وصايا الرسول | حـ 2 | أ.د علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. أيها الإخوة المشاهدون والأخوات المشاهدات في كل مكان، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً ومرحباً بكم في حلقة جديدة من وصايا الرسول، وصايا الرسول التي تركها لنا والتي نعدُّها برنامجاً عملياً في هذا. الشهرُ الكريمُ من أجلِ أن ننطلقَ إلى سعادةِ الدارينِ. وصايا الرسولِ التي أوصى بها أصحابَهُ وأمتَهُ من بعدِهِ. نرى حديثاً عن مالكِ بن أنسٍ رضي اللهُ تعالى عنه في
حكايةِ وصيةِ رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم. يقولُ معاذٌ: كان آخرُ ما قالَهُ لي رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم عندما وضعتُ. رجلي في الرِكاب، والرِكاب هو
ذلك المكان الذي يضع فيه الفارس رجله من أجل ركوب الخيل ووضع قدمه. إذًا، فهذا آخر العهد قبل التحرك بما أوصاه رسول الله صلى الله عليه وسلم. يقول: "أحسِنْ خُلُقَكَ للناس يا معاذ بن جبل" أخرجه مالك في موطئه، يأمره بحسن الخلق ورسول الله صلى. الله عليه وسلم كان دائماً يدعو إلى حسن الخلق حتى أنه لخص دعوته ورسالته كلها في الأخلاق فقال: "إنما بعثت"، و"إنما" هذه يسمونها في العربية للحصر، أي الشيء الوحيد الذي من أجله بعثت، "إنما بعثت لأتمم
مكارم الأخلاق". شيء كبير عظيم هو حسن الخلق، وهناك حديث يرويه المحدثون فيه لطافة. رواه الحسن عن أبي الحسن عن جد الحسن، الحسن ابن علي أخو الحسين، علي أبو الحسن، جد الحسن هو المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم. يقول فيه أحسن الحسن الخلق الحسن، فأصبح حديثاً كله حسن. الحسن يروي عن أبي الحسن، يروي ذلك عن جد الحسن صلى الله عليه وآله وسلم. أحسن الحسن الخلق الحسن، يُسمى المسلسل بالحسن. فحسن الخلق على قمة الأخلاق الكريمة في العلاقات الاجتماعية. "وقولوا
للناس حسنًا وأقيموا الصلاة"، أي أن قولنا للناس حسنًا قبل الصلاة مقدم على الصلاة. ينبغي عليك أن تكون وردة يشمها الناس من حسنها ويلتف حولها الناس، لأن أقربكم مني مجلسًا يوم القيامة أحاسنكم. أخلاق الموطَّأة أكنافهم الذين يألفون ويُؤلَفون، لا يضعون بينهم وبين الناس حُجُباً، لا يضعون بينهم وبين الناس ساتراً، بل إنهم يألفون الناس ويتبسطون إليهم، مهما كان صاحب سلطة أو صاحب مال أو صاحب جهل أو صاحب علم أو كان صاحب غنى أو كان صاحب
كذا وكذا، لا يفعل هذا بل... أنه يتبسط إلى الناس فيصل إلى قلوبهم لأنه من الموطئين أكنافاً، يعني لين هين. قال صلى الله عليه وسلم: "لينوا في أيدي إخوانكم". معاذ وهو يسافر إلى اليمن يوصيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بحسن الخلق، والسؤال: ما هو حسن الخلق الذي سوف يتخذه معاذ مع أهل اليمن؟ قال... قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بشروا دائماً بالبشرى"، كان يحب التفاؤل في كل شيء، "ولا تنفروا ويسروا ولا تعسروا". إذن حسن الخلق في
التبشير لا في التنفير، حسن الخلق في التيسير لا في التعسير، وهذا ما فقدته النابتة المتشددون في عصرنا هذا، أولاد صغار في السن وبدأوا كذلك حتى... إذا كبروا في السن على الضلالة التي كانوا عليها اتخذوا الشدة والتعسير مبدأً وطريقاً، واتخذوا التنفير والتعالي مبدأً لهم، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من كبر". وفي الحديث القدسي: "الكبرياء ردائي والعظمة إزاري، فمن نازعني واحداً منهما أخذته...". أتأمل إذا فحسن الخلق على قمة
ما هنالك من الأخلاق الكريمة التي سنرى الرسول صلى الله عليه وسلم شيئاً فشيئاً وهو يوصينا بها. حديث معاذ يُعَدُّ دستوراً للوصايا لتربية الشباب والنشء، ولتربية الجندي عندما يتعامل مع الخلق، سواء كان في الشرطة أو في الجيش. يُعَدُّ شيئاً رائعاً لمعرفة آداب الحكام. مع المحكومين يقول فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي من رواية ابن عباس عندما أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم معاذاً إلى اليمن، عن ابن عباس رضي الله عنه أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم بعث معاذاً إلى اليمن فقال: "إنك تأتي قوماً أهل كتاب فادعهم". إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم فإن هم أطاعوك لذلك فإياك وكرائم أموالهم واتق دعوة المظلوم فإنها ليس بينها وبين الله حجاب، متفق عليه. وصدق
رسول الله صلى الله عليه وسلم. بمعنى أنهم إن لم يطيعوه فاتركهم وشأنهم، ما على الرسول إلا البلاغ. جاءنا دين من عند الله يمثل الكلمة الأخيرة، فقلنا للناس إن هذا رسول الله. الناس آمنت فلا بد علينا أن نخطو الخطوة الثانية وهي أن الصلوات خمس في اليوم والليلة، وأنها على هذه الصفة: ركعتان في الفجر، وأربع في الظهر، وأربع في العصر، وثلاث في المغرب، وأربع في العشاء. وأن من شروطها الوضوء، واستقبال القبلة، ودخول الوقت، وستر العورة، وطهارة المكان، وطهارة الأبدان. نعلمهم هذا، فإن هم أطاعوك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم يعني
التدريج، يعني حتى بعد ما أطاعوك في الصلاة لا تجلس وتقول لهم كما لو كنت تسمع متنًا: عليك الصلاة وعليك الزكاة وعليك الصيام وعليك الحج. أبدًا، وإنما تقول لهم الصلاة، فإن هم أتقنوها وعاشوها وأحسوا بها فقل لهم أن هذه الصلاة هي نوع. من أنواع الخير القاصر عليك، ولكن ما رأيك أن تكون في أموالك نسبة تعطيها للفقراء فتفعل الخير، "وافعلوا الخير لعلكم تفلحون"، فتأتي بمبدأ التدريج والتدرج مع الإنسان الجديد الذي أسلم ووافق على هذا الدين الجديد. لا تأتِ وأنت تأخذ زكاة الإبل لتأخذ أحسن إبل عنده، فتقهره ويشعر بالغضب. لا أُعْلِمُهُ
أَنَّ الزكاةَ ليستْ جبايةً، الزكاةُ عبادةٌ، ولذلك خُذْ من أواسطِ مالِهِم وليس من كرائمِ أموالِهم، واتَّقِ دعوةَ المظلومِ فإنها ليس بينها وبين اللهِ حجابٌ. يا ربِّ اشرحْ صدورَنا وتقبَّلْ منَّا واجعلْنا نفهمُ وصايا نبيِّنا. إلى لقاءٍ آخرَ، أستودعكم اللهَ، والسلامُ عليكم ورحمةُ اللهِ وبركاتُه.