وصايا الرسول | حـ 19 | أ.د علي جمعة

وصايا الرسول | حـ 19 | أ.د علي جمعة - سيدنا محمد, وصايا الرسول
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. أيها الإخوة المشاهدون والأخوات المشاهدات في كل مكان، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وكل عام وأنتم بخير، ونفع الله هذه الأمة بوصايا رسول الله صلى الله عليه وسلم. أحييكم بتحية الإسلام فالسلام عليكم. ورحمة الله وبركاته ومرحباً بكم في حلقة
جديدة من وصايا الرسول. اليوم نحن نعيش مع حبر الأمة عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنه وأرضاه، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم. قال عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: كنت رديف النبي صلى الله عليه وسلم فقال... يا غلامُ أو يا غليمُ ألا أعلمك كلماتٍ ينفعك اللهُ بهن؟ فقلتُ: بلى. فقال: احفظِ اللهَ يحفظْك، احفظِ اللهَ تجدْه أمامك، تعرَّفْ إليه في الرخاء يعرفْك في الشدة، وإذا سألتَ فاسألِ الله، وإذا استعنتَ فاستعن بالله. قد
جفَّ القلمُ بما هو كائنٌ، فلو أن الخلقَ كلهم جميعاً أرادوا أن ينفعوك. بشيء لم يكتبه الله عليك لم يقدروا عليه وإن أرادوا أن يضروك بشيء لم يكتبه الله عليك لم يقدروا عليه واعلم أن في الصبر على ما تكره خيراً كثيراً وأن النصر مع الصبر. يا غلام ما زلت صغيراً يعني تكاد
تكون طفلاً، يا غلام ألا أعلمك كلمات ينفعك الله بهن. لا ألا أعلمك يعني في نفي. إذاً، ألا أعلمك يعني ما علمتك كلمات. فقال: بلى. كلمة "بلى" عندما تأتي في السياق نفسه، "ألست بربكم؟" قالوا: "بلى". "بلى" تعني نعم أنت ربنا. لكن لو قالوا - لو قال له: "ألا أعلمك" فقال: "نعم"، يعني لا تعلمني. لو استعمل "نعم" هنا لكانت... تعني لا تعلمني. يا سادة، إذا قالوا "نعم" فمعناها "نعم لست بربنا"، ولكن النفي إجابته "بلى". عندما تريد أن تجيبه بالإيجاب، فمعناها "بلى، بلى أنت ربنا".
"بلى، علمني يا رسول الله". قال: "احفظ الله يحفظك"، الوصية الأولى: "احفظ الله يحفظك". كثير من الناس تشكو سوء حالها وتتعجب كأنها تتعثر في... في طريقها وفي طريق حياتها وتسأل لماذا هذا وماذا صنعت، رسول الله يجيبك ويطلب منك أن تنقذ نفسك. احفظ الله يحفظك، والله لا يخلف وعده. احفظ الله تجده تجاهك. عندما يحفظ الإنسان ربه في
نفسه، يقوم فيجد الله أمامه، كما قال: أنا أرى الله في كل شيء يعني. أرى الله وراء كل شيء، أي وفي كل شيء له آية تدل على أنه واحد. كل شيء يقول إن ربنا واحد. كل شيء حولنا يقول إن ربنا حكيم وعليم ورحيم وقدير. كل شيء من حولنا هو عبارة عن تجلي أسماء الله الحسنى بجلاله وجماله وكماله. احفظي الله يحفظك، احفظي الله. تجده أمامك، "التجاه" يعني "الوجاه"، هي "الوجه" أصبحت "تِيه" مثل "التراث" و"الوراث" الميراث الذي أنا أورثه هكذا، فيسمونه ماذا؟ تراثاً. تحولت الواو إلى تاء. تجده توجاهك،
