والله أعلم | فضيلة الدكتور علي جمعة يتحدث عن غلاء الأسعار وهل هو بلاء من الله ؟| الحلقة الكاملة

والله أعلم | فضيلة الدكتور علي جمعة يتحدث عن  غلاء الأسعار وهل هو بلاء من الله ؟| الحلقة الكاملة - والله أعلم
بسم الله الرحمن الرحيم، باسمك اللهم نمضي على طريقك فثبِّت اللهم أقدامنا على طريقك. أهلاً بكم في حلقة جديدة من برنامج "والله أعلم" لنسعد بصحبة صاحب الفضيلة مولانا الإمام الأستاذ الدكتور علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، لنناقش معه بعض القضايا العملية جداً والواقعية جداً على أرض الواقع. ومسألة غلاء الأسعار وانتهاز بعض التجار الفرصة لوجود بعض الأزمات، ربما تكون مفتعلة أحياناً أو بطبيعة الحال في الأزمات الاقتصادية على مستوى العالم، ما جزاء من يرفع الأسعار على الناس،
من يحتكر السلع، هل ارتفاع الأسعار نوع من الابتلاء، وكيف نواجه هذا الابتلاء مولانا الإمام؟ أهلاً بفضيلتك، أهلاً وسهلاً بكم. مولانا الإمام، فكرة أن بعض التجار أو بعض أصحاب المال والأعمال عندما يستغلون الأزمة ويرفعون الأسعار من ناحية، أو يحتكرون السلعة من ناحية أخرى، بماذا تصف هذا المشهد؟ بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه، صلى الله عليه وسلم بُعث هداية. للخلقِ ليُخرِجَ الناسَ من الظلماتِ إلى النورِ، وكان في هَديِهِ صلى اللهُ عليه وسلم قد تَرَكَنَا على المَحَجَّةِ البيضاءِ ليلُها كنهارِها، لا يَزيغُ عنها إلا هالكٌ. مرةً كان رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم في أصحابِهِ، ثم
أنه خَرَجَ إلى المُصَلَّى، من المُصَلَّى إلى خارجِ المسجدِ، فوجدَ التُجَّارَ يَبيعون. ويشترون فنادى بصوت عالٍ وقال: "يا معشر التجار سيدنا"، فالتفت إليه وأشار بعنقه حتى يسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: "ألا إن التجار يأتون يوم القيامة فجاراً إلا من بَرَّ وصدق واتقى". هنا يضع رسول الله أيدينا على عنصر من عناصر بلاء الغلاء. بلاء الغلاء من أين؟ يأتي في المرتبة
الأولى جشع التجار، فهذا أول شيء يقول لنا: أيها الإنسان المكلف، اتقِ الله في الخلق. وإذا رجعنا إلى حديث آخر وهو يقول: "المحتكر ملعون"، يا للعجب! ما هو هذا المحتكر؟ سألنا الصحابة والتابعين: ما معنى المحتكر؟ فقال بعضهم: الاحتكار يكون في الطعام فقط. النبي عليه الصلاة... والسلام لا أريد أن يكون أحد تحت وطأة الجوع فيفرط في دينه أو في حريته أو في حياته أو في إنسانيته أو في كرامته.
