذه الصفات عكسها قائم في جماعة الإرهاب التي لا ترى إلا أنها جماعة المسلمين وليست جماعة من المسلمين، وهنا فإننا نتعامل مع - حتى ينتبه الناس فقط
- أن هذا ليس سباً بل وصف بلغة عربية رصينة. ووصف مع أوباش الناس، أي أخلاط الناس، أي غير مفروزين، يعني المِدْرية تكسر المحراث. الحجرة المِدْرية تكسر نصف المحراث تحتها، فلا بد أن تكون الحجرة بارزة لكي ينتبه الفلاح وهو يسير. فأنتم يا جماعة، أنتم جماعة عارفون، جماعة تعني ماذا؟ إن الفرق بينكم وبين المجتمع أنكم ستكونون بذلك لغة. أسميتم الناس أوباشاً، فما معنى أوباش الناس؟ إنهم أخلاط الناس، أي مختلطون بعضهم ببعض، غير منتقين. ولكن هل الجيش المصري كذلك؟ لا، ليس كذلك، فهو منتقى. وهل الشرطة المصرية كذلك؟
لا، ليست كذلك، فهناك شروط وامتحانات وتدريبات مؤسسية. إنها مؤسسة منتقاة يا أخي. وماذا عن القضاء؟ لا، هذا مفترض. حسناً، هذا ضدي، ماذا؟ بالطبع يجب أن يكون ضدك. كل ما يقوله مولانا الإمام تستطيع أن تدلل عليه تاريخياً. علماء الأزهر في عام ألف وثمانمائة وخمسة أتيحت لهم الفرصة ليحكموا مصر، ولكنهم رفضوا ذلك وصعّدوا محمد علي استجابةً لرغبة المصريين في تلك الفترة. فاصل ونعود. إليكم، ابقوا معنا، أهلاً بحضراتكم مولانا الإمام. انطلع على بعض الناس، ويعني فكرة أنهم دغدغوا بعض مشاعر الناس بالإسلام والحل بهذه الشعارات الدينية، وغابت عن الناس هذه الحقائق: حقيقة العنف
المؤجل، حقيقة الفريضة الغائبة لمحمد عليه الصلاة والسلام في حركة خمسة وسبعين. حققت حركة طالبان حقيقة كل هذه الحركات الشديدة. العنف ضد الإنسانية، فكيف نوضح لمن اطّلع عليه هذا الكذب سواء من المثقفين كما نقول، أو من المتعلمين، أو من البسطاء في شيء تركه لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونبهنا إليه مراراً: "تركتكم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك"، فكلما اشتد بنا الأمر. في التصرف مع واقع الحياة يلجأ العلماء الربانيون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستهدون بسنته، ماذا تقول السنة في هذه الأحوال الخاصة التي يمر بها العالم الإسلامي؟ تقول السنة لنا ما ملخصه أنه
ستزول الخلافة وتنتهي من الأرض وتبقى الإمامة التي هي رئاسة الدولة: الملك، الأمير، الرئيس وهكذا. وأنه عندما تزول الخلافة فيجب على الأمة ألا تكون ألعوبة في يد أعداء الله. كيف هذا؟ يعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن من عمل على إزالة هذه الخلافة وعلى تشتيت المسلمين وعلى هزيمتهم، وعلى إمداد أناس أقوياء معهم السلاح. هذه القوة ظهرت وظهرت الفوارق الكبيرة عندما جاء نابليون. قدم نابليون بونابرت إلى هنا