يعني تجده في وجهك ومقابلك، ومنها أيضاً "التقوى" هي "وقى" "وقى" وأصبحت "تقوى"، فالعرب عندهم أن الواو والتاء يتبادلان. تجده أمامك، أتعرف؟ تعرّف إليه في الرخاء يعرفك في الشدة، عندما يفتح الله عليك بالنعم لا تنسَ، لا تدع النعم هي التي تؤدي إلى غفلتك عن ذكر الله وعن العبادة وعن الطاعة. تعرّف إليه في الرخاء واحمده، عندما يرزقك الله بشيء جديد قم وصلِّ ركعتين شكراً على هذا الشيء، عندما يحفظك الله أو عندما
تقترف معصية من تلقاء نفسك، قم وصلِّ ركعتين لكي تتبع السيئة بالحسنة التي تمحوها. عندما تكون في الرخاء لا تنسَ ربك، فتأتيك الشدة. وماذا يعني هذا؟ يعني أن الحياة هكذا، يوم لك ويوم عليك، أي أن هناك يوماً تكون فيه الأمور مُريحة وجميلة وجيدة، ويوماً آخر فيه شدة، فقم في هذه الأيام. الشدة تجعلك تشعر أن الله معك، فالذي يتعرف إلى الله في الرخاء سيعرفه الله سبحانه وتعالى ويقف معه في الشدة. احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده أمامك، وتعرّف إليه في الرخاء
يعرفك في الشدة. وإذا سألت فاسأل الله، وكن غنياً عن الناس، لا تسأل أحداً، اسأل ربك، فالله هو المُجيب. الذي خلق هذا الكون وهو الذي بيده ملكوت السماوات والأرض، لا تسأل أحداً، قل يا رب عليّ دين، قل يا رب المعيشة ضيقة، قل يا رب، اسأل الله، وإذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، إياك نعبد وإياك نستعين، جفت الأقلام ورفعت الصحف، أي لا يكون في كونه سبحانه. وتعالى إلا ما أراد وليس لنا سواه، لا نعرف ربًا إلا
الله. انتهت المسألة، فلا تجلس تفكر أن أهل الأرض سيضرونك أو ينفعونك. إن الخلق كلهم جميعًا إذا أرادوا أن ينفعوك بشيء لم يكتبه الله لك، لم ينفعوك به إلا أن يشاء الله، وإذا أرادوا أن يضروك بشيء لم يكتبه الله عليك لا يستطيعون أن يضروك بشيء، وهذا مُشاهد على جميع المستويات. أين الأباطرة وأين الجبابرة وأين...؟ لقد تغيرت البلاد بمن عليها. كل هذا لأن الإنسان
الذي يحفظ الله سبحانه وتعالى سوف يحفظه الله. فهذه وصية جامعة أرجو أن تتحقق بها لأنها صدرت من سيدنا النبي لحبر الأمة الذي... دعا له وقال: "اللهم فقِّهه في الدين وعلِّمه التأويل". وفعلاً أصبح ابن عباس فقيه الأمة وكبير العبادلة. والعبادلة يعني: عبد الله بن عمر، عبد الله بن عمرو، عبد الله بن الزبير، عبد الله بن مسعود، عبد الله بن عباس، كلهم كانوا اسمهم عبد الله، فالجمع الخاص بهم "العبادلة". فهؤلاء العبادلة سبحان الله... كان أعلاهم رتبةً في العلم سيدنا ابن عباس هو الذي أرسله علي
لمناقشة الخوارج، والخوارج يعني غير قابلين للنقاش. كانوا ستة آلاف، فرجع منهم اثنان على يد ابن عباس حبر الأمة، وبقي أربعة آلاف يفسدون في الأرض. هذه وصية جامعة نرجو الله سبحانه وتعالى أن يحققنا بها وأن نتحقق بها. لوجهه الكريم حتى ننال منه سعادة الدارين، صلى الله عليه وسلم، عليه الصلاة والسلام،
عليه الصلاة والسلام. إلى لقاء آخر، أستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.