والله أعلم | فضيلة د. علي جمعة يوضح كيفية الإستعداد للحج | الحلقة الكاملة

أهلاً بحضراتكم وكل سنة وحضراتكم بألف خير، وهذه حلقة جديدة من برنامج "والله أعلم" لنسعد بصحبة صاحب الفضيلة مولانا الإمام الأستاذ الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء في الأزهر الشريف. والمسلمون يستعدون للزيارة وللطواف وللسعي، ومن منا لا يحن ومن منا لا يشتاق، وذو الشوق القديم وإن تعذر مشوق. حين يلقى العاشقون أهلاً بكم مولانا الكريم، أهلاً بفضيلتكم، أهلاً وسهلاً بكم، مرحباً مولانا. يعني هذا المشهد بكل تفاصيله، بكل جمالياته، بكل
ما فيه من طاعة، يحنُّ القلب وتشتعل المشاعر لأن نذهب وأن نطوف وأن نسعى. كيف نستعد لهذه الزيارة التي هي زيارة العمر؟ بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله. والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. هذه الأشهر المعلومات التي فرض الله فيهن الحج، وفي هذه الأشهر المعلومات تتنزل الرحمات والسكينة، ويُثاب المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها، والله يمنُّ على بعضهم أن يذهب إلى البيت المقدس الذي يقصده جميع المسلمين ويوجهون وجوههم إليه، وهو البيت الحرام. في مكة المكرمة والاستعداد لهذه الرحلة المقدسة رحلة العمر التي فرضها
الله مرة واحدة على المسلم الذي يستطيع أن يصل إلى هذا المكان المقدس الذي هو محل نظر الله ومجلى التجليات الإلهية والمظاهر الربانية في صفاته وتجليها على الأكوان. في هذا الحال على الإنسان أن يذهب وهو يعلم أين. يذهب ولماذا فليعلم أنه يذهب إلى بيت الله الحرام الذي قال الله فيه ﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ • فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا
وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾ فليعلم ذاهب من أجل غفران الذنوب من أجل ستر العيوب من أجل تيسير الغيوب، وأنه سيعود بعد أن يوفقه الله سبحانه وتعالى كيوم ولدته أمه، صفحة جديدة مع الله فلا يلوثها، وينوي بالنية الصادقة قبل الذهاب أن يرد المظالم وأن يزيل الشحناء التي بينه وبين الناس، وأن يدرك حقيقة الدنيا وأنها إلى زوالٍ وأن يُخرج الدنيا من قلبه وأن يُحلِّي قلبه بكل صحيح من الأخلاق الكريمة حتى يصدق عليه قول القائلين "تَخَلَّقوا بأخلاق الله" فيملؤها بصفات الجمال ويتعلق
بصفات الجلال ويصدق بصفات الكمال لله سبحانه وتعالى، هذا هو التهيؤ والاستعداد، النية الصالحة، وإنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى، هذا. هو التهيؤ الصالح للرحلة المقدسة الصالحة، فأول شيء يدرك أين سيذهب، وثاني شيء يدرك لماذا سيذهب. هذه الرحلة ليست رحلة سياحة ولا ترفيه ولا إثبات حالة. بعض الناس يظن أنه يذهب من أجل أن يقول الناس له "حج"، أو للحصول على هذا اللقب، لا هذه... رحلةٌ أسمى من هذا بكثير، هذه رحلة طلب المغفرة، طلب
الضراعة والقلوب المعلقة، بداية صفحة جديدة مع الله سبحانه وتعالى، تلخيص شعائر الإسلام كلها في هذا المقام في الحج الأكبر. وعلى ذلك فينبغي علينا أن نفهم إلى أين سنذهب. أتذكر أن أحدهم عفا الله عنه من زملائي قدّم شكوى في التي خرج معها من أجل الحج لأنهم كانوا متفقين معه على إطلالة على الحرم، أي أنه سيوضع في غرفة يرى الحرم من مكانه، وأنهم قد أخلّوا بهذا الشرط، وأنه دفع مقابل الإطلالة على الحرم هذه. يعني
هذه الشركة المحتالة وهذا الشخص أيضاً، أرى أنه محتال هو الثاني، لماذا؟ هذا كان يريد أن يرى الحرم أمامه. نعم، ليس هذا غرض الرحلة. أجل، ليس هو، ليس هو أن يكون معك مال أو تطلب الحرم فيه. أنت ذاهب [للحج] "اللهم أحيني مسكيناً وأمتني مسكيناً واحشرني في زمرة المساكين" صلى الله عليه وسلم. أنت ذاهب لأن مَن تواضع لله رفعه. أنت ذاهب بقلب وروح أخرى وليس للتفاخر ولا حتى لشراء المعاني. أنت ذاهب من أجل أن يعفو الله عنك، لست ذاهباً وأنت
تريد شيئاً في مقابل شيء. أنت تريد وجه الله، تريد عفوه، تريد رضاه. فالبيت الحرام، النبي عليه الصلاة والسلام وصفه وقال: "يا عمر، ههنا تُسكب العبرات"، الله فهو لم يكن هذا المنظر الجميل، كان لدينا قديماً هنا محلات تُسمى مطعم المنظر الجميل، أتفهم؟ منذ أربعين سنة، مطعم حديقة المنظر الجميل. كانوا يحبون العناوين "المنظر الجميل". أنت لن تستمتع بالماء والخضرة والوجه الحسن، لا بد أن تدرك أنك تذهب وقد انفصلت عن ماضيك وانفصلت عن كينونتك.
حتى إنك قد انخلعت من ثيابك التي هي ألصق ما تكون بك. هذه الثياب لا لصيقة بالإنسان، وكل إنسان له مزاج في ثيابه الخاصة، فهي لصيقة. قال لك: اخرج منها، اخرج من هذا الالتصاق. لها رمز ولها معنى. ماذا يعني؟ يعني اخرج من حياتك كلها واذهب منكسراً إلى... الله، مسكيناً، طالباً، متواضعاً، متضرعاً، داعياً، ذاكراً، عابداً، مشتاقاً لعفو الله ورضا الله، هذا هو المطلوب. لكن للأسف يحرّم فيه ويبدأ يتعامل معها
كأنها صفقة تجارية أو رحلة سياحية: "أنت لم تُحضر المارون جلاسيه في الحلويات، ولم تُحضر سيمون فيميه في الفطور، والفواكه كانت ناقصة قليلاً". الله! هل أنت ذاهب؟ أين أنت ذاهب؟ سواء كان إلى الريفييرا مثلاً، وتظن أنك هناك ستجد أشياء عجيبة غريبة يفعلها الناس للأسف، ولا يعبدون الله سبحانه وتعالى مع المسلمين هكذا. هذا هو الحال، فهناك أناس يحجزون أماكن مقابل أن يعينوا شخصاً ويعطوه نقوداً ليجلس حتى إذا ما ذهب إليه أقامه وجلس مكانه، حجز له لا أتحدث عن الزواج من عدمه. بعض الناس يقول لي: "حسناً، هل هذا جائز أم غير جائز لأفعله؟" ليس هذا هو الفيصل، ليس الفيصل
هنا. الفيصل هو أين قلبك. أنت مشغول بماذا؟ مشغول بتحصيل رسوم خارجية، بأنك قد كنت في الصف الأول، بأنك تنظر إلى الكعبة مباشرة، وتذهب لتتاجر مع يُبقيه هكذا أنكَ أو أنت قلبُك في مكانٍ آخر مع الله في ملكوت الله. أين أنت؟ هذه هي القضية. فيترك من دعوتي التي أدعوه إليها، وهي دعوة التحليق في عالم الروح، ويسألني سؤالاً قائلاً: هل هذا حلال أم حرام؟ نعم، إنه حلال، لكن ليس هذا هو المقصود. أن... يتعلق قلبك بالله، المقصود أن تعيش مع الله، أن تعيش هذا الجو حتى
تخرج من فكرك وعاداتك وثيابك وتصبح أنت وربك، تستأنس بالله. أهل التفسير قالوا: سيدنا موسى عندما سأله ربنا سبحانه وتعالى "وما تلك بيمينك يا موسى"، قال: "هي عصاي"، لم يقل ذلك فقط ويسكت، لماذا هي... عصاي أتوكأ عليها وأهش بها على غنمي ولي فيها مآرب أخرى، قالوا لمعنى طول الأنس بالحديث إلى الله مقام المحبين، فإذا هذا الذي نُنبه عليه، قلبك فيه الله، أنت جالس ترى، حسناً وهل السيمون في الماء حرام؟ وما معنى هذا
المارونجلاسي أصلاً؟ هذا لا علاقة لنا بهذا الكلام. أنت أصلاً لماذا ذاهب وإلى أين ومع من وأين الأنس بالله الذي تأمر نفسك به أو نرشدك إليه، لأنك لو جربته لأصبحت في سعادة قال عنها أهل الله: حاربنا عليها الملوك بالسيوف، هذا لو عرفوا، لو عرفوا. ما أجمل أن تطيل الوقوف في مقام المحبين، ومقام المحبين يستوجب الإطالة. فمن أحب اشتاق، ومن اشتاق وصل، والمحب مشتاق ولو كان موصولاً. فاصل، ونعود أهلاً بحضراتكم. واحد ليس هناك غيره دعاني إلى بيته، وحين كنت في بيته، وعندما تجلى لي بالدمع