ليغزو مصر، وكان ذلك واضحاً جداً. وفي الحضارة المصرية الإسلامية هُزم نابليون. صحيح أنه بعد السنة الأولى ترك نابليون وغادر، وفي السنة الثانية قُتل كليبر، وفي السنة الثالثة أسلم مينو وسمّى نفسه عبد الله مينو، وأخذ معه الجنرال يعقوب ومائتين وواحد، ومضوا تاركين البلاد والعباد، أن قوة ما كان شيخ الأزهر يا مولانا، لا، لم يكن وقتها شيخ الأزهر. نعم، لم يكن وقتها شيخًا، أصبح شيخ الأزهر بعد ذلك في عهد محمد علي. كان الشيخ عبد الله الشرقاوي تقريبًا هو المسؤول الأعلى الشرقاوي، ولكن الشيخ حسن لاحظ أن هناك اختلافًا كبيرًا بين القوتين، بين قوة المُدجّج المُنظَّم الذي يُبهِر
العوام بالخِدَع الكيميائية وبإخراج أدخِنة ذات ألوان مختلفة من الأحمر والأزرق، حتى يقول الجبرتي: "ويأتوننا بأمور لا تعيها عقولنا"، يعني إن هناك سِرّاً. لكن الحضارة تعرف أنه يخضع لقانون، فهناك قانون للكيمياء، وقانون للرياضة، وقانون للعسكر، وقانون لكذا وإلى آخره، فالقانون... هذا ليس معنا، فتحرك عندما رأى أن محمد علي باشا كان قد بدأ إرسال البعثات إلى إيطاليا، ثم بعد ذلك أراد أن يذهب إلى فرنسا لأن فرنسا كانت أكثر تقدماً من إيطاليا في ذلك الوقت. وكان جميع أطباء العائلة المالكة من إيطاليا، فوجدها الشيخ حسن الناطر وأحضر تلميذاً. نبيه له اسمه
رفاعة رافع الطهطاوي وأمره أن يصف له كل شيء: خلجات النفوس، نظرات العيون، طريقة الأكل والشرب، المعيشة. وأخذ رفاعة الطهطاوي يرسل إلى الشيخ حسن وهو يبحث عن هذا القانون الذي أدركوه ولم ندركه، سبقونا به، وهذا يدل على أنهم سبقونا، أي أنه يوجد. هذا كان من الشيخ العطار الذي تقصده يا سيدي نعم، يرصد حركة الحياة في باريس، فأرسل له رسائل ثم جُمعت هذه الرسائل بعد ذلك في كتاب "تخليص الإبريز في تلخيص باريز" الذي هو الذهب في تلخيص باريس. وصف لك عربة الرش التي تعمل بعد العصر، وأوضح لك كيف. تَتَسافَلُ الطُرُقاتُ، فما آدابُ المائدةِ؟ وماذا تَرتدي المرأةُ؟ وما
العلاقةُ التي بين الرجلِ والمرأةِ؟ وما العلاقةُ التي بين الحاكمِ والمحكومِ؟ وما علاقةُ النظرِ؟ كيف يفعلون كذا؟ كيف؟ وهكذا كتابٌ واصفٌ له لكي يقرأَ حسنُ العطارِ ويفكِّرَ: أينَ القانونُ الخفيُّ الذي أدركَهُ هؤلاءِ ولم نُدرِكْهُ واستطاعَ؟ يذكر حسن العطار أنه يصل إلى هذا القانون وهو العلم (الساينس) وهو العلم التجريبي، حيث تقدموا فيه جداً، ونحن قدمنا المعقول على المحسوس. فنحن لدينا المنقول فنفهم، ونريد أن نفهم ماهيته قدر المعقول والمحسوس. نحن نعيش في حضارتنا حتى توغلنا في قضايا المعقول والمنقول والتذوق، العقل والنقل والذوق، لكن
هناك الجزء الثاني وهو العلم التجريبي وهو العلوم، يا مولانا، العلوم التي وجدناها عندنا في الحضارة الإسلامية عبر القرون والتي بها استطاع المسلمون أن يسيطروا على العالم، لكننا لسنا منتبهين إلى أن جانب العلوم هذا جانب متخصص يجب أن نهتم به، فكان سيأتي في المرتبة الرابعة، كان سيظهر لنا. في الطب يظهر ما هو... إسماعيل باشا كان لديه طبيب مصري ولكن كان لديه أيضاً طبيب إيطالي، أتفهم؟ لكن يظهر في الطب لاحتياج الناس إليه، ولكن أين بناء ترسانتنا الحربية؟ صحيح، أين تنظيم الجيوش؟ أين الكيمياء؟ أين الفلك؟ أين؟ لا، متأخرون. حسناً، استمر الحال هكذا
والمسلمون يحاولون سد... الفجوة التي بين الشرق والغرب وبين أوروبا ومصر على الأخص، حاولوا هذا وكادوا أن ينجحوا، ولذلك بُنيت حضارة بناها محمد علي والدولة الحديثة التي بدأت مع محمد علي. وعندما قامت الثورة استلمت، يعني من الذي أنشأ المتاحف؟ الملك أحمد فؤاد. من الذي صنع كل هذه الأشياء والمدارس وأنشأها فقط؟ كنا لا نزال في البدايات ولم نكن مائة مليون بعد، كنا أربعة عشر فقط. المهم أننا أدركنا أن العلم في منتهى الأهمية وأن البحث العلمي هو المدخل الحقيقي للمشاركة. وبدأت الأمور، وكانت كلية طب القاهرة لدينا هنا تنافس لندن وتُعتمد بمجرد أن
يُعرف أنك خريج طب القاهرة كل... هذا الكلام على طرف الثمام، ولكن انشغلنا بالتحرر من الاستعمار وبلوى الاستعمار واستغلال الاستعمار إلى آخره، فجلسنا في حالة ضعف وفي موقف الدفاع عن أنفسنا حتى انهارت الخلافة. وعندما انهارت الخلافة سنة أربعة وعشرين، ماذا يقول لي النبي؟ هنا سأجيب على السؤال، ماذا يقول لي النبي؟ يقول لي في الهرب لا نؤسس جماعة، لا، تؤسس، إياك أن تؤسس جماعة. لماذا؟ لأنك ستكون مفعولاً به، لأنك سيُلعب بك. انسحب واجعل الدين يسري سريان الماء في الورد، وسيفعل،
وستعود مرة أخرى إلى التمكين عندما يريد الله لها التمكين. حافظوا على دينكم، حافظ، اقبض على الدين ولو الجمرُ إذا حدثت فجوةٌ بينك وبين العصر فحافظ على دينك وانسحب، فالآخر لم ينسحب. ببساطة شديدة قال: لماذا وأنا ليس لي حول ولا قوة؟ لا، ليس لك حول ولا قوة يا ثربوت. "ثربوت" تعني ماذا؟ لا أعرف، إنها كلمة للانتقاص فقط. لا، دعنا لا نقول "حول وقوة"، وإنما ماذا؟ أخرج لا حول ولا قوة إلا بالله، كنز من كنوز العرش. أنت لست منتبهاً، لا حول ولا قوة إلا بالله تعني ماذا؟ هل سنسكت هكذا؟ سيأخذوننا مثل الخراف! لا، بل هم الآن الذين أخذوك مثل الخراف، لماذا؟ لأنك تحقق أهدافهم مجاناً نيابة عنهم. ضحكوا عليك،
أنت طوّعت عقلك وقد يكون... هواك يعني قد تكون طوعت جماعتك، قد يكون، لكنك خالفت المحجة البيضاء. أنت تقول لي ماذا نفعل، كيف نفهمهم؟ نفهمهم بسيدنا النبي الذي ترك لنا المحجة البيضاء. فإن لم يكن في الأرض خليفة، هذه حالة لم تحدث في الأربعة عشر قرناً إلا في السادس من مارس سنة ألف وتسعمائة. أربعة وعشرون، جلس قط تركي يقفز في البرلمان التركي لمدة ما يقرب من ستة وثلاثين ساعة يلقي خطاباً مستمراً ستة وثلاثين ساعة، يذهب ليشرب بعض الماء ويعود، أنهم يريدون إنهاء هذه الخلافة فأنهوها. حاول بعده هنا سنة خمسة وعشرين أحمد الملك فؤاد أن يقيم خلافة وفشل المؤتمر. حاول المسلمون في الهند
أنهم يُقيموا خلافة بعده سنة ستة وعشرين وفشل المؤتمر وانتهى الأمر وأصبح العالم بلا خليفة. هل قُدِّر ذلك أم لا؟ قُدِّر. بذلنا ما في وسعنا على أن نُدير الأمور لكي تنتقل الخلافة من اسطنبول إلى القاهرة أو حتى إلى بغداد، أي مكانٍ، لكنها لم تنتقل. أنا كمسلم ماذا يا رسول الله قال لي ارفع يديك فاعتزل تلك الفرق كلها، هل سيكون هناك فرقة حينذاك؟ نعم، وفي ذلك الوقت حدث في سنة أربع وعشرين وخمس وعشرين وست وعشرين كانت الفرقة شديدة والجميع يتصارع مع بعضه، ماذا أفعل أنا يا رسول الله؟ اعتزل هذه. جاء حسن البنا وقال: لا، لن نحن يجب أن نصبح رجالاً ولنا حول وقوة ونبدأ نعمل كلاماً يثير الفتنة. يقول:
"نعم صحيح، هل سنسكت؟ النبي يقول لك اسكت في هذا الجانب، يقول لك اسكت". قال: "لا، لن أسكت، سأهجوها". فذهب إلى المشايخ، ذهب إلى الشيخ الدجوي، فقال له الشيخ الدجوي: "يا بني، تأكل بعض الفوس فوس". فوسدو كان ضريراً والله يرحمه. الشيخ الدجوي قال له: "تأكل بعض هذه". الشيخ الدجوي ألّف رسالة "الإسلام والسلام" وغيرها للعالم، وكان يعرف كيف يخاطب الناس. لكن الذي أنت تقوله له هذا يعارض المحجة البيضاء. لم يرضَ وراوغ، وقالوا: "لا، نحن نريد أن ندافع عن الإسلام". قال: "لا إذا". كنا ندافع عن الإسلام فنحضر ورقاً أو دفتراً ونتساءل أين المجلات وأين غيرها مما يدافع عن الإسلام. هذا الشيخ الدجوي الذي يقول له هكذا بهذه البصيرة، بصيرة معنا، بصيرة مهمة جداً. سأل الحصافي، محمد
عبد الله بن الحصافي، من أولياء الله الصالحين ومن العلماء، قال له: "يا بني، أنت أحضر..." هذا دين جديد هكذا، لا، إياك أن تفعل هكذا. قال فكان له طريق وكان لنا طريق وصار كلٌ في طريقه. في مذكرات حسن البنا، حسناً، هو كان سائراً في طريق الله، وأنت أين كنت سائراً يا حسان؟ في طريق الشيطان؟ حسناً، حسن النوايا لا يبني الأمم، نعم، ولذلك يقول لك. هذا في الحقيقة حسن النية. أنا لا أتدخل، إنما تدخلي في تصرفه الخاطئ المخالف للمحجة البيضاء التي تركها لنا رسول الله. رسول الله قال له: اعتزل، اسكت، اهرب. وهو يقول: لا، أنا لها، أنا لها، أنا لها. وعلى الفور اتصل به الشباب الفرنسيون في قناة السويس وأعطوه ووظفوه. بخمس مائة جنيه ذهب واتصلت به مَن؟ السفارة البريطانية وأعطوه خمس مائة جنيه ذهب، وهكذا والله.
ها نحن قد بدأنا اللعب الآن. انتبه، يقول لك لا، فنحن الذين ضحكنا عليهم، وهتلر اتصل به ودرّب له سبع مائة من أفراد النظام الخاص. وزوج ابنته سعيد رمضان ذهب وباع نفسه لألمانيا الشرقية ولسويسرا ذهب وأقام في سويسرا عميل من العملاء أي شيء مخجل، وبعد ذلك يقول لك كان سعيد رمضان هذا ويقول: "نحن إخوان ولو ضربونا بالأحذية". لكننا لم نضربكم بالأحذية يا سعيد. إن الذين ضربوكم بالأحذية هم أعداء الله، هم الذين ضربوكم بالأحذية، هؤلاء الذين ضربوكم بالأحذية عندما جعلوكم تتركون. بلاد المسلمين وتجلسون في بلاد
غير المسلمين تحيكون الخطط وتتآمرون معهم مقابل الإقامة ومقابل الأكل والشرب وما إلى ذلك، وتحت عنوان الإسلام. يا أخي، أنت الذي غيرت الدين، تنبه، أنت الذي غيرت الدين. فهذه القصة تتعلق بأنهم خالفوا المحجة البيضاء، ونقول للعالمين إلى الآن: النبي عليه الصلاة والسلام قال... دعنا ننزع أيدينا من هذه الجماعة التي كانت سابقة في ظهور سيد قطب، هذه الجماعة كانت سابقة في ظهور التكفير والهجرة، هذه جماعة الجهاد والجماعة الإسلامية، هي داعش، هذه الجماعة هي التي سببت القاعدة وسببت كل ذلك، مرة بالتنظيم ومرة بالفكر ومرة بالحركة ومرة بالثقافة السائدة ومرة بفتنة عمياء
صماء، الصلاة والسلام عليه يقول وهو يحذرنا من أنه سيأتي زمن يصير فيه المعروف منكراً والمنكر معروفاً. قالوا: أوكائن ذلك يا رسول الله؟ قال: أو أشد منه. يقول الذي هو التلبيس الخاص بالإخوان المسلمين وما تفرع منها من جماعات، أنا مصر على أن هذه الجرائم التي ارتكبوها في حق الإنسانية في الوطن في حق الدين كلها جاءت عندما خالفوا سيد المرسلين صلى الله عليه وآله وسلم، وإن شاء الله ربنا يمكننا بالصدع بالحق حتى يتبين الحق من الباطل، وهذا الباطل كان زهوقاً. يعني بعض الغرب يقول هناك
بون شاسع بين ما نقرأ في سيرة الرسول محمد وبين هؤلاء. هذا الهدف وهذه الآلية واليد الطولى في التخريب، كيف فطنت إلى هذا؟ كيف رأيت وقرأت هذا الواقع وهذا التاريخ أنهم سوف يقومون نيابةً عن هذا المستعمر بتعطيل عجلة التنمية، بوقف الدولة أو تعطيل حركة الحياة؟ أنا كل من خالف رسول الله صلى الله عليه وسلم في قلبي. هل منه شيء؟ هذا المقياس عند فضيلتك يا مولانا. نعم، لا. عندما تعلم أن سيدنا، أي لماذا تنحرف هكذا؟ وبعد ذلك يتبين لي أنه لا يعرف سيدنا. يتبين لي أننا
نفهم خطأً. يتبين لي أن هواه يسبق عقله. يتبين لي أن هواه يسبق علمه. يُخفي، يعني يحاول أن يُسكت علمه، أنفسهم في أوهام متتالية وأنا أذكر وأنا في بداية شبابي جلست مع كثير منهم ونصحتهم بأن يتركوا هذه الجماعة. كان ذلك متى يا مولانا؟ في سنوات ثلاث وسبعين وأربع وسبعين وخمس وسبعين. كانت البلاد تمتلئ بالجماعات وما إلى ذلك. فقلت لهم وقابلت شكري مصطفى وناقشت تكفير والهجرة "جماعة التكفير والهجرة"، هذه لا كما قالوا، لا، أنت يبدو أنك أنت تابع للدولة. هذه هي الكلمة التي ماذا؟ التي يريدون
أن يحطموا بها أي شيء أنك تابع للدولة. حسناً يا جماعة، أنا واقعياً لست تابعاً للدولة، كان عمري حينها واحداً وعشرين سنة أو اثنين وعشرين سنة، لست تابعاً للدولة ولا أعرف هذه ماذا لأكون على صواب أم على خطأ؟ أنا أحدثكم عن المحجة البيضاء وأنتم تتحدثون عن التمكين والنصرة لأمر لن يكون، لأنه مخالف لسيدنا، لا لأي شيء آخر. ليس لأنكم ضعفاء، وليس لأن الدولة قوية، وليس لأن المجتمع لا يسمح، بل لأن سيدنا لم يقل لنا هكذا. سيدنا أمرنا بأوامر وأعطانا رائقة فائقة ومتوافقة مع قوانين الواقع، ومن اتبعها فاز. فأنتم الآن تفعلون هكذا لماذا؟ طبعاً هذا قبل أن أعرف أنه عُرض عليه من صالح باشا حرب في
الشباب المسلمين أن يفك الجماعة. عرضوا عليه من الحكومة عدة مرات، لا توجد فائدة، وهكذا إذاً فالقضية هي هذا العناد. الغبي الذي يأمل ويتوهم في حكاية النصرة والتمكين، حسنًا، سيدنا النبي عليه الصلاة والسلام ربنا نصره، عندما دخل في بدر انتصر، وعندما جاء في أُحد لم ينتصر، فجعل الرجال الذين أصيبوا في أُحد من أسيادنا الصحابة، قال لهم: افعلوا هكذا واخرجوا ثانية وراءهم، فدخل الكفار مكة مرعوبين ولحقوا بهم في... حمراء الأسد، حمراء الأسد، هذه تعني قريبة من مكة، فهم داخلون يتلفتون وراءهم. فمشية النصر ذهبت وهم داخلون مرعوبين وهم
راجعون. المعركة الأخيرة كانت لصالحهم فقط وانتهى الأمر. وأصبح النبي عليه الصلاة والسلام خلال العشر سنوات هذه قد هجموا عليه اثنتين وثمانين مرة، اشترك في واحد وعشرين، وحارب في سبعة. منهم في الاثنتين والثمانين مرة، رَبُّنا نَصَرَنا حتى في أُحُد. نَصْرٌ في البداية ونَصْرٌ في النهاية، لكن هناك خَلَلٌ في الوسط بسبب معصية الرماة. هذا هو التمكين، ولكن إذا قلت لي: أصلاً مثل سيدنا نوح. حسناً، سيدنا نوح طلب الحكم، وسيدنا نوح قال للناس، إنه يقول لهم: آمنوا بالله، افعلوا قم فإن ربنا يمكنك، ولذلك هذه الرؤيا رآها الشيخ محمود خطاب السبكي عام ألف وتسعمائة واثني عشر. أنشأ الشيخ محمود خطاب السبكي الجمعية الشرعية.
اليوم مر عليها مائة وثمان سنوات، المائة وثمان سنوات هذه، أصبح لدى الجمعية الشرعية ألف وسبعمائة وخمسين مسجداً وخمسة آلاف مصلى هكذا الألف وسبعمائة وخمسين. مسجد، وكل مسجد منهم يحتوي على مستشفى وحضانات وأشياء كهذه، تصل إلى رقم غريب عجيب لا أحد سيصدقه: خمسة وعشرون مليار بعد هذه المئة سنة. هل تدرك كيف؟ خمسة وعشرون مليار! هؤلاء قوم يدعون إلى الله، يقرؤون ويعملون إلى آخره، لكن نسأل الله سبحانه وتعالى أن يقيهم شر هذه الثقافة المخالفة لمحجة رسول الله صلى الله عليه وسلم، الشيخ محمود خطاب السبكي كانت خلوته، نعم خلوته،
وكان يدعو إلى نبذ المحدثات ونبذ البدعة ونبذ كذا إلى آخره. صحيح، مخالف لكثير من العلماء. أهي هذه بدعة أم ليست بدعة؟ لكن لا عليه، لكنه يُسمع وتُتحلى الفرق ويدعو يا... أخي، ادعُ إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة، لكن هذا ليس كذلك، هذا اصطدم بالسلاح. رضي الله عنكم مولانا أن تبينوا لنا هذا الحق، وهل بعد الحق إلا الضلال؟ أرادوها فتنة، وفي الفتنة سقطوا. قد تنكر العين ضوء الشمس من رمد، وينكر الفم طعم الماء من سقم. رضي الله عنكم الله لكم مولانا الإمام، شكراً لكم، دُمتم في رعاية
الله وأمنه، إلى اللقاء.