وصايا الرسول | حـ 17 | أ.د. علي جمعة

وصايا الرسول | حـ 17 | أ.د. علي جمعة - سيدنا محمد, وصايا الرسول
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. أيها الإخوة المشاهدون والأخوات المشاهدات في كل مكان، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً ومرحباً بكم في حلقة جديدة من وصايا الرسول. اليوم نعيش مع سيدنا أبي هريرة رضي الله تعالى عنه حيث... عن أبي هريرة رضي
الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من يأخذ عني هؤلاء الكلمات فيعمل بهن أو يعلم من يعمل بهن؟" فقال أبو هريرة رضي الله عنه: فقلت: أنا يا رسول الله. فأخذ بيدي وقال: "اتق المحارم تكن أعبد الناس، وارض بما قسم الله." ارضَ بما قسم الله لك تكن أغنى الناس، وأحسن إلى جارك تكن مؤمناً، وأحب
للناس ما تحب لنفسك، حتى لا يخرج علينا هذا وذاك بآرائهم وتوجهاتهم ورغباتهم وميراثهم، وهم لا يدركون الواقع، كما أنهم لا يدركون مراد النبي صلى الله عليه وسلم من هذا الدين الذي نص الله سبحانه وتعالى في قوله "وما أرسلناك". إلا رحمة للعالمين، اتقِ المحارم تكن أعبد الناس. والمحارم معناها الحرام، والحرام مهما كان فهو محصور. نُهينا عن القتل، نُهينا عن
شرب الخمر، نُهينا عن السرقة والرشوة، نُهينا عن الكذب، نُهينا عن الغيبة والنميمة وشهادة الزور، نُهينا عن الفاحشة والزنا والخنا، نُهينا عن العدوان. محصور، لو أخذنا نعده لحصرناه الحرام. محصور والأفعال البشرية كثيرة جداً نحو مليون ومائتين فعل بشري بدءاً بالطهارة والصلاة والصيام والزكاة والحج والذكر والكفارات والدعاء والبيع والشراء والزواج والطلاق. أفعال الإنسان
كثيرة جداً. أفعال الإنسان حكم عليها ربنا بأن الحكم ليس إلا لله، فقال: الصلاة واجبة، والزكاة واجبة، والسرقة حرام، والرشوة حرام. قال: الخمر حرام، قال سبحانه. وتعالى لنا افعل ولا تفعل، الحرام قليل في الأفعال البشرية الكثيرة التي لها أحكام، فاتقِ هذه المحارم. والحمد لله رب العالمين، هناك كثير من الناس لم يقعوا قط في تلك المحارم، لم يقعوا قط في الكبائر هذه التي فيها شهادة الزور أو القتل أو الزنا أو شرب الخمر أو
هذه الأشياء. الكبائر والعياذ بالله تعالى، وبالرغم من ذلك فإن حاله مع الله قد يكون محتاجاً إلى زيادة، ولذلك "لا يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها" إلى آخره. إنما هذه الوصية الأولى: اتقِ المحارم تكن أعبد الناس. الناس - يعني - لم يكن له، وأداء الواجبات، والتقوى للمحارم تجعل الإنسان ينشغل بالواجبات، والرضا بما قسم الله مسألة قلبية تأتي من القناعة ومن استشعار نعم الله علينا.
الحمد لله، طوال النهار نقول الحمد لله على نعم الله، وهذا هو ما بدأنا به هذا الشهر الكريم عندما قام الصحابي أبو عبيدة. قال ابن الجراح: أوصاني رسول الله أنه عندما تُفتح الشام، يكون عندك خادم لنفسك وخادم لأهلك وخادم لسفرك. والآن البيت كله مملوء بالخدم، يعني اتخاذ الخدم ليس حراماً وليس مكروهاً، ولكن وصية رسول الله بأنه - على حد قوله تعالى: ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾ - وعلى حد قال عمر تخوش وشنوا فإن النعمة لا تدوم، وعلى حد قول الأدبيات الحديثة أن كثرة الاستهلاك تؤدي إلى ضياع الموارد. إذاً
فالنصيحة الثانية: ارضَ بما قسم الله لك تكن أغنى الناس. النصيحة الثالثة: أحسن إلى جارك - وهنا مطلق - تكن مؤمناً. جار المسلم، الجار غير المسلم، الجار له حق حتى ظننت. أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ، وَهَذَا حَدِيثُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ حَيْثُ ذُبِحَتْ فِي بَيْتِهِ شَاةٌ، فَقَالَ: "هَلْ أَهْدَيْتُمْ إِلَى جَارِنَا الْيَهُودِيِّ؟ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: لَا يَزَالُ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِالْجَارِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ". الصَّحَابَةُ كَانُوا هَكَذَا، أَمَّا الْآنَ فَهُنَاكَ النَّابِتَةُ وَالْمُتَشَدِّدُونَ وَالْفِتَنُ الَّتِي نَحْنُ فِيهَا. فيها يَفهمون كلام رسول الله انتقاءً وانتقاصاً، وهكذا هذا
حسيبُهم ربُّهم في الدنيا وفي الآخرة. وأحِبَّ للناس ما تحب لنفسك، للناس ولم يقل: "وأحِبَّ للمسلمين ما تحب لنفسك". الناس عامة، يعني هل تتخيل أنك تحب للناس ما تحبه لنفسك ثم إن غير مسلم يكرهك؟ يكرهك لماذا؟ يعني أبداً. أنه سوف يحبك لأن الحب عطاء، أما إذا وضعت هذا الحجاب بينك وبين الآخرين، وأغلب من في الأرض ليسوا مسلمين، ثلاثة أرباع الأرض ليست مسلمة يعني، وهناك واحد مسلم مقابل ثلاثة غير مسلمين، حسناً وبعد ذلك تكره هؤلاء، كراهيتك لهؤلاء تعني
كأنها تشوه صورة الإسلام والمسلمين، ولذلك نهانا رسول الله صلى. صلى الله عليه وسلم عن هذه الجفوة وقال: "يا عائشة، إن الرفق ما دخل في شيء إلا زانه، وما نُزع من شيء إلا شانه". وأن تحب للناس ما تحبه لنفسك تكن مسلماً. صورة الإسلام تتضح، ولا تكثر الضحك والهزل واللغو من غير حاجة، فإن كثرة الضحك تميت القلب. وتُدخِلُكَ يعني في الغفلةِ، مولاي صلِّ وسلم دائمًا أبدًا على حبيبكَ خيرِ الخلقِ كلِّهم. وراودتهُ الجبالُ الشُّمُّ من ذهبٍ عن
نفسهِ فأراها أيَّما شَمَمٍ، وأكَّدت زهدَهُ فيها ضرورتُهُ، إنَّ الضرورةَ لا تعدو على العِصَمِ. وكيف تدعو إلى الدنيا ضرورةُ مَنْ لولاهُ لم تخرجِ الدنيا من العدمِ. محمدٌ سيدُ الكونينِ والثقلينِ. والفريقين من عرب ومن عجم، مولاي صلِّ وسلِّم دائماً أبداً على حبيبك خير الخلق كلهم. إلى لقاء آخر، أستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
    وصايا الرسول | حـ 17 | أ.د. علي جمعة | نور الدين والدنيا