ناجيته. هل تتحقق في هذه الرحلة كل معاني التخلي فالتحلي؟ ومتى يحصل التجلي يا مولانا وفقاً لما تفضلت علينا به ستذكرنا الآن ببرم، وبرم باللغة التركية تعني عيد، هل أنت منتبه؟ ومحمود برم التونسي يعني محمود عيد التونسي. رحمه الله، كان قد أسرف على نفسه، ثم بعد ذلك حدث له شيء من الانجذاب الصوفي، وحينئذٍ أعلن توبته من كل ما كان في السابق، حتى كان يوشك أن يُقال عنه. رحمه الله تعالى، أخاف على اللغة العربية من بيرم. صحيح لأجل السلاسة وهذا الكلام وهذا الترتيب. هكذا
دعاني إلى بيته، إلى بيته يعني. انظر كيف أن التركيب سهل كأنه يتحدث. فبيرم، رحمه الله، ألّف هذا عند أول التوبة، أي أنه تاب إلى الله مما مضى، وما مضى كان فيه نسيان يعني ثم بعد ذلك بالقلب لأن كله جميل بالأغنية الرائعة هذه التي غنتها السيدة أم كلثوم، وحتى قال يعني أنا لا أحل لأحد أن يروي عني ما جعلت، يعني ما كان سابقاً من المخالفات. للأسف عندما طبعوا له الأعمال الكاملة أحضروا كل المخالفات، كل المخالفات التي هو منها. تبرأ منها، أي تبرأ منها أيضاً. دعوها على أي حال، الأمر بسيط. هو عند ربه يكرمه بما يكرم به عباده التائبين. الحج
كما تقول فيه التخلي من كل قبيح، وفيه التجلي بكل صحيح، وبعد التخلي فالتحلي يحدث التجلي. ماذا سيحدث لي؟ فأنا أغنى الأغنياء عن الشرك. فالله سبحانه وتعالى القلب بيت الرب لا يحب مع أحد حب الشريك يا أخي معه، فإذا دخلت الدنيا وما شابهها إلى آخره. اللهم اجعل الدنيا في أيدينا ولا تجعلها في قلوبنا. انظر، ليس المقصود أن يرمي الإنسان الدنيا، لا، "ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة"، ولكن التعلق بها ولا يحزن على المفقود، كل الكلام هذا الحج يهيئك له إذا ذهبت إليه وأنت تعلم
أين أنت ذاهب. عندما تذهب في رحلة سياحية سترجع كما ذهبت، لكن عندما تذهب وتعلم أنك تبدأ صفحة جديدة مع الله، أنه هنا يا عمر تُسكب العبارات، أنه من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع. كيومٍ ولدته أمه، إنها عموم المغفرة للحج وللحجاج، إن هذا هو الحج الأكبر الذي جمع الله فيه عبادات الإسلام كلها، ولذلك بعض الناس يقول لك: لماذا فرض ربنا الحج؟ ربنا فرض الحج لأنه جائزة للمسلمين. ربنا أعطانا بعض الأسرار، وهي أسرار لأن الأمم لا تلتفت إليها إطلاقاً. وهي موجودة في الكتب وهي علناً نهيةً،
نحن ليس لدينا أسرار على فكرة بمعنى أننا نخفي شيئاً، أو بمعنى أن لدينا قدس الأقداس الذي لا يدخله إلا الكاهن الكبير، لا ليس لدينا ذلك. مساجدنا مفتوحة، ونحن في يوم الجمعة عندما دخلت الميكروفونات أصبحنا نجهر هكذا، وهذا ما جعلنا. مكشوفون أمام الناس، ولذلك نقول لإخواننا الخطباء: يا إخواننا كونوا حكماء. نعم، لماذا تشتمون الآخرين؟ هل الآخرون شتموكم؟ قالوا: لا، فهم في معابدهم المغلقة. حسناً، فلتكن أنت يا أخي حكيماً ولا تبادر الناس بما يجعلهم يمسكون عليك شيئاً لا تستطيع أنت أن تمسك عليهم مثله. هكذا طبعاً هذا الخطاب
