وصايا الرسول | حـ16 | أ.د. علي جمعة

بسمِ الله الرحمن الرحيم، الحمدُ لله والصلاةُ والسلامُ على سيدنا رسولِ الله وآلهِ وصحبهِ ومن والاه. أيها الإخوةُ المشاهدون والأخواتُ المشاهداتُ في كلِ مكانٍ، السلامُ عليكم ورحمةُ الله وبركاتُه، وأهلاً ومرحباً بكم مع وصايا رسولِ الله
صلى اللهُ عليه وآلهِ وسلم. نعيشُ اليومَ مع صحابيٍ جديدٍ هو حرملةُ العنبري. لعل ابن عمر رضي الله عنه كلها لم يكن هذا الحديث بالنسبة إليه
كلامًا مرصوصًا أو كلامًا فقد معناه، بل عاشه في حياته، في أسرته، في مجتمعه، في عمله. عاش هذا "أوصني" قال: "اتق الله، وإذا كنت في مجلس فقمت منه فسمعتهم يقولون ما يعجبك فاثبت، وإذا سمعتهم يقولون ما تكره فاتركه". أخرجه أحمد في مسنده. هذا يذكرنا بقول "المجالس بالأمانات". يجب علينا أن نتعامل باحترام وأن ما يحدث في المجالس
الخاصة ليس محله أن يذاع ولا أن تفشى أسراره تحت أي مبرر أو أي سبب. كثير جداً من الناس في عصرنا الحاضر يعتبر أن إفشاء الأسرار من المهمات، وكثير منهم يعتقد. أن إفشاء الأسرار شفافية يدعو الناس إليها، وكثير منهم يعتبر أن إفشاء الأسرار يعني إثارة، وهذه الإثارة يعيش فيها حتى لو لم تؤدِ إلى الإنارة. الغرض هو أن
يكون كلامي منيراً للناس، هادياً للناس، مطمئناً للناس، أما أن أثير الناس ليشاكس بعضهم بعضاً، وأسعى بالغيبة والنميمة والبهتان بينهم، وأفرض رأيي. على خُلق الله فرضاً، فهذا ما ينهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم. وينبغي حفظ المجالس وحفظ الأمانات فيها وحفظ الكلام فيها، ويُعدّ ذلك من طرق تقوى الله. فإذا أتيت مجلساً وجلست فيه وسمعت كلاماً أعجبك، فتردد
مرةً والثانية على هذا المجلس الذي يتوافق معك ولا تذهب. لتفضح أهله وتبين اختلافك معهم فيشيع بينكم البغضاء، وإذا أتيت المجلس وقمت فأيدت واسترجعت الكلام فكرهته فاتركه ولا تأتِه مرة أخرى. عندما جاء عمر كان بعض الناس قد بدأ يخالف هذه النصيحة النبوية والوصية المحمدية، وبدأ يشيع الفتن بين الجماعات ويحزب جماعة ضد جماعة
ضد جماعة، فقال كلمته: "ألزموا مجالسكم وأفيضوا بينكم مجالسكم". إياك من نظام الشلالية بلغة عصرنا هذا، إياك وأن تأخذ بعض الناس على جانب من مجموع الناس. فلتجلسوا في مجالسكم، وأفيضوا فيما بينكم في مجالسكم، كلكم تعودون مع بعضكم، لا تمتنع ولا تقل هذا المجلس يخص من حتى أذهب أو لا أذهب وأمتنع، لا أذهب. فإذا رأيت ما تحب فأته وتحدث بما تحب. لأنه مما تحب فتدافع عنه، هذا
رأيك، وإذا رأيت ما تكره فاتركه ولا تتحدث عنه ولا تتكلم به حتى لا تحدث الضغينة بين الناس. أفيضوا بينكم مجالسكم، وهو التطبيق العملي لعمر بن الخطاب لهذا الحديث النبوي الشريف عن حرمة، رضي الله تعالى عنه وأرضاه، أخرجه الطبري في أبو جعفر الطبري. في التاريخ وهو يحكي كيف كانوا يعيشون بدقائق الأمور، وهنا نرى وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم دائماً تتردد: "اتقِ الله، اتقِ الله"، عندما تُقال لك فابتداءً
ترد وتقول: "اللهم اجعلنا من المتقين"، حتى لو أن مَن أمامك كان يقصد شيئاً آخر. يمكن أن تُقال هذه الآن في عصرنا. من خارجي يريدك أن تنحرف عن منهاج النبوة فيقول لك اتق الله يا أخي، ولكن الأدب مع هذه الكلمة العالية التي أوصى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما هو "اللهم اجعلنا من المتقين"، ثم نرى حقيقة الأمر الذي يأمر به هذا المتكلم تقي الله فتقول مباشرة "اللهم اجعلني". من المتقين تقوى الله هي الحذر والخوف لأنها
من الوقاية، وهذا الذي ذكره عمر عندما سأل أُبَيّ بن كعب، وكان عمر يحب أُبَيّاً وهو الذي عينه قارئاً للمسجد النبوي الشريف ليقوم بالناس في التراويح في رمضان، فقال: "يا أُبَيّ، ما التقوى؟" يعني يريد برنامجاً عملياً للتقوى، سيدنا عمر وهو من أكابر الصديقين قال: سرتُ في يومٍ في وادٍ فيه شوك. قال: نعم. قال: ماذا فعلت؟ قال: شمَّرتُ ثيابي حتى لا يعلق الشوك بها، وحذرتُ ما أرى من شوك حتى لا أُشتاك. قال: هذه
هي التقوى. كان هناك شاعر في العصر العباسي بلغته هذه القصة فأنشأ شعراً يقول فيه وهو يفسر. التقوى هي اجتناب الذنوب كبيرها وصغيرها، ذلك هو التقوى، واصنع كما يمشي المرء فوق أرض الشوك حذراً مما يرى. لا تستصغرن ذنباً صغيراً، فإن الجبال تتكون من الحصى الصغيرة. مولاي
صلِّ وسلم دائماً أبداً على حبيبك خير الخلق كله. فانسب إلى ذاته ما شئت من شرف، وانسب إلى قدره ما شئت من عِظَم. هو الحبيب الذي... تُرجى شفاعته لكل هول من الأهوال مُقتحِم. مولاي صلِّ وسلم دائماً أبداً على حبيبك خير الخلق كلهم. رسول الله، إلى
لقاء آخر. أستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.