وصايا الرسول | حـ 24 | أ.د علي جمعة

بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. أيها الإخوة المشاهدون والأخوات المشاهدات في كل مكان، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً ومرحباً بكم في حلقة جديدة من وصايا الرسول صلى الله عليه وآله وسلم. اليوم نستمع إلى أبي سعيد الخدري. الصحابي الجليل وهو
يروي لنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "سيأتيكم أقوام يطلبون العلم، فإذا رأيتموهم فقولوا لهم: مرحباً بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم"، يوصينا بطلب العلم خاصة إلينا لأنه ترك أهله، ترك بلده، ترك وطنه، ترك ناسه
وذكرياته، وانتقل من أجل شيء واحد وهو طلب العلم. فلا بد علينا أن نعينه على طلب العلم بكل وسيلة. أول هذه الوسائل أن نلقاه بوجه طلق مبتسمين، فالتبسم في وجه أخيك صدقة. مرحباً، بوصية رسول الله. الغريب عندما يسمع... هذا مرحبًا بوصية رسول الله يطمئن الغريب، ويشعر أنه صار في وسط محبين له، وليس مستغربين حاله، ولا رافضين شأنه، ولا يريدون أن يعزلوه، وأن يبتعدوا عنه، وأن يروا صدامًا بين ثقافته وثقافتهم، وعاداته
وعاداتهم. بل على العكس، أنهم يرحبون به: مرحبًا هذا الترحيب معناه نزلت أهلًا، وحللت سهلاً، نحن أهلك، والحكاية في غضون ساعة ستكون مبسوطة عندنا. مرحباً بوصية رسول الله. ورسوله أوصاكم بي، فلن تضيعوني هنا. ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم فائدته الطمأنينة، وعلموهم، يعني أنا الذي أسعى إلى تعليمه، أنا الذي أسعى إلى تيسير ذلك التعليم بتيسير الكتب، بتيسير الأستاذ الشارح. بتيسير الجو العلمي، وتيسير
المنهج المتبع، وتيسير إقامة ذلك الطالب ومعاونته حياتياً على هذا. ومن هنا نجد الأزهر الشريف وقد قصد إليه طلاب العلم من أكثر من مائة دولة. كان الأزهر الشريف قديماً فيه أكثر من سبعين رواقاً، كل رواق يختص باستقبال الطلبة، هؤلاء من الأتراك وهؤلاء من الشوام وهؤلاء. من الجبرت وهؤلاء من المغرب وهؤلاء من السودان وهؤلاء من وهكذا مائة وثلاث جنسيات. الأزهر الشريف فيه أكثر من مائة جنسية الآن، مائة وثلاث جنسيات في أكثر من ثلاثين ألف وافد جاؤوا ليتعلموا
العقيدة الصحيحة الأشعرية، جاؤوا ليتعلموا المذاهب الأربعة، جاؤوا ليتعلموا كيف يدرك الإنسان منا عصره وأن الإسلام. ابتعدوا عني، لقد جاؤوا ليتعلموا الأخلاق القويمة التي عليها علماء ظهروا عبر القرون وعبر السنين. جاؤوا ليتعلموا كيف نقرأ التراث، وكيف أن هناك فارقاً بين النص وبين تفسير النص وبين تطبيق النص، وأن كل واحد من هذه الثلاثة يحتاج إلى أدوات قد يجهلها من ابتعد عنا، من ابتعد عنا هنا هناك نحن لا نحجر على العلم ولكن نرى الأزهر له تجربة عبر السنين كانت هي السباقة والسابقة على كثير من الناس، فلما احتك
الناس بالعصر الذي نعيش فيه من الاتصالات والمواصلات والتقنيات الحديثة أدركوا أن علماء الأزهر إنما بنوا المنهج من خلال أهل السنة والجماعة، لا يخرجون عنهم وإنما لكل عصر واجب للوقت ينبغي أن نقوم به حتى نحقق للإسلام وللمسلمين هذه الصورة التي أرادها الله وحتى لا نصد عن سبيل الله بغير علم وحتى لا نذهب إلى ما في الكتب فنأخذ منها دون وعي بتغير الزمان بتغير المكان بتغير الأشخاص بتغير الأحوال ودون وعي للمآلات وللمقاصد الشرعية وللمصالح المرعية. ولإجماع الأمة ولقوانين اللغة العربية،
إذا سرنا هكذا فإننا سنصطدم بحائط القدر، وسنكون كما وصفنا القرافي بأن من كان كذلك كان ضالاً مُضِلاً. وحاشا لعلماء الأزهر الشريف أن يضلوا هذه الضلالة التي يدعو إليها من لم يدرك العصر، والتي يدعو إليها من حصر نفسه في الكتب وأراد أن يفرضها على قد تغير وعلى علاقات قد تبدلت، نحن ننظر إلى مناهج رسول الله صلى الله عليه وسلم وندرك تفسيرها الصحيح ونعرف كيفية تطبيقها في واقع الناس، وندعو الخلق لأن يعيشوا حياتهم وعصرهم بمنهج النبوة، لا أن يسحبوا عصر النبوة وزمن النبي صلى
الله عليه وسلم لعصرنا هذا فيصطدمون بشيء لا هو مراد الله ولا هو من مراد رسوله الكريم، نعم سيأتيكم أقوام يطلبون العلم، فإذا رأيتموهم فقولوا مرحباً بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلِّموهم. ونحن نرسل رسالة إلى العالمين، نرسل رسالة إلى تلك البلاد التي تعاني من الإرهاب، ونقول لهم إن الأزهر الشريف سيعلم أبناءكم ما يدركون به. الحقيقة ويبتعدون به عن الإرهاب كثير من الناس يظن أنه يجب القضاء على الدين
حتى نقضي على الإرهاب ولن يكون وسيتحول هؤلاء المتدينون تدفعونهم دفعاً ليلقوا بأنفسهم في أوساط جحيم الإرهابيين ثم تبكون من ذلك. الطريقة الصحيحة أرسلوهم ليتعلموا في الأزهر الشريف وليس من أجل أن تفعلوا هذا الخلل الذي سوف يكون عند محاولتهم حرمانهم من الأزهر الشريف، ونقول لهؤلاء الناس الذين يظهرون في اليمين واليسار: اتقوا الله، فإنكم وإن كنتم مخلصين إلا أنكم قد افتقدتم الصواب. مولاي صلِّ وسلِّم دائماً أبداً. إلى لقاء آخر، أستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.