لا يصل إلى قلوب كثير من الناس لأنه هو الخطاب الصحيح، وما هو إلا هذا. حتى إن هذا هو الخطاب الصحيح أن نقول له: املأ قلبك بحب الناس حتى تنزه لسانك عن الخطأ. يعني أحبب الناس من قلبك، من داخلك، الناس كلهم، الناس كلهم. هل أنت أصبح شرح قصة أنك تحب الناس وأن تحب لأخيك في الإنسانية ما تحبه لنفسك كما يقول الشيخ الشبرخيتي، وهذا لفظ عام: "لأخيك" يعني المسلم وغير المسلم ما تحبه لنفسك. فأريد أن أقول لحضرتك إن الله أعطانا بعض الأسرار من ضمنها ليلة القدر، وكل الناس
تعرف ذلك وكل الناس تقرأ، المسلم. ويجزم المسلم أن ليلة القدر في رمضان وأنها في العشر الأواخر من رمضان. أعطانا يوم الجمعة وقال لنا إن فيه ساعة إجابة. أعطانا ثلث الليل الأخير وقال إن ربنا ينزل إلى السماء الدنيا. أعطانا اسم الله الأعظم وقال لنا إنه موجود في الأسماء التي في القرآن. هذا ماذا؟ أعطانا أسراراً لا يلتفت إليها إلا المسلمون، والنبي يقول: "وهدانا إلى يوم الجمعة"، دلنا عليه يعني أعطانا سراً. فمن ضمن العطاءات الربانية والمنح الإلهية الحج. أدى فريضته لذلك، لكي تبدأ صفحة جديدة، لأنه قال: "من الجمعة إلى الجمعة كُفِّرت ما بينهما، ومن العمرة إلى العمرة كُفِّرت ما بينهما، من رمضان..." إلى رمضان كفَّرتْ لما
بينهم، من الحج إلى الحج كفَّرتْ لما بينهم، إذاً هو يعطيك محطات هنا وفرصاً لكي تستغلها. فرص في ماذا؟ في استجابة الدعاء. فرص في ماذا؟ في غفران الذنوب. فرص في ماذا؟ في تجديد حياتك كلها، في تجديد حياتك. فرص في ماذا؟ وهكذا. فهذه لِمَ فرضها الله. الحجُّ فرض الله، الحجُّ إكمالاً للمنة لأنه علَّمنا ما خفي على كثير من البشر وعلَّمنا أسراراً كثيرة في خصائص هذه الأيام، في خصيصة يوم الجمعة، في خصيصة الاسم الأعظم، في خصيصة أسرار. هذه الأسرار أعطاها هكذا، فتجد المسلمين جالسين يعملون، يعني ما شاء الله، ينوِّر. في العشر الأخير من رمضان، وفي العشر الأول من ذي الحجة، وفي
يوم عرفة - أتنتبه - الذي يغفر صومه يوماً في السنة القادمة أو السنة التي تليها، فأريد أن أقول لك إن الله سبحانه وتعالى كريم، وإنه قد منَّ علينا بمعرفة ادخرها لنا، ومن أجل هذا كانت هذه الأسرار إن ما أقوله كان سبباً خفياً لا يدركه كثير من الناس في انتشار الإسلام. كيف؟ لأن الناس عندما تفاعلت مع هذه الأشياء وجدت نتائج. نعم، ذهب حاج ودعا فاستُجيب له. حسناً، رأى آثار قدرة الله. لكل حق حقيقة. نعم، هذا الشخص رأى آثار قدرة الله، أي أن هناك آيات بينات مع هذا الزحام الشديد لم تحدث حادثة واحدة عبر
التاريخ يتحرش فيها رجل بامرأة، عبر التاريخ لم يحدث شيء منذ عهد سيدنا آدم أو سيدنا إبراهيم، وكل الناس قريبون من بعضهم. يا مولانا، هذا التزاحم - اسمع، سأخبرك بشيء - الذين حجوا مع النبي كانوا مائة ألف صحابي وصحابية، حسناً، ألف يعني الدنيا وكانت الدنيا ضيقة، هذا الزحام الشديد عبر القرون، كان الحج مزدحماً ولم تحدث حادثة واحدة. ما هذا؟ إن شاء الله، هل انتبهت؟ فانظر، الذي ينظر إلى هذه الحقيقة البسيطة. كان هناك شاب يدّعي أنه مسيحي اسمه زكريا بطرس، فهذا الشاب زكريا بطرس يقول...
لك الله، إنهم يتحرشون مع بعضهم. أجل، أنت لم تكن تنتبه. يعني أنت لو هدى الله قلبك يا زكريا، ربما كنت ستسلم، لأنك عندما ترى هذه الآية "فيه آيات بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمناً"، كنت حينها ستعرف أن الله تجلى في هذا المكان على هؤلاء. الناس ليس هناك أحد يفكر، وتجد الرجل من هؤلاء فاسداً في الخارج، لكنه عندما يأتي هنا في هذا المقام ينسى ويرتعش هكذا، هو لا يفكر، لا تأتيه شيء، أمر غريب جداً. فزكريا أفندي يقول لك ماذا؟ يقول لك الله، تجدونهم يتحرشون أو هؤلاء يتحرشون، حسناً، هذا من عمى قلبك. حسناً، تعال الآن، قالت
تاريخه وكله، هل حدث أن رصد أحد من الناس عبر التاريخ حدث التحرك؟ لا يوجد ولا سمعنا عنها ولا سمعنا، نعم صحيح. دعني أخبرك أكثر من ذلك، ولا أحد ادّعى، فمن الممكن أن يقول شخص ما ويرسله زكريا ويدّعي أنه هو أو... واحدة أنه فلان يعني يكذب عن نفسه، يكذب مثلاً على الناس. آه، تتصور! ولا أحد ادّعى. طيب، ماذا نفعل الآن يا زكريا؟ فإذاً، يعني، انظر، هناك آيات بينات. فربنا أعطانا الحج هذا هدية. ربنا أعطانا الحج هذا كبعض الأسرار التي أعطاها لنا، "وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها". ربنا. أعطانا هكذا لأجل أن يكرمنا بحبيب
النبي صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم، فالحقائق والتجليات الخاصة بالحج تجليات عظيمة مولانا الإمام. وإنما نتحدث عن الحج والزيارة والطواف والسعي. حسناً، لكي تكون المعلومة مكتملة أيضاً: لماذا فُرض الحج فضيلتك؟ يعني أذنت علينا الآن، حسناً، متى فُرض الحج هو؟ ينسب القرآن إلى سيدنا إبراهيم الذي أمر مع ابنه إسماعيل برفع قواعد البيت أنه قال له: "وأذّن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق". لماذا اللام هنا؟ إنها للتعليل. لماذا يأتون هنا هكذا؟ ليشهدوا منافع لهم ويذكروا الله في الأيام المعلومات على...
ما رزقهم من بهيمة الأنعام، يكون إذن المنافع في الحج، والحاجة التي نحج لأجلها هي لكي نرى كيف تسير الأمة وماذا تفعل، ونتبادل الآراء والسلع والخدمات والخطط، نتبادل الخدمات التي تخص المسلمين. وافعلوا الخير لعلكم تفلحون. نتبادل التجارب في عمارة الأرض، وليشهدوا ما نفعله، ويذكروا الله في أيام معلومات على رزقهم من بهيمة الأنعام، التعدي هنا يعني تعدي الخير، أي يتعدى بالخير. نعم، فكلوا منها، فيكون كلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين، وأطعموا البائس الفقير. ثم هذا ترتيب
للتواصل بالعبادة، تأتي هنا، لكن الأصل أنني ذاهب لخدمة الأمة وخدمة العبادة، لأن هذا ملخص العبادة، ثم ليقضوا تفثهم. وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق، ذلك ومن يعظم حرمات الله. فربنا سبحانه وتعالى يبين لنا هنا أن إبراهيم هو الذي أذن في الناس بالحج في تاريخ سحيق من إبراهيم، قديم قبلها بآدم أورد الفاكهي وكذا الأزرقي في أخبار مكة أن هذا الطواف مدفون فيه سبعون نبياً ويعني. ماذا مدفون فيه سبعون نبياً، أي أنبياء كثيرون زاروا
هذا البيت الحرام. ربنا دلَّهم عليه لكي يذهبوا ويزوروه، وأن سبعين منهم - الأنبياء كثيرون في حديث الترمذي أنهم مائة وأربعة وعشرون ألف نبي - فسبعون منهم أتتهم آجالهم في هذا المكان، في هذا المكان فدُفنوا، وأنت تمشي في هذا الطواف. أنت تطوف على مقامات الأنبياء، ولذلك بعض الناس يسأل قائلاً: مثلاً عندما نكون موجودين في أماكن، وأحياناً نكون موجودين فوق القبر - هل تنتبه؟ - مثل سيدي المرسي أبو العباس وأنت في أعلى المسجد والقبر تحته، فهل هذا يجوز؟ فالفقهاء قالوا: يجوز لأن الكعبة مليئة بسبعين
نبياً من الأنبياء السابقين في هذا المطاف خفف الوطء فإني أرى أديم الأرض لا أرى أديم الأرض إلا من هذه الأجساد. يقول علي البلعاء يعني يقول إن الدنيا صارت هكذا. طيب، فإذا هذا ليس فيه قبر بارز حتى يكون هناك نهي عن الجلوس على القبر. فالنهي يكون عندما يوجد قبر بارز، لا تجلس عليه. ما تَأْنَس عليه، لا تصنع قليلاً من الشاي وتحضر سندويش طعمية وتأكل وهكذا، ممنوع وممنوع أن تدوس عليه أيضاً يعني احتراماً للتربة. لكن هذا المطاف الذي فيه هكذا، نحن لا نعرف أين بالضبط وليس هناك قبر بارز، القبر البارز ممنوع. أما أن تمشوا في الطرقات، فهذه الطرقات... كانت من هذه الأجساد كما يقول أبو العلاء، هذا لا يحدث
فيها شيء. يوجد فرق كبير بين احترام القبر البارز احتراماً للمقبور "ولقد كرمنا بني آدم"، وبين الأماكن التي تمتلئ بأجساد سادتنا الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، كمثل هذا الطواف أو الكعبة وما حولها، مولانا الإمام يعني الآن. كل الناس، كل مسلم نفسه، حتى البخيل الذي يحرص على المال، تجده في رحلة الحج دائماً يبذل لكي يذهب. طيب أنا لست مستطيعاً هذه السنة، وكل سنة أقول إنني أريد أن أذهب لأحج ولست مستطيعاً. هل يجب على غير المستطيع أن يبيت النية دائماً بأنه يريد أن يحج؟ يا ربي، علّمونا نقطة دقيقة جداً ما هو الفرق بين الوجوب والواجب.
الفرق بين الوجوب والواجب أن الواجب هذا مثل الصلاة والحج والزكاة، هذا هو الواجب. مقدمة الواجب واجبة. الصلاة، ما هي مقدمتها؟ الوضوء. فيكون الوضوء واجباً لأن الصلاة لا تتم إلا بالوضوء. حسناً، وما مقدمة الصلاة أيضاً؟ استقبال القبلة، فيكون استقبال واجب ستر العورة يعني يجب عليّ أن أستر عورتي لأتمكن من الصلاة. هذا ما يسمونه مقدمة. ما هو الواجب الذي فيه الألف؟ هذه مقدمة الواجب،
ومقدمة الواجب واجبة. حسناً، الوجوب كوجوب الحج في ذمتك، ماذا يعني؟ هل المقدمة الخاصة به أن تدخر المال؟ نعم. فهل يجب عليك أن تدخر؟ قالوا: إنك تدّخر لأجل الحج، أقول لك أنت تدّخر لها. سيد حسن قال لي: لأجل أن أحج بعد سنتين. هذا ليس واجباً عليك، هذا فضلٌ منك. هكذا، ما هذه إلا مقدمة وجوب، لأنها مقدمة وجوب. قلت لك: تدّخر لها. حسن قال لي: لكي أدّخر نصاباً لمدة سنة، فتجب عليها الزكاة، وليس إنك تدخر لأجل أن تجب عليك الزكاة لأنها مقدمة وجوب مفهومة. فهمت طبعاً؟
مفهومة. ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. هذا الموضوع الأول: الواجب. الموضوع للصلاة الواجب، المؤلَّف واجب، لكن وجوب لا، فتصبح المقدمة هنا ليست واجبة، لكن المقدمة هنا واجبة. أتفهم؟ ولذلك عندما جاؤوا وسألونا قد يكون أحد الأمراء السعوديين ابن الأمير سلطان رحمه الله تعالى، أو ربما يكون سلطان بن فهد، يعني هناك شخص ما من الأمراء السعوديين، لا أتذكر اسمه تحديداً. لقد أصبح رائد فضاء، وسيذهب ويسعى في المكوك في الفضاء وما إلى ذلك، وقال إنه سيعود بعد عشرة أيام، وليس هناك صلاة لمن