فقال المحتكر الملعون، بعضهم قال: نحن نفهم أن "المحتكر الملعون" هذه تختص بالطعام، وبعضهم الآخر قال: لا، ليس في الطعام وحده. ما العلة في أن تجعل وتجعلهم مرتاحين. قالوا إنه يكون في ضروريات المعيشة. فيكون المحتكر لا يكون في الطعام ولا في الملابس ولا في المساكن ولا في السلعة الضرورية، ولا في وسائل النقل ولا مثل هذه الأشياء التي تتعلق بمعيشة الإنسان. لكن إذا كانت فيما فوق معيشة الإنسان فلا حرج عليه. بعضهم قال: حسناً، ما هي معيشة الإنسان هذه، فقالوا كل ما يتعلق بالمطعم والمشرب والدواء والملبس وهكذا،
يعني كل شيء، والمسكن والانتقال إلى آخر ضرورات الحياة. النبي صلى الله عليه وسلم مرة غلت أسعار السوق فقالوا له: سعّر لنا يا رسول الله، ضع التسعيرة، ضع أسعاراً، أي اسمه قرار فوقي، أصدرت الحكومة كذا وكذا اتفقوا على أن يجعل السلعة بالشكل الفلاني، فقال: "أنا أريد أن ألقى الله وليس عليَّ حق لأحد، لا في مال ولا في دم". صلى الله عليه وسلم، عليه الصلاة والسلام، المسعِّر هو الله. يشهدنا هذا إلى ما يسمى في أدبيات عصرنا بقواعد
السوق الحر، قواعد السوق الحر التي يتحدد فيها فلو كان المعروض من السلعة قليلاً والطلب كثيراً يرتفع السعر، وإذا كان العكس ينخفض السعر. وبدأنا ندرس شيئاً يسمى كامل المرونة، وندرس شيئاً يسمى عديم المرونة أو متوازن المرونة، وندرس بتعمق في كلام سيدنا هذا: ما المسعر؟ هو الله. وفي حديث آخر: "اتركوا العباد يرزق الله بعضهم بعضاً". من بعض هذا سوق حر هكذا، هو سوق حر. هذه هي السوق الحر، نعم. إذا هذا السوق الحر عندما نأتي لنبحث ونضع له قواعد ونحدد له معدلات ونقيم له رياضيات وما إلى ذلك، لكي نفهمه، ولكي نحسّن القرار فيه، ولكي نعالج مساوئه، ولكي نفعل كذا،
ولكن في... النهاية هذا هو السوق الحر. السوق الحر هذا يعتمد على ماذا؟ على المنتج الذي وراءه العامل الذي أمسك النبي عليه الصلاة والسلام يديه وكفيه هكذا وقال: "هاتان اليدان يحبهما الله ورسوله". إذاً لا بد من الإنتاج. سيدنا النبي أمسك مرة سيفاً يمانياً مصنوعاً في اليمن جميلاً، فنظر إليه هكذا وقال: صُنِعَ هنا الإنتاج في مدن المدينة المنورة، أتفهم؟ الإنتاج. أراد النبي أن يُصنع هذا هنا، سنشتريه من اليمن
وسنشتريه من الهند، ولذلك اسمه اليماني والمهند وما إلى ذلك. لكنني أريد أن يُصنع هذا هنا، وهذا ما حدث. بعدما قضوا على الخوارج بدأت الحضارة الإسلامية تلتفت إلى هذه. الترتيبات النبوية وسمّوها ماذا؟ الترتيبات الإدارية. الترتيبات الإدارية تخريج الدلالات السمعية للقضاعي. يقوم بتتبع هذه الأمور. ما هي الترتيبات الإدارية؟ أن وراء ماذا؟ المسعّر هو الله. السوق الحر، حسناً، وماذا وراءها أيضاً؟ اليدان يحبهما الله ورسوله. الإنتاج، المحلي، حسناً، وماذا أيضاً في السوق؟ في السوق الاستهلاك، حسناً. نحن الآن في الطلب عندما نتكالب بلا معقولية ونشتري
الخبز ونرميه في القمامة، فإن الطلب يزداد والسعر يرتفع على الفقراء. وهكذا يأتي ويقول أشياء غريبة جداً تجعل المرء يقشعر إذا فهمها، وإذا لم يفهمها فإنا لله وإنا إليه راجعون. يقول: أكرموا الخبز، ماذا يعني؟ يعني إياكم أن ترموه. إياك أن ترمي الخبز في سلة المهملات، أي اشترِ من الخبز بقدر حاجتك. هذا الخبز ليس للدجاج ويبقى عندنا، فنشتريه وهو مدعوم، وحتى لو لم يكن مدعوماً، أكرموا الخبز، أكرموا الخبز. هذه كلمة عميقة جداً، أي معناها قوله تعالى. انظر إلى القاعدة، انظر إلى الكلام الرباني: "وكُلُوا وَاشْرَبُوا" ما... لا مانع، كلوا واشربوا. ماذا يعني ذلك؟ يعني كلوا واشربوا واستمتعوا،
أي "وكلوا واشربوا ولا تسرفوا". نعم، هذا هو الكلام المتعلق بالمستهلك، والذي له علاقة بغلاء الأسعار. غلاء الأسعار في السوق الحر يحدث متى؟ عندما يقل الإنتاج، فنحتاج إلى زيادة الإنتاج، وعندما يزداد الاستهلاك أمام هذا الإنتاج، فنحتاج أن تقتصدوا. النعمة لا تُلام. نحتاج بحسب الإنسان لقيمات يُقمن صلبه. نحتاج أن نأكل ونشرب فهي حاجة أساسية، ولكن لا تسرفوا. المبدأ العام إذن أنه لا يحب المسرفين. هل تنتبه؟ لا بد من النفقة، لكن "لا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط". لماذا؟ لأن هذا يؤثر في السوق. كيف؟ إنك بخلت وجمعت وكنزت،
يقل الطلب، يقل الطلب عن الحد المعقول عن نقطة التعادل، فالإنتاج يتدهور. وعندما يتدهور الإنتاج، ماذا يحدث؟ يحدث أن العمال يُطردون من المصانع، ونُغلق المصنع، وتتكدس المخازن. ماذا سنفعل إذن؟ ستصبح مصيبة سوداء. لذلك فرض الله الزكاة في أموال الأغنياء، لماذا؟ لكي يأخذها المستحق وينفقها، وليس من أجل أن يأخذها وينشئ بها مصانع أخرى، ليس هذا الكلام صحيحاً. إنما هو من أجل أن يصرفها، وهذا الصرف سيتم كيف؟ سيتم به طلب، وهذا الطلب هو الذي سيدرسه، وهو الذي سيقول فيه إنتاج. من يكتشف هذه القضية؟ يكتشفها اللورد كينز. نعم، اللورد كينز هذا يقول ماذا؟ يقول
إن تسعة وعشرين التي عمت العالم أزمة الكساد العالمي، تريد أن تكسرها؟ شغِّل الناس، شغِّل الناس حتى لا يكون هناك بطالة، فيكون هناك طلب، فيأخذ الطلب من هذا وسموه الاقتصاد الكلي. ويقول لنا شيئاً غريباً جداً موجوداً عندنا في تراثنا منذ القدم، وقد أخذناه أيضاً من سيدنا النبي صلى الله عليه هل تنتبه لما يقول؟ يقول: هيا نبني جسراً على النيل، وبعد أن بنيناه قال: اهدموه. كيف نهدمه؟ قال: هذا سيُشغِّل مصانع الإسمنت والحديد وغيرها، وعندما تهدمونه سيُشغِّل العمال. يعني كما قال الآخر قديماً: احفر بئراً واطمر البئر ولا تُعَطِّل أجيراً. هذا من قبل. كنز لم يكتشف منذ ألفي سنة أو ألف سنة، هل انتبهت كيف؟ فهذا الكنز في الاقتصاد الكلي
جاء ليقول لك: لو ترجمتها من الإنجليزية سأقول هكذا: احفر بئراً واطمر بئراً ولا تعطل أجيراً. هذا الكلام هو من السنن الإلهية التي خلقنا الله فيها منعاً للضغط على الفقير، فحرم الله الربا فرض الله الزكاة مراعاةً للفقير، وأمر الله بالعمل مراعاةً للفقير، وأمر الله سبحانه وتعالى بعدم الإسراف مراعاةً للفقير، وأمر الله سبحانه وتعالى بعدم الاحتكار مراعاةً للفقير، وأمر الله سبحانه وتعالى بمراعاة عدم التسعير والسوق الحر مراعاةً للفقير. إذن كل هذا هو الذي يصب في إجابة سؤال سيادتك حول موضوع الغلاء. حتى ما يقولون إن المشكلة الاقتصادية هي في سبيل إشباع الإنسان لحاجاته تتجدد حاجات أخرى، ولكن يأتي أدبنا الإسلامي ويقول "أكلما اشتهيت اشتريت؟"
فاصل ونعود إليكم، ابقوا معنا. ما سبب غلاء الأسعار من وجهة نظر حضرتك؟ أنا أرى أن الحاجة [هي] الدولار، الذي حدث في الدولار هذا وارتفاعه فجأة هكذا إن القرارات الاقتصادية التي اتخذتها الدولة أثرت بالتأكيد، أولها سعر الدولار، وثانيها أنك لا تنتج وتعتمد على المستورد، والمستورد بالطبع تشتريه بالدولار. المشكلة في الناس أنهم عندما يجدون أن السلعة ترتفع أسعارها أو ستغلو، يقومون بشراء كميات كبيرة منها، مما يجعل أسعارها ترتفع أكثر. فبالطبع الناس وجشعهم هو الذي جعل حضرتك تعتبر جلال الآثار نوعاً من أنواع البلاء. لا يوجد أحد في العالم كله لا يُبتلى. ربنا سبحانه وتعالى جعل البلاء ولكن جعل الرزق فيه. يعني أنت تريدين التوصل إلى أنه بعد كل ما نقوم
بعمله، كل ما نراه لا يوجد فيه حمد. لا أعتقد أن هناك... بعد أن قال أحدهم "بسم الله الرحمن الرحيم"، قال "الحمد لله"، إما أن يقوم ليجري نحو الكرة أو يقوم ليجري. لم يقل "الحمد لله". هناك أناس يقولون "الحمد لله"، هؤلاء هم الذين نعيش بفضلهم، البركة الكبيرة. إنه ابتلاء، وأي ابتلاء! نحن لا نستطيع أن نعيش بلحمهم على الأقل. اللحم مرتفع السعر ولا تختر الفراق، حتى السمك لا يوجد منه. ماذا إذن؟ ماذا نفعل؟ نعم، إنه بالطبع من أنواع الابتلاء، لكن الدنيا كلها في حالة غليان، فلا يوجد شيء يستقر على حاله. كيف يمكننا أن نواجه مشكلة غير الأسعار؟ لا أعرف، ولو كنت أعرف لقلت الحل. علينا أن نتحمل شاء الله أن يكون العلاج هو أن كل واحد يراعي ربه ويراعي ضميره. لكن العمل يجب أن نعمل له بجد من أجل أن نتجاوز الأزمة. الحل بسيط جداً في أيدينا، لا داعي للمظاهر الخارجية. الشعب المصري، الحل أن لا يأخذ الشخص أكثر من عشرين كيلو من الخبز ويجتمعون كلهم، وليتهم في النهاية يأكلون كل هذا، لا هذه ثلاث أو أربع طاولات قُلبت
ورُميت، حتى لم يتركها لليوم التالي حتى يتنبه الناس ويخافوا الله في الأسعار التي يفرضونها، ولا تصبح الأسعار ترتفع بلا سبب. يعني كل شخص فقط لأنه لا يوجد... المشكلة أنه لا يوجد ضابط يحكم الناس والتجار. تستغلين أنه لا توجد حزمة وهكذا فيرفعون الأسعار على مزاجهم بدون رادع. مشاهدينا، مولانا الإمام يمكنه تناول التفضل بالإجابة في التقرير عن سبب الغلاء، ولديهم نظرة واسعة جداً ووضعوا أيضاً بعض الآليات والسياسات لمواجهة الغلاء. في نفس الوقت، تعليق فضيلتكم سيدنا على حديث جابر بن عبد الله، وأنت ذكرتني به اشترى قطعة لحم جيدة هكذا - هل
تنتبه - وبعد ذلك مشى، فرآه سيدنا عمر. عندما رآه سيدنا عمر قال له: "ما هذا يا جابر؟" - وجابر هذا من سادة الأنصار - قال: "هذا لحم اشتهيته". قال: "أوكلما اشتهيت شيئًا اشتريته؟ كلما اشتهيت اشتريت؟". وتكلم معه بشيء مما نعده، يعني والتقشف الشديد هنا في التقرير، سمعتُ امرأة تقول: "إنها تقول دَعْنا من اللحم ودَعْنا من الهم، ماذا سنأكل؟" لا، ليس هكذا. بل كنا نمكث في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم عدة أهلَّة، يعني هلال يأتي وبعده هلال ويأتي بعده هلال، يعني شهر بعد شهر،
بعد شهر، لا نارٌ في بيت سيدنا، نعم سيد الخلق صلى الله عليه وسلم. فهذه الحكاية التي هي متصلة بالحمد والشكر: "لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد". يعني الأصل محلول، فيجب علينا أن نتنبه لهذا ونعلم أن الله هو الرزاق، وأن الزهد في الدنيا هو أن نجعلها في... إن الزهد في أيدينا وليس في قلوبنا، وأن الزهد إنما هو حالة نفسية يتدرب بها الإنسان من أجل مواجهة الصعاب. فعندما يقلل الإنسان من طعامه، سواء كان غنياً أو فقيراً أو غير ذلك، فهو يقلل من طعامه حتى إذا جاءت الشدة
وجد نفسه متعوداً عليها. فماذا سيحدث له؟ هو مكتفٍ كما قالوا في الحِكَم كنزٌ لا يفنى، أمّا الإنسان فالنبي كان يقول لنا: "فلينظر أحدكم إلى من هو أسفل منه" في كل شؤون الحياة الدنيا. يعني أنا معه في المال: ربّي ألفي جنيه، أنظر إلى من يأخذ ألفاً وأرى حالته كيف هي. أنا عندي ولدٌ واحد وهو عنده... ثلاثة أولاد والمقارنة النفسية بألفي جنيه على ولد واحد وهذا ألف جنيه على ثلاثة أولاد، فدائماً أنظر إلى من هو أدنى مني، "ولا تنظروا إلى من هو فوقكم"، يعني لا أنظر إلى الذي يأخذ خمسة عشر ألف جنيه وعشرين وثلاثين وأربعين، لماذا؟ قال: "فإن ذلك أجدر
ألا تحقروا نعمة الله ستقول الحمد لله من قلبك. انتبه، أنا أرى الشاب الذي أخذ ألفاً ويعيش ويحمد ربنا، أما أنت فقد أخذت ألفين ولا تحمد ربنا، لماذا؟ أتريد أن يصبح الذهب أربعين؟ حسناً، لا عليك، قل الحمد لله، فيزيدك الله والألفان يصبحان ثلاثة. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى الثلاثة يكون فيها... بركة تكون فيها بركة، ليست رقماً، تكون فيها بركة، تأكل فتتلذذ وتشبع، تمشي في طريقك بلا معاناة ولا تنفق أموالك على أشياء متعددة إلى آخره، تكون دائماً مكتفياً. ولذلك من بات آمناً في سربه، معافى في بدنه، عنده قوت يومه،
فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها. يا سلام، نعم، هذه هي تساوي عند الله الجناح بعوضة أصلاً. انظر إلى الرجل الحر، انظر إلى الإنسان الحر. الإنسان الحر الذي جُمعت له الدنيا وهو جالس يتحدث معك، سواء في السياسة أو في النقابات أو في البرلمان، ليس منتظراً أن تعطيه بعض الزيت والسكر، وليس منتظراً أن تشتري صوته بحطام الدنيا، لا، لأن لديه يكون لدينا قوت شهر ومع ذلك لا يُعجبنا. كان سيدنا عندما يُحضر الطعام والشراب ومؤونة البيت يُحضرها لمدة سنة، يقول لك إنه لم يكن يبقى عنده عشرون يوماً حتى ينفد ما هو مخصص لمدة سنة لجميع بيوته. وما إن ينقضي شهر حتى لا يتبقى شيء من
المؤونة لأنه... كان كالريح المرسلة ينفق إنفاق من لا يخشى الفقر، غير خائف من الفقر. له يوم بيوم يا أخي. اليوم نظام اليوم بيوم، وهذا الذي نسيناه، فهو، هذه المعاني كلها ماذا تقول؟ تدعوني إلى عدم الصرف لأن ربنا خلقني وأنا محتاج ثلاثة آلاف ومائتين سعر حراري في اليوم، ثلاثة. ألف ومئتا قطعة، هذه البسيطة! الكيكة تسعمائة، يعني لو أكلتَ لي قطعتين فهذا يكفي، لا عشاء ولا إفطار ولا أفعل شيئاً آخر، لأنه إلى هذا الحد، أي شيء! بحسب ابن آدم لقيمات يُقِمنَ صلبه، فإن كان لا بد فاعلاً فثلث للطعام
وثلث للشراب وثلث للنفس. فأعجبني الذي قال: يا جماعة لأنه هذا صحيح وأيضاً الطغيان والغفلة، نعم هي أحد المسببات لضيق الرزق أو الشعور بضيق الرزق. كلما زاد عطاء الله لك، كلما شعرت بأنه أعطاك. الطغيان والغفلة التي تتمثل في ماذا يا مولانا؟ وضرب الله مثلاً قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغداً من كل مكان فكفرت بأنعم الله. فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون. فإذا الكفر بنعم الله يكون في كفر النعمة وفي كفر العشير وفي الكفر بالله. وكفر النعمة هذا يؤذن بزوالها، يؤذن بزوالها. يعني كما قال تعالى: "لئن شكرتم لأزيدنكم"، فإذا لم نشكر وكفرنا، فعلينا أن نتحمل
العواقب. تحمّل أنك تنتقل من الرفاهية والأمن والاطمئنان إلى عكس ذلك، ونحن نرى البلاد كلها من حولنا ونشاهد ما يجري فيها، وكل هذا بسبب عدم الشكر وعدم القناعة وعدم شكر الله والقول "الحمد لله، نحمدك يا رب". نحمده، لكن لا أحد يقول نحمده، الكل ينظر إلى ما عند الآخرين. الثانية وأين الشيء وأين الرفاهية وأين كذا ويخرجون هنا وهناك ويعترضون على أنفسهم وعلى هذا ما هو ليس
صحيحاً، لك الحمد حتى ترضى ولك الحمد إذا رضيت ولك الحمد بعد الرضا. يحاول البعض ربط فكرة ارتفاع الأسعار بأنه ربما يكون هذا ابتلاءً من الله سبحانه وتعالى، والبعض ربطوها بأشياء أخرى، واقعية أراها أن الدولار ارتفع، وتفاصيل أخرى ارتفعت، وأزمات عالمية محيطة بالمنطقة كلها. هل فعلاً ارتفاع الأسعار، ناهيك عن جشع التجار الفضيلة الكتكي التي لم تعانوا منها في بداية الحلقة، يرجع أيضاً إلى نوع من الابتلاء؟ نحن في الحقيقة كبشر ابتلينا أنفسنا بأنفسنا، ومن ضمن هذا البلاء أننا قد خرجنا بالتدريج وكان سبب خروجنا من قاعدة الذهب مجموعة كبيرة ضخمة جداً
من الحروب المتتالية التي كان آخرها الحرب العالمية الثانية. والخروج من قاعدة الذهب، حتى أفهمها للناس، كانت تتمثل في أن الجنيه له رصيد من الذهب في البنوك. جدي رحمه الله تعالى كان يذهب بالجنيه المصري وهو مكتوب عليه "نتعهد حامل يدفع واحد جنيه مصري لحامل هذا السند، فكان يقدمه إلى البنك الأهلي ويستلم منه الجنيه الذهبي. ظل هذا الحال إلى سنة ألف وتسعمائة وستة عشر، وفي سنة ألف وتسعمائة وستة عشر أغلق البنك إعطاء الذهب، فبدأت فكرة الانفلاشن أو التضخم النقدي من داخل النظام نفسه لأنه ابتدأ.
يطبعون نقوداً من أجل الحرب، لأنه في سنة ستة عشر - والحرب كانت من أربعة عشر إلى ثمانية عشر - فمن أجل الحرب العالمية الأولى، توقف بنك باركليز الإنجليزي عن الدفع بالذهب، فتوقفنا معه عن الدفع بالذهب، وتوقف الدفع بالذهب في العالم كله. لكن لا يزال الجنيه مرتبطاً ارتباطاً بالذهب أمامهم ألفا جنيه ورقي كان في البداية جنيها بجنيه لدرجة أنني أذهب لسحبه، وبعد ذلك مليون جنيه ذهبي أمامهم. أصبحت بدلاً من الاثنين ثلاثة ثم أصبحت أربعة ثم أصبحت خمسة، لكن ما زالت في نطاق قاعدة الذهب إلى أن جاء نيكسون وقطع العلاقة بين الورق والذهب. قطعها لماذا؟ لكي
يسرق ديغول كان دائناً لأمريكا بمجموعة كبيرة من الملايين يسددونها كل سنة، فذهب إليهم وقطع التعامل وقال لهم: "سأسدد لكم بماذا؟ بالورق؟"، فقال له: "هكذا تكون قد سرقتني خمساً وثلاثين مرة، لأن الدولار الذهبي الذي يجب أن تسددني به يساوي خمسة وثلاثين دولاراً ورقياً، فإذا كنت ستسدد لي بهذه الطريقة فأنت وثلاثين من مديونيتي، قال له: "إذا كان يزعجك سأحاربك". قال له: "الحمد لله، القنبلة الذرية جاهزة". وكان ديغول لديه بعض المشكلات داخل فرنسا أدت في النهاية إلى أن نبّه الرجل المسؤول عن الفيدرالي الأمريكي قائلاً: "يا نيكسون، هكذا ستخرب العالم". فأجاب: "لن أخربه". قال له: "ما شأني بالعالم؟" ما تنهار. وهذا النوع من أنواع التصرفات البشرية. ثم
بعد ذلك تتابعت الدول حتى آخر دولة قطعت الصلة بين الورق والذهب كانت الكويت سنة ألف وتسعمائة وثمانين. نحن كم دولة في العالم؟ نحن مئتان وثلاثون دولة، منها مئة وستة وتسعون دولة يزيد عدد سكانها عن عشرة آلاف، ومنهم الباقي هؤلاء الأربع والثلاثون دولة أقل عدداً في السكان من عشرة آلاف، يعني سكانها لا يزيدون عن عشرة آلاف، دول صغيرة هكذا. المائتان والثلاثون دولة الآن، قطع العلاقة بين الورق وبين هذا الأمر ينتج عنه ماذا؟ ينتج عنه أحكام فقهية كثيرة جداً هي التي نستغلها في القول بعدم تحريم أعمال البنوك حالياً لأنه لا ربا في الأموال ولو راجت رواج النقدية. هذه الصورة كثيرة جداً من الناس لا يعرفها، فنحن نؤكد عليها. ليس
هذا القطع سبب هذا الغلاء أو هو أحد أسباب هذا الغلاء، لأن الإنتاج لم يعد مترجماً في إنتاج معياري الذي هو كان الذهب بحيث أن. العملة وسيطُ التبادلِ تُنسَبُ الآن إلى غير ما كانت تُنسَبُ إليه. فأصبحت منسوبةً إلى القوى العسكرية، ومنسوبةً إلى الأحوال الاقتصادية، ومنسوبةً إلى بعض الألاعيب البنكية. وهكذا فنحن الآن أمام نظامٍ جديد، هذا النظام الجديد مُطبَّقٌ منذ عام ألفٍ وتسعمائةٍ وسبعين فقط، وهو على يد مستر نيكسون رئيس الولايات. المتحدة هذه واحدة لأجل حكاية الدولار. هو ورقة، هو الثاني، ولكن عندما صححنا قيمة الدولار صححناها فستتصحح
على مدار سنة. ستتصحح الإيرادات والصادرات، فبدلاً من أن أستورد بمائة مليون دولار لبّاً سودانياً، فإن هذا اللب السوداني سيتضاعف سعره مرتين أو ثلاث، وبالتالي لن تشتريه لأنه سلعة غير أساسية، ليست سأوفر المائة مليون دولار هذه وسأوفر أيضًا مائة بجانبها في سلعة ثانية وسلعة ثالثة وسلعة رابعة. السوق نفسه سينظم ماذا نستورد وماذا لا نستورد، فتجد في النهاية أننا نستورد أو سنستورد المنتجات التكميلية. أنا أصنع أثاثًا لكن أريد هذه الحلية فأستوردها من فرنسا، وهذه القطعة أستوردها من... إيطاليا لكي أجعل قصتي تصبح رقم واحد وتكون لها سمعة أو لها اسم، حينئذ ستتعدل الأمور.
فنعم صحيح أن الدولار وما حدث فيه من فجوة صبرنا عليها كثيراً، وكم تكلفت الدولة في سد الفجوة ما بين الحقيقة والواقع وما بين الرسمي. الآن لا، الآن أصبح الدولار مفتوحاً، سيصحح نفسه. ستصحح السوق نفسها بناءً على الواردات والصادرات وستتحسن معنا إن شاء الله. مصر التي تمر بدورة سباعية من إحدى عشرة سنة حتى الآن، أقول إنه في بداية العام الثامن عشر إن شاء الله سيكون عامًا "فيه يغاث الناس وفيه يعصرون" كما حدث في قصة سيدنا يوسف عليه السلام. المكان موجود نكتشف بعض الغاز وبعض الذهب وبعض البترول وبعض الأشياء الأخرى إلى آخره، وليكرمنا الله في النهاية. ولكن كما قال
تعالى: "وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون". أود أن أسأل فضيلتكم عن السنن الكونية وكيف تسري هذه السنن في مصر، لكن دعنا نرى حلقات أخرى عن هذا الموضوع لكي يكون لها وقت في الإجابة عليها. كان سؤالنا على الفيسبوك: هل تعتقد أن الغلاء بلاء من الله؟ كانت إجابات السادة المشاهدين: الأستاذ ميدو يقول: نعم، فهي آية كونية وقد ورد ذكرها في سورة البقرة في قوله تعالى: "ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع" إلى آخر الآية الكريمة. الأستاذ خليل مصطفى العجيلي. يقول إنه من أحد أبواب البلاء والله أعلم. الأستاذ أحمد يقول إنه بالفعل عقوبة معجلة بسبب بعض المعاصي كانتشار وشيوع الفاحشة في المجتمع. الأستاذ عبد الله مقلد يقول لا، هذا عدم ضمير وبلاء منا لأنفسنا. الأستاذ باهب... الأستاذة بهيرة تقول الغلاء ابتلاء ووجب الصبر والعمل في سياق... نعم يعني حسنًا.
ابتلاء فيجب علينا أن نصبر. ماذا تعني القضية هكذا؟ ربنا يختبرنا، نعم يختبرنا، هل سنكفر أم سنشكر؟ سنشكر إن شاء الله. حسناً، معي اتصالات هاتفية، ولكن هناك سؤال باسم فضيلة مولانا المهندس النادر. السائل يقول: سميت ابنتي منذ أربعة أيام "آن"، فهناك احتراز كبير على هذا المعنى، على تسمية "آن". فهل هذا الاسم محرم؟ ماذا يعني حميم؟ إن كان يعتقد أن ارتباط هذا الاسم بهذه الآية فيه نوع من التشاؤم. نعم، هو لفظ قرآني ولكن له في السياق القرآني معنى، نعم، لا، ليس هكذا. لا، إن هذا صوت ليس هو الذي في السياق القرآني، ولذلك أنا... لا أرى فيه شيئاً، يعني لا يغيرونه، لا يوجد شيء. يعني إذا كانت هناك مشكلة، أو كما يقول إن هناك أزمة بيني وبين أهل بيتي، لا هذا ناتج عن تشابه صوتي بين ما
له معنى وما ليس له معنى، وهذا لا شيء فيه. معي يا أستاذة مها، هيا يا. أستأذنك يا أستاذة مها، أهلاً بكِ، مساء الخير، أهلاً وسهلاً. ما حاجتكِ يا سيدتي؟ بسم الله الرحمن الرحيم، دكتور علي جمعة، كان لي سؤال بعد إذنك. تفضلي يا ابنتي. أنا الآن، حضرتك، والدي توفي منذ سنة واثني عشر شهراً، كان يعمل محامياً وكان قد ترك مبلغاً من المال في البنك ولي أخت منه من والدي نفسه وورثناها بالحق الشرعي أنا وأختي التي هي من والدي وابن عمي ووالديك وبعد ذلك كلفنا مكتب المحاماة باتفاق مع المحامين الذين عنده أنا وأختي التي هي منه وبالتراضي هكذا لأنهم مثل تلاميذه يعني فبالتراضي هكذا أصبحنا ماذا؟ كل واحد يأخذ خمسة وعشرين في المئة. خمسة وعشرون، خمسة وعشرون، خمسة وعشرون، أنا وأختي، أنا أريد أن أعطي لأمي. أنا عندي درس في سلوك الكلام هذا، يعني إرضاءً لوجه ربنا. يعني الفكرة أن والدتي
توفيت وأساساً لديها ابنة من زواج سابق تماماً، والمكتب هذا إيجار. هل من حق ابنتها أن تأخذ المبلغ الذي كنت أعطيه لأمي أو الذي هو أنا أساساً حسناً كنت أريد مثلاً نصف المبلغ، يعني هل من حقها أن تأخذ جزءاً من هذا المبلغ أم لا؟ لأن هذا المكتب إيجار ومهن، وإلا كان بالتالي أيضاً أن ابن عمي يدخل في ميراث هذا المكتب الإيجار، فهذه مثل الحريق تقول هكذا عملية يومية أنا. وأختي من والدي والمحامون يسيرون بهذا المنوال، فما الذي يريد أن يعطي لأمه؟ أنا وأختي موافقون، أنا ابنتها، البنت التي لك، أمي أنا. هل تَرِث؟ يعني هل تأخذ من المال الذي كنت أعطيه لأمي بعد وفاتها رحمها الله؟ لا يا مها، لا يا مها، لا تأخذي، لا تأخذي يا مها، لا تأخذي إلا إذا
أنت أعطيتها من عند نفسك، هذه مسألة أخرى. وتعطيها هذا الشهر ولا تعطيها الشهر الذي بعده، هذا فضل وليس فرضاً عليك، لكن هي ليس لها حق في أي شيء. أشكرك يا أستاذة مها، معي الأستاذة زينب. يا أستاذة زينب، أهلاً بك. أستاذة زينب، طيباً، ربما دعيني أسأل سؤالاً أيضاً في نهاية الحلقة. انتهى الوقت، أشكرك مولانا الإمام. لدينا أسئلة كثيرة والله حقيقةً في إطار البركة إن شاء الله. مولانا الإمام الدكتور علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، أشكرك شكراً جزيلاً، شكراً لك، أيها المشاهدون، دمتم في رعاية الله. وأمنه
إلى اللقاء، اشتركوا في