وصايا الرسول| حـ 13 | أ.د. علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. أيها الإخوة المشاهدون والأخوات المشاهدات في كل مكان، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً ومرحباً بكم في حلقة من حلقات وصايا الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، نعيش فيها مع وصية من الوصايا. التي أوصى بها أصحابه والأمة من بعدهم حتى نسترشد بها في حياتنا الدنيا في طريقنا إلى الله سبحانه وتعالى.
عن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما قال: "إني قمت فيكم كمقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فينا فقال: أوصيكم بأصحابي ثم الذين يلونهم ثم الذين". يلونهم ثم يفشو الكذب حتى يحلف الرجل ولا يُستحلف ويشهد الشاهد ولا يُستشهد. ألا لا يخلونَّ رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان. عليكم بالجماعة وإياكم والفرقة فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد.
من أراد بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة. إذاً فالوصية هنا موجهة إلى الصحابة حتى يحبوا بعضهم بعضاً، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يفشو الكذب حتى يحلف الرجل ولا يستحلف، ويشهد ولا يستشهد، يحلف ولا يستحلف، يعني يُدخل نفسه في الذي...
ليس له شأن فيه، لم يُستدعَ هو أصلاً للشهادة، فإذا به يحلف، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: "من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه". هذه النفسية هي نفسية المتطفل، يُقحم نفسه فيما لا يخصه، والنبي يقول له: لا تفعل هذا، هذا من سوء الخلق. أوصيكم. بأصحابي ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم يُسمَّون بالتابعين ثم الذين يلونهم تابعي التابعين ثم يفشو الكذب. من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
من أصلاً كلمة صحابي ما معناها؟ الصحابي كل من رآه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، لأن رسول الله كما قال أهل الله والعلماء من... الأدلة المتكاثرة أنه إذا نظر إلى أحدهم أحدث فيه عدالة، فكان يربي بالنظرة من بركته وتأييد الله له صلى الله عليه وآله وسلم. ولذلك نحن نحب الصحابة لأنهم أدركوا هذا الشأن. الصحابة الذين حجوا معه فشاهدهم كانوا مائة وأربعة عشر ألف صحابي. الصحابة الذين صلوا عليه في المدينة عند انتقاله. إلى الرفيق الأعلى، كان
هناك عشرون ألفاً من الصحابة الذين عرفنا أسماءهم وسجلناها عندنا، نحو تسعة آلاف وخمسمائة صحابي. أما الصحابة الذين رووا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن قالوا: "سمعت رسول الله" أو "قال لي رسول الله" وهكذا، فهم ألف وسبعمائة صحابي. هؤلاء الألف وسبعمائة صحابي منهم أكثر من... ألف وخمسمائة تقريباً له حديث واحد أو حديثان، كثيرون ثلاثة أو ثلاثة أحاديث. تخيل أن صحابياً عاش ومات
من أجل أن يحكي لنا مقطعاً واحداً مكوناً من سطرين أو ثلاثة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. بعض الناس يفهم السنة خطأً ويفهم النقل خطأً، وهذا حديث منه "أوصيكم بأصحابي". ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم، يعني كلام سهل لو سمعناه من رسول الله لَحفظناه. يعني ما الذي فيه من تعقيد؟ ثم يفشو الكذب حتى يحلف الرجل ولا يُستحلف، ويشهد ولا يُستشهد. إذاً هذا معناه أن هذه
الأجيال، ومن بركة رسول الله صلى الله عليه وسلم، من الصحابة والتابعين. وتابعي التابعين هذه المدة كانت الناس عندها أخلاق وعندها خير يحسب بالخير، خير عميم يشعرون به. إذا ألف وسبعمائة صحابي لما تتبعنا ألف وسبعمائة صحابي لم نجد واحداً منهم قط على غير الهدى من ألف وسبعمائة، فذهبوا وقالوا كل الصحابة عدول الذين هم ألف وسبعمائة. هؤلاء عندنا تسعة آلاف وخمسمائة من النساء فنعرف أسماءهم، نعم، هذه الأسماء تحت أيدينا. حسناً،
وبقية المائة وأربعة عشر ألفاً لا نعرفهم. فنحن نعرف ما يقرب من ثمانية في المائة من الصحابة، وما لا يزيد عن واحد ونصف في المائة منهم هم الرواة العدول الأكابر. آخر صحابي مات بعد... بعد مائة سنة من وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى عصر الصحابة. آخر واحد من التابعين توفي في منتصف القرن الثاني الهجري، وآخر واحد من تابعي التابعين توفي في منتصف القرن الثالث الهجري. فهذه ثلاث طبقات مع الأخذ في الاعتبار المعمرين منهم ممن
عاشوا طويلاً، فكانت هذه فترة مهمة كان... فيها الخير دائماً ونحن نقرأ في هذه الفترة نقرأ جانب العلوم وإنشائها ونقرأ جانب التقوى وكيف أُسِّسَت مدرسة التقوى. هذا لا يعني أن هذه العصور لم يكن فيها فساد، بل كان فيها فساد ولكن هذا الفساد كان مغموراً مخفياً في الخير. بعد ذلك تأتي قضية فشو الكذب، النبي عليه الصلاة. والسلام كان يكره الكذب جداً حتى قال له أبو ذر: أيزني المؤمن؟ قال: نعم. قال: أيسرق المؤمن؟ قال: نعم. قال: أيكذب
المؤمن؟ قال: لا. نحن نعلم أن السرقة والزنا والفحشاء من الكبائر، ولكن الكذب منزه عنه المؤمن ولا ينبغي إطلاقاً أن يقع فيه. إذاً هذا الكذب... في تعظيم له لأنه ليس هذا استهانةً بالسرقة أو استهانةً بالفاحشة، ولكنه تعظيمٌ لإثم الكذب تعظيماً شديداً. "من كذب عليَّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار". هذا الحديث حديثٌ في غاية الأهمية، ينبغي علينا أن نستمع إليه بوجداننا ونبتعد.