هناك، إذا لم تكن هناك كعبة، ولا وضوء، ولا مواقيت، والشمس أصلاً لا تغيب ولا تظهر، ماذا سيفعل إذن؟ هل عليه صلاة؟ قالوا: لا، إن هذه المواقيت هي علامات، إيقاع الواجب وليست سبب الوجوب. نعم، انظر الفرق بين الوجوب والواجب. ما هو سبب وجوب الصلاة في... ذمتك تكليف الله لك أنك أنت بلّغت مسلماً، وما دمت بلّغت مسلماً فيجب عليك خمس صلوات في اليوم والليلة. هذه علة التكليف، هذه علة التكليف، سبب التكليف. فالوجوب ما زال قائماً حتى لو ذهبت كل ملامح الواجب، لا
توجد مقدمة له، ولا مواقيت، ولا استطاعة، ولا قبلة، ولا... في أي شيء، أنت خارج الأرض، وعندما تكون خارج الأرض يسقط الواجب، لكن لم يسقط الوجوب. هذه هي التفرقة بين الوجوب والواجب. قالوا: حسناً، والأمير ماذا يفعل؟ قال: عندما ينزل يقضي العشر أيام التي عليه. هو دين في ذمته. نعم، من الذي شغل ذمته به؟ الله. إن الصلاة كانت. على المؤمنين كتاباً موقوتاً، حسناً، وما الذي منعه من أدائها فوق؟ لقد فقد هذا الشرط، وفقد الطهورين، وفقد القبلة، وفقد كل شيء، بل فقد الوقت أيضاً. إذاً عندما نتعلق به، وحينما ينزل يقضي العشرة، عشرة أيام مع كل صلاة يصلي. لماذا؟
لأن الوجوب ثابت في ذمته، ولأن الواجب تعذر في... فعله هذا الفرق بين الوجوب والواجب، بين الواجب واستعملناها في الفتوى. هذه هي خاصة الأمير رائد الفضائل مولانا الإمام. سأنتهز الفرصة، ولكن بعد الفاصل سأحصل على إجابة وأرد على هذه الشبهات التي يثيرها البعض، ربما من قريب أو من بعيد، حول أن المسلم حينما يذهب يطوف حول حجر. يقبل حجراً ويرمي حجراً. أول ناس طرحوها، وسيأتي من بعدهم أناس آخرون سوف يطرحون هذه
الشبهة. والردود موجودة، ولكن أحب أن أسمع رداً من فضيلتك على هذه الشبهات. شبهة فكرة أن ماهية الحج هي عبادة وثنية؛ نطوف حول حجر، ونُقَبِّل الحجر، ونرمي حجراً بحجر. هؤلاء ليس عندهم يعني... فهم للقداسة ما عندهم فهم للقداسة وأن القداسة لا تقتضي العبادة، يعني أنا أحترم هذه القداسة، تقديري هذا احترام. أحترم سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم جداً ولكنني لا أعبده، وأنا أحترم أبي وأمي لكن لا أعبدهم، وأنا أحترم مشايخي احتراماً عجيباً غريباً، وجدت نفسي هكذا متربياً على... هكذا
أن نحترم الشيخ ونقبّل يده، وكان سيدنا الشيخ وهو خارج من المسجد، نأتي آخذين النعل لكي نحمله حتى البوابة. وكان منهم من يداعب أبناءنا، يقول لي: "يا ابني، ليس عندي وقت". فأقول له: "لا، سأعيدها لك يا أبا الأولاد، سأعيدها لك"، ونضع. الشيء ونخدمه خدمة ونساعده أن تفعلوا هكذا وراضون، لا لسنا راضين فقط، نعم كأننا لا نعرف أن نحيا إلا هكذا، نعم يعني كأنها من ضرورات الحياة أن يكون لدينا شيء محترم هكذا. عندما دخلت مدرسة الطب التجريبي وساوت بين الحجر والمضر والشجر والقمر والإنسان وأصبحتُ لا شأن لي كان.
في الماضي، عندما كنت أذهب إلى الطبيب، كان يُسمى حكيماً. كان يجلس ويشم عرق الإنسان، ثم يقول له: "هل أنت متزوج أم لا؟ هل لديك أطفال أم لا؟ هل توجد مشاكل أم لا؟" وذلك قبل أن يتكلم المريض. واستمر هذا الأمر حتى عصر الأستاذ الدكتور علي إبراهيم وعبد الله الكاتب عمالقة الطب المصري الذين كان لهم شأن ورنين في العالم كله، كان جانب الإنسانية فيهم هو الأساس. لم يكن أحدهم يقول لك: "لا، أنا ما لي شأن بهذا الكلام، اذهب واعمل لي أشعة، اذهب واعمل لي تحاليل، اذهب واعمل لي فحص بالأشعة المقطعية، اذهب واحضر لي كذا،
وما شأني أنا فيها، وبعد ذلك يعالجك في تخصصه فقط، حتى لو أن التخصصات الأخرى، وطبعاً اكتشفوا هذه المسألة فبدأوا يعالجونها بطرق مختلفة، من ضمنها الطبيب العام الذي تأتي إليه بكل شيء لكي ينسق بين الأدوات المختلفة في التخصصات المختلفة. المهم، الحاصل إجابة على هذا السؤال الذي هو متعلق بالرمي وغيره. أتعلم ما هي المشكلة؟ إنهم لا يفهمون معنى القداسة والاختلاط، يا لها من عقول تالفة! يحاولون المقارنة بين مفهوم القداسة لدينا والمحرمات الموجودة في الطوطم الوثني الأفريقي وما شابه ذلك. لا يا عزيزي، هذه قداسة لا علاقة لها بالعبادة، بل لها علاقة
بالحب الذي أنتم... ما تعرفونه فأصلاً الناس التي تعترض على هذا، ولأنها افتقدت بعد كل التوغل في الماديات وإنكار المعاني، فقدت معنى الحب. وأنا دائماً أقول إن هذا الصنف من الناس وداعش والإرهابيين وجهان لعملة واحدة. والناس تستغرب كيف يكونون وجهين لعملة واحدة؟ نعم، لأنهم قد فقدوا حلاوة الدين الذي هو الحب. نعم لقد فقدوه، هؤلاء فقدوه. يعني لو رأيت المناظر التي يقوم بها شباب داعش من تحطيم الآثار وغير ذلك، وشاهدت هؤلاء الجماعة ستجدهم شيئاً واحداً، لا يوجد حب. الذي لا يوجد في قلبه حب هو
الذي سيسأل هذا السؤال السخيف: "ماذا؟ أنتم تقدّرون الحجارة؟" نعم، لأن هناك شيء يُسمى... رمزية واضحة في شيء يُسمى الرمزية، هذه الرمزية عميقة جداً، وهذه الرمزية العميقة تدل على معانٍ عميقة أخرى لا علاقة لها بشيء لم تجربه اسمه الحب الذي يُولِّد الاحترام الذي يُولِّد الثقة بالنفس الذي يُولِّد، ولذلك سجدنا إلى الكعبة أي في اتجاه الكعبة، سجدنا نحو الكعبة ولم نسجد لها. هي ليست الكعبة أبداً وإنما إلى الكعبة، يعني في اتجاه الكعبة. والملائكة عندما سجدت لسيدنا آدم، سجدت إلى سيدنا آدم، وإخوة يوسف عندما سجدوا ليوسف سجدوا له، لم يسجدوا عبادة، لا، فهم
موحدون وكل شيء، ولكن هناك شيء يسمى حب. سجود إخوة يوسف ذلك كان اعتذاراً، نوعاً من. أنواع الاعتذار إظهار للحب الشديد، وأنه واجه الألم بالخيرية للحب أيضاً. ففي شيء اسمه حب، وسنظل نقول هذا الكلام. لكنك تقول لي: "قل لي شيئاً جديداً هكذا". نعم، الذي يسأل هذا السؤال دائماً نكتشف أنه لم يفهم بعد ولم يعرف معنى الحب. مولانا الإمام معك حلّق في الآفاق. وأغوصُ في الأعماقِ لأكتشفَ هذه الآلةَ والمحارم. أشكرُ فضيلتَكَ شكراً جزيلاً. كلُّ عامٍ وحضرتُكم بخير، كلُّ عامٍ وأنتم
بخير. دُمتم في رعايةِ اللهِ وأمنِه. إلى اللقاء.