وصايا الرسول | حـ 3 | أ.د علي جمعة

وصايا الرسول | حـ 3 | أ.د علي جمعة - سيدنا محمد, وصايا الرسول
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. أيها الإخوة المشاهدون والأخوات المشاهدات في كل مكان، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً ومرحباً بكم في حلقة جديدة من وصايا الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، نعيش فيها هذه اللحظات مع وصية. من وصايا رسول الله لأصحابه ثم للأمة من بعدهم، نعيش نتفهم هذه الوصايا
حتى نلقى رسول الله صلى الله عليه وسلم على مراده كما تركنا من إرشاد ومن هداية ومن خير، ونبدأ في هذا الشهر الكريم بذلك منطلقين في سائر سنتنا بل وفي سائر أعمارنا. عن أبي ذر رضي الله. عنه قال إن خليلي صلى الله عليه وسلم أوصاني إذا طبخت مرقًا فأكثر ماءه، ثم انظر أهل بيت من جيرانك فأصبهم منها بمعروف. أخرجه مسلم. وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم. إن
خليلي صلى الله عليه وآله وسلم، ودائمًا كان أبو ذر يستعمل هذه الصفة في حق سيدنا صلى. الله عليه وسلم خليلي أي أن محبته قد تخللت القلب وأصبحت متخللة في كل خلايا الجسد، هذا معنى كلمة خليلي من تخلل المحبة في أبي ذر. أوصاني وهذه هي الوصية التي نسمعها ونلقي إليها الأذن صاغية: "إذا طبخت مرقًا". انظر إلى البساطة وإلى العمق، هي بسيطة، كل واحد يستطيع أن يفعل هذا إذا طبخت مرقاً. المرق هو لحم عليه ماء
يُصنع منه المرق. أحياناً يضعون عليها الملح فيصبح الملح يصنع لها مذاقاً طيباً. إذا طبخت مرقاً فأكثر ماءه، يعني بدلاً من أن تصنعه على قدر حاجتك، أكثر من المرق قليلاً، أكثر من الماء قليلاً، ستظل مرقة أيضاً، ونكهة اللحم ستنزل فيها أيضاً، فأكثر. ماءه ثم انظر أهل بيت من جيرانك فأصبهم منها بمعروف، أي هدية. بعض المرق يصير معروفاً، نعم يصير معروفاً ويصير براً ويصير صلة
بيني وبين الجار. يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه"، أكثر جبريل عليه السلام من الكلام عن الجار. حق الجار وما الذي نفعله مع الجار لرسول الله صلى الله عليه وسلم. رسول الله ظن أنها بعد هذه الحقوق كلها سيقول له واجعله من الورثة، بحيث أنه يكون كالابن وكالأب وكالزوجة وكالزوج وكالعم، الذين هم الورثة من الرجال ومن النساء، حتى ظننت أنه سيورثون. من الذي يروي هذا؟ الحديث يرويه سيدنا عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما. سيدنا
عبد الله بن عمرو هو مصري ومدفون في مسجد أبيه، ومسجد عمرو هناك قبر على يسار القبلة، هذا قبر عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما. قبر عمر لا نعرف أين هو ولم. يُذكر في التاريخ أن قبر عبد الله كان ظاهراً وكان خارجاً عن المسجد قبل التوسع، فلما تم التوسع في المسجد دخل فيه. كان عبد الله بن عمرو بن العاص عابداً، وهو الذي تحدث مع رسول الله في مسألة الصيام وقال له: "يا رسول الله، أجد في نفسي قوة، فأريد أن أصوم الدهر كله"، قال... لا يكفي يومٌ، يكفي يومان، يكفي ثلاثة في الشهر أبداً. حسناً، صوم الاثنين والخميس، حسناً، صوم كذا، حتى وصل معه في جداله إلى أن قال له: صُمْ يوماً وأفطر يوماً، ولا صام
من صام الدهر. خير الصيام صيام نبي الله داود، كان يصوم يوماً ويفطر يوماً. انظر إلى هذا. الفهم العميق لكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم وقارنه بما نحن فيه الآن من بلاء التفسير المنحرف. هناك فارق بين النص وتفسير النص وتطبيق النص، فهذا الصحابي الجليل عرف من هذا الحديث أنه يقصد عموم الجار سواء كان مسلماً أو غير مسلم، سواء كان يهودياً أو نصرانياً أو لم. يكن كذلك عموم الجار هو الذي جعله يفعل هذا ويؤمن بهذا، إذاً فهذه
وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفي الأدب المفرد للبخاري حديث يجعل الإنسان يتعجب من الجار ومن حقوق الجار، يقول فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما. أنها ذبحت له شاةً في أهله، فلما جاء قال: "أهديتم لجارنا اليهودي؟ أهديتم لجارنا اليهودي؟"
يا أمة، يعني كم واحد من الجيران سيتعلق بجاره يوم القيامة، فيكون إذا كان له عنده حق يسأل الله أن يستوفيه منه يوم القيامة لأنه قصر في الدنيا، فيقول: "يا رب، هذا أغلق بابه دوني فمنع". معروفةٌ عني يعني كأنها إثم ومصيبة يحذر منها رسول الله ويختار هذا الحديث الإمام البخاري في الأدب المفرد من أجل الدلالة على أن الجار
له حق كبير وأن الجار من وصايا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن الجار إذا لم نؤدِ حقه سنحاسب يوم القيامة وأن والله لا يؤمن مَن باتَ شبعانَ وجارُه جوعانُ وهو يعلم، ما علاقةُ إحساني بالجار أو حُسنِ الخُلُقِ مع الجار أو أنني أُراعي شؤونَ الجارِ بالإيمان؟ هكذا المنظومة الأخلاقية في الإسلام، ربط الأخلاق بالعقيدة. ليس منا من غشَّنا، فليس منا، أو يقول: فقد برئتْ منه ذمة محمد، أو برئتْ منه الذمة، أو يقول مثل... هذا والله
لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، ويكررها ويعيدها ويربط دائماً الأخلاق بالعقيدة وبالإيمان. هذا هو الذي علمنا إياه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. كان من جار متعلق بجاره يوم القيامة يقول: يا رب، هذا أغلق بابه دوني ومنع عني معروفه. صدق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى